شكل ملف سقوط مدينة الموصل (مركز محافظة نينوى) العراقية في يونيو/حزيران 2014 فرصة مواتية لحزب العمال الكردستاني من أجل توسيع نفوذه في مناطق لم يكن له أي وجود فيها من قبل.
كان يوم الـ5 من يونيو/حزيران 2014 مفصليًا في تاريخ العراق الحديث، إذ استطاعت مجموعات من مقاتلي داعش إحكام سيطرتها على ثاني أكبر المدن العراقية خلال أقل من 5 أيام، وسط ذهول شعبي ودولي من انهيار قطعات الجيش والشرطة العراقية وعدم تمكنها من الدفاع عن المدينة.
بعد قرابة الشهرين من اكتساح مقاتلي داعش الموصل، استطاع التنظيم في أغسطس/آب 2014 الزحف نحو أقصى الحدود الشمالية الغربية لمحافظة نينوى، إذ دخل التنظيم مدينة سنجار (التي تقطنها الأقلية الأيزيدية) وارتكب مجازر بحق أهلها، إلا أنه وبعد قرابة الأربعة أشهر من سيطرة التنظيم على سنجار، استطاعت قوات البيشمركة الكردية مدعومة بالتحالف الدولي استعادة مركز القضاء.
حزب العمال في سنجار
كان دخول حزب العمال إلى سنجار فرصةً استغلها الحزب، يقول الكاتب الصحفي رائد الحامد في مقال نشر بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “في عام 2014 سيطر تنظيم الدولة على مدينة سنجار التي كانت تحت سيطرة قوات البيشمركة قبل انسحابها في 3 أغسطس/آب 2014، ومع اقتراب تنظيم الدولة من مدينة سنجار، انسحبت قوات البيشمركة من المدينة وتركت سكانها عرضة للكثير من الانتهاكات الجسيمة على يد تنظيم الدولة، كما وثّقتها منظماتٌ دولية”.
ويضيف الحامد في مقاله “انسحاب قوات البيشمركة من سنجار ترك آثارًا واضحةً على ثقة الأيزيديين بقدرة قوات البيشمركة الكردية على حمايتهم من بطش التنظيم، إذ استغل حزب العمال الكردستاني الفراغ الأمني ليعمد إلى تشكيل قوة من متطوعي الأيزيدية – قوة حماية شنكال – كما استثمر الحزب واقع الانقسامات الداخلية في المجتمع الأيزيدي والفجوة بين قطاع واسع من الأيزيديين وكل من القسم العربي من العراق وإقليم كردستان”، مشيرًا إلى أن حزب العمال الكردستاني الذي يقع مقره في جبال قنديل، وجد فرصة للسيطرة على سنجار، واستغل عدم رضا الأيزيديين عن قوات البيشمركة.
دخول مقاتلي الـPKK كان من الأراضي السورية المحاذية لسنجار، فالحزب كان قد انتشر قبل نحو عام من ذلك التاريخ في مناطق شمال شرق سوريا واندمج مع المقاتلين الأكراد السوريين
من جهته، يقول الخبير الأمني حسن العبيدي في حديثه لـ”نون بوست”: “حزب العمال الكردستاني لم يكن له أي وجود في قضاء سنجار قبل 2014، إلا أنه مع احتلال داعش للقضاء واتخاذ مئات الأيزيديين منطقة جبل سنجار حصنًا لهم وموقعًا دفاعيًا ضد التنظيم، كل ذلك شجّع مقاتلي حزب العمال الكردستاني على الدخول إلى المنطقة من أجل دفاعهم عن الأكراد الأيزديين ضد مقاتلي داعش”.
ويكشف العبيدي أن دخول مقاتلي الـ “PKK” كان من الأراضي السورية المحاذية لسنجار، فقد انتشر الحزب قبل نحو عام من ذلك التاريخ في مناطق شمال شرق سوريا واندمج مع المقاتلين الأكراد السوريين فيما بات يعرف بوحدات حماية الشعب الكردي.
“PKK” مصدر توتر أمني
لا يكاد يمر شهر دون إثارة ملف حزب العمال الكردستاني في سنجار وانتشاره فيها وعرقلة عودة النازحين أو استغلال مواردها، إذ يكشف قائمقام سنجار السابق محما خليل في حديثه لـ”نون بوست” أن سنجار باتت خارج سيطرة الحكومة العراقية، بسبب وجود مقاتلي العمال الكردستاني وسيطرتهم على مناطق واسعة، فبحسب الإحصاءات تبلغ أعداد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في مناطق سنجار وغرب نينوى نحو 6 آلاف مقاتل من الأكراد والأيزيديين.
وعن مناطق انتشار الكردستاني في سنجار، أوضح خليل أن مقاتلي الحزب ينتشرون في مناطق واسعة غربي مدينة الموصل وهي مدينة سنجار وناحيتي سنوني والقحاطنية والطريق الرابط مع سوريا، لافتًا إلى أن مقاتلي الحزب يهربون البضائع والسلع الممنوعة من وإلى سوريا، مؤكدًا أنهم باتوا يتحكمون بالأوضاع السياسية والاقتصادية في تلك المناطق ولهم اليد الطولى في تنصيب مديري الدوائر، فضلًا عن منعهم عودة النازحين إلى ديارهم في مركز القضاء والنواحي والقرى التابعة له.
أما الصحفي رياض الحمداني فيؤكد أن حزب العمال الكرستاني أسس عام 2014 قوة مسلحة من الأيزيديين وأطلق عليهم “اليبشة” وباتت هي القوة الحاكمة في المنطقة، إذ إنهم عينوا إدارة محلية خاصة بهم بعد الاتفاق مع الحشد الشعبي.
المطالبات التركية لحكومة بغداد بإخراج مقاتلي الحزب من سنجار تقف حيالها الكثير من العراقيل الأمنية والسياسية والاقتصادية معًا
كما يضيف الحمداني أنه منذ عام 2015 بات لحزب العمال مقرات وقواعد عسكرية خاصة في عمق جبل سنجار، مؤكدًا أن قوات اليبشة لا يتجاوز عددها 1500 أيزيدي، أما بقية المقاتلين الذين يقدر عددهم بالآلاف فهم من جنسيات أخرى تركية وسورية وإيرانية، ويمتكلون سيارات دفع رباعي حديثة يقدر عددها بنحو 700 سيارة مجهزة بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة.
رفض رسمي لوجودهم
في غير ذي مرة طالبت الحكومة العراقية مقاتلي حزب العمال الكردستاني بالانسحاب من سنجار، كما هدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشن حملة عسكرية لطرد مقاتلي الحزب من المدينة.
عضو البرلمان العراقي المنحدر من سنجار ماجد شنكالي رفض من جانبه استمرار وجود الحزب في مدينته، مؤكدًا أن وجودهم غير منطقي ولا يمكن تبريره، مشيرًا إلى أن العمال الكردستاني حزب تركي، وإذا كان يعمل للحصول على حقوق الشعب الكردي، فعليه أن يعمل على ذلك داخل الأراضي التركية.
يستمر حزب العمال الكردستاني في وجوده بسنجار، واستثماره للمدينة في تهريب السلاح والممنوعات منها وإليها
شنكالي أوضح أن استمرار وجود الـ “PKK” في سنجار وغيرها من المناطق أعطى ذريعة للقوات التركية لتنفيذ كثير من الهجمات الجوية والمدفعية التي ذهب على إثرها الكثير من الضحايا المدنيين سواء في سنجار أم مناطق أخرى في إقليم كردستان، بحسب تعبيره.
يقول الباحث في الشأن السياسي رياض العلي في حديثه لـ”نون بوست”: “الحكومة العراقية ومن خلال منابرها الإعلامية والبيانات الصادرة عنها ترفض وجود حزب العمال الكردستاني، إلا أنه ومن الناحية الموضوعية لا يزال مقاتلو الحزب موجودين في سنجار ومحيطها ولا يكترثون لجميع الدعوات التي تنادي بخروجهم”.
العلي أكد أن المطالبات التركية لحكومة بغداد بإخراج مقاتلي الحزب من سنجار تقف حيالها الكثير من العراقيل الأمنية والسياسية والاقتصادية معًا، فالحكومة العراقية وبسبب كم المشكلات التي تعاني منها فيما يتعلق بالتوترات السياسية والتظاهرات، تجعلها بعيدة عن إيجاد حل لهذه المعضلة، فضلًا عن أن أي عملية عسكرية في سنجار تتطلب قوات عسكرية كبيرة ومدربة على الحرب في تضاريس وعرة كتلك التي تتميز بها سنجار.
يستمر حزب العمال الكردستاني في وجوده بسنجار، واستغلاله للمدينة في تهريب السلاح والممنوعات منها وإليها عبر الحدود التي تربطها بسوريا التي يسيطر فيها الحزب أيضًا على مقاليد السيطرة في تلك المناطق وعبر حدود برية طويلة.