ترجمة وتحرير: نون بوست
في الشهر الماضي، أعلنت السلطات في منطقة سريناغار في كشمير عن إجراءات إغلاق صارمة بعد الارتفاع الحاد في حالات الإصابة بفيروس كورونا. وظهرت صور لمركز مدينة لال تشوك ومناطق أخرى محاصرة فُرض عليها الإغلاق التام. وقامت المقاطعات الأخرى بمراجعة إجراءاتها للتعامل مع انتشار الوباء، مع مطالبة زوار باهالغام بإخلاء المنطقة في غضون ساعات.
في المقابل، أصدرت سلطات جامو وكشمير أمرًا بإعادة فتح الوادي تدريجيا أمام السياح اعتبارًا من 14 تموز/ يوليو. ومع تفاقم انتشار فيروس كورونا، فُرض الإغلاق في الوادي بتاريخ 22 تموز/ يوليو، ولم يُقدّم أي سبب منطقي لتطبيق إجراءات الإغلاق على السكانف المحليين فقط، وليس على السياح.
ومع استمرار المعركة ضد فيروس كوفيد-19، لا يزال السكان غير قادرين على زيارة الأماكن العامة، ولكن كيف يكون من المنطقي فتح هذه الأماكن أمام السياح؟ في الحقيقة، أثار ذلك شكوك السكان المحليين بشأن إجراءات الحكومة، والتي تهدف ظاهريًا إلى ضمان الصحة العامة والرفاهية.
إخفاء صورة الاحتلال البشعة
يذكرنا الترويج للسياحة في كشمير بالطرق التي تستغل من خلالها إسرائيل السياحة في الأراضي الفلسطينية المحتلة لـ”تجميل صورة المستعمرات والاحتلال”. ولكن على النقيض من سياحة الفصل العنصري في فلسطين، والتي تهدف إلى حجب صورة الاحتلال البشعة عبر خدمات الضيافة الراقية التي تقدمها المستوطنات الإسرائيلية “الجميلة”، فإن السياحة في كشمير مبنية على فكرة أنها الركيزة الأساسية لاقتصاد كشمير، وعلى فكرة أنها كشمير هي “الأرض التي يرغب بها الجميع“.
بيد أن الفكرة الأصلية في كلتا الحالتين هو استخدام السياحة كأداة دعاية سياسية لتجميل صورة الاحتلال. ففي كشمير، يعطي قدوم السياح انطباعا بعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي، في حين يعاني السكان في حياتهم اليومية من العنف الممنهج الذي يمارسه الاحتلال.
يستمتع السياح بمشاهدة الجبال المغطاة بالثلوج والمياه الصافية، وركوب الشيكارا في بحيرة دال، والتجديف في باهالغام، ولكنهم لا يشاهدون عشرات الجنود الهنود الذين يقومون بدوريات في شوارع كشمير، ويصوّبون أسلحتهم من المواقع المنتشرة في المكان.
وعلى نحو مماثل، يجذب جدار الفصل الإسرائيلي الذي يخنق الفلسطينيين ويلتهم أرضهم، “سُيّاح الجرافيتي” الذين يتجمعون لالتقاط الصور، ولا يكترثون بالعنف الذي يمارسه الكيان الصهيوني وتجريد الفلسطينيين من أبسط حقوقهم الإنسانية.
بعد الحظر الصارم للتجوّل وقطع الاتصالات في كشمير في آب/ أغسطس 2019، دعت السلطات الهندية الدبلوماسيين من مختلف الدول لزيارة المنطقة وسط انتقادات واسعة لممارساتها هناك. في الواقع، كانت هذه الزيارات التي وُصفت بـ”الجولات الدبلوماسية مدفوعة الأجر“، إلى تعزيز الرواية الهندية بأن الحياة تسير بشكل طبيعي، حتى مع اختفاء السكان بشكل شبه تام عن المشهد.
المطالبة بالأحقية
في الشهر الماضي، تم تعليق موسم الحج الهندوسي السنوي “أمارناث ياترا” إلى كشمير بسبب ارتفاع عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا. وقد كان للحج المدعوم من قبل الدولة تأثير سلبي على البيئة الهشة في كشمير. وقد سلطت دراسة أجراها تحالف جامو وكشمير للمجتمع المدني الضوء على الطبيعة العسكرية لهذا الحج وأبعاده “السياسية والدينية” وكيف تستغله الهند كأداة للمطالبة بالسيطرة على كشمير.
في سنة 2008، حاولت الدولة الهندية الاستيلاء على 100 فدان من أراضي الغابات تحت مسمّى رعاية الحج، وذلك بهدف انتزاع ملكيتها من السكان المحليين بشكل أساسي وافتتاح صيف من إراقة الدماء. في تلك السنة، قُتِل 157 مدنيًا خلال احتجاجات واسعة النطاق التي أعقبت عملية الاستيلاء.
إن الطريقة التي كان ينظم من خلالها موسم الحج على مر السنين صوّرت الكشميريين “الآخرين” على أنهم أشخاص متوحشون ولا قيمة لهم، وذلك في محاولة لمحو ثقافتهم والاستحواذ على الأماكن التي يعيشون فيها.
رجل يجلس أمام باب ضريح مغلق جراء فيروس كوفيد-19 في سريناغار، في الأول من شهر آب/ أغسطس.
يزعم أحد الباحثين الكشميريين أن زيارة كشمير تعتبر بمثابة رحلة حج وطنية للسائح الهندي، مما يعزز فكرة اعتبار كشمير جزءًا لا يتجزأ من الهند. وفي خضم سياسات الهند الاستعمارية الاستيطانية، باتت السياحة وسيلة للتأكيد على ملكية كشمير.
في الأشهر الأربعة التي تلت الإغلاق الذي وقع في شهر آب/ أغسطس من السنة الماضية، أشارت تقديرات متحفظة إلى أن اقتصاد كشمير تكبد خسائر بقيمة 15 ألف كرور (2 مليار دولار)، مما أدى إلى خنق الشركات التجارية المحلية.
خلال فترة الإغلاق الحالية، أصدرت وزارة السياحة مشروع سياسة المركب الذي يُنظر إليه على أنه ضربة قاضية لهذه الصناعة. وقد وصفها أصحاب الأعمال بأنها إجراء “صارم وقاسٍ” من حيث التوقيت والمواعيد النهائية لتلبية متطلبات معينة. بعبارة أخرى، يسمح الاقتصاد المنهار للدولة بمضاعفة سيطرتها على الإقليم.
إن الترويج للسياحة في دولة عسكرية تُمارس عنفًا صيغ في إطار “مساعدة” السكان المحليين على العيش في كشمير، لا يُعدّ سوى جزء آخر من الروايات الكاذبة التي تُروّج لها الدولة الهندية.
نظام الرعاية الصحية المتداعي
بينما يحارب العالم الوباء، يكشف استقبال كشمير للسياح عن رغبة الدولة الهندية في السيطرة على الأخبار التي تروج عن كشير والحد من استقلالية السكان المحليين. وفي الوقت الذي يُجرّد فيه الكشميريون من إنسانيتهم من خلال عمليات الإغلاق والقيود المفروضة على تنقلاتهم، يُرحّب بالسياح.
كشمير ليست مشهدًا يُمكن لسياحة الاحتلال أن تخفيه، وإنما كفاح يومي من أجل عيش حياة كريمة والتحرر من احتلال عسكري عنيف
أعرب الأطباء عن مخاوفهم بشأن خطورة حالات الإصابة وعدم قدرة نظام الرعاية الصحية على التعامل معها. بالتالي، لن يؤدي قرار استئناف الموسم السياحي إلا إلى مزيد مضاعفة الضغط على نظام صحي يقترب من الانهيار بالفعل. ومع استمرار ارتفاع حالات الإصابة بفيروس كورونا، تجاوزت المستشفيات طاقتها الاستيعابية، ولم يعد فيها أسرة كافية.
السياحة مهمة، إلا أنها ليست أساسية لبقاء كشمير. وفي ظل الاحتلال العنيف، فإن الترويج للسياحة لا يؤدي إلا إلى تعزيز دعاية الدولة. فقد استخدمت الدولة الهندية على مدى عقود وسائل متنوعة للحد من نضال الكشميريين من أجل تقرير المصير. واستخدام السياحة كجزء من هذه الاستراتيجية يعدّ استغلالا، مما يعمق استعمار الدولة للمنطقة ويحول الثقافة الكشميرية إلى سلعة، بينما يُحجب العنف الذي يُمارس ضد الشعب ومقاومته.
تفتخر الدولة الهندية بمهرجانات أزهار التوليب الناجحة والعديد من المعالم الأخرى التي يمكن مشاهدتها في كشمير، ولكن تصوير وطنهم على أنه “فردوس” هو بمثابة تذكير الكشميريين بكل البراعم التي قطفت قبل أن تتفتح – وبعيون الناس الذين ضُربوا بالرصاص ولن يروا النور بعد الآن، وآلاف الورود المختفية.
كشمير ليست مشهدًا يُمكن لسياحة الاحتلال أن تخفيه، وإنما كفاح يومي من أجل عيش حياة كريمة والتحرر من احتلال عسكري عنيف ولا إنساني.
المصدر: ميدل إيست آي