ترجمة وتحرير نون بوست
منذ اكتشاف النفط في البلاد في الثلاثينيات من القرن الماضي، أصبحت المملكة العربية السعودية مركزًا مهمًا للمصالح الغربية في منطقة الشرق الأوسط، سيترك الملك سلمان العرش تقريبًا بعد قرن من ذلك، ولا شك في أن خليفته سيشهد تراجع هذا الدور المحوري تدريجيًا بعد تغير سوق الطاقة العالمية.
بعد أن أصبحت الولايات المتحدة لا تعتمد على النفط السعودي أو على الشرق الأوسط بشكل عام، ستتقلص العلاقة الخاصة بين المملكة والولايات المتحدة تاركة البلاد عرضة لمخاطر إقليمية ودولية.
ختم الموافقة من ترامب
تحت حكم الرئيس الأمريكي ترامب، تنفست القيادة الجديدة الصعداء في الرياض خاصة ولي العهد محمد بن سلمان بعد أن واصل الرئيس الحفاظ على العلاقات الوثيقة مع الأمير، متلاعبًا بقلقه ومخاوفه وداعمًا لإنفاقه المسرف على السلاح.
اعتقد الأمير أنه يستطيع الإفلات بجريمة قتل، وقد فعل ذلك حرفيًا، عندما أشرف محمد بن سلمان على جريمة قتل جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018، كافأه ترامب بقوله: “من المحتمل جدًا أن يكون ولي العهد على علم بهذا الحادث المأساوي، قد يكون فعلها وربما لا”.
هذا الشعور بالراحة ربما لن يستمر بعد رحيل الملك، الذي قد يتزامن مع تغير العقول والقلوب في واشنطن بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر
كان البيان هبة من السماء لولي العهد، لكن ترامب ذهب لأبعد من ذلك حين قال: “على أي حال علاقتنا مع ملك السعودية، لقد كان حليفًا عظيمًا في معركتنا المهمة ضد إيران، إن الولايات المتحدة تنوي أن تظل شريكًا مخلصًا للسعودية للحفاظ على مصالحها ومصالح “إسرائيل” والشركاء الآخرين في المنطقة، إن هدفنا الأسمى أن نقضي على تهديد الإرهاب في العالم كله”.
وفي إشارة إلى أن السعودية أكبر دولة منتجة للنفط في العالم بعد الولايات المتحدة واصل ترامب قائلًا: “لقد عملوا معنا عن قرب وكانوا مستجيبين لأوامري بالحفاظ على أسعار النفط في مستوى معقول، إنني أضمن ذلك، ففي عالم شديد الخطورة تسعى الولايات المتحدة خلف مصالحها وتنافس بقوة الدول التي تود أن تلحق بها الضرر، هذا ببساطة ما نسميه أمريكا أولًا”.
كان لحديث ترامب غير المنطقي صداه في الرياض، فقد قدم الارتياح اللازم للملك المتورط مع وحشية ابنه التي لا حدود لها، لكن هذا الشعور بالراحة ربما لن يستمر بعد رحيل الملك، الذي قد يتزامن مع تغير العقول والقلوب في واشنطن بعد الانتخابات الرئاسية في نوفمبر.
شكوك أوروبية
أثبتت وسائل الإعلام الأمريكية والمجتمع المدني والكونغرس أنهم أقل توافقًا مع الأمير الذي هزت جريمته العالم أجمع، فالقضاء الأمريكي ينظر الآن في قضية محاولة اغتيال السعودي سعد الجبري رجل المخابرات السابق الذي كان يعمل تحت إمرة الأمير المخلوع محمد بن نايف؛ التي فشلت في القضاء على صوت ناقد آخر في المنفى، حيث ييزعم الجبري أنه تعرض للاستهداف من فرقة موت تابعة لولي العهد في كندا.
بعد رحيل الملك سلمان، ربما لن تستطيع المملكة أن تحصل على هذا الدعم غير المشروط من رئيس أمريكا المستقبلي، ولن يستطيع الملك أن يتحول إلى أوروبا، تلك الكتلة الغربية التي دللت المملكة تاريخيًا ولم تتحد تجاوزاتها محليًا وإقليميًا.
ما زال المناخ العام في أوروبا متشككًا في مواصلة تقديم الدعم الكامل لولي العهد الصغير باستثناء بريطانيا، فما زالت فرنسا وألمانيا على حذر وربما تنجح جماهيرهما في إيقاف الصمت التاريخي بشأن انتهاكات المملكة لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
ما زالت كلتا الدولتين مترددتين في دعم مغامرة المملكة الوحشية في اليمن أو اتخاذ موقف معادي بالكامل لطهران عدو الرياض اللدود.
وبعد ادعاءات حصول ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس على 100 مليون دولار رشوة من الملك الراحل عبد الله واضطراره للفرار من البلاد، أصبح هناك تسامح أقل مع التعامل غير المشروط مع المملكة.
التشكيك في الهيمنة السعودية
ستجد المملكة أنها مضطرة لتغذية علاقات مقربة مع الصين وروسيا، لكن المملكة لن تجد حلفاءً أقوى وأكثر إخلاصًا في كلا البلدين مقارنة بحلفائها التاريخيين في الغرب، كما أن قدراتها العسكرية ما زالت مرتبطة بالغرب وقبل كل شيء مخططات التدريب والتصنيع الأمريكية.
رغم حقيقة أن الملك سلمان يستطيع شراء الصورايخ وتكنولوجيا المراقبة من الصين، سيكون من الصعب التحول الكامل للأدوات العسكرية الصينية.
لا يمكن أن تحل روسيا محل الولايات المتحدة كمدافع أساسي عن السعودية، فخلاف الرياض مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مطلع العام بشأن أسعار النفط والإنتاج جعل العلاقة مضطربة، والأكثر من ذلك أن تأييد روسيا الإيجابي لإيران ودورها في العالم العربي بعيد كل البعد عن طموحات المملكة في احتواء إيران أو قلب نظامها.
منذ 2011 اكتسبت المملكة أعداءً جددًا بين النشطاء العرب المؤيدين للديمقراطية العربية والنسويين والإسلاميين
وسط عالم إسلامي ممزق ومستقطب، لا يمكن للملك سلمان أن يطالب بقيادة الدول السنية التي أصبحت متشككة بشكل متزايد في هيمنة المملكة لأسباب مختلفة، من باكستان إلى إندونيسيا سوف يحترم القليل من القادة خليفة العرش؛ ولي العهد الشاب الذي أصبح مرتبطًا بشكل متزايد بالمكائد وجرائم القتل وربما يفلس بعد رحيل والده.
لا شك في أن قيادة السعودية للعالم السني ستلتقي وجهًا لوجه مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وطموحه لإزاحة المملكة تدريجيًا وتقويض نفوذها وتأثيرها.
صناعة أعداء جدد
مع تناقص الدولارات في خزينة السعودية والاقتصاد المنهك في أثناء جائحة كورونا والبيئة العدائية للعمال المسلمين والترحيل المنتظم للمهاجرين الإفريقيين والآسيويين، أصبح المسلمون حول العالم متشككون في قيادة المملكة العربية السعودية.
تاريخيًا اعتبرت الكثير من الدول أن المملكة قوة استقرار، تحافظ على الوضع الراهن وتسهل استقرار المنطقة العربية، لكن التدخلات الدبلوماسية والعسكرية العدائية السعودية في المنطقة من مصر وحتى اليمن والبحرين تتحدى الحكمة القديمة بشأن دورها الخيري.
منذ 2011 اكتسبت المملكة أعداءً جددًا بين النشطاء العرب المؤيدين للديموقراطية العربية والنسويين والإسلاميين، لكن حوارييها في الغرب كانوا يغضون الطرف حتى واجهتهم جريمة قتل خاشقجي الوحشية.
ما زالت الحرب في اليمن والقمع المحلي المنتشر في السعودية مصدر إحراج ثانوي تم التخلص منه من خلال حملة العلاقات العامة العدائية بمساعدة العديد من الشركات الغربية ووسائل الإعلام العالمية وشركاء النظام، هذا الوضع المريح ربما لن يدوم طويلًا بعد وفاة الملك عندما يتولى ابنه مقاليد الحكم ويصبح رجل الرياض الخطير.
المصدر: ميدل إيست آي