جائحة كورونا وتداعياتها كان لها الأثر المباشر على الطلبة ودراستهم، فقد حاولت الجامعات إيجاد حلول بديلة لإجراءات إغلاق الحرم الجامعي وتعطيل الدوام لمنع تفشي العدوى مثل مواصلة الدراسة عبر المنصات الإلكترونية، لكن التحدي الكبير كان من نصيب طلبة كليات الطب الذين يعتمدون في التعليم بشكل أساسي على المختبرات العملية للمواد الأساسية في المراحل الأولى (مثل التشريح والكيمياء الحياتية والفسلجة والأمراض) والمراحل المتقدمة التي تعتمد على التطبيق السريري في المستشفيات الجامعية (التدريب السريري على الأمراض الباطنية والجراحة والطوارئ وأمراض النساء والتوليد وأمراض الأطفال).
بهذه الظروف الاستثنائية عاشت الكليات الطبية بطلابها حالة من القلق والتخبط، ووُضعت أمام خيارات محدودة هي:
تأجيل الدراسة
الحالة الضبابية لجائحة كورونا، وعدم وجود سقف زمني لانتهاء هذه الأزمة جعل إمكانية تعليق الدراسة إلى أجل غير مسمى خيارًا غير منطقي، رغم كون أغلب الكليات الطبية اتبعت هذا الخيار للأشهر الأولى من الجائحة.
التعليم عن بعد
هذا الخيار يمكن الاستفادة منه وتطبيقه فقط للمراحل التي لا تحتاج إلى تدريب سريري، يمكن الاستفادة من التقنية بإدراج نظم محاكاة للواقع بالأخص لمادة التشريح البشري (التي تعتبر أساسية في المرحلتين الأولى والثانية)، لكن من الاستحالة تطبيقه في المراحل التي تستلزم التدريب في المستشفيات ومشاهدة ومتابعة المرضى، يقول ويليام أوسلر (أحد أعمدة الطب في القرن التاسع عشر ومن المؤسسين لجامعة جونز هوبكنز): “من يدرس الطب دون كتب يبحر في بحر مجهول، لكن من يدرس الطب دون مرضى لا يذهب إلى البحر على الإطلاق”.
التعليم المشترك
هذا الخيار الأنجح ربما، ويرجح أن تتبعه أغلب الكليات الطبية للفصل الدراسي القادم، الذي يتمثل بإعطاء المحاضرات النظرية عن بعد من خلال البرامج التي تتيح إمكانية البث المباشر والنقاش بين الأستاذ والطلاب، وفتح المختبرات في الكليات لإتاحة حضور الطلبة بأعداد قليلة للحفاظ على التباعد الاجتماعي ضمن طريقة تضمن توزيع الطلبة بشكل مجاميع صغيرة يمكنها حضور المختبرات طيلة أيام الأسبوع، والأمر ذاته بالنسبة للطلبة الذين يحتاجون تدريبًا سريريًا في المستشفيات.
وهذا بالفعل ما أعلنته بعض الجامعات، مثل كلية الطب بجامعة هارفارد وكلية الطب التقويمي بجامعة نيو إنجلاند في ولاية ماين وكلية بايلور للطب في تكساس بإعلانهم تدريس جميع المواضيع التي يمكن تدريسها بفعالية عبر الإنترنت مع إمكانية توافر تدريب سريري ومختبرات عملية ضمن مجموعات صغيرة مع الحفاظ على مسافة آمنة.
كما أن بعض الجامعات حاولت توفير بديل مؤقت للتدريب السريري بإتاحة الوصول إلى مكتبة رقمية لتسجيلات مقابلات المرضى (هذه الطريقة اتبعتها الـimperial college london).
اليوم الحاجة ملحة إلى مرونة كليات الطب لأجل تخريج عدد أكبر من الأطباء بعد النقص الشديد بالأطباء الذي شهدته المؤسسات الصحية بداية أيام الجائحة، وهو ليس بالأمر المستجد، بالعودة إلى التاريخ القريب، فقد خرجت كليات الطب مطلع القرن العشرين بشكل مبكر أعدادًا من الأطباء لمكافحة الإنفلونزا الإسبانية، وفي ثمانينيات القرن العشرين تم إجراء تعديل في القوانين من أجل تخريج عدد أكبر من الأطباء لمواجهة الإيدز آنذاك.
وبعيدًا عن التحديات التي وضعتها كورونا أمام طلاب كليات الطب والقائمين عليها، لا بد من الإشارة إلى الجانب الإيجابي من الأزمة، إذ استطاعت كورونا إضافة بُعد آخر في تفكير قسم من طلبة الطب المؤمنين بالعلم والمنهج العلمي فقط، عندما جعلت العلم المحدود الذي يؤمنون به على المحك، ما أعطاهم فرصة للتفكّر بأن المنهج العلمي هو مجرد طريقة وليس إيمانًا أعمى.
كما أعطت كورونا لطلاب الطب درسًا حقيقيًا في إنسانية الطبيب ومفهوم التعاطف مع المريض وكسر المفهوم السيئ المتوارث لأجيال باعتبار المريض “case”.
خطوات عملية لطلاب الكليات الطبية
– عند الوجود في المستشفيات لغرض التدريب، الحرص على اتباع بروتوكولات السلامة والتدريب على ارتداء وخلع معدات السلامة الشخصية وتبني عادات صحية مثل ساعات نوم كافية وتناول الأكل الصحي والابتعاد عن التوتر والقلق للحفاظ على مناعة قوية.
– حافظ على صحتك النفسية، من الممكن الاستفادة من تجربة جامعة هارفارد في علاج التوتر والقلق لدى طلابها.
– البقاء على اطلاع بالتحديثات الخاصة بتدابير السلامة، وأفضل الممارسات لدى الشعور بالمرض.
– تطوع إذا أُتيحت لك الفرصة (في الحملات التثقيفية وجمع التبرعات وحملات دعم المؤسسات بإيصال المعدات والأدوية).
– شارك بالندوات وورشات العمل المقامة عن بعد في حال سنحت لك الفرصة.
– اجعل لك قائمة خاصة بالمهارات والتدريب الذي فاتك ليتسنى لك تعويضه فيما بعد.
– تعلم إدارة الوقت.
خيبة الأمل التي يعايشها طلاب كليات الطب اليوم، بالأخص المراحل الأخيرة، والمخاوف من عدم تلقيهم التدريب السريري الأمثل الذي يطمحون إليه يعد شعورًا طبيعيًا، لكن المفتاح الذي يساعدهم على تخطي هذه العقبة ربما يكون بقبولهم لهذا الواقع الجديد المفروض عليهم وفهم احتياجاته ليمكن التعايش معه وتحقيق أقصى استفادة رغم الظروف الاستثنائية التي حملتها الجائحة.