قبل أيام قليلة فقط من دخول بلاده في منطقة تبادل تجاري حر مع الاتحاد الأوروبي المقرر في الأول من سبتمبر/أيلول القادم، فتح رئيس الجزائر عبد المجيد تبون، ملف الشراكة مع الاتحاد بعد 15 سنة من التوقيع، وهو الملف الذي كبَد الجزائر أموالًا باهظة بسبب اختلال التوازن في المصالح الاقتصادية والتجارية.
وطلب تبون، من وزير التجارة كمال رزيق، الشروع في تقويم الاتفاق الذي وقعت عليه كل من الجزائر والاتحاد الأوروبي يوم 19 من ديسمبر/كانون الأول 2001، بمقر اللجنة الأوروبية ببروكسل على اتفاق الشراكة الأورومتوسطية، بعد سلسلة من المفاوضات، ودخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ في سبتمبر/أيلول 2005، إذ ينص اتفاق الشراكة على أن يفتح الطرفان الموقعان على الاتفاق أسواقهما بشكل متبادل، من أجل إلغاء تدريجي لتعريفاتها الجمركية على البضائع الصناعية.
توجه جزائري جديد
شدد الرئيس على أن يكون اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي محل عناية خاصة تسمح بضمان علاقات متوازنة، ورجحت تقارير إعلامية جزائرية، في وقت سابق، إمكانية تأجيل دخول الجزائر في منطقة تبادل تجاري حر مع الاتحاد الأوروبي المقرر في الأول من سبتمبر/أيلول القادم، لأن تقويم الاتفاق الذي أمر الرئيس بمراجعته يتطلب وقتًا، وهو الأمر الذي حذر منه خبراء في الاقتصاد، حيث حذر رئيس الجمعية الوطنية للمصدرين الجزائريين علي باي نصري، في يناير/كانون الأول الماضي، من خطورة اتفاقية التبادل التجاري الحر مع الاتحاد الأوروبي التي ستدخل حيز التنفيذ في 2020، ووصفها عند حلوله ضيفًا على القناة الإذاعية الثالثة الحكومية بـ”الانتحار”، وأكد أن هذه الاتفاقيات الدولية لا تصب في مصلحة اقتصاد البلاد.
وكان ملف الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، أول الملفات التي فتحها وزير التجارة كمال رزيق، فور توليه مهامه، حيث أعلن في فبراير/شباط الماضي، أنه سيعود إلى الحكومة للحسم فيما إذا كنا سنجري في سبتمبر/أيلول عملية التفكيك الجمركي مع الاتحاد الأوروبي أو لا.
ظل ملف الشراكة مع الاتحاد الأوروبي من أبرز الملفات المدفونة، طيلة العقدين الماضيين من الزمن
وحظي قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، بترحيب واسع من طرف خبراء ومتتبعين للشأن الاقتصادي، لأن الاتحاد الأوروبي كان الرابح الوحيد من الاتفاق في وقت تكبدت الجزائر خسائر مالية كبيرة، حيث تمثل أوروبا حصة الأسد في الأسواق الوطنية، وتشير بيانات الديوان الوطني للإحصاءات، إلى أن واردات الجزائر من أوروبا تجاوزت ما معدله 45%.
وبلغ حجم الواردات الجزائرية عام 2018 نحو 46.13 مليار دولار مقابل 46.1 مليار دولار عام 2017، بينما قدرت الصادرات عام 2018 بنحو 46.13 مليار دولار مقابل 46.1 مليار دولار عام 2017، بينما قدرت الصادرات عام 2018 بنحو 41.9 مليار دولار، وبحسب التقرير مثلت دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها فرنسا أهم زبون للجزائر وأهم ممون أيضًا بـ57.4 و45.7% على التوالي.
وظل ملف الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، من أبرز الملفات المدفونة، طيلة العقدين الماضيين من الزمن، رغم اعتراف مسؤولين في النظام السابق باختلال التوازن في المصالح الاقتصادية والتجارية، ونجد في الأرشيف تصريحات مدير ديوان الرئاسة السابق ورئيس حزب التجمع الوطني الديمقراطي السابق، أحمد أويحيى، المسجون على ذمة قضايا فساد، الذي وصف الاتفاق بـ”اتفاق الموز” بعد أن خسرت الجزائر أموالًا باهظة نتيجة التفكيك التدريجي للتعريفة الضريبية إلى غاية الصفر، وقال أحمد أويحيى حينها: “المفاوض الجزائري لم يأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الجوهرية في اقتصاديات الطرفين”.
شراكة رابح خاسر
بحسب التصريحات التي أدلى بها أويحيى، فإن صادرات الجزائر نحو الاتحاد تنحصر بشكل كبير في النفط والغاز، في وقت غزت المنتجات الأوروبية المصنعة ونصف المصنعة السوق الجزائرية وتحولت السوق الجزائرية إلى سوق لتصريف البضائع الأوروبية وهو ما يؤكده أستاذ الاقتصاد والباحث في الحوكمة الاقتصادية، عبد القادر بريش، في تصريح لـ”نون بوست”.
ويقول إن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لم يكن مبنيًا على أساس قاعدة رابح – رابح، بل كان على أساس قاعدة رابح – خاسر بالنسبة للطرف الجزائري، ويستدل في هذا السياق بالخسائر التي تكبدتها الخزينة العمومية نتيجة التفكيك الجمركي، ويضيف المتحدث أن هذا الاتفاق لم يسمح للسلع والمنتجات الجزائرية اختراق الأسواق الأوروبية نظرًا للشروط التي تفرضها المعايير الأوروبية من حيث الجودة والسلامة الصحية والبيئية.
وتقر جمعية المصدرين الجزائريين بصعوبة دخول المواد الجزائرية لأوروبا لا سيما المواد الفلاحية ومنتجات الصناعة الغذائية، ودعا رئيسها على باي ناصري، الاتحاد الأوروبي لتسهيل دخول المواد الجزائرية لأوروبا دون عراقيل، إضافة إلى تسهيل الاستثمار ومنح حرية التنقل.
ومقابل هذا يتحجج الاتحاد الأوروبي بالقاعدة 49/ 51 التي فرضتها الحكومة الجزائرية في قانون الموازنة التكميلي عام 2009، ويعتبرها عائقًا أمام جلب المستثمرين الأوروبيين إلى الجزائر، ويوضح الباحث في الحوكمة الاقتصادية، عبد القادر بريش، أن الاتفاق لم يفعل في كل جوانبه وخاصة مسألة تأهيل الاقتصاد الوطني ومسألة حركية الاستثمار وتحولت بذلك الجزائر إلى سوق لتصريف البضائع الأوروبية.
اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي تم توقيعه بموازين مختلة لصالح الاتحاد الأوروبي، وهو ما أدى إلى خسائر اقتصادية ومالية كبيرة على الاقتصاد الوطني
ومن جانبه يقول النائب البرلماني السابق محمد حديبي، في تصريح لـ”نون بوست” إن اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي تم توقيعه بموازين مختلة لصالح الاتحاد الأوروبي، وهو ما أدى إلى خسائر اقتصادية ومالية كبيرة على الاقتصاد الوطني بسبب التفكيك الجمركي وعدم تأهيل المؤسسات الاقتصادية المنتجة الجزائرية وفق المعايير الأوروبية، وتحولت بذلك السوق المحلية إلى سوق أوروبية لامتصاص العملة الصعبة للخزينة العمومية.
هل سيرضى الأوروبيون؟
ويتساءل متتبعون للشأن الاقتصادي عن ردة فعل التحالف الأوروبي المكون من 27 دولة أوروبية، وإذا ما كان سيقبل طلب مراجعة اتفاق الشراكة عشية دخول اتفاق التفكيك النهائي للرسوم الجمركية حيز التنفيذ بداية من شهر سبتمبر/أيلول 2020، ويجيب أستاذ الاقتصاد عبد القادر دريش عن هذه التساؤلات بالقول: “لا أعتقد أن الاتحاد الأوروبي سيرفض الطلب الجزائري، فهذه المسائل تخضع للتفاوض وكل طرف يشهر الأوراق ونقاط القوة التي يمتلكها والجزائر لديها عدة أوراق بإمكانها توظيفها”، ويذكر على سبيل المثال توافر موارد الطاقة كالبترول والغاز والموارد الاقتصادية والسوق الواسعة والقرب الجغرافي، إضافة إلى عوامل جيوسياسية أخرى يمكن للمفاوض الجزائري توظيفها بهدف إعادة تقويم بنود الاتفاق والدفع نحو إقامة شراكة حقيقية بما يحقق المصالح الاقتصادية للجزائر مع مراعاة الظروف الاقتصادية للبلاد وحماية الاقتصاد الوطني وتأهيل الاقتصاد والمنتج الجزائري ليكون في مستوى التنافسية المطلوبة للولوج إلى الأسواق الأوروبية.
وتزامن طلب تبون بمراجعة اتفاق الشراكة الموقع في 2005، مع انتعاش الشراكة مع روسيا وتركيا والصين، إضافة إلى توجهها نحو القارة الإفريقية، حيث أقرت الحكومة الجزائرية، منذ أيام قرارًا يقضي بإعادة بعث تجارة المقايضة وتحسين المعاملات التجارية مع الدول الإفريقية، بعد توقفها لأسباب أمنية شهدتها بعض الدول على غرار مالي والنيجر، وقبلها بأيام فقط أشهر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورقة الثروة المنجمية المنسية لمواجهة الضغوطات المالية التي تواجهها الخزينة العمومية في ظل تراجع احتياطي الجزائر من العملة الصعبة إلى 62 مليار دولار حسبما أعلن محافظ بنك الجزائر أيمن عبد الرحمن شهر فبراير/شباط الماضي.