ترجمة وتحرير نون بوست
في صباح مشرق في أوائل عام 2012، خرج “علي عبدالله صالح” من سيارة ليموزين وسار من خلال مجموعة من الأبواب في القاعة الرئيسية من القصر الرئاسي، يجلس أمامه على كراسي فخمة مذهبة مجموعة من مسئولي الحزب وزعماء القبائل والجنرالات والصحفيين الأجانب، بدا صالح متعبًا وضعيفًا.
مرتديًا حلة سوداء وربطة عنق أرجوانية، كانت يداه موضوعة بهدوء ومخبأة في زوج من القفازات المخملية الصفراء، لتحمي الحروق التي لحقت به عندما انفجرت قنبلة في مسجده الرئاسي في العام السابق.
قال صالح حينها “نحن ندعو جميع أبناء الأمة للوقوف معًا جنبًا إلى جنب مع القيادة السياسية لإعادة بناء ما تسببت فيه هذه الأزمة”، كان يقول ذلك بينما يقلب أحد مساعديه الصفحات له.
وتابع صالح” أنا الآن أسلم راية الثورة والجمهورية والحرية والأمن إلى أيد أمينة”، وناظرًا إلى الرجل إلى جانبه، ومعطيًا إياه علمًا من ثلاثة ألوان مطوي بعناية قال “نحن نؤيد الرئيس الجديد الذي سيعمل لصالح الأمن والاستقرار، المسئوليات عظيمة، لكننا نأمل أن يستطيع معالجة تداعيات الأزمة … وأؤكد لك أيها الرئيس هادي أننا سنقف بجانبك في الأوقات الجيدة والأوقات السيئة”، وضجت القاعة بالتصفيق.
كان من المفترض أن تكون تلك لحظة تاريخية، فبعد 33 عامًا في الرئاسة، تنحى علي عبدالله صالح وسلم السلطة لنائبه منذ فترة طويلة “عبد ربه منصور هادي”، تم تجنب الحرب الأهلية، وتمت تلبية مطالب المحتجين المؤيدين للديمقراطية، وكان أول انتقال سلمي للسلطة في تاريخ اليمن الموحد.
لكن صورة من الحفل ظهرت في اليوم التالي قالت إن القصة أكثر تعقيدًا وأكثر إثارة للقلق، في الصورة، كان هادي وصالح يقفان جنبًا إلى جنب، هادي يبدو أكثر تركيزًا، عيناه على العلم في يديه، صالح الذي تبدو بزته أغمق وأكثر تنسيقًا، يحدق في الفراغ من خلال نظاراته، وظهره متجه بشكل مباشر إلى الزعيم الجديد.
ما حدث في القصر الرئاسي في 27 فبراير 2012 لم يكن شأنًا أنيقًا، ولم يتم انتقال السلطة بشكل نظيف كما كان يجب، بدلاً من ذلك، كان انتقال السلطة حادًا وعنيفًا وشخصيًا، إلى الحد الذي يظهر الآن بعد عامين ونصف من جديد، ليقضي على جهود اليمن نحو الديمقراطية ويهدد بتمزيق البلاد.
اليمن اليوم هي مجرد قصة لرجلين اثنين: ديكتاتور مخلوع مراوغ مجرم لا يزال طليقًا، ونائبه السياسي الضعيف الذي حاول أن يخرج عن نهج سلفه، لكنه يخشاه حد الخوف المرضي!
سياسة اليمن تتدهور على الرغم من الحوار الوطني والإصلاح ووعود الانتخابات، فشلت البلاد في علاج كسورها السياسية لسنوات عديدة، حركة الانفصال الجنوبي، وفرع تنظيم القاعدة العنيف، ارتفاع الأسعار، بطالة الشباب وإحباط الجماهير، انتقال السلطة الذي التقطته الصورة لم يعبر سوى عن التفكك!
لأكثر من شهر، الآلاف من أنصار الحوثيين، وهي جماعة شيعية متمردة مقرها في منطقة صعدة الشمالية، فرضت حصارًا على العاصمة صنعاء*، نصب الحوثيون الخيام ونظموا المسيرات وقطعوا الطرق الرئيسية، ويقولون إن موقفهم بسبب رفع أسعار الوقود والفساد الحكومي، ويتهم منتقدو الحوثيين الجماعة بمحاولة الاستيلاء على السلطة وإقامة دولة شبه مستقلة لأنفسهم في شمال اليمن، وهو ما ينفونه.
الحكومة اليمنية من جانبها، مشلولة! الحوثيون يرفضون التراجع، واليمن “على مفترق طرق هو الأكثر خطورة منذ 2011″، بحسب تقرير مجموعة الأزمات الدولية.
معظم الروايات تقول إن هناك جانبين: الحوثيون، وهم جماعة توسعية تزداد قوتهم العسكرية بشكل متزايد، يسعون لاغتنام الفرصة لتأمين الأراضي التي سيطروا عليها وحصتهم المستقبلية من السلطة، في حين يستفيدوا من الإحباط الذي يتمكن من اليمنيين الذين لم يشهدوا سوى تغييرات طفيفة بعد الثورة، وعلى الجانب الآخر، هناك الحكومة، التي يرأسها هادي، وهي تكافح من أجل ضم الحوثيين والمجموعات اليمنية الأخرى في عقد اجتماعي جديد.
هذا السرد ليس مبسطًا فقط، لكنه يشير إلى سيناريو أكثر خطوة على الأرض.
المفقودون من هذه الصورة هم الجهات الفاعلة، الأول، هو التجمع اليمني للإصلاح، وهم الإخوان المسلمون اليمنيون، وهي مجموعة ثرية، منظمة تنظيمًا جيدًا، انضمت لاحتجاجات 2011 مبكرًا واحتلت نصف مقاعد الحكومة الانتقالية، لم يثق الإصلاح بالحوثيين، ويتهمونهم بالسعي لإقامة مملكة شيعية على غرار إيران في الشمال اليمني، ويقول مسئولون أمنيون إن الكثير من القتال الجاري الآن في صنعاء لا يضم الجيش اليمني وإنما الميليشيات المتحالفة مع تجمع الإصلاح، وهم من يقاتلون أتباع الحوثي الذين يهاجمون معاقلهم.
اللاعب الثاني الذي لا يظهر في السرد السابق هو علي عبدالله صالح، فبعد تسليم هادي مقاليد الأمور في 2012، ترك صالح القصر الرئاسي لكنه لم يتقاعد كسياسي، بدلاً من ذلك، وكجزء من الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة والولايات المتحدة كذلك، تم منحه الحصانة من الملاحقة القضائية والسماح له بالإبقاء على منصبه كرئيس للحزب الحاكم. اليوم، يعيش صالح في مجمع سكني يخضع لحراسة مشددة قبالة شارع مزدحم في العاصمة حيث يستضيف اجتماعات يومية مع كبار الشخصيات الأجنبية وشيوخ العشائر.، كثيرون في الجيش لا يزالون موالين للرجل.
أنصار صالح يحاولون الحفاظ على زعيمهم ويلقون باللوم في الجمود الحاصل على الرئيس هادي، الذي يقولون إنه سلم الحكم للأشخاص وليس للمؤسسات، لكن دبلوماسيين، وأعضاء في المعارضة، والمحللين الذين يناقشون الأمر يرون أن صالح ليس طرفًا محايدًا، بل إن يديه تظهران بوضوح في الصراع الحالي، يتهمون صالح بدعم الحوثيين، وهي مجموعة خاض ضدها معارك ضارية لسنوات أثناء توليه منصبه، هذا الدعم قد يكون ضمنيًا أو بشكل مباشر بهدف إضعاف هادي ورسم طريق لعودة صالح إلى السلطة.
أحد الدبلوماسيين الغربيين الذي رفض ذكر اسمه قال إن “الحوثيين لم يكن لهم أن يصلوا إلى صنعاء بدون دعم صالح، صالح قال لأنصاره أن يرحلوا بهم وقام بتوقيع اتفاقات معهم”.
وتابع الدبلوماسي “استراتيجية صالح هي إيقاع الحكومة مع الحوثيين، لإثبات أن هادي هو مجرد فاشل في السلطة، الوضع خطير حقًا، الظروف مهيأة لصالح للعودة، للقيام بانقلاب وتولي السلطة”.
بحسب مستشار إعلامي سابق لصالح، فإنه يشعر بمرارة شديدة مما حدث، إنه لا يتحدث عما حدث في اليمن كثورة، بل كانقلاب من قبل معارضيه، وتابع المستشار “إنه ينظر إلى الأسد في سوريا وكيف قلب الوضع لصالحه، وإلى مصر وكيف أعاد الجيش فيها عقارب الساعة للوراء، إنه يعتقد أن الأمر ممكن في اليمن أيضًا!”
على الرغم من أن صالح غائب عن النقاشات التي تدور حول اليمن، إلا أن اسمه لا يزال يتردد بين الجمهور، صور الزعيم المخلوع بدأت في الانتشار، تحمل صورته المتجهمة وشعار “عفاش أفضل مما لدينا الآن”، وعفاش هو اسم الجد الأكبر لصالح وأحد ألقابه.
القنوات التليفزيونية والصحف القريبة من صالح، تقدم تقارير يومية عن مجيئه وذهابه ولقاءاته، فضلاً عن انتقاداته المتكررة للرئيس هادي.
المحلل السياسي اليمني “عبدالغني العرياني” يقول إنه لا يمكنك شراء ملصقات عليها صورة هادي من شوارع صنعاء، لكن صور صالح وابنه أحمد أو كليهما معًا تملأ الشوارع .. هذا يقول الكثير!
“لقد طبع صالح الملايين من تلك الملصقات بتكلفة ضخمة، لو لم يكن لديه أي طموحات سياسية لما فعل ذلك” يقول العرياني.
بعض الاتهامات التي تطال صالح تقول إنه لن يعود للسلطة بنفسه، لكنه يمهد لعائلته، ويبدو أن صالح يجهز ابنه أحمد، تمامًا كما فعل الديكتاتور المصري حسني مبارك حيث أعد ابنه جمال لخلافته.
لقد بذل هادي قصارى جهده لعزل أحمد علي من قيادة الحرس الجمهوري، لكن لم يحاكم أحمد ولا علي ولا أي من أقارب صالح.
العديد من اليمنيين المستائين من الوضع اليمني المتدهور يعتقدون أن الثورة قد اختطفت من قبل النخب السياسية، ويشيرون بأصابع الاتهام إلي الرجلين.
يقول “علي جمال” وهو مدرس لغة إنجليزية في صنعاء: “هذه هي بداية نهايته، انظر إلى هادي، إن أولاده هم من يديرون المشهد، لقد أعاد سياسات صالح، الأموال والسياسة وامتلاك الأراضي والسيارات”، وتابع “أنا أتهمهم على حد سواء، صالح لإثارة القلاقل، وهادي لعدم الوفاء بمسئولياته، من منهم يتحمل المسئولية الأكبر تجاه اليمن؟ من الصعب القول”.
المصدر: ميدل إيست آي
* كُتبت النسخة الإنجليزية من هذا المقال قبل سيطرة الحوثيين على صنعاء.