هل ركبت لعبة الأفعوانية داخل الملاهي من قبل؟ لو لم تفعل، فدعني أشرح لك.
في مدينة الملاهي، سيأخذك قطار الموت أو الأفعوانية، في البداية على مهلٍ، وستشعر بالإثارة بينما تزداد سرعة القطار، ستضحك مع بعضٍ من التوتر، لكنك ستخبر نفسك أنها ستكون رحلة ممتعة، ثم تأتي المنحنيات الخطرة، لتدرك حينها أن هذه اللعبة ليست بالبساطة التي كنت تظنها. رأسك سيدور عدة مرات، وسيكون آخر شيءٍ تراه هو ذلك النفق المُظلم الذي ينتظرك، الذي لم تلحظ وجوده قبل أن تبدأ اللعبة.
حينما تدخل النفق وجسدك معلقًا في الهواء، ستزداد المنحنيات خطورةً وسيظل رأسك يدور بلا توقف حتى تفقد الإحساس بالمكان والزمان ويختلط كل شيءٍ عليك وتشعر أنك ضعت بداخل كل هذا الظلام.
حينها فقط تدرك أن اللعبة الحقيقية تدور بداخل هذا النفق، وما خارجه، ليس إلا لعبة بسيطة كألعاب الأطفال الآمنة.
أما عني، فنعم، لقد ركبت أفعوانية “Dark” المُظلمة، وأكاد أقسم أنني شاهدت بطرف عيني رجلًا وامرأةً يقفان بالقرب من جهاز التحكم في اللعبة، وهما يبتسمان لي ابتسامة تشفٍ شريرة.
هذا هو شعوري بالضبط بعد مشاهدة الموسم الثالث والأخير من مسلسل Dark أو ظلام، ولا أظن أنني وحدي من شعر بهذا، لذلك قررت أن أكتب عن المسلسل، الذي أصبح الآن، واحدًا من أعلى المسلسلات مشاهدةً على شبكة نتفليكس، لأخبر الجميع، أننا كنا معًا، في قطار الموت هذا.
عن مسلسل “Dark”
تميز مسلسل “Dark” من قبل أن يرى النور حتى، لكونه الإنتاج الأصلي الألماني الأول على شبكة نتفليكس، ورغم كون ذلك مُخاطرة، فإن إنتاج نتفليكس كان مُتحمسًا لخوض هذه التجربة، خاصةً بعد قراءة نص المسلسل لكاتبيه Baran bo Odar وJantje Friese، وتم الترحيب وقتها، باختيار من يشاء المخرج من الممثلين لتجسيد جميع الشخصيات، وذلك حسب قول إدارة نتفليكس، بأنهم لا يعرفون الممثلين الألمان على أي حال.
بدأ عرض الموسم الأول نهاية عام 2017، ولاقى نجاحًا كبيرًا حينذاك، وتم تشبيهه بمسلسل الخيال العلمي ذي الشعبية وقتها “Stranger Things”.
ثم عُرض الموسم الثاني منه في يونيو 2019، وحينها أدرك المشاهدون أن المسلسل أعقد وأعمق مما كانوا يظنون، وانتظروا بفارغ الصبر صدور الجزء الأخير منه، الذي بدأ عرضه يوم 27 من يونيو الماضي، الذي في المسلسل من المفترض – على سبيل المُفارقة – أن يكون هو يوم نهاية العالم أو الأبوكاليبس.
قصة مسلسل “Dark”
هناك مقولة لطيفة تقول إن المسلسل تعود مرجعيته إلى الكثير جدًا من الأشياء، بدءًا من فيلم “The Matrix” وحتى الكتاب المقدس ذاته.
“نظن أننا أحرارٌ، ولكننا لسنا كذلك، نتبع الطريق القديم نفسه، مرارًا وتكرارًا، لسنا أحرارًا فيما نفعل، لأننا لسنا أحرارًا فيما نريد”.
تدور أحداث المسلسل في عصرنا الحاليّ، ببلدة خيالية اسمها فيندن بألمانيا، يُصاب أهلها بالذعر حينما يختفي طفلان منها بالقرب من محطة الطاقة النووية بالبلدة، حينها سرعان ما يتذكر أهل البلدة، أن حوادث الخطف هذه، التي تتزامن مع موت الطيور والحيوانات دون سببٍ منطقي، قد حدثت قديمًا بنفس الترتيب، وبالتحديد منذ 33 عامًا مضت.
بداية المسلسل درامية أكثر، حيث نتعرف من خلالها على أربع عائلات، التي تُخبئ كل منها أسرارها الخاصة، وذلك قبل أن يزيد عنصر الخيال تدريجيًا، وتتضاءل بالمقابل نسبة الدراما العائلية فيه.
في المسلسل، تتداخل الفلسفة مع الخيال العلمي كتيمة أساسية، إضافةً إلى القليل من الرعب والكثير جدًا من الغموض والتشويق، مع لمسة دينية أيضًا لا يُمكن إغفالها.
أجزاء المسلسل الثلاث
قيل عن المسلسل أن بإمكانه سحر المُشاهد، كأنه يضعه في حالة من التنويم المغناطيسي، فلا يُمكنه الفكاك حينها من تأثيره عليه، لذا، لا شك أننا أمام واحد من أكثر المسلسلات غموضًا وتعقيدًا وإثارةً للجدل أيضًا، في السنوات الأخيرة.
إذا كنت قد شاهدت الجزء الأول منه، وتحسب أنه معقد، فستدرك حجم سذاجتك عندما تُشاهد موسمه الثاني، الذي سيكون ببساطة قصة أطفال، إذا قارنته بموسمه الثالث والأخير، الذي سيكون استيعابه بمثابة تحديًا حقيقيًا بالنسبة لك.
في الجزء الأول، نتعرف على أبطال المسلسل الذين هم شبكة معقدة من الشخصيات، التي نعرف تاريخها منذ الصغر، بل وتاريخ آبائها وأجدادها أيضًا، ونتنقل فيها بالزمن بين عام 2019 وثمانينيات القرن الماضي.
سيكون الأمر أسهل نسبيًا بالنسبة لك، إذا رسمت شجرة لكل عائلة، توضح فيها الشخصيات وعلاقتهم ببعضهم البعض.
في الجزء الثاني، ما زالت لدينا العلاقات المتشابكة للشخصيات، وسنبدأ في التعمق أكثر في فكرة السفر عبر الزمن، التي تتزامن مع فكرة نهاية العالم التي ستقع في يونيو من عام 2020، ولهذا سيتم استخدام السفر عبر الزمن لإنقاذ البشرية.
كما ستكون هناك تطورات في الأحداث، وسنشهد وجود شخصيات غامضة جديدة، مع زيادة الجزء العلمي، لكن بصورة يُمكن مُجاراتها نسبيًا.
في الجزء الثالث والأخير، لدينا علاقات مُعقدة، تشابكت أكثر فأكثر، خاصة مع ظهور أكثر من نسخة للشخص الواحد عبر الأزمنة المختلفة، ما زال لدينا بالطبع السفر عبر الزمن ونهاية وشيكة أخرى للعالم وعوالم موازية جديدة وأحداث تقع عبر ثلاثة قرونٍ من الزمن، بدأت في عام 1880 وانتهت عام 2050.
في هذا الموسم، ستحاول بكل جهدك أن تفهم في البداية، لكن سيفلت زمام الأمر منك في الحلقات الوسطى، إلى أن تصل لظلامٍ شبه تام قُرب النهاية، فتأتي الحلقة السابعة لتُنير الكثير من هذا الظلام، ثم ينتهي كل شيءٍ في هدوءٍ غير متوقع، بنهاية الحلقة الثامنة والأخيرة من المسلسل.
فلسفة حتمية القدر في مسلسل “Dark”
“لا وجود للصدفة..
كل مسار، تم تحديده مسبقًا..
كل شيء، يحدث حينما ينبغي أن يحدث..
في الوقت المناسب..
في المكان المناسب..”
تعالت نبرة الجانب الفلسفي والروحي في المسلسل، على الأخص في موسمه الأخير، التي لم تختلف كثيرًا عن الفكرة الرائجة لنظرية حتمية القدر، التي شاهدناها كثيرًا في أفلام ومسلسلات السفر عبر الزمن، التي تقول بأنه مهما حاولنا أن نُغير من مصائرنا وأقدارنا، فكل ما نفعله في الحقيقية، ليس إلا تكرار لنفس الأسباب، التي أدت لنفس النتائج، وصنعت في النهاية، ما نحن عليه الآن.
“لو كنا نعلم كيف ستنتهي الأشياء..
وإلى أين ستأخذنا رحلتنا..
أكنا سنتخذ نفس قراراتنا؟
أم كنا سنتخذ طرقًا مُختلفة؟
أيُمكن حتى أن نهرب من قدرنا؟
أم ما يوجد في أعماقنا
سيقودنا إلى نفس النهاية
مثل يدٍ خفية؟؟”
إذن ببساطة، لا مهرب من القدر، وإن كانت نهاية المسلسل لا تتفق كثيرًا مع تلك الحقيقة.
قد يكون الأقرب لمسلسل “Dark” في الجانب العلمي والفلسفي هذا، الفيلم الأمريكي “Predestination” الصادر عام 2014، من بطولة النجم إيثان هوك، وهو الفيلم الذى حوى الكثير من الجنون، ومع ذلك يبدو أكثر قابلية للفهم من المسلسل.
نصائح أخيرة قبل مشاهدة مسلسل Dark
إذا كنت من المحظوظين الذين لم يروا المسلسل كاملًا بعد، فإليك هذه النصائح والمعلومات البسيطة التي من المهم أن تعرفها قبل المشاهدة:
- لا يُمكن أن تُشاهد المسلسل إلا وأنت منتبه بالكامل، ومن الصعب جدًا أن تفهمه كاملًا بعد أول مشاهدة، فعلى الأغلب ستحتاج لمشاهدته مرة أخرى.
- تزداد مُتعة المسلسل حينما تُشاهده مع آخرين، فيُمكنكم حينها تلقي المفاجآت والصدمات بصورة جماعية، فيصبح وقعها أبسط، وبالطبع، تزداد الفرصة، لمحاولة فهم ما يحدث، حينما يُفكر أكثر من شخص معًا.
- أقول لمن لم يُشاهد المسلسل بعد: استعد للدخول في تجربة فريدة من نوعها، سيتم اختبار ذكائك وذاكرتك فيها معًا، وأنصحك ألا تُخطئ مثلما أخطأت وأهملت نصيحة صديقتي، بوجوب وجود دفتر وقلم بجانبي، خاصةً في الموسم الأول منه.
- أما لمن شاهد الموسم الأول والثاني فقط، ووجد في فهمهما صعوبة، ويستعد الآن لمشاهدة الموسم الأخير، فأقول له جملة واحدة: ابتسم، فالأسوأ لم يأتِ بعد.
- ستمر حتمًا بتلك اللحظة، التي تشعر فيها بأن كل شيء صار ضبابيًا، وأن الأمور اختلطت ببعضها في رأسك، فلم تعد تذكر ما كنت تعرفه من قبل. لا تقلق، أنت على الطريق الصحيح، وكلنا مررنا بذلك الشعور بالفعل.
- بالنسبة لمن شاهد المسلسل كاملًا، وشعر بأنه خاض لتوه تجربة الدنو من الجنون، مثلما حدث معي، فأقول له: ترفق بنفسك وبعقلك، وتذكر مقولة المسلسل المهمة، التي أعتقد أنها كُتبت خصيصًا من أجل الجمهور: “كل ما نعرفه هو قطرة، وما لا نعرفه هو المحيط”.
- ربما يُريحك أيضًا، أن تعرف أن هناك الملايين الذين يشعرون بنفس شعورك، وحمدًا لله أن نتفليكس صنعت لنا موقعًا إلكترونيًا خاصًا بالمسلسل، تشرح فيه كل شيءٍ عن المسلسل، الشخصيات والأزمنة وجميع الرموز التي لها مدلولًا مُهمًا، طبعًا سيحتاج الأمر منك إلى ساعات من المراجعة، لكنك في النهاية سترتاح راحة الفاهم المُدرك، إلى حدٍ ما.