في الوقت الذي يعاني فيه اللاجؤون السوريون في لبنان ظروفًا اقتصادية صعبة مع ارتفاع تكاليف المعيشة في المدن، والخوف من الإقامة في مخيمات اللجوء توجسًا من تكرار سيناريو قصف عرسال، يتداول حاليًا محليًا في لبنان فكرة إقامة مخيمات “تجريبية” على الحدود اللبنانية السورية.
ومنذ أن بدأ السوريون يتوافدون على لبنان، لم تتوقف السلطات عن الشكوى بالضرر الاقتصادي الذي لحق بالبلد، فضلاً عن الأزمة السكانية وارتفاع الأسعار وشح المساعدات الدولية، على حد وصفهم.
وتساعد فكرة إنشاء مخميات تجريبية على حصر اللاجئين في مكان محدد للإشراف عليهم إنسانيًا وأمنيًا، إلا أن مثل هذه الخطوة التي رحب بها المضيفون اللبنانيون، توجس منها اللاجئون السوريون الخائفون على أمنهم، باعتبار أن هذه المخيمات ستكون عرضة للقصف كأنهم داخل سوريا، خصوصًا مع تكرار مسلسل قصف الطائرات السورية لمواقع داخل لبنان.
وكان وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني “رشيد درباس” قال لوكالة الأناضول في وقت سابق إن لبنان سيقوم بإنشاء مخيمات للنازحين السوريين في المنطقة الفاصلة مع سوريا – مثلما فعلت تركيا والأردن – “كمرحلة تجريبية أولى”، وفي حال نجحت هذه الخطوة سيتم توسيعها.
وفجرت قضية اللجوء السوري، أزمة سياسية في لبنان منذ بدايتها، إذ أن القوى المعارضة للنظام السوري المتمثلة في فريق “14 آذار” طالبت الحكومة اللبنانية السابقة التي كان يترأسها “نجيب ميقاتي” وتخضع لنفوذ “حزب الله”، بإقامة مخيمات لهؤلاء اللاجئين قرب الحدود بمساعدة منظمات الأمم المتحدة، ليكونوا تحت سيطرة الدولة جغرافيًا وأمنيًا، إلا أن الحكومة حينها رفضت ذلك حتى لا تكون هذه المخيمات مقدمة لتوطينهم؛ ما أدى إلى انتشارهم على كامل الأراضي اللبنانية، وتحولهم إلى عبء أمني واقتصادي واجتماعي يصعب تداركه والسيطرة عليه.
وطرحت فكرة إنشاء مثل هذه المخيمات “التجريبية” في وقت تحاول فيه الحكومة الحالية برئاسة “تمام سلام” تخفيف من وقع النزوح السوري على البلاد من جراء اتخاذ إجراءات جديدة تحد من تدفق المزيد من اللاجئين إليه وتشجيع النازحين المتواجدين على أراضيه والمخالفين لشروط الإقامة على العودة إلى بلادهم عبر إعفائهم من رسوم المخالفة.
وقال “كفاح الكسار” رئيس بلدية ببنين العبدة في محافظة عكار شمال لبنان، إن اللجوء السوري في المنطقة “شكل عبئًا كبيرًا عليها وترك انعكاسات على عكار والمنطقة برمتها”، مؤكدًا أن “البلدية لم تتبلغ رسميًا أي إخطار يعلمنا بأن هناك تجمعات مزمع إنشاؤها للسوريين في القريب العاجل”.
وقال الكسار إن “هذا كلام سمعناه في الإعلام وقرأناه في الصحف”، مضيفًا “لم نلمس حتى هذا اليوم أية إشارة بهذا الخصوص؛ لذلك لم نحدد الوجهة التي سنعمل خلالها بشأن هذا الموضوع نظرًا لأن كثيرًا من التقلبات السياسية تطرأ على بلدنا بين الحين والآخر”.
وأكد أنه لا “يوجد في جعبتنا حتى هذا اليوم مشروع كهذا”، إلا انه اعتبر أن “الحل الوحيد أمام هذه المعضلة هو إنشاء مخيمات على غرار ما فعلته تركيا وعلى غرار ما فعله الأردن، مخيمات مغلقة” التي “ستكون أكثر أمانًا للأخوة النازحين، بالتعاون مع الأمم المتحدة والجهات الدولية”.
ودعا الكسار إلى “إنشاء مخيمات حدودية مع سوريا وضبط حركة الدخول والخروج وإعطاء صفة النازح، التي تبعد الشبح الذهني من أن يكون هناك مسلحين بين النازحين كما يروج”، مشيرًا إلى أن هذا “يعطي نوعًا من الأمان والثقة عند اللبنانيين بأن الأخوة النازحين هم مجرد نازحون يخضعون للشروط وللمواصفات التي تضعها القوانين والدساتير التي يتم التعامل بها في ظروف كهذه”.
من جانبه، قال أحمد فارس، رئيس “جمعية فارس للتنمية البشرية”، إن هذه الفكرة قد تحل جزءًا من الأزمة، معتبرًا أن هذه المخيمات “ستحل نوعًا ما بعض المشاكل الموجودة بين اللبناني والسوري، وستخفض من الإيجارات المرتفعة في المنطقة، إضافة لفتح المجال أمام الشباب اللبناني”.
وتمنى فارس أن تنجح هذه الفكرة وأن تتمكن الدولة اللبنانية من تطبيقها على الأرض ليستفيد اللبناني والسوري معًا.
وقال أبو أحمد كروم، النازح السوري من بلدة القصير الحدودية مع لبنان، إنه يرفض فكرة إقامة مخيمات لهم على الحدود اللبنانية السورية، معتبرًا أن دعوة النازحين السوريين للمكوث في مثل هذه المخيمات في حال إنشائها “كمن يقول لهم اذهبوا وانتحروا”.
وقال كروم إنه في حال تم إجباره على السكن في هذه المخيمات فإنه يفضل العودة إلى سوريا، “ففي سوريا سأموت وعلى الحدود سأموت”، معتبرًا أن مصير النازحين السوريين على الحدود “سيكون مجهولاً وكأنهم في طريق الانتحار”.
واتفق النازح أبو حمد، من بلدة القصير أيضًا، مع كروم برفض فكرة المخيمات على الحدود “فما هي إلا تجميع لنا لقتلنا أكثر”، معتبرًا أن “الأفضل الذهاب إلى بلدنا لنموت بعز ولا ننتظر قذيفة أو صاروخًا يقتلنا في المخيم”.
أما أم خالد، نازحة سورية من حمص، فاعتبرت أن الذهاب إلى مخيمات على الحدود “كمن يذهب إلى مناطق القصف”، مشيرة إلى أن “الأفضل أن نذهب إلى بلدنا”، مضيفة “لا أحد يعذب نفسه لن نذهب ولا نستطيع أن نعيش بتلك الأجواء”.
وكانت ممثلة “المفوضية العليا لشؤون اللاجئين لهيئة الأمم المتحدة” (UNCHR) في لبنان “نينيت كيللي” حذرت من أن إقامة مخيمات للاجئين السوريين في المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا يهدد بتحويل كل واحدة منها إلى “عرسال أخرى”، البلدة اللبنانية التي شهدت الشهر الماضي معارك بين الجيش اللبناني ومجموعات مسلحة سورية.
ويتواجد على الأراضي اللبنانية أكثر من مليون ومئتي ألف لاجىء سوري، متوقع أن يرتفع عددهم إلى مليون ونصف المليون في نهاية العام الحالي (أي ربع سكان البلاد)؛ أدى بحسب مسؤولين من الأمم المتحدة زاروا بيروت الأسبوع الماضي، إلى إخماد الاقتصاد اللبناني بشكل ملحوظ؛ ما أدى بدوره إلى تقليص النمو الذي كان بمثابة مشغل للتنمية في السنوات الماضية، وإلى تأثيرات على اللبنانيين تشمل التعليم والطبابة والبنى التحتية والكهرباء والماء وتراجع عدد الوظائف والمستوى المعيشي.
ووفقًا لتقديرات البنك الدولي، يحتاج لبنان إلى حوالي 1.6 مليار دولار أمريكي لمواجهة أزمة اللجوء السوري والحفاظ على الحد الأدنى من الخدمات الأساسية للمواطنين والنازحين السوريين على أراضيه.