لمن ستذهب أصوات العرب الأمريكيين في انتخابات الرئاسة القادمة؟ قد يعطي السؤال دلالات تفيد ببساطة مفتعلة، لكن الإجابة ستؤكد أنه صعب للغاية، خاصة إذا عرفنا تشابكات المصالح ووزن العرب وتحولاتهم التاريخية الأخيرة.
العرب الأمريكيون مثل غيرهم قدموا إلى بلاد العم سام مع موجات المهاجرين المختلفة، ووفقًا للمعهد العربي الأمريكي (AAI) تتكون الجالية العربية من جميع البلدان العربية تقريبًا، ودرجت في تعداد الولايات المتحدة لعام 2010 بنحو أكثر من مليون ونصف مليون عربي، ولا نتحدث هنا عن المسلمين في العموم.
بدأت الهجرة العربية إلى الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر، واستقر غالبية المهاجرين في المدن الكبيرة أو بالقرب منها، وما يقرب من 94% من جميع المهاجرين العرب يعيشون في مناطق حضرية.
آخر أرقام تنويعات التركيبة السكانية، تشير إلى حدوث حالة من التحول في اتجاهات الهجرة، ففي حين أن الرعيل الأول للمهاجرين العرب الأوائل كانوا في الغالب مسيحيين، إلا أن الحال تبدل تمام، منذ أواخر الستينيات وأصبحت النسبة المتزايدة من المهاجرين العرب “مسلمين“.
يمكن القول إن الأمريكيين من أصل لبناني هم الغالبية العظمى في الجالية العربية، خلفهم المصريون ثم السوريون والعراقيون، نهاية بالمغاربة والفلسطينيين، كما يحسب على العرب أيضًا أبناء جميع الأعراق المختلفة الذين يعيشون على أرض العرب مثل الآشوريين والآراميين والأكراد والتركمان والأذريين.
سياسيًا، وعلى مدار تاريخ العرب في أمريكا، لا يوجد لهم موقف سياسي موحد، فهم دائمًا منقسمون بشأن أغلب القضايا التي تهمهم، ويذهب صوتهم غالبًا حسب السياسة الخارجية للمرشح وعلاقته ببلدهم الأم، أما على مستوى الداخل الأمريكي، لا يختلف العرب عن أي مجموعة أخرى من المهاجرين في الولايات المتحدة، تبحث عن أفضل المرشحين الذين يضمنون لهم ولأولادهم حياة أفضل.
تقول القراءات المختلفة للانحيازات السياسية للعرب، إنهم دائمًا يفضلون الجمهوريين الذين يشاركونهم نفس معتقداتهم الخاصة بالقيم الأسرية القوية ورفض الزواج من نفس الجنس ورفض الإجهاض، بينما تذهب دوائر صغيرة للغاية من العرب الليبراليين إلى الحزب الديمقراطي، وإن كان بعضهم يتحفظ على مساندته في ظل تعاونه الوثيق التاريخي مع “إسرائيل”.
الميول العربية للحزب الجمهوري، ظهرت في الكثير من استطلاعات الرأي الأخيرة، التي حاولت استشراف رأيهم تجاه مرشحي الرئاسة، وكانت النتيجة مفاجئة، فرغم خطاب ترامب التحريضي ضد الأقليات والمهاجرين واقتراحه العنصري السابق بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، فإن نحو 77% من الأمريكيين العرب الذين شملهم الاستقصاء، أكدوا انتماءهم للحزب الجمهوري، ما يعني احتمالية تصويتهم لصالح ترامب رغم قلقهم الشديد من التمييز بسبب عرقهم أو بلدهم الأصلي.
سر التوجس من بايدن وترامب
لكن الجديد في الأمر، أن بعض هذه الاستطلاعات أكدت وجود فجوة عميقة وانقسامات بشأن القضايا التي يعتبرها العرب الأمريكيون أكثر أهمية حاليًّا في تحديد تصويتهم على الرئيس المقبل، ويبدو أن الهوة الكبيرة مع المجتمع الأمريكي ما زالت قائمة، فالأسباب التي تجعل الجميع يصوتون، والقضايا التي يصوت عليها الأمريكيون ليست على جدول العرب، ولا هي في قائمة اهتماماتهم بالدرجة الأولى.
ويبدو من متابعة زخم التساؤلات التي تطرح والوجهة القادمة للصوت العربي، أن الشباب وخاصة النشطاء منهم يعارضون تأييد أسرهم لإعادة انتخاب الرئيس ترامب، والمفارقة أنهم يبدون القليل من الحماس أيضًا لدعم منافسه الديمقراطي جو بايدن أيضًا.
جذور هذا التضارب بدأت مع تصاعد خطاب التحريض ضد الإسلام، ويظهر أحد الاستطلاعات أن العرب الأمريكيين قسموا أنفسهم إلى شرائح جديدة، منهم ديمقراطيون ومستقلون، ونسبة دعمهم تقترب من النسبة التي أكدت دعمها لترامب.
ويبدو أن العرب لا ينسون لبايدن تأييده غزو العراق ومواقفه المعادية للعرب في أغلب سيرته، وهو أمر يدركه جو جيدًا، ويسعى مع نائبته كمالا هاريس للحصول على مساهماتهم، وحتى يحدث ذلك تبنى خطابًا مختلفًا، لعب فيه على تخوفاتهم من التعصب وحاول إخافتهم من المحاولات التي تُدبر لاستبعادهم وإسكاتهم وتهميشهم.
دفعت حملة بايدن ببعض المزايا لجلب الصوت العربي إلى صندوقه، وأكدت أنه سيلغي حظر السفر واللاجئين وسيتوقف عن سياسة الفصل غير الأخلاقي للأسرة وسيعيد ترسيخ الولايات المتحدة كوجهة ترحيب لأولئك الذين يسعون لتحقيق الحلم الأمريكي، بما في ذلك المهاجرين من العالم العربي.
عزفت الحملة على لحن الجذور، وأكدت أن بايدن لن يسير في طريق الفشل الترامبي بسوريا، وسيجدد التزام بلاده بالوقوف مع المجتمع المدني والشركاء المؤيدين للديمقراطية على الأرض، كما ضمنت لهم أن تقود الولايات المتحدة تحالفًا عالميًا جديدًا لهزيمة التطرف، واستخدام القيم الأمريكية في بناء وتشكيل تسوية سياسية عادلة لأزمات المنطقة.
يعد بايدن بتحقيق ذلك عبر الضغط على جميع الجهات الفاعلة لمتابعة الحلول السياسية لكل البلدان التي توجد بها توترات سياسية وعرقية وطائفية، من خلال تسهيل عمل المنظمات غير الحكومية والمساعدة في حشد الدول الأخرى لدعم إعادة إعمار البلدان المتضررة، وهو تعهد إضافي لالتزام الولايات المتحدة بنهجها الإنساني أمام مواطنيها العرب.
أحلام العرب
يجادل الكثير من العرب وخاصة خلال الأسابيع الماضية، أن التزامهم نحو تأييد القيم الجمهورية التي تتشابه مع معتقداتهم، أفضل استثمار في المستقبل بدلًا من الإطاحة بترامب، الذي لا يعتبروه جمهوريًا من الأساس، بل شخص شعبوي يرفع شعارات اللون الأزرق للحزب، ولديه أحلام متشددة لريادة بلاده.
ومعروف أن العرب “مسلمين – مسيحيين” لديهم نفس القيم المحافظة، ولهذا فهم يعتبرون أنفسهم جنودًا مخلصين لجوهر القضايا التي يتبناها الحزب الجمهوري، ويحاربها الديمقراطيون واليسار، وبالتالي التخلص من رئيس يختلفون مع بعض سياساته قد يعرض نمط حياتهم نفسه للخطر.
يحاول العرب الأمريكيون العمل بجد للبناء على نجاحاتهم الماضية التي مكنتهم من أن يصبحوا أكبر من مجرد دوائر انتخابية صغيرة في تعداد جمهور الناخبين
يعرف العرب أن الحزب الديمقراطي مع حل الدولتين، لكنهم يعرفون أيضًا أنهم لم يفعلوا شيئًا طوال نحو 3 عقود، ومنذ اتفاق أوسلو كان بإمكانهم أن يتبنوا القضية فعلًا ومواجهة عنصرية “إسرائيل” والإصرار على دعم إنهاء الاحتلال والرفض القاطع لتوسيع المستوطنات غير القانونية.
كما أن اللجنة الوطنية الديمقراطية ـ الهيئة الحاكمة للحزب الديمقراطي ـ ألغت من قبل الأحكام التي تعارض قيام المستوطنات غير القانونية من خلال دعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات، وبالتالي إذا انتهت الأمور إلى تنافس بين بايدن وترامب، سيكون الحل الأخير هو الأفضل لهم.
يعتبر الكثير من العرب الأمريكيين، أن وضوح ترامب في تأييده لـ”إسرائيل” أفضل كثيرًا من بايدن الذي يفضل الاستعارة والمجاز والتورية في خطاباته عن القضية وهو يتحدث لهم، بما لا يتناسب مع مواقفه الحقيقية، خاصة أن تاريخه مكشوف للجميع، حيث سبق له إعلان نفسه صهيونيًا.
يرغب العرب من المرشح القادم “أحلامًا وأماني” فهم يريدون موقفًا محايدًا سياسيًا وإدانةً فوريةً لكل الإجراءات أحادية الجانب التي اتخذها ترامب وأيضًا التي اتخذتها “إسرائيل” لتقويض الحقوق الفلسطينية، وإن بدت هذه المطالب غير واقعية بالمرة ولا يمكن تحقيقها، خاصة بعد انسحاب المرشح اليهودي بيرني ساندرز من السباق الرئاسي في أبريل الماضي، الذي كان العرب يساندونه بقوة، لمعرفته جيدًا بكيفية الحوار معهم ولموقفه المعادي لـ”إسرائيل”، وإذا استمر، كان يمكن معرفة لمن ستذهب أصوات العرب، لكن الآن الموقف غير واضح المعالم.
يحاول العرب الأمريكيون العمل بجد للبناء على نجاحاتهم الماضية التي مكنتهم من أن يصبحوا أكبر من مجرد دوائر انتخابية صغيرة في تعداد جمهور الناخبين الأمريكيين الواسع والمتنوع، بعدما تحرروا من أعباء الإقصاء وبات بإمكانهم ويمكنهم مساءلة المرشحين والمسؤولين المنتخبين ليس فقط عما فعلوه في الماضي، لكن أيضًا عما ينوون فعله في المستقبل، ولهذا كل التنبؤات ليست سهلة بالمرة على أي طرف، وتبقى المعادلة في يد الأيام القادمة!