وقع المرشحان اللذان خاضا الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية الأفغانية، أشرف غني وعبد الله عبد الله، الأحد اتفاقًا لتشكيل حكومة وحدة وطنية في حفل جرى أمام الصحافة في كابول.
وبحسب الاتفاقية، فإن المرشح الفائز في الانتخابات سيتولى رئاسة أفغانستان، بينما يتولى الفائز الثاني المنصب التنفيذي الذي يكون بمثابة رئيس الوزراء، ويتعين على الرئيس الأفغاني الجديد فور تسليم السلطة إجراء تعديل في الدستور الأفغاني لإيجاد المنصب التنفيذي الذي سيتولاه منافسه، وتحويل حزمة من صلاحيات الرئيس الأفغاني إليه، وسيدعو الرئيس الأفغاني الجديد إلى انعقاد المجلس القبلي المعروف بـ “لويا جركا” للمصادقة على التعديل الدستوري.
كما تنص الاتفاقية على تقاسم المناصب السيادية في الحكومة بين المرشحين على حد سواء، وإيجاد منصب رئيس المعارضة في البرلمان الأفغاني الذي سيتولاه أحد القياديين في معسكر الفائز الثاني من بين المرشحين للرئاسة.
وفي إطار هذا الاتفاق الذي اطلعت عليه صحيفة نيويورك تايمز، وأكده دبلوماسيون غربيون، من المتوقع أن يؤدي غني اليمين الدستورية كرئيس للبلاد في الأيام القليلة القادمة، في حين سيتولى عبد الله منصب رئيس الحكومة الأفغانية بالصلاحيات الموسعة الجديدة على الرغم من أن موعد سريان هذه الخطوات ما زال غير واضح تمامًا.
وبعد خمسة أشهر من التأجيل، أعلن “نور أحمد نور” المتحدث باسم لجنة الانتخابات أمس السبت أن اللجنة “ستعلن عن النتائج النهاية لعملية مراجعة 8.1 مليون صوت تحت إشراف الأمم المتحدة اليوم الأحد”.
وكانت النتائج الأولية للانتخابات قد أعلنت أن غني هو الفائز بفارق مليون صوت، لكن عبد الله رفض النتيجة واتهم اللجنة والحكومة ومنافسه بالتزوير.
ونقطة الخلاف الأخيرة كانت كيفية إعلان النتيجة النهائية للانتخابات، وقال مساعدون ومسئولون إن عبد الله أصر على ألا تُعلن النسبة الرسمية للتصويت أو أن يُجري تعديلها لمنحه المزيد من الأصوات، فيما يُعتقد أن النتيجة توضح تراجع عبد الله وراء غني، ولم يتضح كيف جرى حل هذا الخلاف في نهاية الأمر لكن كل الأطراف التي شاركت في المحادثات في وقت متأخر من مساء أمس السبت قالت إنه جرى التوصل لاتفاق.
ويحظى عبدالله بتأييد الطاجيك، العرقية الثانية في أفغانستان، بينما يحظى أشرف غني زاي بتأييد البشتون، وهي العرقية الأكبر في المناطق الجنوبية والشرقية وتمتد حتى باكستان والهند.
والتقى وفدا غني وعبد الله في وقت متأخر من مساء أمس السبت مع ممثلين من الأمم المتحدة في محاولة للانتهاء من اتفاق لاقتسام السلطة قبل إعلان نتيجة مراجعة الأصوات في الانتخابات، وقال “فيض الله زكي” المتحدث باسم غني: “اتفق الجانبان بنسبة مائة في المائة على كل شيء، جرى التوقيع بالأحرف الأولى على كل شيء وليست هناك نقاط اختلاف”، مع العلم أن نقطة الخلاف الرئيسية كانت حول حجم الصلاحيات التي سيتمتّع بها رئيس الوزراء.
وقال “مجيب الرحمن رحيمي” المتحدث باسم عبد الله عبد الله، إن “المرشحين توصلا إلى الاتفاق السياسي، يجتمع مجلس القيادة لدينا هذا الصباح للمصادقة على الاتفاق وبعدها سنخرج بمزيد من التفاصيل”، وأكدت “أزيتا رأفت” مستشارة أشرف غني، الذي من المتوقع أن يفوز في التصويت، أنه جرى التوصل إلى الاتفاق، وأضاف رحيمي أنه من المتوقع أن يوقع المنافسان على الاتفاق في وقت لاحق من اليوم خلال مراسم رسمية.
ويتزامن حفل التوقيع في قصر الرئاسة في كابول، الذي ما زال يشغله الرئيس المنتهية ولايته “حامد كرزاي” على الرغم من عملية انتخابية بدأت في أبريل، مع الإعلان المزمع للنتائج النهائية.
ويأتي هذا الإعلان بعد فرز دقيق راقبته الأمم المتحدة لكل الأصوات وعددها ثمانية ملايين صوت في جولة إعادة جرت في يونيو وشكك فيها كل من المرشحين الرئيسيين “أشرف غني” المسئول السابق في البنك الدولي و”عبد الله عبد الله” وزير الخارجية الأفغاني السابق.
ونظر داعمو أفغانستان الأجانب للانتخابات على أنها أول انتقال ديموقراطي للسلطة في البلاد، ولكن النزاع بين المرشّحَيْن ألقى بظلاله على انتقال سلس للسلطة من كرازي الذي حكم أفغانستان منذ الإطاحة بحكم حركة “طالبان” في العام 2001 .
وشجع الغموض حركة “طالبان” على شن المزيد من الهجمات في أنحاء أفغانستان في الوقت الذي تستعد فيه قوات الأمن الأفغانية التي جرى تدريبها حديثًا لقتال المتشددين بمفردها بعد انسحاب القوات الأجنبية.
يُذكر أن النتائج الأولية التي ظهرت في يوليو كشفت تقدم غني بنسبة 56 في المائة في جولة الإعادة التي جرت في 14 يونيو؛ ما أدى إلى اندلاع احتجاجات في الشوارع نظمها أنصار عبد الله الذي تحدث عن تزوير كبير، قائلاً إنه الفائز الحقيقي.
وجاءت مراجعة الأصوات كجزء من اتفاق توسط فيه في يوليو وزير الخارجية الأميركي “جون كيري” في محاولة لتفادي غرق البلاد في أعمال عنف.
وفي مكالمة هاتفية الأربعاء الماضي بين كيري وعبد الله، قال كيري إنه كان قد قرر أن يتنازل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي خاضها أمام جورج بوش الابن عام 2004، عندما شكك ملايين الأمريكيين في نتائج ولاية أوهايو التي حسمت السباق لصالح بوش، وقال كيري في مكالمته الهاتفية “لقد كان أمرًا صعبًا، وكان الجميع مستاءون مني، لكن هذا كان الخيار الصحيح لصالح بلادي”.
الأمريكيون يقولون إن الاتفاق انتصار للدبلوماسية الأمريكية، فمنذ انتخابات الإعادة، إذ حادث الرئيس باراك أوباما كلا المرشحين ثلاث مرات، والتقى جيمس كونينجهام، السفير الأمريكي في كابول، ودبلوماسيون آخرون، أشرف غني 39 مرة، وعبد الله عبد الله 42 مرة، وحامد كرزاي 15 مرة في محاولة الوصول للاتفاق.
و”أشرف غني أحمدزي” مولود في العام 1949 في ولاية لوغر، وهو ينتمي إلى قبيلة البشتون السنية ذات التأثير الكبير في أفغانستان، كما أن أمه شيعية، وكان أكمل التعليم الابتدائي والثانوي في مدرسة ثانوية في كابول.
سافر غني زاي إلى لبنان والتحق بالجامعة الأميركية في بيروت، وحصل على شهادة البكالوريوس في عام 1973، وهناك التقى بزوجته المستقبلية رولا سعادة، وهي تنتمي الى عائلة مسيحية، ولم يجبرها على التحول للإسلام، وانجب منها ابنة اسمها مريم، وابنًا هو طارق.
عاد إلى أفغانستان في عام 1977 لتعليم الدراسات الأفغانية وعلم الإنسان في جامعة كابول قبل أن يحصل على منحة الحكومة في عام 1977 للدراسة والحصول على درجة الماجستير في علم الإنسان في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة.
وكان أشرف غني في الولايات المتحدة، عندما جاء الحزب الشيوعي إلى السلطة في عام 1978 وسجن معظم الذكور من عائلته، والذين تقطعت بهم السبل، وهناك درس في جامعة كولومبيا وحصل على درجة الدكتوراة في الأنثروبولوجيا الثقافية.
بعد ذلك، دعي غني للتدريس في جامعة كاليفورنيا، بيركلي في عام 1983، ثم في جامعة جونز هوبكنز 1983-1991، وخلال هذه الفترة أصبح معلقًا على خدمات بي بي سي الفارسية والباشتو التي تبث في أفغانستان.
وفي انتخابات عام 2014، كان واحدًا من 11 مرشحًا للرئاسة، كما ترشح كنائب له عبد الرشيد دوستم، وزير الدفاع الأسبق.
كما يشار إلى أن أشرف غني هو عضو في لجنة التمكين القانوني للفقراء، وهي مبادرة مستقلة استضافها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وفي عام 2010 وضعته مجلة السياسة الخارجية في قائمتها السنوية لأهم 100 مفكر عالمي.
ومن جانبه، أعلن قائد قوات حلف الناتو الجنرال الأمريكي “فيليب بريدلوف” أن الحلف يأمل في توقيع اتفاقات أمنية ترعى الوجود العسكري الدولي في أفغانستان بعد عام 2014.
المصدر: نيويورك تايمز + إيلاف + وكالات