ترجمة وتحرير نون بوست
تعد الانقلابات أمرًا مألوفًا بالنسبة للماليين، ففي عام 1991 تدخلت القوات العسكرية بعد احتجاجات مستمرة ضد موسى تراوري الديكتاتور الذي حكم تلك الدولة الواقعة غرب إفريقيا منذ عام 1968، (حتى تراوري نفسه قاد انقلابًا ضد سلفه)، في مارس 2012 غضب الجنود المتمردون من تعامل الحكومة مع العصيان في الشمال وأطاحوا بالرئيس أمادو توماني توري.
أما الانقلاب الأخير في 18 من أغسطس/آب الحاليّ فقد كانت أصداؤه مألوفة، فهو يأتي بعد أشهر من الاحتجاج، ومثل أحداث 2012 بدأ الأمر بتمرد في قاعدة بمدينة كاتي وهي حامية عسكرية تبعد 15 كيلومترًا عن العاصمة باماكو.
قبض الجنود على الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا الذي أعلن في فيديو لاحق في نفس اليوم استقالته وهو يرتدي قناعًا على وجهه، وقال: “هل لدي الخيار حقًا؟ لأنني لا أرغب في إسالة الدماء”، بعد يوم أعلن 5 من أعضاء المجلس العسكري الجديد على شاشة التلفاز أنهم يريدون انتقالًا سياسيًا مدنيًا.
رغم كل أوجه التشابه فالسياق مختلف عما كان قبل 8 أو 29 أو 52 عامًا، فبعد انقلاب 2012 استفاد المتشددون من الفراغ السياسي لشن هجمات على الثلثين الشماليين للبلاد، ما دفع فرنسا لإرسال قوات.
تسببت الجهود المالية لتسليح الميليشيات المحلية في زيادة الأوضاع سوءًا
بعد تدخلها دعمت فرنسا والاتحاد الإفريقي وإيكواس “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” بعثة الأمم المتحدة “مينوسما” للحفاظ على السلام في أثناء انعقاد الانتخابات والتوصل إلى تسوية سياسية جديدة.
فاز كيتا في انتخابات 2013 و2018، وتوصل إلى اتفاق ظاهري بين الحكومة والجماعات المتمردة في الشمال بالجزائر عام 2015 وهو أحدث اتفاق من بين عدة اتفاقات منذ 1991، لكنه فشل في تهدئة السخط مثل البقية.
لم تفعل الحكومة الفاشلة التي تقودها النخبة في الجنوب إلا القليل لإيقاف عنف المتشددين المتصاعد وكذلك القليل للتعامل مع الأسباب الجذرية لذلك، في النصف الأول من 2020 قتل أكثر من 1800 شخص في قتال تضمن الجهاديين وميليشيات عرقية تقريبًا مثل عدد من قُتلوا في 2019.
أما وجود القوات الغربية المكونة من 15 ألف جندي من الأمم المتحدة لحفظ السلام وبعثة تدريب من الاتحاد الأوروبي لم يوقف سيل الدماء، بينما تسببت الجهود المالية لتسليح الميليشيات المحلية في زيادة الأوضاع سوءًا.
تصاعد الغضب بسبب تعامل الحكومة مع الأزمة، ولام الجنود وزوجاتهم وأراملهم المسؤولين عن العمليات على الوضع القائم، وازدادت الادعاءات التي تقول إن الأشخاص في السلطة والمقربين منهم يستفيدون من اقتصاد الحرب الفاسد.
أما الغرباء فكانوا يدفعون نحو حلول عسكرية للمشكلات السياسية، كانت حماقة هذا المنهج واضحة في الأشهر الأخيرة، وبعد إجراء انتخابات تشريعية مراوغة في مارس وأبريل اختُطف في أثنائها سياسي معارض، خرج المتظاهرون في الشوارع، وفي يوليو قتلت قوات الأمن 11 شخصًا على الأقل.
من غير الواضح إذا كان هناك أي تعاون أو تنسيق بين الضباط الذين قاموا بالانقلاب والجماعات التي تقود الاحتجاجات، قال قائد حركة “M5-RFP” المعارضة إن هذا الانقلاب أمر يبعث على الراحة، بينما قال المجلس العسكري إنه يرغب في انتخابات جديدة، أمام الإمام المؤثر الشهير محمود ديكو فقد يلعب دورًا كصانع الملوك.
كانت إدانة الانقلاب في مالي سريعة للغاية، فقد قال موسى فكي رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي إنه يرفض أي محاولة لتغيير غير دستوري في مالي، أما المجموعة الاقتصادية التي كانت تحاول إقناع كيتا بعقد اتفاقية مع الحركات الاحتجاجية فقد انتقدت الانقلابيين وأغلقت الحدود المجاورة لمالي ووعدت بفرض عقوبات على قادة الانقلاب.
لا ترغب دول المجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا في أن تتخذ شعوبها أفكارًا من الماليين، خاصة مع خوض بوركينا فاسو وساحل العاج انتخابات رئاسية هذا العام واللتين شهدتا بعض الاحتجاجات مؤخرًا، فكلما مرت الانقلابات دون عقاب ازداد حدوثها في المستقبل.
تشارك الدول المجاورة لمالي مخاوف الغرب بشأن ما يعنيه الانقلاب لعنف المتشددين في الساحل، فمثلما حدث في 2012 سينتهز المسلحون الفرصة ويستفيدون من الركود السياسي، في يوم 19 من أغسطس/آب دعت فرنسا والنيجر إلى عقد اجتماع طارئ في مجلس الأمن بالأمم المتحدة.
المصدر: ذي إيكونوميست