تتوالى ردود الفعل المنددة باتفاق العار الذي وقعته إمارات أبناء زايد مع “إسرائيل” في الثالث عشر من الشهر الجاري، هذا الاتفاق الذي ألقى بظلاله القاتمة على المشهد العربي برمته، فأحدث بها العديد من الشروخات الغائرة في جسد الأمة الممزق بطعنات الغدر والخيانة.
وإن كان ساسة العرب ميكافيلليون التوجه وفق أجندات ومصالح سياسية دون أي اعتبارات أخلاقية أو تاريخية ملجمة، فإن الشعوب وعلى رأسها المثقفين هم ضمير الأمة اليقظ، ومرآتها الصادقة، وعنوانها وقت الأزمات حين يتخلى الجميع عن مناطات مسؤولياتهم.
موجات متتابعة من المقاطعة الثقافية للإمارات قادها كتًاب وفنانون وباحثون من مختلف الدول العربية، تسجيلًا منهم لموقف وطني رافض للتطبيع دون حصول الفلسطينيين على كامل حقوقهم المشروعة، وقد تضمنت تلك الخطوة صورًا عدة، منها الانسحاب من بعض الجوائز البارزة مثل جائزة الرواية العربية “البوكر” أو مقاطعة العديد من المعارض الفنية التي تنظّمها مؤسسات إماراتية أيضاً.
وبينما يجيش أبناء زايد وحلفاءهم في المنطقة عبر لجانهم الإلكترونية حملات تبريرية لوصف ما أقدموا عليه بـ”الخطوة التاريخية” فهناك فريق آخر ممسكا بجمر الثوابت القومية العربية، واعتبار أي خطوة تطبيعية مع الكيان المحتل – في ظل سياساته الحالية- خيانة تستوجب رد فعل قوي يتناسب وحجمها رغم الضغوط التي يتعرضون لها من هنا وهناك.
مقاطعة فلسطينية كاملة
البداية كانت مع أصحاب القضية، أكثر الموجوعين من خناجر الغدر، حيث أعلن عشرات المثقفين الفلسطينيين مقاطعتهم لكافة الأنشطة الثقافية الإماراتية أو التي تشارك فيها الإمارات، ساعين إلى إيصال رسالة واضحة أن التطبيع مع العدو خيانة تستوجب المقاطعة.
المجموعة الفلسطينية “ثقافة في وجه التطبيع” وهي إحدى الكيانات الثقافية المناهضة لأي تحركات تطبيعية مع تل أبيب، كشفت أنها ستقوم بإعداد قائمة سوداء لكل مثقف أو فنان أو باحث فلسطيني لا يلتزم بقرار المقاطعة لكافة أنشطة الدولة الإماراتية.
الباحث حسن الداوودي، عضو المجموعة، يقول إنه استشعر إرهاصات الخطوة الإماراتية مبكرًا، وعليه رفض رئاسة لجنة تحكيم جائزة البوكر حينما اقترحها عليه مجلس أمنائها في فبراير/شباط الماضي، معللا رفضه بالانشغال بالعمل الأكاديمي وغيره.
وأضاف المثقف الفلسطيني في تصريحات له أن مؤشرات التطبيع الإماراتي كانت واضحة للجميع، ولم تكن مفاجئة، موضحًا “علينا ألا نتردد، ونقولها بمرارة إننا لا نريد خسارة أي بلد عربي، لا تتملكنا الغبطة ونحن نتخذ مواقف المقاطعة، نحن نريد لُحمة ثقافية فكرية وعربية، ونريد أن يبقى التواصل العربي كثيفاً وعميقاً، بالنسبة إلي هناك خطوط حُمر، و”إسرائيل” ليست خطاً أحمر”.
وفي الإطار ذاته سحب الشاعر الفلسطيني أحمد أبو سليم، ترشيح روايته “بروميثانا” لجائزة “بوكر”، كما أعلن مقاطعته الكاملة لكل الفعاليات الثقافية في دولة الإمارات، معلقا على موقفه بأنه من الطبيعي أن يكون للمثقف الفلسطيني موقف من هذا التطبيع المشين والمخزي.
أبو سليم يعتبر أن الثقافة الفلسطينية جزء لا يتجزأ من المشروع الوطني للثقافة العربية، والتي يأتي في مقدمة أعمدتها ثقافة المقاومة والحرية والدفاع عن الثقافة القومية، لافتا إلى أن ما فعله أبناء زايد “خيانة للقضية الفلسطينية يرقى لما فعله الاستعماريون الذين مهدوا لإيجاد دولة الاحتلال”.
مثقفو العراق.. رفض التطبيع المجاني
ودعما لمثقفي فلسطين، أصدر مثقفون عراقيون بيانا نددوا فيها بما أسموه “التطبيع المجاني مع دولة الاحتلال” معربين عن خيبة أملهم حيال الخطوة الإماراتية، ومجددين العهد على استمرار دعمهم للقضية الفلسطينية عبر رفض كافة أشكال التطبيع مع المحتل وحلفاءه.
وأشار المثقفون في بيان لهم إلى رفضهم الكامل لاتفاق العار، داعين كافة القوى العربية الفاعلة من أحزاب وكيانات ثقافية وسياسية واتحادات مهنية إلى تحمل مسئوليتها التاريخية في الإعلان عن رفض الاتفاقيثة، داعين إلى “إنشاء محورٍ ثقافيّ يستمد قوته من عدالة قضايانا، وأن نسعى بكل أدوات إبداعنا لرفض مختلف أشكال التطبيع والتبعية، باعتبارها خيانة عظمى”.
ومن أبرز المثقفين العراقيين الموقعين على البيان: عبد الكريم كاصد، وجمال حيدر، ومحمد الأمين الكرخي، ورؤيا سعد، وعبدالهادي سعدون، وصادق الطائي، وصالح حسن فارس، وعلي نوير، وشاكر الناصري، ومعتز رشدي، وباسم الشريف، وحسن جوان، وفالح مهدي.
المغرب العربي.. دعم ثقافة المقاومة
ومن العراق إلى تونس، حيث استنكر “اتحاد الكتّاب التونسيين” في بيان له التطبيع الإماراتي مع الكيان الصهيوني، واصفا ما حدث بأنه طعنة من الخلف في”ظهور العرب المتمسكين بمبدأ الحرية لفلسطين باعتبارها قضية العرب المركزية وعنوان الكرامة والحَمِيّةِ والحق، ضاربة عرض الحائط بكل ما عُرِف به العرب من اعتزاز بالنفس ومن قدرة على المغالبة ورفض الاستسلام والمهادنة”.
الاتحاد التونسي في بيانه أشار إلى أنه لم يتفاجأ بتلك الاتفاقية، متوقعا الأسوأ، من أنظمة صارت عنوان الرجعية والعمالة، على حد قوله، داعيًا القوى الوطنية في في تونس من أحزاب ومنظّمات إلى رفض هذه الخطوة والتصدي لها من خلال منهجية عامة لمناهضة كافة مسارات التطبيع مع العدو.
وفي الجوار أعلن كتاب وروائيون مغاربة سحب ترشيحهم لجائزة الشيخ زايد والانسحاب من بعض المؤسسات الثقافية الإماراتية، ردًا على قرار التطبيع، حيث أشار الأكاديمي والناقد المغربي يحيى بن الوليد إلى أنه سحب ترشيح كتابه عن “المثقفين العرب” من المنافسة في صنف “التنمية وبناء الدولة”، وألغى مشاركة أخرى مقترحة ومبرمجة لعام 2021 في الإمارات.
الموقف ذاته تبناه الروائيان والمترجمان أحمد الويزي وأبو يوسف طه، حيث أعلنا انسحابهما لنفس السبب من الترشح لنيل الجائزة في صنف الرواية، فيما أعلن الكاتب عبد الرحيم جيران استقالته من هيئة تحرير مجلة “الموروث الثقافي” التابعة لمعهد الشارقة، وانسحابه من كل الأنشطة التي تقيمها الإمارات.
كما أصدرت “رابطة الكتّاب الأردنيين” بياناً استنكرت فيه الاتفاق واصفة إياه بأنه “اعتراف جديد بالارتباط بين قوى البترول العربي والصهيونية والإمبريالية لنهب ثروات الأمة وتكريس الهيمنة الاستعمارية الصهيونية على وطننا العربي عامة وفلسطين خاصة”.
ورغم الضغوط الممارسة لتمرير هذا الاتفاق شعبيًا فإنه من المرجح أن تشهد الأيام المقبلة تحركات مماثلة من مؤسسات المجتمع المدني العربية بعيدًا عن الحسابات السياسية للأنظمة والحكومات والتي في الغالب لا ينتظر منها أي تحرك في مضمار الرفض الرسمي.