مع اقتراب العام الدراسي الجديد، يتردد أهالي طلبة المدارس ورياض الأطفال في العالم في تسجيل أبنائهم وحجز مقاعد لهم بالمدارس الخاصة، إذ يتخوف البعض من حدوث موجة جديدة لتفشي فيروس كورونا واحتمالية العودة إلى التعليم الإلكتروني عن بعد، لكنهم يتخوفون في الوقت نفسه من فقدان مقاعدهم بمدارسهم المفضلة والخشية من الآثار السلبية لاحتمال نقلهم لمدارس أخرى أيضًا.
في الوضع الراهن يصف هؤلاء الأهالي الوضع بسبب الجائحة بـ”غير المستقر” وتحصيل الرسوم سيكون أمرًا مستبعدًا تمامًا مثلما حدث في الفصل الثاني من العام الدراسي السابق، فيما تتوالى نداءات الأهالي في حال تجدد الوباء بضرورة تحصيل رسوم عن مدة التعليم عن بعد وعدم الرضوخ لقرارات المدارس الخاصة وإبرام عقود جديدة مختلفة عن الأعوام السابقة لا تحمل شروطًا تكون لصالح المدارس على حساب الأهالي.
يرى البعض أن الحل الأمثل لأبنائهم لهذا العام هو التسجيل في المدارس الحكومية الذي يعتبر مجانيًا وأوفر للأسر خاصة بعد أن تراجع الوضع الاقتصادي والتفكير بالحجر المنزلي في حال تجدد الأزمة مرة أخرى خلال العام إلى حين ظهور لقاح آمن ومعتمد ضد الوباء لضمان عدم خسارتهم للرسوم المدرسية.
قرارات غير منصفة للتعليم الخاص
أية أم لثلاثة أطفال تعيش في إحدى دول الخليج العربي، هي واحدة من أولياء الأمور الذين ترددوا كثيرًا، فقد كانت تنوي إلحاق أطفالها بمدارس خاصة، لكنها حسمت أمرها في حال استمرار أزمة كورونا لفترة أطول، قد تصل إلى تعطيل بداية العام الدراسي الجديد، واصفةً أن ما صدر من قرارات من مدرسة أطفالها في الفصل الدراسي الثاني لم يكن عادلًا لهم خاصة أنها لم ترجع أقساطهم واستعاضوا بالتعليم عن بعد الذي لم يتجاوز من ساعة إلى ثلاث ساعات فقط في اليوم.
العديد من أهالي الطلبة ممن يعانون من ظروف اقتصادية صعبة فرضتها عليهم أزمة كورونا، أجبروا على التسجيل الحكومي
تقول أية في هذا السياق: “كان الخيار الأفضل لنا هو نقل أولادي من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية لضبابية هذا العام، فالأهالي في الحي الذي أسكنه بادروا إلى نقل وتسجيل أبنائهم في المدارس الحكومية لضمان عدم خسارة الأقساط الدراسية”.
وأشارت أية إلى أن العديد من أهالي الطلبة ممن يعانون من ظروف اقتصادية صعبة فرضتها عليهم أزمة كورونا، أجبروا على التسجيل الحكومي خاصة أن أولياء الأمور مهددون بخفض رواتبهم وعدم تمكنهم من تسديد القسط للعام المقبل في المدارس الخاصة، إذ يتخوف البعض من احتجاز شهادات الطلبة إلى حين تسديد جميع الأقساط المالية.
وأكدت أية ضرورة قيام وزارة التربية والتعليم بعمل عقد بين الأهالي والمدارس الخاصة في حال تجدد الفيروس واللجوء إلى التعليم عن بعد والتزام جميع المدارس به يتضمن إجراء خصومات على القسط المدرسي للعام الدراسي المقبل في حال وجود التعليم عن بعد، وفي حال كان الدوام طبيعيًا للطلبة يلتزم أولياء الأمور بدفع كامل الأقساط، فمن غير المعقول أن تتساوى رسوم الدراسة بالدوام الفعلي عن الدراسة عن بعد.
ضمان التسجيل الحكومي للطلبة
ما زال القلق يخيم على أولياء طلبة المدارس الخاصة، فاضطرت آمنة وهي أم لطفلين تعيش في تركيا، إلى سحب أوراق طفليها وتقديمها في مدارس حكومية، مؤكدةً أنها تفضل التعليم الحكومي في الوقت الحاليّ لعدم وجود أي قرارات أو رؤية واضحة بالمدارس الخاصة التي قالوا إنها ما زلت تقدم المقاعد الدراسية كاملة الرسوم مثل الأعوام السابقة.
وأوضحت آمنة أن التعليم عن بعد الذي تم تطبيقه في أثناء فترة الجائحة لم يكن مجديًا لطفليها، مطالبة مدرستهما السابقة بتخفيض الرسوم في حال تطبيق التعليم عن بعد لأنه يقلل الخدمات التي تقدمها المدرسة للطلبة، ويدفع أولياء الأمور رسومًا مقابلها والتي تكون هي نفسها بالمجاني في القطاع الحكومي، واصفة هذا التصرف تحت بند “الاستغلال” أو “التجارة” وتحقيق الأرباح لأصحاب المدارس الخاصة.
تبلغ نسبة المشاركة في المدارس الابتدائية في البلاد حاليًا 98%
أعربت آمنة عن عدم وجود تواصل أو فهم لأبنائها في أثناء الشرح والتعليم الإلكتروني كون هذه التجربة الأولى لهم، بل وأصبح التعليم المدرسي من داخل البيت متعبًا من الأم لابنها، لكنها استفادت من بعض الأخطاء التي وقعت بها، وتفضل بكل الأحوال التعليم عن بعد من خلال المدارس الحكومية، خوفًا على طفليها من الإصابة بفيروس “كورونا”، خصوصًا أنه لم يظهر لقاح معتمد للفيروس، مطالبة جميع المدارس الخاصة بتخفيض الرسوم وتخفيف العبء المادي، في حال تطبيق التعليم الإلكتروني، لأنه يقلل الخدمات التي تقدمها المدرسة للطلبة، ويدفع الأهالي رسومًا غير منطقية مقابلها.
خلال السنوات الأخيرة ارتفع عدد الجاليات العربية في تركيا إلى قرابة 5 ملايين عربي، كما تزايدت أعداد الطلبة العرب الراغبين باستكمال دراستهم في المدارس التركية، حيث يقول كثير من أهالي الطلاب إنهم يلجأون للمدارس الحكومية التي يصفونها بالجيدة جدًا وبرسوم شبه مجانية، رغبة منهم أيضًا في دمج أبنائهم بالمجتمع.
وشهدت نسبة العرب بين سكان تركيا ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات الثمانية الماضية لا سيما على خلفية اندلاع الأزمة السورية في 2011، حيث انتقل إلى الأراضي التركية منذ ذلك الحين قرابة ثلاثة ملايين ونصف لاجئ سوري ومئات الآلاف من العراق ومصر وبلدان عربية أخرى مختلفة.
ووفقًا لدستور الجمهورية التركية، فإن لكل مواطن الحق في التعليم، والتعليم إلزامي من سن 6 إلى 14 سنة وهو مجاني في مدارس الدولة، وتبلغ نسبة المشاركة في المدارس الابتدائية في البلاد حاليًا 98%، تبدأ السنة الأكاديمية في مؤسسات التعليم التركية بشكل عام في منتصف سبتمبر أو أوائل أكتوبر وتستمر حتى مايو أو أوائل يونيو، وهناك أيضًا عطلة شتوية لمدة أسبوعين في فبراير، تدير وزارة التربية الوطنية (MEB) الإدارة التعليمية للبلاد، والحكومة المركزية هي المسؤولة عن كل نفقات التعليم ويتم تخصيص 10% من الميزانية العامة للتعليم الوطني.
في غضون ذلك جاء قرار فجائي من وزارة التربية والتعليم التركية قبل أيام، حيث أعلن وزير التربية التركي أن المدارس في بلاده ستفتح عبر “التعليم عن بعد” في 31 من أغسطس/آب الحاليّ، وأوضح الوزير أن التعليم “سيبدأ في المدارس لصفوف محددة وبشكل تدريجي ومخفف اعتبارًا من 21 سبتمبر/أيلول”.
قرارات عربية تعليمة مطروحة وأخرى معلقة
على صعد الدول العربية، تبحث الوزارات قرارات واردة بقوة لمراعاة ظروف التعلم عن بعد والأعباء التي تحملتها الأسر في العام الماضي عبر متابعة أبنائها في أثناء الحصص الإلكترونية، فأزمة كورونا فرضت على جميع الدول إعادة النظر بشأن التعليم الخاص والرسوم المتحصلة من أولياء أمور الطلبة بعد احتجاجهم على رفع نسبة الخصومات في العام الدراسي القادم.
في مصر تعد لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب، لفتح ملف مصروفات المدارس الخاصة في ضوء ما أحدثته أزمة فيروس كورونا من مستجدات على العملية التعليمية ومطالبات بعض أولياء الأمور بخفض المصروفات نظرًا لعدم الحضور الكامل بالعام الدراسي، وحسب تصريحات وزير التربية والتعليم طارق شوقي، فإن الوزارة لن تتدخل في ذلك إلا إذا كان هناك رفع في أسعار المصاريف عن الزيادة التي أقرتها الوزارة، قائلًا “البعض اختار أن يدخل أبناءه مدارس دولية وخاصة ذات مصاريف كبيرة، والآن يشكون من مطالبة تلك المدارس بأموالها وزيادة في المصروفات.. متحملوناش أزمة اختياركم للمدارس الغالية”.
حتى هذه اللحظة لا توجد أي رؤى واضحة إذا كان التعليم الرسمي سيستمر في الشهور الأولى أو لا في حال تجدد وباء كورونا
أما فيما يخص رفع الأقساط في الأردن للمدارس الخاصة أكد وزير التربية والتعليم تيسير النعيمي على عدم الموافقة لزيادة أي رسوم لأي مدرسة خاصة، وأشار إلى أن دور الوزارة تنظيمي لقطاع المدارس الخاصة، والحكومة قدمت تسهيلات مالية لها لدفع رواتب الشهور الماضية وبلغت نسبة الاستفادة من هذه التسهيلات 22 مليونًا ومئة ألف وبنسبة فائدة تتحملها الحكومة، مبينًا أن الوزارة اشترطت على هذه المدارس إجراء خصم للطلبة.
وفي الكويت حسم وزير التربية وزير التعليم العالي سعود الحربي موضوع الرسوم الدراسية لما تبقى من العام الدراسي الماضي، وأقساط العام الدراسي المقبل في المدارس غير الحكومية، فقرر إعفاء طلبة المدارس العربية والنموذجية من مرحلة رياض الأطفال حتى الصف الحادي عشر من الرسوم الدراسية عن فترة تعطيل الدراسة من الفصل الدراسي الثاني لعام 2020-2019، وتخفيض الرسوم الدراسية للمدارس الخاصة للعام الدراسي المقبل 2021-2020 بنسبة 25%.
من جانبها أكدت وزارة التربية والتعليم بالإمارات انطلاق العام الدراسي الجديد 2020-2021، في 23 أغسطس المقبل الذي ينتظم الطلبة في الدوام المدرسي في 30 من الشهر ذاته، وحتى الآن لم تعلن وزارة التربية والتعليم السيناريو الخاص بالدوام المدرسي، والطريقة المتبعة في عملية تلقي التعليم سواء وفق منظومة التعلم عن بعد أم التعليم المدرسي المتعارف عليه أم المزج بين الاثنين.
أما بخصوص خفض الرسوم منحت بعض المدارس الخاصة بالإمارات طلابها خصومات استثنائية على إجمالي الرسوم الدراسية للعام الدراسي المقبل تتراوح من 11 إلى 13% تشجيعًا لهم على استمرار الدارسة فيها، ومراعاة للأوضاع العامة والظروف الطارئة المتعلقة بتداعيات “كورونا” على الأسر.
وبشكل عام، حتى هذه اللحظة لا توجد أي رؤى واضحة إذا كان التعليم الرسمي سيستمر في الشهور الأولى أو لا في حال تجدد وباء كورونا، وما إذا كان هناك حلول جذرية أو اتفاقيات بين المدارس الخاصة وأولياء الأمور لإرجاع الأقساط التي تتم فيها عمليه التعليم الإلكتروني أو تخفيضها، وهل ستحول الأسر العربية مسار تعليم أبنائهم إلى القطاع الحكومي لعدم مراعاة المؤسسات التعليمة للظروف الاقتصادية في ظل مخلفات الجائحة، وكيف سيتخطى التعليم الإلكتروني مشكلاته التي ظهرت في أثناء الحجر المنزلي، وهو ما تؤكده الأمهات بأنهن الآن أمام تحدٍ جديد في الموازنة بين مهماتهن كربات البيوت أو موظفات يواظبن على عملهن وبين مهماتهن لتعليم أبنائهن داخل البيت، وهي مسؤولية ثقيلة تقع على كاهلهن وترتيب الأولويات بكل الأحوال من أجل الالتزام بالوقت وإنجاز المواد الدراسية أولًا بأول.