ترجمة وتحرير نون بوست
“لقد أحببتها” إنها عبارة قلتها مرات كثيرة ردًا على أي عمل للفنان المقيم مع أسرتنا المعروف بابنتي ذات الست سنوات، لأكون صادقًا فإنني أشعر بالمتعة عندما تكرس عملها لأجلي وليس للطرف صاحب السلطة الأعلى (زوجتي).
وعليه فإنني أفخر باختيارها للألوان واهتمامها بالتفاصيل، لكن اتضح أنني أيضًا أقوض جهودها عندما أضع نفسي وموافقتي في مركز المحادثة بيننا، كم مرة أخبرونا كآباء وأمهات أن نمدح السلوك الذي نود أن يظهره أطفالنا استباقيًا، ولا ننتظر حتى ندين تصرفهم الخاطئ.
لكن الباحث الرائد ويندي جرولنيك – أستاذ علم النفس بجامعة كلارك، ماساتشوستس – يقول إن للمدح جانبًا مظلمًا أيضًا، لأن مدح الناتج (إنه جميل) أو مدح الشخص (إنك ذكي للغاية) يشجع الطفل على التركيز على هذه الأشياء، وربما يشعر بقلق في الأداء أو ربما يتساءل عن شرطية الحب (إذا كنت طفلًا ذكيًا عندما أفعل ذلك، فإنني بالتأكيد غبي عندما لا أفعل).
قد يصبح الطفل أكثر حماسًا بتحقيق سعادة الوالدين بدلًا من العملية التي تؤدي إلى ذلك، وقد تصبح اللوحات الفنية المستقبلية أقل متعةً في صنعها أو تختفي المتعة تمامًا عندما لا يثني عليها الوالدان بشدة، لذا، إليكم دليل مدح وعدم مدح الطفل.
امدح الطريقة وليس الشخص
كجزء من حركة تقدير الذات في السبعينيات طُلب من الآباء أن يقدموا لأبنائهم ملاحظات إيجابية مثل “عمل رائع” “أنت ذكي للغاية”، كان ذلك مخالفًا للأسلوب الأبوي من الانضباط الموجه في الأجيال السابقة، وكان الهدف منه تحقيق بيئة صحية أكثر دفئًا.
يعمل سؤالك على تشجيع الطفل لأن يسأل نفسه هذه الأسئلة، ما يثير لديه الفضول والاستكشاف
لكن الباحثين – خاصة كارول دويك أستاذة علم النفس بكلية الدراسات العليا جامعة ستانفورد – الذين درسوا تأثير هذا النوع من المدح في أواخر التسعينيات وجدوا أن له تأثيرًا ضارًا، فقد أظهر بحث كارول أن الأطفال يشعرون بالضغط للارتقاء إلى مستوى مدح والديهم، وهذا بدوره قد يؤدي إلى الفزع والقلق.
حتى الأطفال الذين لم يصابوا بالقلق أصبحوا يكرهون المخاطرة، وهو ما أطلقت عليه دويك لاحقًا “العقلية الثابتة”، هؤلاء الأطفال كانوا خائفين من تحدي أنفسهم خوفًا من إحباط والديهم، يقول دكتور جرولنيك إن هذا النوع من المدح قد يعد تحكمًا في سعادة واستمتاع الطفل وتقويضًا لحماسته تجاه نشاط معين بتحويل هدفه نحو تحقيق سعادة الوالدين.
بحثت دويك وآخرون فيما يحدث عندما يُمدح الأطفال على جهودهم بدلًا من مدحهم شخصيًا، اتضح أن الأطفال اكتسبوا ثقة أكبر بأنفسهم وشعروا بالقدرة على تجربة أشياء جديدة، في أحد أبحاثها عام 1998 بعد إتمام سلسلة من المصفوفات قيل لإحدى مجموعات الأطفال إنهم ناجحون لأنهم أذكياء، أما المجموعة الثانية فقد قيل لهم إنهم ناجحون لأنهم عملوا بجد.
عندما قُدم لهم مجموعة جديدة من الألغاز اختار أطفال المجموعة الثانية مشكلات أكثر تعقيدًا، وجدت دويك أيضًا أن أطفال المجموعة الثانية قالوا إنهم استمتعوا بحل المشكلات أكثر من المجموعة الأولى.
عندما يقول الطفل لنفسه “أوه، ما أفعله ممتعًا ويعتقد والديّ أنه ممتع”، فإنه بذلك يربط بين شعور والديه الجيد وشعوره الخاص
خلص الباحثون إلى أنهم فعلوا ذلك لأنهم أحسوا بثقة أكبر في قدراتهم، وجدت دويك أيضًا أنهم عندما فشلوا مرة كانوا قادرين على العمل على حل المشكلة بتركيز قدراتهم، وهي مهارة حياتية يرغب كل الآباء في أن يمتلكها أطفالهم.
انتبه لطريقة عمل طفلك
هناك بعض المرات التي يمكنك بالطبع أن تقول فيها “يبدو أنك عملت بجد حقًا على ذلك”، لتقديم إشادة هادفة بالعمل يجب أن تهتم بالعمل نفسه، تقول كايلا هايموفيتز – مهندسة تعليمية شاركت في كتابة ورقة بحثية عام 2017 مع دكتور دويك – إن المدح لا يجب أن يكون فوريًا، فمثلًا إذا كان طفلك يعمل على رسمة ما لست بحاجة لأن تعلق على كل اختيار للألوان، انتظر حتى النهاية عندما يريك الطفل رسمته ثم بعدها يمكنك أن تقول أشياء مثل “أوه، أرى أنك اخترت أن تضع اللون الأرجواني بجوار البني، إنه أمر مثير”.
تضيف كايلا: “يمكن أيضًا أن تسأل الأطفال عن طريقة عملهم حتى يمكنك الإشادة بعملية التعلم الخاصة لهم، يسمح ذلك للطفل بتقييم نفسه بدلًا من الحصول على تقييم خارجي، بمعنى آخر، يعمل سؤالك على تشجيع الطفل لأن يسأل نفسه هذه الأسئلة، ما يثير لديه الفضول والاستكشاف”.
امدح ما يسيطر عليه طفلك
وفقًا لباتريكيا سمايلي أستاذ علم النفس بكلية بومونا، كاليفورنيا، فإننا ننقل قيمنا من خلال المدح، إحدى هذه القيم: الاستقلال، لذا من المفيد أن نمدح ما يملك أطفالنا السيطرة عليه مثل الاختيارات التي قاموا بها في أثناء حل اللغز أو رسم اللوحة.
يساعد ذلك في إبقاء توقعاتهم واقعية ويشجعهم على مواصلة هذا النشاط، تقول سمايلي: “يتماشى ذلك مع المصالح الجوهرية للطفل”، عندما يقول الطفل لنفسه “أوه، ما أفعله ممتعًا ويعتقد والديّ أنه ممتع”، فإنه بذلك يربط بين شعور والديه الجيد وشعوره الخاص.
في كتاب “وجهات نظر نفسية في المدح” لجينفير كوربس أستاذ علم النفس بكلية ريد في بورتلاند وكايلا جود من جامعة ستانفورد، تقول الكاتبتان إنه بإمكاننا أن نزيد من استمتاع الطفل بالسلوكيات التي تستحق الثناء مثل أن نقول “رائع، يبدو أنك استمتعت بهذا المشروع”، مع التركيز على الأسباب التي قررها الطفل للمشاركة في هذه المهمة.
هذا النوع من المدح يبدو أنه يتنبأ بالاستمتاع والمشاركة والأداء في المدرسة وحتى في الألعاب الرياضية، على النقيض من ذلك كشفت مقابلاتهم مع طلاب المدارس الابتدائية عن الإحباط من المديح الذي يقوض إحساسهم بالقدرة على التصرف، كأن تنسب الفضل للسمات الفطرية مثل الذكاء بدلًا من الصفات التي يمكن إثباتها مثل المثابرة.
لا تمدح بالمقارنة
قد يكون من المغري أن تمدح إنجازات الطفل بمقارنته بالآخرين كأن تقول “رائع لقد قفزت في الماء وحدك بينما كان صديقك خائفًا”، لأن ذلك سيخلق إحساسًا غير مطلوب من المنافسة، كما اتضح أنه لا يحفز الأطفال حقًا.
احذر تضخيم المدح
تضخيم المدح قد يؤدي إلى ما وصفته كوربس وجود بـ”إدمان المدح”، حيث يفعل الطفل بالسلوكيات الجيدة للحصول على القبول، هناك خطر آخر لذلك يتفق عليه معظم الباحثين وهو أن الطفل قد يبدأ في الشعور بأن هذا الثناء غير حقيقي.
صف ما رأيته ولاحظته في عمل الطفل، بالإضافة إلى تعبير محايد عن البهجة لأن ذلك يعزز سلوكهم دون وضع معايير غير واقعية
الأمر الأكثر إثارة كان تأثير ذلك على الأطفال الأقل ثقة بالنفس، فآباء ومعلمو هؤلاء الأطفال يحاولون تعزيز ثقة هؤلاء الأطفال بمنحهم مدحًا كبيرًا (هذه الرسمة هي أجمل شيء رأيته على الإطلاق)، لكن استجابة هؤلاء الأطفال لذلك كانت ضعيفة للغاية، لأن هذا النوع من المدح يخلق معايير مرتفعة بشكل مستحيل، فيفقد الأطفال دوافعهم سريعًا في مواجهة هذا المستحيل.
لذا بدلًا من ذلك، صف ما رأيته ولاحظته في عمل الطفل بالإضافة إلى تعبير محايد عن البهجة كأن تقول “رائع! لقد حفرت حفرة كبيرة في صندوق الرمال بشاحنتك” لأن ذلك يعزز سلوكهم دون وضع معايير غير واقعية.
بدلًا من المدح، قدم ملاحظات وصفية
في كتابهم “كيف تتحدث حتى يستمع الأطفال وتستمع حتى يتحدث الأطفال” تقدم آديل فابر وإلاين مازليش مفهوم الملاحظات الوصفية، قد يفعل طفلك أمرًا يستحق الثناء، لكن بدلًا من مدحه فيتحول هذا الإنجاز لشيء يفعله للحصول على القبول، يمكن أن تصف الفعل الذي رأيته.
قد يشجع ذلك الطفل على التفكير ومناقشة عمله، الأمر أشبه بأن تقول لطفلك كيف كان يومك في المدرسة، وهو سؤال يتبعه الصمت غالبًا، أو أن تقول له لقد لاحظت رسومات ملونة في حقيبتك، مما يدفعه إلى شرح عمله الفني لك.
ما زالت ابنتي تقضي وقتًا طويلًا في أعمالها الفنية وما زال ردي الفوري والصادق عليها “لقد أحببتها”، لكنني أعمل بجد لعلاج هذا الأمر وهي كذلك.
المصدر: نيويورك تايمز