ترجمة وتحرير نون بوست
كتب كيت وونج وديفيد بوجي
كان الصحفي شريف سنبل يلتقط صورًا لراقصات عرقيات في أثناء جولة رسمية بإقليم شينجيانغ أقصى غرب الصين، عندما لاحظ أن هناك غرفةً ممتلئةً بالنساء اللاتي يتدربن على استخدام ماكينات الحياكة، لقد أدرك أنه في واحدة من شبكة معسكرات التلقين السياسي حيث تقول الأمم المتحدة إن الصين تحتجز فيها ما يقرب من مليون شخص غالبيتهم من أقلية الإيغور.
كان سنبل – محرر ومصور مصري – واحدًا من بين 80 صحفيًا على الأقل أخُذوا إلى شينجيانغ منذ 2015 في جولة لطريق الحرير الصيني الشهير، لقد غادر مقتنعًا أن ادعاءات سوء المعاملة داخل مراكز إعادة التأهيل غير صحيحة، يقول سنبل: “لقد اعتدت سماع الناس وهم يتحدثون عن التعذيب داخل تلك المراكز التعليمية، لكن حماس الراقصات أبهرني، انظروا إلى وجوههن، إنهن سعيدات للغاية”.
يُعد سنبل واحدًا من المستفيدين من برنامج حكومي صيني ضخم يستهدف الصحفيين غير الناطقين بالإنجليزية في حملة مدبرة لبناء نفوذه، في السنوات الأخيرة تواصلت الصين مع العالم الإسلامي وجلبت أكثر من 30 صحفيًا من دول إسلامية إلى شينجيانغ في محاولة لتفنيد العناوين الغربية التي تتحدث عن انتهاك حقوق الإنسان.
تخدم الجولة هدفًا مزدوجًا حيث تعرض وسائل الإعلام الحكومية الصينية تلك الزيارات في نشرة الأخبار المسائية الوطنية الرئيسية، وفي بعض الحالات تُعرض اقتباسات للصحفيين وهم يقدمون دعمهم لإستراتيجية الصين المتشددة في شينجيانغ.
وصف مسؤولو الحزب الشيوعي شينجيانغ كأقليم أصله صيني من الناحية التاريخية، وأن الإيغور وغيرهم من المسلمين التركمان جاؤوا مهاجرين إلى شينجيانغ
كشفت المقابلات مع 3 صحفيين مسلمين شاركوا في الجولة عن تزويدهم بمترجمين فوريين وإمكانية الوصول إلى مسؤولين ذوي سلطة عالية مع مراقبة تفاعلاتهم في أثناء الجولة، تحدث سنبل عن مقابلة مع سجينة حوكمت بثلاث سنوات في مركز إعادة تأهيل بعد أن اعتدت على نساء أخريات لعدم ارتدائهن الحجاب، يقول سنبل: “لقد ارتكبت جريمة، وقد وافقت على الذهاب إلى مركز إعادة التأهيل، فما المشكلة في ذلك؟”.
إنهم يريدون أن نحكي للعالم قصة مزيفة
بالنسبة لسنبل ومجموعته المكونة من 12 شخصًا كان مركز التلقين السياسي آخر محطة في جولة استمرت 10 أيام بدأت في بكين وتضمنت روضة أطفال وكلية إسلامية ومسجد وسوق ومناطق ثقافية في شينجيانغ.
كانت الصين متهمة بمحاولة إبادة ثقافة الإيغور لكن سنبل يقول إنه رأى ما أقنعه بالعكس، يقول سنبل: “في سوق الرقص التقليدي للإيغور هناك مسجد حديث، لقد بنوا مكانًا للصلاة وهناك مكان للرقص، لديهم كل شيء”.
شارك مراد يلمز – مراسل من صحيفة حرييت التركية – في جولة بإقليم شينجيانغ عام 2017، وقد دعا يلمز بعد الزيارة إلى زيادة التعاون الاقتصادي بين الدول الواقعة بالقرب من مبادرة “حزام واحد، طريق واحد”، حيث قال: “لقد رأيت الصين بعيني وقد حصلت على المعلومات الصحيحة”.
لكن الصحفي الذي كان له رد فعل مختلف على الجولة الرسمية هو أولسي جازكسي – صحفي ألباني كندي مستقل -، في أغسطس 2019 سافر أولسي إلى تشينجيانغ في جولة لمدة 8 أيام مع 19 صحفيًا آخر من 16 دولة مختلفة.
كان أولسي يعارض الولايات المتحدة دائمًا وعندما وصل إلى السفارة الصينية في تيرانا كان لديه هدف واحد حيث يقول: “كنت أريد أن أكتب قصة جيدة عن الصين، كنت أريد أن أثبت للعالم أن الأمريكان مثلما كذبوا بشأن ما حدث لنا في البلقان، فإنهم يكذبون بشأن الصين أيضًا”.
كان جازكسي مؤرخًا أيضًا ومن البداية كان متشككًا في رواية الخبراء الصينيين الذين حاضروا أمام المجموعة، حيث يقول: “وصف مسؤولو الحزب الشيوعي شينجيانغ كأقليم أصله صيني من الناحية التاريخية، وأن الإيغور وغيرهم من المسلمين التركمان جاؤوا مهاجرين إلى شينجيانغ وصوروا الإسلام كدين أجنبي فرضه الأجانب على الإيغور”.
كان هذا الكلام بالنسبة له دعايا أكثر منه تاريخ، لم يكن جازكسي مرتاحًا أيضًا مع تصوير المسلمين في متاحف الدولة كأشخاص بدائيين وقذرين، لكن اللحظة الفارقة جاءت في أثناء زيارة مركز تدريب المهارات المهنية في مقاطعة وينسو، وهو مركز إعادة تأهيل في إقليم أكسو.
عندما وصلت المجموعة شاهدوا سلسة من الغناء والرقص الروتيني، وبعد 15 دقيقة سأل جازكسي إذا كان بإمكانه التحدث مع بعض المعتقلين، فأخذوه إلى فصل دراسي وأخبروه أن بإمكانه إجراء مقابلات خاضعة للإشراف، لاحظ جازكسي أنه كلما تحدث إلى المعتقلين بلغتهم الأصلية أجابوا باستخدام لغة الماندرين الصينية، فأدرك أن السجناء خائفون.
لقد فهمنا أن هؤلاء الناس غير مسموح لهم بالتحدث بلغتهم الأصلية، ومن خلال المحادثات مع المسؤولين عنهم أدركنا أن جميع الممارسات الإسلامية محظورة في المعسكرات
يضيف جازكسي: “لقد فهمنا أن هؤلاء الناس غير مسموح لهم بالتحدث بلغتهم الأصلية، ومن خلال المحادثات مع المسؤولين عنهم أدركنا أن جميع الممارسات الإسلامية محظورة في المعسكرات وأنهم غير مسموح لهم باستخدام الهاتف أو التواصل مع عائلاتهم”.
علم جازكسي أيضًا بعض أسباب الاعتقال التي من بينها ارتداء الحجاب والصلاة في الأماكن العامة وقراءة القرآن، يقول جازكسي: “ما وجدناه في تشينجيانغ هو أن ممارسة الإسلام تعد جريمة”.
في تلك الليلة نشر جازكسي مقاطع فيديو لتلك المقابلات مع السجناء المحاطين بالمشرفين والمترجمين على يوتيوب، أزعجت تلك الخطوة المسؤولين الصينيين في الجولة الذين سألوه عن سبب التقاطه لتلك المقاطع.
في الأيام التالية زارت المجموعة مركز إعادة تأهيل في مدينة كاشغر حيث لاحظوا أن السجناء يرتدون أزياء الإيغور التقليدية، يقول جازكسي: “لأن معظمنا صحفيون فقد أدركنا أن الحزب الشيوعي الصيني يقدم لنا عرضًا، يريدون أن نبيع للعالم قصة مزيفة”.
إن الصين تفعل ما يفعله البريطانيون والأمريكيون، إنها تنتج قصصًا مزيفة لخدمة أهدافها الإمبريالية
لاحظ جازكسي أنه بينما تسببت تلك الزيارات في بكاء بعض الصحفيين إلا أن غالبيتهم لم يتخذوا أي موقف، كتب أحدهم تقريرًا طويلًا عما حدث لكنه لم يتمكن من نشره في بلاده، أما البقية فظلّوا صامتين.
قالت وزارة الخارجية الصينية إن تصريحات جازكسي ليس لها أساس من الصحة وإنها مجرد شائعات وافتراءات ويجب أن لا تنساق وسائل الإعلام وراء تصريحاته، وأضافت: “تطبق المراكز بصرامة المبادئ الأساسية لاحترام وحماية حقوق الإنسان وفقًا للدستور والقانون الصيني، ويستخدم الجميع اللغة الوطنية المشتركة ولغات الأقليات في الوقت نفسه”.
تمثل هذه الرحلات أحد جوانب إستراتيجية حرب المعلومات الصينية وفقًا لمايكل راسكا من كلية “S Rajaratnam” للدراسات الدولية في جامعة نانيانج التكنولوجية بسنغافورة، يقول راسكا: “تتعلق حرب المعلومات بمحاولة إجبار الآخرين على القبول باهتمامتك ومصالحك، والجديد الآن هو التحول في إستراتيجيات التأثير السياسة والمعلوماتية الصينية، فهناك الآن المزيد من الشمولية والنشاط الموجه للتحكم في الرواية”.
من الصعب قياس مدى نجاح تلك الجولات، فقد بدا أن سنبل مقتنع بأن دوافع الصين في تشينجيانغ إنسانية وأن الصحافة الغربية تعامل الصين بإجحاف، أما جازكسي فيقول: “الصين تفعل ما يفعله البريطانيون والأمريكيون، إنها تنتج قصصًا مزيفة لخدمة أهدافها الإمبريالية، إنهم ينفقون الكثير، وأعتقد أنهم على المدى الطويل سيفوزون في الحرب ضد الغرب”.
يبدو أن صراحة جازكسي كلفته الكثير، فقد تعرض لهجوم علني من صحيفة “Global Times” الصينية التي تديرها الدولة واتهمته بنشر أخبار زائفة وانتهاك أخلاقيات الصحافة، وقال جازكسي أيضًا إن السفارة الصينية في ألبانيا تواصلت معه وألمحت إلى أن التزامه الصمت سيكون مفيدًا له، ويضيف: “لقد قالوا لي من فضلك لا تكتب أي شيء ولا تتحدث عن أي شيء، إذا التزمت الصمت ستكون صديقًا للصين”.
المصدر: الغارديان