ترجمة وتحرير: نون بوست
لأكثر من سبعة عقود، كانت كشمير النقطة الرئيسية في الصراع بين باكستان والهند. تعيش المنطقة منذ آب/ أغسطس 2019 على وقع أزمة بعد أن ألغى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي التصنيف الخاص للمنطقة الذي كان يعترف بوضعها الاستثنائي كمنطقة ذات أغلبية مسلمة، وبذلك وضعت نيودلهي المنطقة تحت سيطرة القوات العسكرية واعتقلت قادة محليين كشميريين وأغلقت كل خطوط الاتصال بين المنطقة والعالم الخارجي تقريبا.
تفيد تقارير بتعرض المدنيين لسوء المعاملة إلى جانب نقص في الأغذية والأدوية. وفي خضم الانتقادات العالمية، لم يكن أي صوت أعلى من صوت باكستان، حيث أثار رئيس الوزراء عمران خان مخاوف بشأن عمليات التطهير العرقي. وبما أن الإدارة في نيودلهي قائمة على تفوق الهندوس، فإن مخاوفه لها ما يبررها.
لكن لا يمكن إنكار حقيقة أن باكستان متورطة في ما يجري في كشمير في الوقت الحالي. وبينما يتصرف خان بحسن نية، فإن دولة الاستخبارات العسكرية – القوة الحقيقية في باكستان – ينبغي أن تجيب على العديد من الأسئلة ومن بينها كيف تمكنت من المناورة بشكل كامل في كشمير، لا سيما أنها تبرر ميزانياتها المتضخمة من خلال تأكيد الحاجة إلى إبقاء الطموحات الهندية في كشمير تحت السيطرة.
من بين أعظم نجاحات السياسة الخارجية الباكستانية تعاونها مع الولايات المتحدة والمجاهدين في الحرب السوفيتية الأفغانية (1979-1989). في ذلك الوقت، أثبتت باكستان أنها طرف لا غنى عنه بالنسبة لاستراتيجية الحرب الباردة الكبرى للولايات المتحدة، لكنها حققت أيضًا أهدافها الاستراتيجية الخاصة بالتخلص من الحصار الذي تفرضه عليها كل من أفغانستان والهند المتحالفتين مع الاتحاد السوفيتي.
بمجرد الانتصار الشامل في تلك الحرب، اكتسبت باكستان الكثير من القدرات العسكرية والاستخباراتية الاحتياطية، إلى جانب تكوين علاقات مفيدة محتملة مع الجماعات المسلحة والقادة الذين بات بوسعهم الآن إعادة توجيه تركيزهم نحو خصمهم التقليدي، الهند.
لم تحظ باكستان بأي فرصة لخوض نزاع عسكري مباشر مع الهند، وقد كانت الحرب الشاملة بين هاتين القوتين النوويتين تعتبر احتمالًا مرعبًا للجميع. لكن باكستان تعتقد أنها تستطيع الآن الاستفادة من نفس التكتيكات التي نجحت مع أفغانستان ضد الاتحاد السوفيتي المتفوق عسكريًا، لفرض ضغوط على الهند.
طريقة إدارة الهند لنصف كشمير لم تخدم مصالحها
نظريًا، بدا الأمر بالنسبة للقيادات العسكرية والاستخباراتية وكأنه استخدام عقلاني تمامًا للموارد المتاحة، خاصة أن مسرح الصراع الرئيسي مع الهند، ألا وهو كشمير، يشترك أوجه تشابه مذهلة مع أفغانستان: منطقة جبلية نائية ذات أغلبية مسلمة حيث من السهل مكافحة التمرد ضد قوة أجنبية أكبر، مع استخدام القليل من الموارد.
لكن الهند لا تشبه الاتحاد السوفياتي، وكشمير ليست غريبة عنها سواء لغويا أو ثقافيا. وعلى عكس الاتحاد السوفياتي، لا يرتبط انهيارها الاقتصادي والسياسي بالحفاظ على وجودها في المنطقة. كما أن تصرفات باكستان في كشمير لم تنل دعم الولايات المتحدة والعالم الحر.
في أفغانستان، كانت باكستان عنصرًا لازمًا في حرب التغطية التي رعتها القوة العظمى الأولى في العالم. وفي كشمير، تشن باكستان حربها الخاصة بمفردها. ومن خلال رعاية الجماعات المسلحة المتطرفة مثل “لشكر طيبة” و”جيش محمد”، حشدت باكستان حركات كشميرية حقيقية لتقرير المصير. لكن باكستان لم تبذل جهدا لكسب المشاعر الإسلامية المحلية، ذلك أن الإسلام السائد في كشمير قائم إلى حد كبير على التصوف ويعارض أيديولوجيًا الأصولية الرجعية التي تحرك غالبية الجماعات الإرهابية الجهادية التي كانت باكستان ترعاها.
من المؤكد أن طريقة إدارة الهند لنصف كشمير لم تخدم مصالحها، حيث أدت المحاولات الخادعة لترسيخ حكومات عميلة في عاصمة الولاية والتلاعب المستمر بالانتخابات إلى خلق عداء حقيقي تجاه نيودلهي بين صفوف السكان المحليين لكشمير. وفي نهاية المطاف، أعطت هذه السياسة للمقاتلين الموالين لباكستان فرصة في سنة 1989 لخلق عهد من الإرهاب الذي طرد جميع الهندوس تقريبًا، مما أجبر الهند على عسكرة المنطقة بأكملها.
بعد ذلك تغيرت الحقائق الجيوسياسية الأوسع ليُسحب البساط من تحت المؤسسة العسكرية الباكستانية وذلك عندما بدأ صديقهم القديم وحليفهم من حملة أفغانستان، أسامة بن لادن، في شن حملة عالمية من الإرهاب ضد الأصول الأمريكية، بلغت ذروتها في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر 2001 على الولايات المتحدة. في هذه المرحلة، واجهت المؤسسة العسكرية الباكستانية خيارًا: إما الحفاظ على ولائها للولايات المتحدة التي ضمنت استقلال باكستان طوال الحرب الباردة، أو الإبقاء على التحالفات مع المسلحين الإسلاميين التي كانت أساسية لتعميق استراتيجيتها في مواجهة الهند؟
رفضت الحكومات المتعاقبة في إسلام أباد، خاصة مجمع الاستخبارات العسكرية المستقل، اتخاذ هذا الخيار. رسميا، كانوا يرغبون في الاحتفاظ بتحالفهم الثمين مع الولايات المتحدة، لكنهم لم يكونوا في نفس الوقت على استعداد للتنازل عن الموارد التي قدمها المسلحون والتي يمكن استخدامها ضد الهند، لا سيما في كشمير. بدلاً من اتخاذ هذا الخيار الحتمي، حاولوا اللعب على كلا الجانبين وهمشوا أي إدارة مدنية تتحدث عن الحوار أو التقارب مع الهند. لكن كانت هذه الاستراتيجية خاطئة، وكانت مباشرة لصالح المتشددين الهنود.
فقدت باكستان قدرا كبيرا من السيطرة على الوكلاء السابقين في المنطقة في كشمير، لعب هذا الأمر لصالح مودي مباشرة
لكن الغريب في حسابات هؤلاء القادة العسكريين ظنهم أنهم يستطيعون خداع الولايات المتحدة والحفاظ على علاقتهم مع واشنطن والإسلاميين في الوقت نفسه. لدى الولايات المتحدة أفضل جهاز استخبارات في العالم، ولديها القدرة على التصرف بشكل شبه منفرد حتى في باكستان نفسها، وقد تم توضيح ذلك عندما وجدت الولايات المتحدة أخيرًا أسامة بن لادن مختبئا بالقرب من المقر العسكري الباكستاني في أبوت آباد، وقد نفذت عملية قتله دون استشارة إسلام أباد.
انتهت المسرحية بعد تلك الغارة، وفقدت باكستان كل مصداقيتها أمام الولايات المتحدة، وخسرت العلاقات الأمنية الوثيقة التي كانت تتمتع بها طوال الحرب الباردة. لم يعد لدى المسلحين سبب كاف للاعتقاد أن باكستان يمكن أن تأويهم عندما يحين الوقت. بعد اللعب على الجانبين، فقدت باكستان ثقة الطرفين والقدرة على التأثير أيضًا.
واصلت الولايات المتحدة حملاتها البرية وإطلاق الطائرات المسيرة ضد الجماعات المتطرفة في جميع أنحاء باكستان وأفغانستان على النحو الذي تراه مناسبًا. وبدأ الإسلاميون في تنفيذ هجمات إرهابية في جميع أنحاء العالم وفقًا لحساباتهم الخاصة أيضا، دون تلقي تعليمات من المخابرات الباكستانية. نعم، كانوا يساعدون في بعض الأحيان في تنفيذ المخططات الجيوسياسية الباكستانية، لكنهم كانوا على نفس القدر من الاستعداد عندما يتعلق الأمر بتنفيذ هجمات داخل باكستان، دون الاكتراث لمصالح الدولة الباكستانية.
في المقابل، فقدت باكستان قدرا كبيرا من السيطرة على الوكلاء السابقين في المنطقة. في كشمير، لعب هذا الأمر لصالح مودي مباشرة. فبما أنه لم يعد من الممكن الاعتماد على إسلام أباد لإبقاء الإسلاميين في كشمير تحت السيطرة، كان لدى مودي ذريعة كافية للتخلي عن كل القيود في منطقة كشمير بينما رفض أي حوار لا طائل منه مع الحكومة المدنية الباكستانية.
في الأثناء، تحركت إدارة ترامب لصنع السلام مع طالبان في كابول. وإذا نجح هذا الأمر، فسيؤدي ذلك مرة أخرى إلى إطلاق موارد من أفغانستان للشبكات الإسلامية الإقليمية. ويكاد يكون من المؤكد أن ما يسمى بـ “تحرير كشمير” سيكون محور الاهتمام التالي لهذه الشبكات. وقد يزعم قادة الجيش الهندي أن مودي كان ذكيًا عندما تحرك في كشمير قبل أن تحدث أي محاولات لإعادة توزيع الموارد.
لا شيء مما ذكر سابقا يدافع عن الطريقة التي شنت بها نيودلهي حملتها القمعية في كشمير. بعد مرور عام، ازدادت الكارثة الإنسانية في كشمير سوءًا. ولا ينبغي أن ننسى دور كشمير في الحرب المستمرة التي تشنها نيودلهي ضد مواطنيها المسلمين. وقيادة رئيس وزراء هندي متطرف هندوسي احتلالا عسكريا في الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند يعد مدعاة للقلق الشديد.
لكن إذا نظرنا إلى تاريخ العلاقات بين الهند وباكستان، فإن النهج التاريخي الذي تتبناه باكستان في التعامل مع كشمير مسؤول عن تمكين وتسهيل هذه الأزمة مثل أولئك الهنود الذين يصوتون لمودي في الانتخابات العامة في الهند. لم يستخدم مجمع الاستخبارات العسكرية الباكستاني كشمير إلا كذريعة لزيادة قوته ومهاجمة الهند بشكل مستمر. وتداعيات تلك الحماقة تنعكس في معاناة المدنيين، وخاصة المسلمين منهم، المحاصرين على الجانب الهندي من الحدود.
المصدر: فورين بوليسي