صدر له أكثر من 30 مؤلفًا بين كتب وأوراق بحثية، فضًلا عن برامج تلفزيونية ومحاضرات قدمها في شتى بقاع العالم، في مجالات علم الاجتماع والاقتصاد والسياسة والتاريخ والفكر التنموي، ونظّر كثيرًا للتنمية في إفريقيا، لا سيما في كتابه “نحو تحالف إفريقي” الذي صدر عام عام 1967، وكانت النواة التي قادته بطريقة أو بأخرى إلى إرساء القواعد الأولى للوحدة الإفريقية التي قادت إلى الاتحاد الإفريقي الموجود بشكله الحاليّ، ومن ثم نظر مبكرًا إلى مفاهيم جديدة تحكم إطار التضامن العربي الإفريقي سماه “أفرابيا Afrabia”، وهو حسب رأيه تجمع حضاري يؤكد عمق الروابط التاريخة والثقافية والحضارية بين العرب والأفارقة على ضفتي البحر الأحمر وبحر العرب.. إنه البروفيسور الكيني -العماني الأصل- علي المزروعي.
ينحدر المزروعي من قبيلة المزاريع الخليجية التي حكمت شرق إفريقيا انطلاقًا من مدينة ممبسا حتى القرن الثامن عشر الميلادي، ولد في مدينة ممبسا بكينيا في 24 فبراير 1933، وتوفي في 12 أكتوبر 2014 بنيويورك عن 81 عامًا، ونقل جثمانه وفق وصيته ودفن في مسقط رأسه بممبسا.
إسهامات فكرية
عام 1986 أعد المزروعي للتليفزيون البريطاني سلسلة حلقات عن إفريقيا لاقت نجاحًا كبيرًا، كما شارك في إعداد الموسوعة الممتازة التي أصدرتها اليونسكو تحت عنوان “تاريخ إفريقيا”، قدم خلالها إضاءات عميقة للحضارة الإفريقية الثرات الواقع وآفاق المستقبل، عرّفت الكثير من المتحدثين بالإنجليزية من العالم أجمع والثقافة الغربية بشكل خاص على ماضي إفريقيا، إفريقيا الخاسر الأول على كل المستويات، فهي المنهوبة والمستعمرة والمنكوبة اقتصاديًا والمهمشة في سياسات الأمم المتحدة، لذلك من الطبيعي أن يكون السود أول ضحايا الجانب الاقتصادي من هذا الفصل العنصري العالمي، ليس في إفريقيا فحسب، بل في أوروبا والأمريكتين.
تطرق مزروعي لقضايا الإسلام والمسلمين في أمريكا الشمالية من خلال شغل منصب مدير معهد الدراسات الثقافية العالمية بجامعة بينغامتون في مدينة بينغامتون بولاية نيويورك الأمريكية، ومدير مركز الدراسات الأفروأمريكية والإفريقية بجامعة ميشيغان، حيث كانت نقطة لتلاقح الأفكار والتعريف بالحضارة الإفريقية المتأثرة بالإسلام والثقافة العربية، وشرحها للعالم الغربي من أجل فهم وجهة النظر الإفريقية للتنمية وكيفية القيام بالتنمية على أسس إسلامية، ومن خلال قيم احترام الآخر والعدل والمساواة والإحسان، كل تلك القيم التي نادى بها الإسلام وكانت الأسس القومية والفاضلة التي أسست لحضارة إسلامية عريقة في شمال وشرق وغرب إفريقيا، آثارها باقية حتى اليوم.
مسيرة العلم والعمل
أهم إنتاجات البروفيسور مزروعي هي سلسلة الأفلام الوثائقية التي تحمل عنوان “الأفارقة، ميراث ثلاثي” التي صدرت عام 1986، ويجمع الميراث الثلاثي بين الثقافات التقليدية والإسلام والغرب، حيث تناول من خلالها تاريخ القارة خلال الحقب الزمنية الثلاثة التي سادت فيها الديانات القديمة ومن ثم الإسلام وأخيرًا دخول التبشير الكنسي إلى القارة الإفريقية، ومن خلال هذا السرد يستطيع الدارس لتفاعلات الثقافة والسياسة والاقتصاد في إفريقيا التنبؤ بمسار التنمية في المستقبل القريب من خلال معرفة الممارسات الاجتماعية والبيئية التي تحدد خيرات المواطن الإفريقي.
أعدّ مزروعي للتليفزيون البريطاني سلسلة حلقات عن إفريقيا لاقت نجاحًا كبيرًا، كما شارك في إعداد الموسوعة الممتازة التي أصدرتها اليونسكو تحت عنوان “تاريخ إفريقيا”
من أبرز مؤلفات البروفيسور المزروعي كتاب “الشتات الإفريقي.. أصول أفريقية وهويات عالمية جديدة” (The African Diaspora: African Origins and New World Identities)، الذي ناقش فيه مع مؤلفين آخرين، قضايا الأفارقة في الشتات بالأمريكتين، ومدى التعارض في الانتماء والهوية عند مناقشة قضية الهوية عند الأفارقة في تلك الأنحاء، وكيفية التعاطي مع القضايا ذات التقاطعات بين إفريقيا والعالم الجديد، وهل هنالك لوبيات للأمريكيين من أصول إفريقية من أجل تنمية القارة الإفريقية ومساندة قضايا التنمية والتحرر في إفريقيا، كل هذه الأسئلة وغيرها يستطيع القارئ لفكر علي المزروعي أن تستثيره من أجل إيجاد وإدارة نقاش عن هذه المحاور المهمة في تكوين العقل الجمعي للأفارقة في الشتات.
يقول الأستاذ عبد الوهاب الأفندي: “لعله لا يوجد مثقف إفريقي آخر تجسدت إفريقيا في شخصه، وعاشها وتنفسها، وعبر عن أفضل ما فيها، كما فعل المزروعي، فقد جسد في حياته سيرة إفريقيا الحديثة: تطلعاتها وخيباتها، هويتها وتناقضاتها”
إن فكر البروفيسور المزروعي يحتاج إلى المزيد من الدراسة والترجمة إلى العربية لمؤلفاته من أجل تثبيت جسور التواصل بين الثقافة الإفريقية مع نفسها، وبين الثقافة الإفريقية مع جيرانها من الثقافات العربية والغربية.