ترجمة وتحرير: نون بوست
أنفقت الأنظمة الاستبدادية، بما في ذلك روسيا والصين، أكثر من 300 مليون دولار خلال العقد الماضي للتدخل في العمليات السياسية لعشرات الدول الأخرى حول العالم، وذلك وفقًا لتقرير جديد صدر يوم الثلاثاء عن صندوق مارشال الألماني الأمريكي للبحوث.
إلى جانب الهجمات الإلكترونية والمعلومات المضللة، استغلت هذه الحكومات ووكلاءها الثغرات القانونية لضخ الأموال عبر المنظمات غير الربحية والشركات الوهمية والمساهمات العينية في الحملات لشراء النفوذ في 33 دولة على الأقل، حسب ما توصل إليه الباحثون.
تصاعدت جهود التدخل بشكل كبير خلال العقد الماضي، حيث تم توثيق ما يقرب من 80 بالمئة من الحالات في التقرير الذي يجرى منذ سنة 2016. قد تكون زيادة التدقيق الإعلامي في التدخل الأجنبي في الانتخابات عقب الانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنة 2016 مسؤولة عن بعض هذا الارتفاع. لكن الفترة المعنية تتزامن مع ما يقول الخبراء إنه قرار اتخذه كل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ لتصعيد جهود التدخل الأجنبي.
في الغالبية العظمى من الحالات التي تطرق لها التقرير، استغل الجناة الثغرات القانونية للتأثير على العملية السياسية. في المقابل، لم تبذل الولايات المتحدة مجهودا كبيرا لسد هذه الثغرات، بما في ذلك تلك التي تسمح للأموال الأجنبية بالتدفق للتدخل في العملية الديمقراطية قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
من بين ما جاء في التقرير: “فشلت الولايات المتحدة في تقوية دفاعاتها المالية بالمثل منذ أن أصبح التمويل الخبيث والأدوات الأخرى للتدخل في الانتخابات يشكل تهديدا على الأمن القومي في سنة 2016”.
حسب جوش رودولف، أحد مؤلفي التقرير والخبير في التمويل الخبيث في صندوق مارشال الألماني، فإن التمويل الأجنبي “يشكل تهديدا مشابها تماما للتدخل عبر الإنترنت والمعلومات المضللة والهجمات الإلكترونية. ولكن من الأسهل في الواقع سد هذه الثغرات القانونية”.
التمويل الخبيث الذي ترعاه الدول القومية ووكلاؤها هو شكل من أشكال العداء الجيوسياسي الذي يهدف في الخفاء إلى التأثير على النقاش السياسي
يأتي التقرير في الوقت الذي حذر فيه مسؤولو المخابرات الأمريكية مرارًا وتكرارًا من أن روسيا ودولا أخرى على خلاف مع الولايات المتحدة من المحتمل أن تحاول التدخل في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر.
في بيان للكونغرس قدّمه في شباط/ فبراير، قال مسؤولو المخابرات الأمريكية إن روسيا تعمل على تحسين وتوسيع دليل التدخل الذي استخدمته سنة 2016 في محاولة لتقويض ثقة الأمريكيين في نزاهة نظام الانتخابات وترجيح التصويت لصالح الرئيس دونالد ترامب.
حُررت مذكرة في نفس الشهر تصف مجموعة من الاستراتيجيات التي يمكن أن توظفها روسيا تتضمن القرصنة وتسريب المعلومات، فضلا عن اتخاذ إجراءات اقتصادية وتجارية. وأشارت هذه المذكرة، التي أعدتها وزارة الداخلية ومكتب التحقيقات الفيدرالي وتمكنت وكالة “أسوشيتيد برس” للأنباء من الحصول عليها في أيار/ مايو، إلى أن “روسيا سعت إلى الاستفادة من الدول التي لاحظت وجود ثغرات في القوانين تمنع تدفق المساعدة الخارجية للحملات الانتخابية”.
في وقت سابق من هذا الشهر، أصدر مسؤولو المخابرات الأمريكية تقييمًا للجهود الروسية والصينية والإيرانية للتأثير على الانتخابات، مشيرين إلى أن موسكو تتخذ “مجموعة من الإجراءات” لتقويض حملة المنافس جو بايدن بينما تفضل الصين عدم إعادة انتخاب ترامب وتعتبره غريب الأطوار.
تسعى إيران من جانبها إلى استخدام معلومات مضللة ونشرها عبر الإنترنت للحد من حظوظ ترامب، وذلك وفقًا للتقييم الذي أصدره وليام إيفانينا، مدير المركز الوطني لمكافحة التجسس والأمن. وقع التثبت من التدخلات الأجنبية في الانتخابات بشكل مكثف منذ أن استخدم العملاء الروس الهجمات الإلكترونية والمعلومات المغلوطة في محاولة لخدمة مصلحة ترامب في الانتخابات الرئاسية لسنة 2016.
لم يقع التثبت كثيرا في الطرق التي سعت بها روسيا والجهات الأجنبية الفاعلة الأخرى إلى استخدام ما يصفه محررو التقرير الجديد بأنه “تمويل خبيث” للتأثير على سير العملية الديمقراطية.
وقد وصف مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي مؤخرًا التأثير الأجنبي الخبيث بأنه “محاولات تخريبية أو غير معلنة أو إجرامية أو قسرية للتأثير على سياسات حكومتنا وتشويه الخطاب العام لبلدنا وتقويض ثقتنا في سير العملية الانتخابية والقيم ذات الصلة”. وقد أدلى بهذا التعليق عقب خطاب ألقاه بخصوص الصين في معهد هادسون.
على عكس محاولات الشركات لإحداث تأثير سياسي التي غالبًا ما تحركها دوافع اقتصادية، فإن التمويل الخبيث الذي ترعاه الدول القومية ووكلاؤها هو “شكل من أشكال العداء الجيوسياسي الذي يهدف في الخفاء إلى التأثير على النقاش السياسي، والقدرة على اتخاذ القرار، ونتائج الانتخابات، والتماسك المجتمعي للإضرار ببلد ما”، وذلك حسب مؤلفي تقرير صندوق مارشال الألماني.
تستند النتائج إلى تحليل التقارير الإعلامية الواردة بـ 16 لغة ومقابلات مع تسعين مسؤولا يشغلون مناصب حاليا في الولايات المتحدة أو سبق أن تقلدوا مناصب سابقا، بالإضافة إلى وموظفي الكونغرس، والباحثين القانونيين، وخبراء آخرين. ويقول المؤلفون، بعد أن عملوا على قاعدة بيانات تعود لـ 115 تدخلا ماليا أجنبيا في عشرات البلدان: “ما نقوم به حصرا هو تصنيف الوضعيات التي تقدم فيها الأنظمة الاستبدادية على نحو مؤكد تمويلات موجهة إلى عناصر سياسية من أجل إضعاف الدولة المستهدفة”.
الاستغلال الواسع للثغرات القانونية يؤكد الضرورة الملحة لإجراء إصلاحات سياسية
تتركز 82 في المئة من الحالات في روسيا، بينما يتوزع الباقي في الصين وإيران والإمارات العربية المتحدة. وترتبط أكثر من نصف الحالات التي شملتها الدراسة بجهود روسية للتدخل في الشؤون الأوروبية. لكن التقرير يشير إلى حدوث طفرة في النشاط الروسي في إفريقيا، حيث شارك الاستراتيجيون العاملون مع رجل الأعمال يفغيني بريغوزين، المتهم بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لسنة 2016، في حملات سياسية في 20 دولة إفريقية في سنة 2019. وبلغت القيمة الإجمالية للتدخل الأجنبي في الانتخابات المذكورة في التقرير 300 مليون دولار، لكن رودولف أكد أن الرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.
يظهر التقرير أن بعض الوضعيات التي تطرق لها غير قانونية، على غرار الجهود الروسية لتحويل عشرات الملايين من الدولارات إلى حزب “الرابطة” اليميني المتطرف في إيطاليا ليتجاوز بذلك الحد الأقصى للتبرعات في البلاد في ذلك الوقت والذي كان يزيد قليلاً عن 100 ألف دولار. أما 83 بالمئة من الحالات فاشتملت على ممارسة التأثير الخبيث باستخدام ثغرات قانونية قسمها المؤلفون إلى سبع فئات: المساهمات العينية للحملات من الرعايا الأجانب، استخدام أسماء متبرعين مزيفين لتحويل التبرعات الأجنبية، استخدام الشركات الوهمية المجهولة والمنظمات غير الربحية التي لا يُطلب منها الكشف عن الجهات المانحة، الإعلانات السياسية عبر الإنترنت، وسائل الإعلام الممولة من الخارج، واستخدام التقنيات الحديثة كالعملة المشفرة لتقديم مساهمات مجهولة في الحملات.
يوضح التقرير أن الاستغلال الواسع للثغرات القانونية “يؤكد الضرورة الملحة لإجراء إصلاحات سياسية”. ويرى رودولف أنه بينما كثفت وكالات إنفاذ القانون في الولايات المتحدة جهودها لمواجهة التدخل الأجنبي في الانتخابات منذ سنة 2016، لم يقع إحراز أي تقدم تشريعي يُذكر لتدارك نقاط الضعف هذه. ويمكن أن يسد مشروع قانون أقره مجلس النواب الأمريكي حوالي نصف الثغرات الواردة في التقرير، لكن هذا القانون توقف في مجلس الشيوخ، وهو ما يوضح أن التدخل في الانتخابات أصبح قضية حزبية في واشنطن.
في سياق متصل، أشار رودولف إلى أنه “من الضروري أن تتكاثف الجهود الحزبية. فالتدخل في ديمقراطيتنا لم يوحدنا سياسيًا، على عكس جميع الهجمات الماضية الأخرى التي استهدفت بلدنا. إن هذه الهجمات تضرب صميم سياستنا، وتهدف إلى تقسيمنا، لذا فإن الاستجابة السياسية يمكن أن تستغرق بعض الوقت”.
المصدر: فورين بوليسي