رغم انشغال العالم بأكمله بأزمة كورونا وتداعياتها على الأرواح في جميع أنحاء الكوكب منذ مطلع العام الجاري تقريبًا، فإن القراصنة وكما هي عاداتهم يستغلون أصعب الأوقات وأكثرها ضعفًا لبني الإنسان، للحصول على مكاسب أفضل، ولهذا زادت عمليات القرصنة بمعدلات غير مسبوقة طالت مختلف أنواع واشكال المحتوى الترفيهي.
تعرف هجمات القرصنة في مجالات الترفيه المتعددة، بالسطو العمد على حقوق المنتجات الترفيهية من قبل أفراد أو منظمات أو دول، ويعتبر الهاكرز المحترف حاليًّا من الكنوز الثمينة لكل أصحاب الأعمال الذين يريدون اختراق الملكية الفكرية للعلامات التجارية العالمية وتطوير منتجاتهم بأرخص ثمن ممكن أو الذين يريدون التجسس على منافسيهم، باختراق بياناتهم وملفاتهم لأسباب عديدة، لهذا هناك الكثير من المؤسسات الكبرى التي تستقطب الهاكرز والمخترقين لتوظيفهم بأرقام فلكية.
ولعل واحدة من أشهر قضايا الاختراقات والقرصنة التي استهدفت قطاع الترفيه، كانت اختراق شركة سوني بيكتشرز، عملاقة الإنتاج السينمائي الأمريكية من قبل مجموعة هاكرز تسمي نفسها “حراس السلام” والذين يعتقد على نطاق واسع ارتباطهم بكوريا الشمالية، وذلك في ديسمبر 2014، حيث وجهة الولايات المتحدة اتهامًا رسميًا لبيونغ يانع بعملية القرصنة التي أسفرت عن تسريب خمسة أفلام أربعة منها لم تكن قد عرضت في صالات العرض حتى ذلك الوقت، وتضمّنت الأفلام المُسرّبة أسماء لم يتم إصدارها بعد مثل Annie و Mr. Turner و Still Alice وTo Write Love on Her Arms، بالإضافة إلى فيلم Furry الذي تم طرحه في أكتوبر الماضي وحصل على ملايين عمليات التنزيل غير شرعية بعد تسرّبه.
وكانت عملية القرصنة تستبق إصدار فيلم “ذي إنترفيو” The Interview الذي يتحدث عن محاولة “السي آي أيه” اغتيال رئيس كوريا الشمالية “كيم جونغ أون”.
كورونا تكشف الأزمة
بحسب تقرير لشركة أبحاث القرصنة الإعلامية العالمية موسو، زادت القرصنة ما يقرب من 60% خلال الأشهر الماضية، وذلك عبر مواقع الويب غير المرخصة، التي كانت أحد أسرع أشكال القرصنة الترفيهية نموًا في السنوات الماضية.
استفاد القراصنة من فاعلية نشاط التدفق غير القانوني للمواد الترفيهية بشكل ملحوظ في جميع أنحاء العالم، فزادت زيارات المستخدمين حتى من داخل الحجر الصحي للمواقع غير المرخصة، ذات الصلة بالموسيقى على وجه التحديد.
الدراسة السابقة لجامعة ماريلاند بالولايات المتحدة، قد تكشف سر ما يحدث، إذ تؤكد أن قراصنة الإنترنت يشنون هجمة إلكترونية كل 39 ثانية، وتزيد من موثوقية هذه الإحصاءات المنشورة، تقارير أخرى لشركة Norton، وهي إحدى أبرز الشركات العالمية في مجال الحماية والأمن الإلكتروني، وتؤكد أن إجمالي الخسائر الناتجة عن الاختراقات الإلكترونية وهي أحد أشكال القرصنة، وصل إلى أكثر 4 ملايين دولار منذ عام 2018.
تعتبر الصين أكبر مركز في العالم لقرصنة الترفيه، وبلغت نسبة المنتجات المبيعة لديها بشكل غير قانوني نحو 85% من إجمالي مبيعات الترفيه داخل البلاد، وذلك وفق إحصاءات الاتحاد الدولي للصناعات الصوتية، وبسببها خسرت الشركات الأمريكية ملايين الدولارات سنويًا من عائدات الأفلام.
يمكن القول إن الضغط الأمريكي خلال السنوات الماضية، خاصة بعد انتخاب دونالد ترامب، ولد ثقافة جديدة في الصين، ومع أن بكين مسؤولة بدرجة كبيرة عن قرصنة كل شيء في البرمجيات والترفيه ومنتجات الإنترنت ونقل هذه الثقافة للعالم، بعدما جنت منها الملايين، إلا أنها حاليًّا وبعد أن أصبحت لديها براندات عالمية، فضلًا عن خضوعها للمراقبة الأمريكية، باتت تتخوف من الشرب من نفس الكأس الذي أذاقته للعالم.
تتشدد وكالات إنفاذ القانون بالصين حاليًّا في حماية حقوق النشر، لتعزيز ثقافة حماية حقوق الملكية الفكرية والتأليف والنشر، والتشديد في العرف الصيني، معناه القمع بلا رحمة لأي محاولة للتعدي والقرصنة، في مجالات الصحافة والنشر والأفلام والتليفزيون والصور والأدب والرسوم المتحركة، وبجانب الحبس تفرض السلطات غرامات مادية قاسية للغاية تجاه المخالفيين، وتمنحها للدولة ولأصحاب الحقوق الأصليين سواء الصينيين أم الأجانب.
خلال الأشهر الماضية، أثيرت بعض القضايا في الصين لتعزيز الملكية الفكرية، وكانت لها انعكاسات قوية في الأوساط الدولية، لا سيما أنها تؤكد أهمية توجه الرئيس الأمريكي، بغض النظر عن الطريق الذي يسلكه في كسب حقوقه، لمحاصرة المنتجات الصينية المقلدة.
أبرز هذه القضايا، تطوير أحد المصانع الشهيرة للألعاب، مجموعتين جديدين خاصة بسلسلة Ultraman دون إذن من صاحب حقوق الطبع والنشر لسلسلة “Universe Hero Ultraman” للأعمال السينمائية والتليفزيونية والأعمال الفنية للشخصية.
وفور الشكوى من صاحب السلسلة، فرض مكتب تشوهاى للثقافة والإذاعة والتليفزيون والسياحة والرياضة عقوبة إدارية على مصنع الألعاب بعد استيفاء التحقيقات وتمت مصادرة النسخ المخالفة وفرض غرامة قدرها 200 ألف يوان، كما اعتقل 12 فردًا اتهموا بقرصنة الأفلام والبرامج التليفزيونية، وحكمت محكمة شنغهاي على المتهمين جميعًا بأحكام بالسجن تتراوح بين 6 أشهر و4 سنوات بتهمة انتهاك حقوق النشر.
عربيًا تبدو المشكلة أكثر تعقيدًا، بعد أن أصبح التعدي على حقوق الملكية الفكرية وقرصنة الإبداعات الفكرية والأدبية من المظاهر المألوفة لدى الجميع، وإن كانت تتفاوت نسبتها من بلد لآخر وموقعه من التطور والحداثة، ونسبة انفتاحه على الآخر.
محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، الذي كان ضمن المؤسسين لإطلاق حملة عربية لمحاربة جرائم الملكية الفكرية والتعريف بحقوق الملكية، يعتبر أن أزمة انتهاك حقوق الملكية الفكرية تغطي طيفًا واسعًا من الأعمال الإبداعية، بداية من المقالات والمؤلفات الأدبية مرورًا بالصور واللوحات الفنية والمنحوتات والأفلام والمواد الصوتية والبرمجيات والتصاميم المعمارية وتصاميم المنتجات.
خطورة القضية التي لا يتصدى لها أحد أنها ستؤدي في النهاية إلى توقف المؤلف العربي عن الإبداع، وهي برأيه القوة الناعمة التي تأخد بيد المجتمع إلى التقدم والرقي، يقول رشاد ويضيف “كارثية قرصنة الإبداعات الأدبية والفكرية، ليس فقط في إهدارها لحقوق الكاتب والناشر، لكن فيما تمثله من تهديد لمنظومة النشر ككل”.
يؤكد رئيس اتحاد الناشرين العرب، الذي يرأس أيضًا مجلس إدارة الدار المصرية اللبنانية ومكتبة الدار العربية للكتاب بالقاهرة، أن هناك ضرورةً للتعريف بالملكية الفكرية والتصدي للمقرصنين وهذا لن يحدث إلا بترسانة قانونية صارمة، بجانب تنمية وعي المواطن وإبصاره بأهمية احترام الملكية الفكرية.
يوضح رشاد أن القوانين والتشريعات العربية غير فاعلة ولا تتناسب مع الجرم المقترف، ويطالب بتغليظ العقوبات في حق المقرصنين، ويكشف “لا يعقل أن يتكبد الناشر أكثر من مليون جنيه في إصدار موسوعة ثم يأتي الحكم على من قام بقرصنة هذا العمل بغرامة لا تتجاوز 5 آلاف جنيه، وفي حالة العود تصل هذه الغرامة إلى 10 آلاف جنيه وهو أمر غير منطقي”، حسب رأيه.
نسخ أخرى من القراصنة
رغم كل هذه الانتهاكات، هناك نسخ أخرى من القراصنة في هذه المجالات، الذين لا يسلط عليهم الضوء كثيرًا، خاصة أن الأهداف التي يرفعونها شديدة المثالية والأخلاقية، فالاختراق والقرصنة يتم أحيانًا لتحقيق العدالة الاجتماعية، وبعضها لأسباب سياسية وحقوقية.
هناك قراصنة يمارسون القرصنة دون سبب حقيقي ودون دافع تقريبًا، فالأمر بالنسبة له يشبه تسلق الجبال
والقرصان الحقوقي يطوع قدراته لأسباب يعتقد أنها تصب في مصلحة العدالة الاجتماعية، وبالتالي فالمخترق الحقوقي يتبع معتقدات وأيديولوجيات يسارية أو دينية، ويوجه هجماته الإلكترونية ضد من لا يتفق معه في الرأي أو المعتقد السياسي.
هناك أيضًا المخترق الذي يسعى خلف الشهرة، لا سيما أن أخبار القرصنة والهجمات الإلكترونية تذاع بشكل عالمي، والشهرة أحد الأمور التى تعتبر مرغوبة ومثيرة بالنسبة للبعض والقرصنة هنا أحد السبل للوصول إلى هذه الشهرة، وترمم هذه الطريقة ذات المقرصن وتجعله يتفاخر بقدراته ومهاراته في اختراق خصوصيات أعتى المشاهير والبحث في دهاليز أسرارهم، سواء في الفن أم العلم.
الغريب أن هناك قراصنة، يمارسون القرصنة دون سبب حقيقي ودون دافع تقريبًا، فالأمر بالنسبة له يشبه “تسلق الجبال” وهي هواية للبعض الذي يريد أن يثبت أنه خارق ويملك ما لا يملكه غيره، والنجاح في الاختراق والقرصنة بالنسبة له، هي المكافأة الكبرى، ولكنه لا يطلب أموالًا في المقابل ولا تتوافر لديه أي نوايا لإلحاق الضرر بأي شخص.