ترجمة وتحرير: نون بوست
تغزو أفلام الكرتون قلوب ملايين الناس وتدر على صانعيها مليارات الدولارات. ولكن هذه الصناعة لا تتعلق فقط بالأموال، بل تلعب الرسوم المتحركة دورا في الصراعات السياسية أيضا. وهي تلعب هذا الدور منذ ظهورها أثناء الحرب العالمية، حيث أن الكرتون علم الأطفال كيفية التعرف على العدو، وفي زمن الحرب الباردة تمت ترجمة الإيديولوجيا إلى أفكار وتم التعبير عنها بلغة الأطفال. واليوم تعد هذه الأفلام جزء من القوة الناعمة.
ما هو القاسم المشترك بين أميرة الثلج، وعائلة بار، وتلك المخلوقات الصفراء المدورة الصغيرة؟ الصفة المشتركة الأولى هي أنها كلها شخصيات كرتونية، والثانية هي أن هذه الرسوم أمريكية، والثالثة هي أنها من أكثر الشخصيات ربحية في صناعة الرسوم المتحركة. إذ أن جزئين من فيلم فروزن، وسلسلة أفلام انكريدبلز ومينيونز كانت أفلام الكرتون الأعلى أرباحا في شبابيك التذاكر في كافة أنحاء العالم. وبنظرة أوسع على هذا المجال نلاحظ أن ثمانية من عشرة أفلام الكرتونية الأعلى مداخيلا في شباك التذاكر تم إنتاجها وتوزيعها من قبل شركة ديزني، وهي كلها أمريكية.
ليست الرسوم المتحركة عالما من القصص الوردية، بل هي صناعة تتسم بالتنافسية الشرسة. هذه التنافسية لا تنتهي عند مستوى الصراع من أجل جذب المشاهدين، إذ أن الرسائل التي يتم تمريرها من خلال هذه الإنتاجات، تشبه الإبر الصغيرة التي يتم حقنها في عقول الأطفال الصغار، من أجل تخديرهم عبر الإبهار في الشاشة، وتمرير التعليمات حول ما يجب عليهم أن يفعلوه وكيف يجب أن يتصرفوا. هذه كانت الفكرة السائدة بين أوائل مطوري صناعة التلفزيون والدعاية في العالم، فقد كان هؤلاء يعتبرون أن التلفزيون هو أداة للتحفيز، يمكن من خلالها بث الأفكار والحصول على ردود فعل آلية من الجماهير. ولهذا السبب فإن شخصية سوبرمان تعرضت للاتهامات بأنها تشجع الأطفال على القفز من النوافذ في محاولة منهم لتعلم الطيران.
قد أظهرت التجارب أن الرسائل التي تظهر على الشاشة لا تؤدي تماما إلى برمجة ردود أفعال الأطفال ولكن دورها لا يمكن التقليل من خطورته. فقد حدث تحول في أنواع القوة التي تعتمدها الدول وأصبحت فنون التأثير والإقناع والإغراء هي القوة الناعمة وأحد أدوات هذه القوة هي صناعة الإعلام ويمكن بشكل واضح أن نستنتج من خلاله بيانات شبابيك السينما. ما هي الامبراطوريات الاعلامية التي تسيطر على قطاع الرسوم المتحركة اليوم وهي رسوم رغم بساطتها لها وقع قوي على قلوب الأطفال؟
الحرب مسألة أطفال
خلال سنة 1914 في مدينة شيكاغو، خرج الديناصور غيرتي من كهفه وافترس جذع شجرة وانحنى أمام الجمهور في انصياع تام لإشارات المنشط وينسور مكاي. كانت تلك أول شخصية كرتونية يتم تجسيدها واكسابها شخصية وقصة ترويها حيث أن غيرتي كانت تلعب وتبكي وتأكل وهو ما جعلها مسلية للجمهور. ومن خلال ابتكاره لشخصية غيرتي، فإن مكاي فتح آفاقا جديدة في عالم الرسوم المتحركة التي كانت في السابق تركز بشكل كامل على التقنيات والرسائل ولا تنتبه إلى جاذبية الشخصيات. إلا أن هذه الصناعة الترفيهية لم يكن الهدف الوحيد من ورائها وهو إمتاع الجمهور ففي الجانب الآخر من المحيط الأطلسي قادت المملكة المتحدة صناعة ترفيهية ناشئة لغرض مختلفا تماما إذ أن 95 بالمئة من الرسوم المتحركة البريطانية التي تم إنتاجها بين 1914 و1918 كان لها هدف دعائي محدد.
لقد كانت تلك سنوات الحرب العالمية الأولى، ومع اشتداد المعارك زادت أهمية أفلام الكرتون وقد كان بعضها يستعرض قيم الوطن من أجل نشر مشاعر الفخر وبعضها الآخر يهدف الى التقليل من شأن العدو.
اندلعت حرب عالمية أخرى، وقد تُرجمت أحداثها للأطفال من خلال أفلام الرسوم المتحركة. عبّر كل من ميكي ماوس ودونالد داك وباغز باني عن موقف الولايات المتحدة
في المملكة المتحدة، لم تعد الدعاية حقا اختصاصا حصريا لصالح الدولة حيث انتقلت إلى عالم الشركات الخاصة. لم يكن الأطفال بعد الجمهور المستهدف لصناعة الرسوم المتحركة الناشئة، حيث تركزت جهود هذه الرسوم على رفع الروح المعنوية للمقاتلين والمدنيين، وكانت عموما بمثابة مقطوعات قصيرة صامتة. بالإضافة إلى ذلك، لم يعد عرض الرسوم المتحركة مجانيا تماما مثل الأفلام، حيث تم عرض الرسوم المتحركة في الأماكن العامة مثل المسارح ودور السينما.
في الحقيقة، تغير كل شيء سنة 1928، حين قام والت ديزني الأمريكي بتعليم فأرة الصفير عند تزامن الموسيقى مع الصورة. منذ ذلك الحين، أصبحت ديزني شركة الرسوم المتحركة الرائدة في العالم ويستمر ميكي ماوس في جذب المشاهدين والمستثمرين.
في شأن ذي صلة، أرست فترة ما بين الحربين العالميتين الأسس للرسوم المتحركة المعاصرة فقد أصبحت مدتها أطول ويلعب بطولتها شخصيات أكثر واقعية وتتوجه نحو الأطفال. في الوقت نفسه، بدأت الأسر في جميع أنحاء العالم ترحب بتواضع بعضو جديد في المنزل ألا وهو التلفزيون، على الرغم من أن استخدامه لم يصبح شائعا حتى الخمسينيات. بدأت هذه الصناعة الناشئة في الوصول إلى المزيد والمزيد من المناطق.
سنة 1936، أنشأ الاتحاد السوفيتي أستوديو الرسوم المتحركة الحكومي سايوز مولتفيلم، والذي لا يزال موجودا حاملا الاسم نفسه في روسيا اليوم علما أن سايوز تعني “الاتحاد”، وتشير إلى الاتحاد السوفيتي. كما ظهرت مدارس الرسوم المتحركة والاستوديوهات الخاصة في الأرجنتين والمكسيك. انطلاقا من جنوب إفريقيا وصولا إلى مصر ومن طوكيو إلى سيدني، أتقنت الرسوم المتحركة تقنياتها وشقت طريقها نحو قلوب الأطفال.
بعد ذلك، اندلعت حرب عالمية أخرى، وقد تُرجمت أحداثها للأطفال هذه المرة من خلال أفلام الرسوم المتحركة. عبّر كل من ميكي ماوس ودونالد داك وباغز باني عن موقف الولايات المتحدة. كما استخدمت الجبهة النازية العديد من الحيوانات الأخرى التي حملت رسالة قوية معادية للسامية. من خلال دراسة الرسوم المتحركة الحكومية في الاتحاد السوفيتي، هدد هتلر الشيطاني بسحب حرية المواطنين السوفييت.
في اليابان، دافع فتى الرسوم المتحركة موموتارو عن وطنه ضد الغزاة الأمريكيين. ولكن بما أن الحرب لا تعترف بحقوق المؤلف، لم يكن ميكي ماوس ودونالد داك في خدمة ديزني حصريًا. كما استخدمت حكومة فيشي هذه الشخصيات لتقديم الولايات المتحدة على أنها عدو للشعب الفرنسي. وقد هاجم فأر ديزني الشهير، وهو يركب خفاشا، اليابان أيضا لكنه خسر أمام محارب الساموراي في رسم كاريكاتوري دعائي ياباني صدر سنة 1936.
لقطة من رسم كارتون ديزني “التدريس من أجل الموت: التشكيل النازي”، 1943.
خدمت دعاية الصور المتحركة للحرب العالمية الثانية عدة أغراض: فقد علّمت الأطفال كيفية التعرف على العدو، ورفعت معنويات السكان وشجعت أيضا الجنود. خلال الصراع، كان الجمهور ينتظر صدور الرسوم المتحركة بفارغ الصبر، الأمر الذي أدى إلى تدفق عدد كبير من الجماهير على دور السينما بمعدل 90 مليون مشاهد أسبوعيا في الولايات المتحدة و20 مليون في ألمانيا. ومن أصل 500 فيلم رسوم متحركة تم إنتاجه في هوليوود ما بين 1942 و1945، دارت أحداث 47 بالمئة منها حول الحرب. ومع ذلك، وضع الصراع قيودا على إصدارات هذه الأعمال حيث كانت الرسومات أمريكية الصنع محظورة في ألمانيا النازية في أواخر الثلاثينيات.
دبان والقدر: الرسوم الكاريكاتورية خلال الحرب الباردة
عندما انتهت الحرب العالمية الثانية، لم يكن السلام قد تحقق بعد حول العالم. وقد عُرفت العقود الأربعة التالية بما يسمى الحرب الباردة، وذلك بسبب المواجهة غير المباشرة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. خلال هذه الفترة، شكلت هاتان القوتان كتل تحالف وغذّت سباقات التسلح والصراعات الخارجية، ولم تكن صناعة الكرتون استثناء.
كان بطل إحدى الروايات من الحرب الباردة دبا محشوا يدعى – عن غير قصد – ويني ذا بوه. وقد كان لون الدب في دول حلف شمال الأطلسي أصفر، بينما كان بني اللون في دول حلف وارسو، وذلك لأن الصناعة الثقافية السوفيتية رفضت الإنتاج الأمريكي، لذلك كان لبعض قصص الأطفال روايات مزدوجة عند كل جانب من جوانب الستار الحديدي. أنتجت ديزني أول فيلم لها عن ويني ذا بوه سنة 1966 بينما أنتج الاتحاد السوفيتي فيلما عن شخصية مماثلة بعد ثلاث سنوات. وخلال تلك الفترة، لم يجتز ويني الأصفر حدود الاتحاد السوفيتي وانطبق الأمر ذاته على ويني البني.
تعتبر البطة القبيحة وماوكلي من الصور المتحركة التي تعكس الازدواجية التي كانت سمة طاغية خلال الحرب الباردة. وفي حالات أخرى، كان أبطال الفيلم يتغيرون مع الحفاظ على جوهر السرد: حيث يطارد قط رمادي أمريكي فأرا ماكرا؛ ويحاول الذئب الرمادي السوفيتي القبض على أرنب صغير لكنه يفشل دائما. وخارج حدود الاتحاد السوفيتي – ولكن ضمن نطاق نفوذه – وجد ميكي ماوس انعكاسا له في شخصية توبيتو، بطل إحدى الرسوم المتحركة تشيكوسلوفاكية الإنتاج.
لم تقتصر الرسوم المتحركة خلال الحرب الباردة على التحرك بالتوازي، بل كانت هناك تصادمات أيضا نتج عنها صورة مشوهة لقيم العدو. وقد عملت شركة والت ديزني، على وجه التحديد، على انتقاد الاتحاد السوفيتي بشدة. فكانت الرسوم المتحركة الأمريكية تصور بوضوح شرور الشيوعية والسوفيتية وحتى الرأسمالية. وسلطت إنتاجات أخرى الضوء على مسألة الوفرة مع الكسل والشر من جانب الاتحاد السوفيتي، وصولا إلى المواجهة بين عالمين متعارضين مثل ما أكده بعض المؤلفين في عمل ديزني “الحورية الصغيرة”: حيث تهرب البطلة من مملكة بحرية يحكمها والداها إلى البر الرئيسي لتحقيق حلمها الذي يتمثل في المشي.
لم تكن الرسوم المتحركة تنتقد الرذائل من خلال الشخصيات التي تجسد الشر فحسب، بل كانت أيضا تعلم الأطفال القيم الفاضلة
تطرقت الرسوم المتحركة أيضا إلى سباقات الحرب الباردة في التسلح وغزو الفضاء، وذلك من خلال تصوير أطفال وشخصيات كرتونية تسافر إلى الفضاء وتهبط على القمر وتبني ملاجئ نووية. يعتبر مارفن المريخي، وهي شخصية من إنتاج شركة وارنر براذرز، عدوا لباغز باني، هو مثال آخر عن كيفية وصول الحرب الباردة إلى صناعة الرسوم المتحركة.
مرتديا لباسه العسكري ذي اللون الأحمر كان مارفن المريخي القادم من كوكب آخر يهدد دائما بتدمير الأرض بأسلحة متطورة، وهو هنا يجسّد شخصية الاتحاد السوفيتي. وليس من المستغرب أن يكون أول ظهور له في سنة 1948، أي عندما بدأ الانقسام بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي يصبح أكثر وضوحا.
سلطت الصور المتحركة الضوء على النزاعات المسلحة أيضا. فقد عاد ميكي ماوس إلى الحرب كجندي أمريكي في الفيتنام في إطار مشروع مناهض للحرب خارج ديزني، ومات برصاصة في الدقيقة الأولى. ومن جهتها، عبرت الرسوم المتحركة السوفيتية أيضًا عن معارضتها لحرب الفيتنام.
كل شيء يكتسب قيمة خلال الحرب وقد كانت الرسوم المتحركة بإمكاناتها الهائلة أداة رائعة للسخرية من العدو. وبعيدًا عن الشخصيات الشيطانية أو المشوهة، كان هناك طريقة أكثر دقة للقيام بذلك باستخدام الصوت واللغة. منذ فترة الاتحاد السوفيتي، استخدمت اللغة أيضا لوصف الشخصيات الشريرة، إذ استُخدم التعبير الإنجليزي “أوه، نعم” على سبيل المثال كسطر ثابت من قبل شخصيات العصابات الإيطالية بانديتو وجانجستيرتو وكذلك مع المحقق الماكر والشرير.
لم تكن الرسوم المتحركة تنتقد “الرذائل” من خلال الشخصيات التي تجسد الشر فحسب، بل كانت أيضا تعلم الأطفال القيم الفاضلة من خلال الشخصيات التي تتبنى “الخير”. وقد استمر هذا التقسيم بين الأبيض والأسود خلال الحرب الباردة حتى بعد فترة طويلة من ظهور التلفزيون بالألوان. وكان أبطال الرسوم المتحركة يتصدون لقيم كل جانب من جوانب الصراع في سياق تحدد فيه الأيديولوجيا الخير والشر، على غرار الدفاع عن الصالح العام ضد الفردية؛ ونضال العمال ضد مبادئ ريادة الأعمال، أو ويني البني الشيوعي ضد ويني الأصفر الرأسمالي الذي دائما ما يفوز في المنافسة.
بطة في دور سفير وصداقة تفتقر للنزاهة
تصرخ ماشا عند رؤية الباندا لأول مرة، حين ظهر كشخصية جديدة في السلسلة “كم هو لطيف! يجب أن نصبح أصدقاء!”. ماشا هي بطلة مسلسل الرسوم المتحركة الروسية ماشا والدب الذي يحظى بشهرة واسعة، حيث أن لديها أكثر من سبعين مليون متابع بين قنواتها على يوتيوب باللغات الروسية والإنجليزية والإسبانية والبرتغالية. وإذا كان متابعو ماشا على يوتيوب مواطني إحدى دول الاتحاد الأوروبي، لكان هذا البلد هو ثاني أكبر من حيث عدد السكان بعد ألمانيا.
تُرجمت هذه السلسلة إلى أكثر من ثلاثين لغة ويقع بثها أيضًا على نتفليكس. ومنذ آذار/ مارس 2020، ظهرت أيضا على التلفزيون الصيني الرسمي، علما بأن الباندا رمز وطني في هذا البلد. بهذه الطريقة أصبحت ماشا صديقة للباندا الصيني. وليست هذه المرة الأولى التي تكتسب فيها شخصية كرتونية روسية مكانة في السوق الصينية. ففي سنة 2013، رحّبت سلسلة الرسوم المتحركة كيكوريكي، الممولة جزئيا من قبل وزارة الثقافة الروسية، أيضا بالباندا.
تواجه شعبية ماشا انتقادات عديدة، حيث يتهم البعض هذه السلسلة بأنها دعاية للكرملين
بعد أربع سنوات، وافقت وكالة التلفزيون الحكومية الصينية ومؤلفو سلسلة كيكوريكي على إنتاج مشترك لتمنح الباندا دور البطولة. وقد شملت دبلوماسية الباندا، وهي مصطلح مرئي يشير إلى توسع القوة الناعمة الصينية، سلسلة “الكرتك” التشيكية مما أثار نزاعا حول ترخيص هذه الشخصية، الذي انتهى به الأمر في محكمة براغ العليا في سنة 2019.
لا تنتهي صداقة ماشا عند الصين، ذلك أن مبتكريها عملوا منذ البداية على تصدير هذه السلسلة وجعلوا ذلك من أولوياتهم. حتى اللباس الروسي التقليدي لبطلة السلسلة يسهل الترويج لها في البلدان ذات الغالبية المسلمة. وإلى جانب الترجمات والعناوين، تتكيف سلسلة ماشا والدب مع المناطق المستهدفة في إطار التوطين، حيث يقع ترجمة أي نص يمثل جزءا من الرسوم المتحركة، على غرار الإشارات والكتابات الموجزة.
لكن تواجه شعبية ماشا انتقادات عديدة، حيث يتهم البعض هذه السلسلة بأنها دعاية للكرملين، بما أن الدب هو رمز روسيا. وسواء وقع الإتفاق على هذا الدعاء أم لا، فمن الواضح أن القوة الكبيرة تحمل معها مسؤولية كبيرة، حيث غزت سلسلة ماشا والدب من خلال الشاشات قلوب ملايين الأطفال حول العالم في أكثر من 100 دولة.
مع ذلك، إذا كانت هناك شركة رسوم متحركة مهيمنة في مجال تصدير الصور المتحركة، فهي دون منازع “ديزني”. فقوة هذه الإمبراطورية الإعلامية تتجلى من خلال شخصية “دونالد دك” و”ميكي ماوس” اللذين يقع تشبيههما أحيانا بالسفراء الثقافيين. كما شارك مالك والت ديزني نفسه في الدبلوماسية الأمريكية من خلال رحلاته التي روج فيها لديزني وبالتالي لقيم بلاده.
تقاطعت سياسات الشركة ومصالحها في البحث عن جمهور جديد. ففي أربعينيات القرن الماضي، أقام “دونالد دك” صداقة مع ببغاء برازيلي وديك مكسيكي في محاولة لجذب المشاهدين في أمريكا اللاتينية. واليوم، نلاحظ أن إمبراطورية ديزني متنوعة وموجودة في كل مكان، حيث تقوم خطة أعمالها على أربع ركائز: الإنتاج السمعي البصري، والمتنزهات، الشبكات الإعلامية (على غرار القنوات التلفزيونية أو المنصات الرقمية)، والتجارة. في سنة 2018، حققت شخصية ميكي ماوس، الذي يبلغ عمره 90 سنة، حوالي ثلاث مليار دولار بفضل تسويق المنتجات التي تحمل صورته.
بينما تشهد الرسوم المتحركة الأمريكية إقبالا كثيفا على شبابيك التذاكر، تتخلف القارة الأوروبية عن الركب، إذ لا تمثل الرسوم المتحركة الأوروبية سوى خُمس السوق التي تهيمن عليها الرسوم المتحركة الأمريكية. لكنهم ليسوا اللاعبين الوحيدين في الساحة، حيث تكتسب الشركات الإعلامية في آسيا وزنا ملحوظا. منذ النصف الثاني من القرن العشرين، أصبحت الاستعانة بمصادر خارجية للقيام بأكثر المهام الفنية إرهاقا بالنسبة لبلدان مثل اليابان أو الهند أو الفلبين أو كوريا الجنوبية أمرا شائعا لتقليل تكاليف الإنتاج. ولكن انقلب هذا النمط اليوم لتدر صناعات الرسوم المتحركة في اليابان والصين وكوريا الجنوبية أرباحا طالت جميع القارات، بما في ذلك أوروبا.
كانت الولايات المتحدة وكندا والصين على رأس قائمة المتلقين للرسوم المتحركة اليابانية في سنة 2019.
خلف الشاشات
تهدف الرسوم المتحركة إلى الترفيه والتثقيف والتسلية وهي تدر أرباحا طائلة في شبابيك التذاكر، وتحرك سوق الإعلانات وتزيد من عدد المتابعين على موقع المنتج. لا تخطف الرسوم المتحركة قلوب الأطفال فحسب، بل تثقل كاهل الوالدين بمصاريف إضافية. يعتبر هذا التعايش، المحدد بمرور الوقت، مثاليا حيث يحتاج الأطفال إلى رسوم متحركة، والرسوم المتحركة بحاجة إلى أطفال. لكن قوتها ليست اقتصادية فحسب، بل سياسية أيضا. من أجل السيطرة على العدو، عليك تربية أطفاله. وعلى الرغم من أنه لم يعد هناك أعداء واضحون وعالميون كما كان الحال خلال الحرب الباردة، إلا أن الرسوم المتحركة الأكثر شعبية لا تزال أمريكية.
لقد وقعت أحداث كثيرة منذ ظهور الديناصور جيرتي لأول مرة، ولا تزال بعض الشخصيات الكرتونية رغم مرور سنوات عديدة على صدورها محبوبة إلى حد الآن. من خلال الشاشة، تتعلم الأجيال المتعاقبة من الأطفال من خلال الإسفنج والبط والدببة والفئران، وتتداخل الطفولة وذكرياتها الذهبية مع مغامرات الشخصيات المفضلة لديهم. وهذا يعني أن الصيغة السرية الأخرى للرسوم المتحركة يدخل فيها مكون أساسي لا غنى عنه: ألا وهو الحب.
المصدر: الأوردن مونديال