ما الذي يمنع تركيا من قتال داعش؟

455860062_barkey_

ترجمة وتحرير نون بوست

هل تشارك تركيا في التحالف الواسع ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) الذي يحاول أن يشكله الرئيس الأمريكي باراك أوباما أم لا؟ هناك بالتأكيد أسباب للاعتقاد بأن تركيا ستكون مهتمة بهذا الجهد، فتركيا تترك في حدود برية طويلة مع سوريا، وهناك العديد من رموز المعارضة السورية “المعتدلة” يتخذون من تركيا مقرًا لهم، كما أن الحكومة التركية كانت في طليعة معارضي نظام الأسد، وكذلك وقفت بشكل أكيد مع العديد من الدول الأخرى الراغبة في القضاء على داعش.

ومع ذلك، لم تنضم تركيا إلى الدول العربية العشر التي وقعت على المشاركة في التحالف ضد داعش أثناء محاولة بنائه في اجتماع جدة بالسعودية، كما أوضحت أنقرة أنها لن تشارك في العمليات العسكرية ضد التنظيم، قالت تركيا إنها مستعدة لتقديم المساعدات الإنسانية، كما أنه من المتوقع أن تتحالف تركيا مع واشنطن بشكل سري.

كان السبب الرئيسي الذي قدمه الأتراك لعدم المشاركة في ذلك التحالف هو قلقهم بشأن مصير دبلوماسييهم المختطفين من قبل داعش عند اجتياحها الموصل، لكن أزمة الرهائن انتهت مع نهاية الأسبوع الماضي، لم يتوقع الأتراك – وأخطأوا في ذلك خطئًا جسيمًا – أن تقوم داعش باحتجاز مواطنيها، لاسيما مع الدعم الكبير الذي تقدمه أنقرة لمعارضي بشار الأسد.

نهاية أزمة الرهائن في الموصل، لا تعني بالضرورة أن تركيا لديها الآن مطلق الحرية في مواجهة داعش، فأنقرة لا تزال تواجه أزمة رهائن ثانية قد تدعوها للتفكير مرتين قبل أن تنضم لتحالف أوباما، إلى الجنوب من الحدود التركية مع سوريا، هناك مجموعة من الجنود الأتراك تحرس قبرًا قديمًا يقال إنه ينتمي إلى سليمان شاه، جد أول سلاطين الدولة العثمانية، الاحتلال الفرنسي تنازل عن المقبرة للدولة التركية الوليدة عام 1921، نُقلت المقبرة إلى موقع أقرب لتركيا عام 1975 بعد بناء سدود نهر الفرات وإنشاء بحيرة الأسد، الموقع الجديد، في محافظة حلب السورية، يبعد حوالي 20 ميلاً عن الحدود التركية، ومنذ ذلك الحين تتمركز قوة تركية هناك.

بإمكان الجهاديين أن يسحقوا القوة التركية، يمكنهم أن يفعلوا ذلك بسهولة، وهذا بالتأكيد سيدفع لرد فعل عسكري تركي، وفي كلتا الحالتين، فإن الوضع حساس للغاية بالنسبة للأتراك، فإذا أرادوا تأمين الحماية والإمدادات للقوة التركية في حلب، فإن هذا يعني أن عليهم التنسيق مع الجهاديين هناك، لقد كانت آخر عملية إمدادات معروفة في أبريل الماضي عندما كانت داعش لا تتمتع بمثل القوة التي تتمتع بها الآن.

وفي حين أن تفاصيل صفقة الرهائن لا تزال غير واضحة، إلا أن أنقرة وجدت طريقها لداعش عن طريق مفاوضين ربما من القبائل العربية أو عبر نائب الرئيس العراقي السابق طارق الهاشمي، والذي لجأ إلى تركيا في وقت سابق من 2013، مثل هذه الصفقة، قد تتضمن وعدًا من تركيا بعدم المشاركة في الحملة ضد داعش، خاصة مع استيلائهم على ورقة تأمين بوجود الجنود الأتراك عند قبر سليمان شاه.

كانت المشكلة الأخرى في تركيا هي ظهور بنية تحتية داعمة للجهاديين داخل الأراضي التركية، السفير الأمريكي السابق “فرانسيس ريتشاردوني” قال للصحفيين إن أنقرة كانت تعمل مع جماعات تعتبرها الولايات المتحدة “متجاوزة للحدود”، بما في ذلك تنظيم جبهة النصرة، وفي وقت سابق من هذا العام، أوقفت الشرطة التركية شاحنة تابعة لمؤسسة الإغاثة الإنسانية IHH، وهي منظمة غير حكومية مقربة من حزب العدالة والتنمية، وهي المنظمة التي أطلقت أسطول الحرية إلى غزة، تم إيقاف الشحنة بزعم أنها تحمل أسلحة للمقاتلين في سوريا، نفى رئيس الوزراء التركي “أحمد داوود أوغلو” أن تكون أنقرة عملت مع جبهة النصرة، وتنفي IHH أي علاقة بالشاحنة الموقوفة.

تم تهريب المساعدات والذخائر والمقاتلين عبر الحدود بإرادة وأحيانا بمساعدة تركية، البنية التحتية الناتجة التي نتحدث عنها، تتكون من مجموعات من المتعاطفين، والعوامل الأخرى مثل شبكات المنازل الآمنة وقنوات النقل والتهريب والمستشفيات التي توفر الدعم الطبي للمقاتلين، هذه البنية مستقلة الآن عن الحكومة.

تتفاوت التقديرات، لكن تقارير وسائل الإعلام التركية تقول إن ما يصل إلى 1000 تركي قد انضموا إلى داعش، وفقًا لاستطلاعات الرأي، فقط 70٪ من الأتراك يرون داعش كجماعة إرهابية، وفي دولة تعداد سكانها 75 مليون نسمة، وجود 30٪ لا يتبنون هذا الرأي يعني أنهم يمثلون قاعدة ضخمة للتجنيد المحتمل بالنسبة لداعش.

لبعض الوقت، كانت إدارة أوباما تدفع رئيس الوزراء السابق والرئيس الحالي “رجب طيب أردوغان” إلى تضييق الخناق على دعم الجهاديين في سوريا، وبعد سقوط الموصل والتعبئة الدولية ضد داعش، تعزز ذلك الضغط على تركيا، لم تطلب الولايات المتحدة من أنقرة استخدام قاعدة إنجرليك الجوية الضخمة في جنوب تركيا لعمليات عسكرية ضد داعش، لقد كانت واشنطن تعلم تمام العلم أن أنقرة ستخذلهم في هذا الطلب.

استخدام تلك القاعدة سيسهل كثيرًا من العمليات ضد داعش، كما أنه سيكون أرخص بالنسبة للولايات المتحدة بدلاً من استخدام قواعدها الجوية في الدوحة أو حاملات الطائرات في الخليج العربي أو البحر المتوسط، لكن الحقيقة أن الولايات المتحدة لا تحتاج تلك القاعدة لتحقيق أهداف محدودة، فبدلاً من ذلك، تريد واشنطن أن تعمل بشكل وثيق مع أنقرة دون إثارة الكثير من الضجة، ومع ذلك، تفكيك البنية التحتية في تركيا التي تدعم الجهاديين من كل الأطياف، والقضاء على طرق تهريب النفط خارج سوريا والذي تستفيد منه داعش، يجب أن تكون أولوية لجميع الأطراف.

أردوغان لديه حساسية مفرطة من أي انتقادات في الصحافة الأمريكية، ويتهمها عادة بالتورط في التشهير والدعاية الخبيثة ضده، لكنه في وضع صعب، والكثير من ذلك بسبب أفعاله هو، ولكي نكون منصفين، 560 ميل من الحدود التركية السورية من الصعب أن يتم السيطرة عليها تمامًا، هذه المنطقة يعيش الناس فيها منذ عقود على التهريب.

المشكلة الأكبر، هي أن الحكومة التركية ليس لديها ثقة كبيرة في الولايات المتحدة، هذا الأمر خاضع بشكل جزئي للأيديولوجيا التي يتبناها قادة تركيا الآن، لكنه أيضًا نتيجة الخبرة التركية مع الأمريكيين، فبعد كل شيء، تدخلات أمريكا الفاشلة في المنطقة لا توحي بالثقة في قدرة واشنطن على بدء معركة جديدة.

بين الرهائن الذين تحتجزهم داعش، والدعم الذي تحصل عليه “الدولة” في تركيا، تمكن الجهاديون من تقييد قدرة أردوغان على المناورة، السياسة الطبيعية لتركيا في الوقت الحالي هي الجلوس على الهامش، لكن بينما تتصاعد الحملة ضد داعش، قد تجد تركيا نفسها مضطرة تحت ضغوط متزايدة للانجرار فيها.

هل سيتكرر نموذج العام 2003؟ حينها – وعلى الرغم من دعم الحكومة – قرر البرلمان التركي رفض مقترح من شأنه أن يسمح بعبور القوات الأمريكية إلى العراق عبر الأراضي التركية، هذا القرار يلقي بظلاله الآن على العلاقات التركية الأمريكية في الوقت التي تكافح فيه الولايات المتحدة للسيطرة على عراق ما بعد صدام.

معضلة تركيا، باختصار، هي أنها فقدت زمام المبادرة للتحرك ضد داعش، ورغم أنها قد أنقذت الرهائن، إلا أنها لا تزال رهينة لداعش.

المصدر: فورين بوليسي