ترجمة وتحرير: نون بوست
على خلفية الانفجار الهائل الذي جد في بيروت، وأودى بحياة أكثر من 200 شخص، وموجة السخط الشعبي الناجمة عن تدهور الأوضاع المعيشية في لبنان التي تلته، وافقت الأطراف الرئيسية التي تعرقل حل النزاعات الحدودية البحرية بين “إسرائيل” ولبنان على تدخل وسيط أمريكي، بحسب المسؤولين والدبلوماسيين اللبنانيين رفيعي المستوى.
منذ سنة 2011، شاركت الولايات المتحدة في محاولة التوسط في النزاع، لكن “حزب الله”، الذي يحتل مكانة راسخة في السياسة اللبنانية، لطالما اعتبر أن تدخل واشنطن منحاز لصالح “إسرائيل”. أضحى الخلاف الحدودي البحري من أولويات وزير الشؤون السياسية الأمريكي ديفيد هيل وفريقه خلال زيارته لبيروت، مما أدى إلى تنبؤات بأنه من المحتمل أن تكون هذه القضايا على وشك الحل أخيرا. لا يزال لبنان و”إسرائيل” في حالة حرب من الناحية الفنية، وتعود نزاعاتهما الإقليمية إلى فترة النكبة 1948. وتجدر الإشارة إلى أن هناك نوعان من النزاعات الحدودية المنفصلة: البرية والبحرية.
النزاعات البحرية
أعرب كل من الرئيس اللبناني ميشال عون والنائب اللبناني منذ فترة طويلة وكبير مفاوضي الحدود نبيه بري عن استعدادهما لوضع حد للنزاعات الحدودية البحرية المستمرة منذ عقود. وتعد المنطقة المتنازع عليها عبارة عن مثلث، تبلغ مساحته 860 كيلومتر مربع من المياه، واقع في شرق البحر الأبيض المتوسط. ويكمن الخلاف حول طريقة ترسيم الحدود البحرية، حيث تحدد “إسرائيل” الحدود على أنها بزاوية 90 درجة للخط الساحلي، بينما يرسمها لبنان على أنها استمرار للخط الحدودي البري.
منذ سنة 2009، اكتسبت هذه المنطقة المتنازع عليها أهمية أكبر بكثير، عندما تم اكتشاف مخزونات الغاز الطبيعي الرئيسية في البحر بين “إسرائيل” وقبرص. من المتوقع أن تحتوي المنطقة المتنازع عليها على احتياطيات من الغاز الطبيعي. بشكل عام، يُعتقد أن المياه الإقليمية اللبنانية يمكن أن تستوعب ما يصل إلى 25 تريليون قدم مكعب وفقا للدراسات السيزمية، والتي من المحتمل أن تكون حاسمة بالنسبة للاقتصاد اللبناني المنهار. تبعا لذلك، سيُسهل حل النزاع استغلال هذه الموارد.
تبلغ مساحة المنطقة الاقتصادية الخالصة الحالية لـ”إسرائيل” 22 ألف كيلومتر مربع وتمتد على مسافة 130 كيلومترا من أقصى الطرف الشمالي لشاطئ البحر الأبيض المتوسط لـ”إسرائيل” و204 كيلومتر من أقصى جنوب ساحل البحر المتوسط لدولة الاحتلال. تمر خطوط الشحن الدولية المهمة عبر المنطقة الاقتصادية الخالصة لتل أبيب، وتحتوي على العديد من حقول الغاز الطبيعي التي وقع اكتشافها مؤخرا. كما ستستفيد تل أبيب من حل النزاع البحري حيث تسعى إلى توسيع استغلال الغاز ناهيك عن استكشاف طرق جديدة لتصدير موارد الغاز الحالية.
خلال سنة 2018، دعا لبنان إلى تقديم عروض لاستكشاف عدة بلوكات من مياهه البحرية للحصول على مصادر الطاقة. اشترت شركات مثل توتال وإني ونوفاتاك حقوق استكشاف بلوك 9، الذي يضم جزءا من المنطقة المتنازع عليها. كان من المقرر أن يستأنفوا عمليات الاستكشاف هذه السنة.
اكتسب النزاع البحري أهمية عندما وقع اكتشاف حقول الغاز الطبيعي المجاورة.
فيما يتعلق الأمر بالمفاوضات بين “إسرائيل” ولبنان حول الحدود البحرية، فقد وقع إحراز بعض التقدم في السنوات الأخيرة. مؤخرا، وافق لبنان أخيرا على واشنطن كوسيط في المفاوضات، على الرغم من معارضة “حزب الله”. في المفاوضات التي دارت بين سنتي 2011 و2012، قدمت “إسرائيل” جملة من التنازلات لبيروت، حيث وافقت على خط الحدود الوسطي الذي اقترحته الولايات المتحدة وكان سيقدم للبنان 55 بالمئة من المنطقة المتنازع عليها.
من جانبه، قاد بري المفاوضات اللبنانية، الذي كان يعرف كحليف وثيق لحزب الله وزعيم حركة أمل الشيعية. منح “حزب الله” بري مباركته لقيادة المفاوضات لأن قادة الحزب كانوا يعلمون أنه لن يتجاوز الخطوط الحمراء للحزب. وخلال الأسبوع الماضي، صرح بري في حوار لصحيفة لبنانية إن المفاوضات “مع الأمريكيين شارفت على الانتهاء”. وأوضح التقرير نفسه أن “حزب الله” كلف بري باتخاذ قرار نهائي، مشيرا إلى أن “حزب الله” كان “العائق الأساسي أمام التوصل إلى اتفاق”.
في الأسبوع الماضي، بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي كان في بيروت للمساعدة في الجهود الإنسانية، في جمع الجهات السياسية الفاعلة الرئيسية في لبنان لتشكيل حكومة وحدة في لبنان. قد يكون هذا أكثر صعوبة بالنسبة للجانب اللبناني بالنظر إلى استقالة الحكومة اللبنانية يوم الاثنين بعد احتجاجات داخلية على الفساد وسوء المعيشة. ولكن مع استمرار عمل الوزراء بصفة مؤقتة، ربما لا يزال بإمكان ماكرون إقناع لبنان بوضع حد للقضايا التي أمضوا عقودا في تجنبها، مثل النزاع على الأراضي مع “إسرائيل”.
الخميس الماضي، خلال مكالمة هاتفية مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أشار الرئيس عون إلى أنه يأمل في إنهاء الخلافات الحدودية مع “إسرائيل” بمساعدة الوساطة الأمريكية.
الحدود البرية
المناطق الثلاث عشر المتنازع عليها بين “إسرائيل” ولبنان.
عملت قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان (قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان أو اليونيفيل) بشكل مستمر للتوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البرية الإسرائيلية اللبنانية، والتي يفصل بينها “الخط الأزرق”، الذي يستند بدوره إلى اتفاقية الهدنة الإسرائيلية اللبنانية لسنة 1949 والاتفاقيات الحدودية الفرنسية البريطانية من سنة 1920.
يتنازع لبنان على 13 نقطة على طول حدوده الجنوبية مع “إسرائيل” كما حددتها قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان بين سنتي 2000 و2001، عقب انسحاب “إسرائيل” من جميع الأراضي اللبنانية. ويُذكر أن أكبر وأشهر هذه المناطق هي مزارع شبعا، التي استولت عليها “إسرائيل” من سوريا في حرب 1967، وبالتالي تعتبر جزء من هضبة الجولان، على الرغم من استمرار لبنان في المطالبة بها كأرض لبنانية.
من غير الواضح ما إذا كان اتفاق الحدود البحرية سيؤدي أيضا إلى إحراز تقدم على الحدود البرية، لكن هذا غير مرجح. لطالما كان لحزب الله مصلحة في الحفاظ على النزاع الحدودي البري كمبرر لإدامة الصراع مع “إسرائيل”، ومن غير المرجح أن يسمح للبنان بالتخلي عن هذا التبرير ما لم يكن في وضع حرج حقا.
لماذا الآن؟
لطالما كان “حزب الله” أكبر عقبة أمام التوصل إلى تسوية مع “إسرائيل”. بعد تصاعد الاحتجاجات ضد فساد النخبة الحاكمة، قال دبلوماسي عربي رفيع المستوى في بيروت لقناة العربية في وقت سابق من هذا الشهر إن “حزب الله قد أقر بالهزيمة” بشأن النزاع الحدودي البحري، وهو الآن منفتح على حل النزاع.
في الواقع، تأتي هذه المحادثات الجديدة بعد أيام فقط من الانفجار الذي وقع في الرابع من أغسطس/ آب في مرفأ بيروت والذي خلف أكثر من 200 قتيل وآلاف الجرحى ودمر أجزاء كبيرة من المدينة. منذ ذلك الحين، تغير المشهد السياسي في لبنان. وردا على التفجيرات والدمار، نزل العديد من المتظاهرين اللبنانيين إلى الشوارع احتجاجا على فساد وإهمال النخبة الحاكمة. في الحقيقة، يعتبر الكثيرون أن الانفجار هو أحدث مثال على التقليد الطويل للحكم غير الكفء وتجاهل النخبة في البلاد لرفاهية الشعب وسلامته.
اكتشافات الطاقة تشكل أهمية بالغة لدعم الاقتصاد اللبناني المشلول، ولكنها سوف تواجه صعوبة في التطور ما دامت الحدود البحرية محل نزاع
اقتحم المتظاهرون الوزارات الحكومية ودعوا إلى استقالة النواب. وردد الكثيرون “إرهابيون، إرهابيون! “حزب الله” إرهابيون!”. والجدير بالذكر أن هذه ليست الجولة الأولى من التظاهرات في لبنان في الأشهر الأخيرة، إذ ظهرت احتجاجات واسعة النطاق مناهضة للحكومة سنة 2019 استجابة للظروف الاقتصادية السيئة.
منذ ذلك الحين، تسببت الأزمة الاقتصادية في لبنان، والتي تفاقمت بفعل وباء كوفيد-19، في انهيار الليرة اللبنانية وارتفاع الأسعار. لا يستطيع الكثيرون أن يتحملوا النفقات الأساسية لأن تكاليف المعيشة ومستويات البطالة ومعدلات الفقر بلغت أعلى مستوياتها على الإطلاق.
في حين لم تسفر المحادثات السابقة التي توسطت فيها الولايات المتحدة بين لبنان و”إسرائيل” عن التوصل إلى حل، فإن الموقف الحالي قد يؤدي في النهاية إلى إنهاء النزاعات الحدودية. إن اكتشافات الطاقة تشكل أهمية بالغة لدعم الاقتصاد اللبناني المشلول، ولكنها سوف تواجه صعوبة في التطور ما دامت الحدود البحرية محل نزاع.
المصدر: مجلس الشؤون الأسترالية والإسرائيلية واليهودية