وقعت شركتا أبيكس الوطنية للاستثمار الإماراتية ومجموعة تيرا الإسرائيلية، اتفاقًا “تجاريًا إستراتيجيًا” في مجال تطوير الأبحاث المتعلقة بفيروس كورونا المستجد، أمس السبت، بعد ساعات قليلة من اتفاق السلام المعلن بين أبو ظبي وتل أبيب المتوقع إبرامه خلال الأيام القادمة.
ويشكل هذا الاتفاق التجاري الموقع بين الشركتين “باكورة الأعمال لفتح التجارة والاقتصاد والشراكة الفعالة بين قطاعات الأعمال الإماراتية والإسرائيلية لما فيه المنفعة والخير وخدمة الإنسانية عبر تعزيز الأبحاث والدراسات الخاصة بفيروس كورونا” حسبما نقلت وكالة “أنباء الإمارات” عن رئيس مجلس إدارة أبيكس، خليفة يوسف خوري.
ومن المتوقع أن تنهال ثروات الإمارات والعرب بوجه عام نحو “إسرائيل” خلال الفترة المقبلة، استجابة لاتفاق السلام الذي يصفه أنصار التطبيع بـ”التاريخي” فيما ينعته الرافضون بـ”الخيانة والتخلي عن القضية الفلسطينية لصالح أهواء محمد بن زايد وأجنداته التوسعية في المنطقة”.
وفي الوقت الذي كان يتوقع فيه أن تكون أبو ظبي الرابح الأكبر من هذا الاتفاق الذي تعترف فيه رسميًا بدولة الاحتلال، يبدو أن الأمور تسير بشكل مختلف، إذ تذهب المؤشرات إلى أن حكومة بنيامين نتنياهو ربما تكون الأكثر ربحًا، وهو ما تلوح إرهاصاته في الأفق.
تأتي هذه الخطوة في وقت يعاني فيه الاقتصاد الإسرائيلي – ومثله الإماراتي – من أزمة كبيرة جراء تداعيات وباء كورونا، الأمر الذي وضع رئيس الحكومة الإسرائيلية في موقف حرج خاصة في ظل ما يعانيه من انتقادات داخلية تهدد مستقبله السياسي.
وبعيدًا عن الأبعاد السياسية لهذا الاتفاق المزعوم فإنه قد يحمل قارب الإنقاذ للحكومة الإسرائيلية الساعية إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية الداخلية في محاولة لاستعادة جزء من شعبيتها المتراجعة خلال الآونة الأخيرة.. فهل تنقذ أموال الإماراتيين مستقبل نتنياهو الذي كاد أن يلفظ أنفاسه الأخيرة قبيل توقيع هذا الاتفاق؟
” أبيكس الوطنية للاستثمار” الإماراتية تعلن عن تعاونها لتطوير الأبحاث و الدراسات الخاصة بفيروس #كورونا مع مجموعة تيرا الإسرائيلية#وام
للتفاصيل: https://t.co/SmjkBsLarJ pic.twitter.com/ibSvigyvoZ
— وكالة أنباء الإمارات (@wamnews) August 15, 2020
الاقتصاد الإسرائيلي في مأزق
في الوقت الذي يتفاقم فيه الخلاف بين طرفي الائتلاف الحاكم في “إسرائيل” بما يهدد بالتوجه مبكرًا للمرة الرابعة إلى انتخابات عامة في البلاد، تأتي الأزمة الاقتصادية لتزيد الوضع تعقيدًا وتضع مستقبل الجميع على المحك، الأمر الذي يبرر هرولة حكومة الليكود لإبرام الاتفاق مع الإمارات في هذا الوقت تحديدًا، بل وتسارع الخطى لتفعيله على أرض الواقع.
ويعاني اقتصاد دولة الاحتلال من أزمات مؤلمة، إذ تشير الإحصاءات إلى انكماشه بنسبة 7.1% على أساس سنوي في الربع الأول من العام، وهذا يعد أول انكماش ربع سنوي للناتج المحلي الإجمالي منذ 2012، فيما تراجعت الصادرات بنسبة 5.9% في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار الماضيين.
بنك إسرائيل المركزي كان قد توقع أداءً ضعيفًا في النصف الأول من 2020 بسبب فيروس كورونا، حيث بلغ معدل النمو في الربع الأخير من العام الماضي 4.6% على أساس سنوي دون تعديل، ونما اقتصاد “إسرائيل” بنسبة 3.5% في 2019 بأكمله، أما الإنفاق الخاص فقد هبط بنسبة 20.3% واستثمارات الأصول الثابتة 17.3%، كما هبطت الواردات بنسبة 27.5% وتراجع الإنفاق الحكومي بنسبة 10.3%.
يمكن القول إن هذا الاتفاق اقتصادي في المقام الأول ويهدف “لإنقاذ الاقتصاد الاسرائيلي من الانهيار وبأموال عربية”
تفاقمت الأزمة بعدما قفز العجز المالي إلى 7.2% بقيمة 20.55 مليار دولار (3 أضعاف ما كان عليه في نفس الفترة من 2019)، حيث بلغ العجز آنذاك 7 مليارات دولار، كما انخفض إجمالي عائدات خزانة الدولة بمقدار 9.4 مليار دولار، وفق ما كشفه المحاسب العام في وزارة المالية الإسرائيلية.
وقد انعكس هذا التراجع على الحالة المعيشية للمواطنين، الأمر الذي زاد من حالة الاحتقان السياسي ضد رئيس الحكومة الذي يسابق الزمن لتخفيف حدة الانتقادات الموجهة ضده بسبب اتهامات الفساد التي يواجهها التي أسفرت عن مئات التظاهرات المنددة بسياساته طيلة الأشهر الماضية وتملأ ساحات وميادين تل أبيب كل أسبوع.
اسرائيل مظاهرات ضد نتنياهو pic.twitter.com/SCWFopunWp
— ???? ???????? (@Aidaotaabi) July 23, 2020
المال الإماراتي.. قشة الإنقاذ
بداية لا بد من الإشارة إلى أن الاتفاق المبرم بين الإمارات ودولة الاحتلال يختلف شكلًا ومضمونًا عن اتفاقيات السلام الأخرى بين تل أبيب والقاهرة وعمان، فالأخيرتان لديهما مسارات حدودية مع الكيان الإسرائيلي، وعليه فإن الأطراف الثلاث الموقعة على الاتفاقيات هدفت إلى تأمين حدودها عبر تطبيع في الغالب سياسي أمني.
ومن ثم يلاحظ أنه رغم مرور عشرات السنين على تلك الاتفاقيات تبقى بنودها محصورة في منطقة ضيقة للغاية، إيمانًا من شعبي البلدين، مصر والأردن، أن هذه الخطوة إنما فرضتها الظروف الأمنية والسياسية، فكان التعامل معها بما أشبه “السلام البارد.
أما في الحالة الإماراتية فالأمر يختلف تمامًا، إذ تبعد أكثر من 3 آلاف كيلومتر عن الحدود الفلسطينية، وليس هناك أي مخاوف عسكرية أو أمنية على الإماراتيين، وعليه جاءت الاتفاقية لتعزف منفردة على وتر الاقتصاد في معظم خيوطها، وهو ما سيتم ترجمته خلال المرحلة المقبلة بعد توقيعها بشكل رسمي.
ووفق ما تم تسريبه من بعض الصحف العبرية فإن اتفاقية أبراهام تتضمن عددًا من البنود أهمها “استثمارات إماراتية سوف تتدفق على إسرائيل” و”تسهيل دخول المسلمين إلى المسجد الأقصى والسماح بالطيران المباشر بين الإمارات وإسرائيل”، وفق ما نقل موقع “عربي 21“.
وفي أول قراءة واقعية لهذين البندين يمكن القول إن هذا “يعني بأنَّ ثروات العرب سوف تتدفق نحو إسرائيل لأن أبوظبي تمتلك واحدًا من أكبر صناديق الاستثمار السيادية في العالم وهذه سوف تُحدث تأثيرًا مهمًا لدى الإسرائيليين، أما البند المتعلق بفتح الطيران فسوف يعزز تدفق السياحة بما يدعم الاقتصاد الإسرائيلي”، بحسب ما نقله الموقع عن خبير اقتصادي خليجي.
يسيل لعاب الإسرائيليين على ما هو أكبر من ذلك، حيث صندوق أبو ظبي السيادي، الذي يحتل المركز الثالث على مستوى العالم من حيث حجمه، بإجمالي قيمة أصول تبلغ 579 مليار دولار أمريكي
وعن تداعيات الاتفاقية على مستقبل حكومة نتنياهو يرى الخبير الاقتصادي أنه في ظل الظرفية الصعبة التي جاءت فيها هذه الخطوة حيث يعاني الاقتصاد العالمي عامة والإسرائيلي على وجه الخصوص من ركود غير مسبوق، يمكن القول إن هذا الاتفاق اقتصادي في المقام الأول ويهدف “لإنقاذ الاقتصاد الإسرائيلي من الانهيار وبأموال عربية” على حد قوله.
الأيام القليلة القادمة من المرجح أن تشهد تنسيقًا كبيرًا في مجالات التعاون الاقتصادي بين البلدين وفق ما ذهب الإعلام العبري، أبرزها بدء رحلات الطيران بين تل أبيب وأبو ظبي، والاستثمار المباشر للإمارات داخل “إسرائيل”، ما يفتح الباب على مصراعيه أمام تدفق ثروات الخليج وأموال العرب على الاقتصاد الإسرائيلي لإنقاذه قدر الإمكان.
وقد أشارت وزارة الخارجية الإماراتية إلى أن وفدين من البلدين سيلتقيا خلال الأسابيع المقبلة لتوقيع اتفاقيات ثنائية في مجالات من بينها الطاقة والسياحة والرحلات المباشرة والاستثمار والأمن والاتصالات والتكنولوجيا، وهي التصريحات التي قوبلت بترحاب شديد لدى الشارع الإسرائيلي المنتشي فرحًا بهذه الخطوة.
دعوات عدة أطلقها مسؤولون إماراتيون لتشجيع رجال الأعمال على الاستثمار في “إسرائيل” بدلًا من بعض الدول العربية والشرق أوسطية، عززتها التوترات السياسية التي تشهدها العلاقات الإماراتية مع تلك الدول، ورغم المزاج الشعبي غير المكتمل حيال هذا التوجه، فإنه لا يمكن تغافله في ظل ظاهرة الاستقطاب السياسي والمكايدة التي يتبعها محمد بن زايد حيال كل ما يعترض مخططه التوسعي في المنطقة.
لم تقتصر موجات الحث على ضح أموال الإماراتيين في السوق الإسرائيلي على رجال الأعمال والقطاع الخاص فقط، بل يسيل لعاب الإسرائيليين على ما هو أكبر من ذلك، حيث صندوق أبو ظبي السيادي، الذي يحتل المركز الثالث على مستوى العالم من حيث حجمه، بإجمالي قيمة أصول تبلغ 579 مليار دولار أمريكي، هذا بخلاف صندوق الاستثمار التابع لحكومة دبي الذي تبلغ قيمة أصوله 305 مليارات دولار.
وهكذا من الواضح أن أكثر الرابحين من اتفاق السلام المزمع بين أبو ظبي وتل أبيب هو نتنياهو نفسه، الذي ربما ينقذ مستقبله السياسي بتلك الخطوة، الأمر ذاته مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يسابق الخطى للفوز بولاية ثانية، فيما يبقى الإماراتيون الخاسر الأكبر من هذا التحرك الذي أسقط الشعارات التي طالما رفعها ابن زايد بشأن القضية الفلسطينية والقومية العربية.