ترجمة وتحرير: نون بوست
منذ الانفجار المدمر لمخزن نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت في الرابع من آب/ أغسطس، نزل المواطنون اللبنانيون إلى الشوارع في حالة من الصدمة والغضب والحزن. لقد طالبوا أولا وقبل كل شيء بإجابات على أسئلة من قبيل: من أين أتت نحو ثلاثة آلاف طن من المواد الكيميائية المتفجرة؟ ومن يمتلكها؟ ولماذا توقفت السفينة المتهالكة التي كانت تحمل المواد الخطرة ورست في لبنان في ميناء المدينة في أواخر سنة 2013؟ وكيف يمكن أن تبقى المواد الكيميائية المحجوزة لأكثر من نصف عقد في مستودع غير آمن قبل أن تحدث المأساة في نهاية المطاف؟
في لبنان، يبدو أن أسباب الكارثة مرتبطة بعدم الكفاءة البيروقراطية. قبل أسبوعين فقط من انفجار المستودع، تلقى الرئيس اللبناني تقريرا عاجلا من الأجهزة الأمنية في البلاد يحذره من أن الوضع خطير للغاية.
ضاع الجانب الدولي من القضية بسرعة في متاهة من المؤامرات المؤسسية والمالية. يقال إن رجل الأعمال الروسي إيغور غريتشوشكين، مالك أو مشغل السفينة “إم في روسوس” التي ترفع علم مولدوفا، تخلى عن السفينة في لبنان بعد إعلان إفلاسه. ووقع شراء شحنة السفينة المميتة من دولة جورجيا من قبل شركة موزمبيقية تنتج متفجرات تجارية، عبر شركة تجارية بريطانية مرتبطة بأوكرانيا.
إن ملكية “روسوس” والشركات التي أمرت بنقل ما يقرب من ثلاثة آلاف طن من نترات الأمونيوم عبر نصف العالم في سفينة متهالكة، محجوبة بمستوى عالي من السرية، أعاقت عمل الصحفيين والمسؤولين في كل منعطف. وحتى الحكومة اللبنانية لا يبدو أنها تعرف من يملك السفينة بالفعل.
رجل يقف بالقرب من موقع الانفجار في بيروت في 11 أغسطس/ آب.
كشف فريق دولي من الصحفيين الاستقصائيين حقائق جديدة حول الفترة التي سبقت الانفجار، الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 182 شخصا وإصابة أكثر من ستة آلاف شخص وفقدان مئات الآلاف لمنازلهم. ووجد المراسلون أن ظروف المأساة تم تهيئتها في العالم المحير للتجارة الخارجية، حيث تسمح الشركات السرية والحكومات المطواعة للجهات المشكوك فيها بالعمل في الخفاء.
من بين أولئك المرتبطين سرًا بسفينة روسوس ورحلتها الأخيرة رجل أعمال خفي، وبنك سيئ السمعة، وشركات تجارية في شرق إفريقيا سبق أن تم التحقيق في علاقاتها بتجارة الأسلحة غير المشروعة.
في تحقيقهم المشترك الذي شمل عشر دول، وجد المراسلون أن:
إيغور غريتشوشكين لم يكن يمتلك سفينة روسوس وإنما كان يستأجرها فقط من خلال شركة خارجية مسجلة في جزر مارشال. وبدلاً من ذلك، تُظهر الوثائق أن المالك الحقيقي لسفينة روسوس كان تشارالامبوس مانولي، وهو رجل أعمال قبرصي. وقد نفى مانولي ذلك، لكنه رفض تقديم وثائق تثبت صحة مزاعمه.
امتلك مانولي السفينة من خلال شركة مسجلة في الولاية القضائية السرية المعروفة في بنما، التي تلقت بريدها في بلغاريا. ثم سجلها في مولدوفا، وهي دولة غير ساحلية في أوروبا الشرقية تشتهر بأنها منطقة اختصاص قضائي ذات أنظمة متساهلة بالنسبة للسفن التي ترفع “علم الملاءمة”. وللقيام بذلك، عمل من خلال شركة أخرى تابعة له يُطلق عليها اسم “جيوشيب”، وهي واحدة من بين قلائل الشركات المعترف بها رسميًا والتي تمنح المالكين الأجانب أعلام مولدوفا. بعد ذلك، قامت شركة أخرى تابعة لمانولي، تقع في جورجيا، بالمصادقة على أن السفينة صالحة للإبحار – وعلى الرغم من أنها كانت في حالة سيئة للغاية فقد حُجزت في إسبانيا بعد أيام.
في الرحلة الأخيرة لروسوس، كان مانولي مدينًا لبنك إف بي إم إي التجاري، وهو بنك لمالك لبناني خسر العديد من التراخيص بسبب تهم غسل الأموال المزعومة، بما في ذلك مساعدة جماعة حزب الله الشيعية المسلحة وشركة مرتبطة ببرنامج أسلحة الدمار الشامل في سوريا. وفي مرحلة ما، عُرضت سفينة روسوس كضمان للبنك.
كان الزبون النهائي لشحنة نترات الأمونيوم التي تحملها السفينة، وهو مصنع متفجرات موزمبيقي، جزءًا من شبكة من الشركات التي تم التحقيق معها سابقًا بتهمة تهريب الأسلحة ويُزعم أنها تزود المتفجرات التي يستخدمها الإرهابيون، علما بأن المصنع لم يحاول أبدًا المطالبة بالشحنة المتروكة.
أقنع وسيط الشحنة، وهي شركة بريطانية كانت خاملة في ذلك الوقت، قاضيًا لبنانياً في سنة 2015 باختبار نترات الأمونيوم من أجل التأكد من جودتها قصد المطالبة بها. وتبين أن المخزون في حالة سيئة، ولم تحاول شركة “سافارو” المحدودة في النهاية استعادة شحنة نترات الأمونيوم.
في كل مرحلة تقريبا، تُظهر المعلومات الجديدة كيف كانت شحنة سفينة روسوس القاتلة مرتبطة بممثلين استخدموا هياكل خارجية مبهمة ورقابة حكومية متراخية للعمل في الخفاء.
كشفت هذه المعلومات المخاطر الخاصة التي يفرضها الافتقار إلى الشفافية في صناعة الشحن البحري، وذلك وفقًا لما ذكرته هيلين سامبسون، مديرة المركز الدولي للبحوث البحرية بجامعة كارديف. وقد صرّحت سامبسون بأن النتائج “تسلط الضوء على جميع نقاط الضعف في نظام (الشحن البحري) وكيف يمكن استغلاله من قبل أولئك الذين يريدون استغلاله”.
ساعدت الشركات الخارجية وهياكل الملكية المعقدة في إخفاء الملكية الحقيقية لسفينة “إم في روسوس”.
الملكية الحقيقية لسفينة روسوس
كانت السفينة التي ترفع علم مولدوفا وأبحرت من ميناء باتومي الجورجي في أيلول/ سبتمبر من سنة 2013، والتي كانت محملة بأكثر من 2750 طنًا من نترات الأمونيوم من إنتاج مصنع محلي ومتجهة إلى الموزمبيق، في حالة يرثى لها. فقد كان الهيكل متآكلا، وتفتقر إلى الطاقة الاحتياطية وتعاني من مشاكل في الاتصال اللاسلكي. توقفت السفينة في بيروت لنقل المزيد من الشحنات ولم تغادر قط. وقد تم احتجازها أولاً من قبل الدائنين الذين يسعون للحصول على أموالهم من مشغلها، ثم من قبل مسؤولي الميناء الذين اعتبروها غير آمنة للإبحار.
سفينة “إم في روسوس” في إسطنبول سنة 2010.
بعد أن تم التخلي عن السفينة واحتجازها سنة 2014، ليترك على متنها أفراد الطاقم الأوكراني والروسي عالقين لمدة 10 أشهر، نُقلت شحنة نترات الأمونيوم إلى مستودع في الميناء. وفي نهاية المطاف، غرقت السفينة بالقرب من كاسر الأمواج بالمرفأ، أين يقبع حطامها.
في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، ركزت التقارير الإعلامية والسلطات الحكومية على رجل مسؤول عن ترك السفينة وحمولتها، وهو مواطن روسي يبلغ من العمر 43 عامًا يعيش في قبرص يدعى إيغور غريتشوشكين، قُدم مرارًا على أنه مالك هذه السفينة. وعلى الرغم من أن الشرطة القبرصية استجوبته بناء على طلب السلطات اللبنانية في السادس من شهر آب/ أغسطس، إلا أنه تجنب جميع محاولات الشبكة الإعلامية “مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد” وغيرها من وسائل الإعلام للتحدث معه.
لكن إيغور غريتشوشكين، حسب ما تظهره الوثائق على الأقل، ليس مالك سفينة روسوس. من خلال شركة “تيتو” للشحن التي يقع مقرها في جزر مارشال، استأجر غريتشوشكين السفينة من شركة “برايروود كورب” في بنما، وذلك وفقًا لسجلات رسمية من وكالة مولدوفا البحرية.
تفاصيل تسجيل سفينة روسوس من وكالة مولدوفا البحرية.
بنما، وهي ولاية قضائية خارجية سرية، لا تعلن عن ملكية الشركات المسجلة هناك. ولكن من خلال البحث في سجلات المحكمة في قبرص، وجد صحفيو “مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد” وثيقة تعود لسنة 2012 تظهر أن شركة “برايروود كورب” تنتمي إلى مانولي.
ساعدت ثلاث شركات أخرى تابعة لمانولي سفينة روسوس في الحصول على علمها المولدوفي، وأصدرت شهادات صلاحية للإبحار، كما قدمت خدمات وسيطة ساعدت في إبقاء السفينة في البحر رغم أنها كانت تعاني من عيوب خطيرة.
لا تتوقف علاقة مانولي بسفينة روسوس عند هذا الحد. بل تُشير السجلات إلى أن شركة أخرى من شركاته “جيوشيب كومبني إس آر آل” كانت مسؤولة عن التسجيل الرسمي للسفينة في مولدوفا، والتي بدورها كانت متساهلة فيما يتعلق بالشفافية والسلامة وطاقم العمل.
عملت شركة “ماريتايم لويد” الجورجية المملوكة من قبل مانولي بمثابة “مؤسسة تصنيف” للسفينة – وهي هيئة مسؤولة عن إثبات صلاحية السفن للإبحار. وفي سنة 2019، تم بيع الشركة.
في أواخر تموز/ يوليو 2013، أصدرت ماريتايم لويد شهادة تدعي أن سفينة روسوس قد تم بناؤها بأمان، كما تظهر سجلات التفتيش. لكن بعد أيام فقط، احتجز مفتشو الموانئ في إشبيلية السفينة، مشيرين إلى أنها تحتوي على 14عيبًا، بما في ذلك مشاكل في وحدة طاقة المساعدة.
المقر الرئيسي لشركة مانولي شارالامبوس لإدارة السفن “أشيون أكتي”، ليماسول قبرص.
صورة لشارالامبوس مانولي
كان حل هذه المشكلة الأخيرة أمرًا أساسيًا لإعادة سفينة روسوس إلى البحر للمرة الأخيرة – وكانت شركة أخرى تابعة لشركة مانولي هي التي قامت بذلك. في شهر آب/ أغسطس من سنة 2013، قبل شهرين من انطلاق رحلتها الأخيرة من باتومي، قامت شركة إدارة السفن القبرصية التابعة لمانولي، “أشيون أكتي”، بدور الوسيط لاستئجار مولد جديد من شركة أغريكو الدولية للمعدات، حسب ما أفاد به ممثل الشركة عبر البريد الإلكتروني. وتعد تكلفة الاستئجار غير المدفوعة لهذا المولد من بين الديون المتخلدة بذمة سفينة روسوس في مرفأ بيروت.
ووفقًا لسامبسون من جامعة كارديف، كانت الشبكة المعقدة للشركات ذات الصلة بسفينة روسوس نموذجية لتقليل التكاليف وحماية المالكين من المساءلة، موضحة: “ذا كنت تبحر بسفينة تعلم أنها غير قابلة للإبحار، فسيكون لديك حافز لإخفاء هويتك. وحقيقة أنه يبدو أن مالك السفينة روسوس يمتلك بالفعل جمعية التصنيف التي أصدرت السفينة بشهادة الصلاحية للإبحار – وأود أن أقول إن هذا يعني أن الشهادة لا قيمة لها حقا”.
صفحتان من قرض لسنة 2011 من بنك “إف بي إم إي” إلى منولي لشراء سفينة “سخالين”.
في مجموعة من المقابلات، قدّم مانولي للصحفيين روايات متغيرة عن ملكية السفينة. وقد ادعى في البداية أن شركته في بنما “برايروود كورب” باعت السفينة لشركة “تيتو” التابعة لغريتشوشكين في أيار/ مايو 2012.
في وقت لاحق، عندما تم تقديم المستندات التي أظهرت أن شركة “برايروود كورب” لا تزال تملك السفينة – وأنه تم تأجيرها فقط لشركة “تيتو” – قام مانولي بمراجعة بيانه وأقر بأن شركة يرايروود قد استأجرت بالفعل روسوس لشركة تيتو في سنة 2012. لكنه ادعى أنه في وقت لاحق، في آب/ أغسطس من سنة 2013، قبل الرحلة الأخيرة للسفينة، أنه قام بنقل جميع الأسهم في شركة بنما إلى غريتشوشكين، مما يجعل الروس بالفعل أصحاب السفينة.
وافق مانولي على السماح للمراسلين بالاطلاع على المستندات التي توضح تحويل الأسهم أو عقد البيع، لكنه رفض بعد ذلك محاولات المراسلين لإجراء مكالمة فيديو للقيام بذلك. كما سعى أيضا إلى إبعاد مالك السفينة – الذي ادعى أنه غريتشوشكين – عن مسؤوليته عن الانفجار.
قال مانولي: “أرسلت الشحنة إلى لبنان في سنة 2013، وليس الآن. وقد صادروا سفينته هناك، وأعلن إفلاسه بسبب ذلك. ما علاقة هذا الرجل بالانفجار إذا لم تقم السلطات اللبنانية بتخزين هذه المواد بشكل صحيح؟”. كما نفى مانولي وجود أي تضارب في المصالح في إدارته للشركات التي ساعدت في تسجيل وتصديق سفينة “روسوس”.
تُظهر وثائق التسجيل أن الشركة البنمية “برايروود” التي كانت تمتلك سفينة روسوس، تحتفظ الآن بعنوانها البريدي في شركة منتهية الصلاحية في بلغاريا تُدعى “إنتر فليت لإدارة السفن”. وقد أكد مالكها نيكولاي بيتروف خريستوف أن الشركة كانت شريكا صغيرا لشركة قبرصية تحمل الاسم نفسه تعود ملكيتها لمانولي. وادعى خريستوف أنه جمد الشركة البلغارية في سنة 2012، بعد أن ورطه مانولي في قرض سخالين من بنك “إف بي إم إي” دون علمه. ومع ذلك، قال مانولي إن إدارة “إنتر فليت” البلغارية لم يكن لها علاقة بسخالين سوى من خلال “الإدارة الفنية”.
المحطة الأخيرة
أظهرت تحقيقات “مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد” أن غريتشوشكين لم يكن يمتلك سفينة روسوس، إلا أنه شارك في الكثير من العمليات المباشرة للسفينة. وقال قبطان السفينة في رحلتها الأخيرة إن غريتشوشكين قد أمره شخصيا بأن ترسو “روسوس” في بيروت في طريقها إلى موزمبيق. ووفقا للقبطان بوريس بروكوشيف، كان السبب المعلن لقرار التوقف في آخر لحظة هو تحميل شاحنات وبضائع أخرى لدفع ثمن المرور عبر قناة السويس. وأضاف بروكوشيف أن الخطة ألغيت بعد أن كادت أول شاحنة تم تحميلها بالإضرار بظهر السفينة.
المسار الذي سلكته سفينة روسوس في رحلتها الأخيرة من باتومي في جورجيا إلى بيروت.
هذا البيان مدعوم بوثيقة تم الحصول عليها من وزارة لبنان للأشغال العامة والنقل.
سرعان ما تخلى غريتشوشكين عن السفينة. ومع ذلك، أمضى القبطان بروكوشيف وثلاثة من أفراد الطاقم عشرة أشهر محتجزين على متن السفينة من قبل السلطات اللبنانية بينما عمل الدائنون على مطاردة غريتشوشكين لتسديد ديونه. وقد صرح المفتشون اللبنانيون الذين صعدوا على متن السفينة في نيسان/ أبريل 2014 بأن الطاقم كان بالكاد لديه أي طعام أو مال، وأن القمامة قد تراكمت على سطح السفينة.
تظهر مراسلات لدى السلطات اللبنانية أنه لمرة واحدة على الأقل، في آذار/ مارس 2014، حاول غريتشوشكين إنقاذ الطاقم. وعلى الرغم من ذلك، اشتكى القبطان بروكوشيف بعد ذلك بوقت قصير من أن شركة غريتشوشكين قد توقفت عن دفع رواتبهم، وكانت تتجنب أي تواصل معهم.
يبدو أن السلطات اللبنانية ودائني السفينة لم يكن لديهم أدنى فكرة أن صاحب السفينة كان مانولي، ذلك أن اسم مانولي ولا شركاته لم يذكر في أي من وثائق المحكمة اللبنانية التي حصل عليها الصحفيون، ولا يوجد أي مؤشر على إجراء أي محاولة للتواصل معه.
ارتباط موزمبيق
لم يحاول أصحاب المصنع الموزمبيقي الذي طلب شحنة نترات الأمونيوم استرداد الشحنة بعد مصادرة “روسوس”. وتظهر الوثائق التي حصل عليها “مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد” أن مصنع “فابريكا دي إكسبلوسيفوس” هو جزء من شبكة من الشركات ذات صلات بالنخبة الحاكمة في موزمبيق. وقد تم التحقيق مع تلك الشركات بشأن الاتجار غير المشروع بالأسلحة وتزويد الإرهابيين بالمتفجرات.
سند الشحن لشحنة نترات الأمونيوم على متن سفينة روسوس
يذكر أن 95 بالمئة من أسهم المصنع تعود لعائلة رجل الأعمال البرتغالي الراحل أنطونيو مورا فييرا، من خلال شركة تدعى “مورا سيلفا أند فيلهوس”. وفي رسالة عبر البريد الإلكتروني، قال أنطونيو كونا فاز المتحدث باسم “فابريكا دي إكسبلوسيفوس”، إن الشركة قد طلبت شحنة من نترات الأمونيوم عبر شركة “سافارو ليميتيد”. وعندما لم تصل الشحنة إلى موزمبيق، قاموا ببساطة بتقديم طلب آخر.
تم التحقيق مسبقا مع “مورا سيلفا أند فيلوس” بشأن مزاعم توريد متفجرات استخدمت في تفجيرات قطارات سنة 2004 في مدريد، والتي أدت إلى مقتل ما يقارب 200 شخص. وفي السنة التالية، وبعد تلقي بلاغ من السلطات الإسبانية، داهمت الشرطة البرتغالية أربعة مستودعات تابعة للشركة، وصادرت 785 كيلوغراما من المتفجرات التي يُزعم أنها أخفيت من نظام المخزونات الخاص بها.
ترتبط الشركة أيضا بالعائلة الأولى والجيش في موزمبيق. فمنذ سنة 2012 كان رئيس “فابريكا دي إكسبلوسيفوس” الحالي نونو فييرا الشريك التجاري لجاسينتو نيوسي ابن رئيس موزمبيق فيليب نيوسي، الذي يمتلك معه شركة إدارة فعاليات وتسويق.
في السنة ذاتها، أسس فييرا بالاشتراك مع شركة الاستثمار الحكومية الموزمبيقية “مونتي بينغا” والمخابرات شركة “موديمول” لتصنيع ذخائر ومتفجرات كانت تعمل على التزويد للجيش. وكان فيليب نيوسي وزير الدفاع في ذلك الوقت. ومنذ ذلك الحين، أبلغت الأمم المتحدة عن انتهاك “مونتي بينغا” للعقوبات الدولية من خلال توريط نفسها في صفقات عسكرية مع كوريا الشمالية.
يشترك مصنع المتفجرات الذي كان من المفترض أن يستقبل شحنة روسوس في العنوان مع “إكسبلو أفريكا”، وهي شركة مملوكة بشكل مشترك من قبل عائلة فييرا. تُظهر المستندات السرية للشركات والحكومة التي شاركها “كونفليكت أوارنس بروجكت”، وهي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة، أن شركة “إكسبلو أفريكا” والشركات التابعة لها خضعت للتحقيق من قبل سلطات جنوب إفريقيا والبرتغال للحصول على أسلحة أمريكية وتشيكية انتهى بها الأمر فيما بعد في أيدي صائدي وحيد القرن والفيلة في منتزهات كروجر الوطنية بجنوب إفريقيا على الحدود مع موزمبيق.
ويُذكر أن شركة وهمية جنوب أفريقية يُزعم أنها استُخدمت لشراء الأسلحة، تُدعى “إنفستكون”، مرتبطة ارتباطا وثيقا ببشير سليمان القاطن في مابوتو، الذي صنفته الحكومة الأمريكية على أنه “زعيم مخدرات” مزعوم. وفي رسالة بالبريد الإلكتروني، قال أنطونيو كونا فاز، المتحدث باسم “فابريكا دي إكسبلوسيفوس”، إن الشرطة استجوبت موظفين من “مورا سيلفا أند فيلهوس” لكن تمت تبرئتهم من ارتكاب أي مخالفات. وقال إن العلاقات التجارية للشركة مع نجل رئيس موزمبيق كانت شفافة، ونفى أي صلة له بملك المخدرات المزعوم سليمان.
وأضاف كونا فاز: “كانت جميع الصفقات التي أبرمتها شركة إكسبلو أفريكا قانونية تماما … وإذا كان هناك أي استخدام للأسلحة لأغراض لا تتوافق مع القانون، فإن إكسبلو أفريكا ليست مسؤولة عنها”.
الوسيط
بينما لم يبذل المصنع الموزمبيقي أي جهد واضح للمطالبة بالشحنة، قامت شركة أخرى بذلك، وهي الشركة التجارية التي عملت كوسيط في الصفقة. في الواقع، تظهر سجلات الشركة أن الوسيط، شركة “سافارو” المحدودة ومقرها المملكة المتحدة، طلبت نترات الأمونيوم في وقت لم تبلغ فيه السلطات البريطانية عن أي نشاط تجاري رسمي. ومنذ ذلك الحين، ظلت الشركة غير نشطة.
إن شركة سافارو المحدودة مرتبطة بشركة أخرى تدعى سافارو في مدينة دنيبرو الأوكرانية، عبر سلسلة من المساهمين والمديرين في قبرص والولايات المتحدة. ومدير الشركة الأوكرانية يُدعى فلاديمير فيربونول، وهو رجل أعمال محلي. وأخبر فيربونول “مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد” أنه لا علاقة له بالشحنة.
تُظهر وثائق المحكمة أن شركة “سافارو” عيّنت محامياً لبنانياً في شهر شباط/ فبراير 2015 لتقديم التماس إلى محكمة محلية لفحص جودة وكمية نترات الأمونيوم التي كانت مخزنة في مستودع الميناء. وخلص تقرير الخبراء هذا إلى أن معظم الأكياس التي تزن طنًا واحدًا والتي تحتوي على نترات الأمونيوم – والتي يبلغ عددها نحو 1900 – تمزقت واتسرب محتواها.
تظهر الوثائق أيضا أن شركة “سافارو” رفضت إجراء اختبار كيميائي لنترات الأمونيوم، كما أنه لا يوجد سجل لمحاولة الشركة استعادة الشحنة بعد تلك النقطة. ويُذكر أنه تم البحث عن مشتر جديد محتمل للمخزون الخطير بدلاً من شركة “سافارو”.
في البداية طلبت دائرة الجمارك اللبنانية من الجيش اللبناني أن يأخذ الحمولة، لكنه رفض، واقترحت بدلاً من ذلك عرضها على شركة محلية، وهي شركة لبنانية متخصصة في صناعة المتفجرات مملوكة لرجل الأعمال ماجد شماس. ولا يوجد أيضا سجل يبين أن الشركة قبلت العرض. ثم اقترح الجيش ببساطة إرسال نترات الأمونيوم إلى جورجيا على حساب المستورد. ولم يتحقق هذا أيضًا قط لأسباب لا تزال غير واضحة.
بحلول شباط/ فبراير 2018، بدا أن السلطات اللبنانية قد يئست من محاولات التخلص من نترات الأمونيوم. لكن المخزون ظل في مستودع غير آمن – انفجار في انتظار أن يحدث.
في 20 تموز/ يوليو 2020، عُرض تقرير على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء – قبل أسبوعين فقط من وقوع الانفجار – حذرت فيه أجهزة الأمن اللبنانية من وجود عيوب أمنية خطيرة في المنشأة تركت نترات الأمونيوم عرضة للنهب.
وجاء في التقرير أن أحد أبواب المستودع غير الخاضع للحراسة قد فُقد بينما كانت هناك أيضًا فتحة في الجدار الجنوبي. وحذر التقرير من أنه “في حال تعرض المخزون للسرقة، يمكن للسارق تحويل هذه البضائع إلى متفجرات”.
وفقًا لثلاثة مصادر استخباراتية أوروبية تحقق في الانفجار، تحدثت إلى المراسلين بشرط عدم الكشف عن هويتهم، فإن الكمية التي كانت لا تزال مخزنة في المستودع بحلول شهر آب/ أغسطس ربما كانت أقل من الكمية الأولية البالغة 2750 طنًا. وقالوا إن حجم الانفجار يعادل 700 إلى ألف طن من نترات الأمونيوم. بيد أن الانفجار كان كبيرا بما يكفي لتدمير أجزاء كبيرة من شرق بيروت. وكان واحدا من أقوى الانفجارات غير النووية المسجلة على الإطلاق.
المصدر: مشروع تغطية الجريمة المنظمة والفساد