الأزمة السياسية في تونس تجدد طرح تغيير النظام السياسي

يعتبر عدد من قياديي الأحزاب والمتابعين للأزمة السياسية في تونس أن النظام السياسي المعتمد حاليًّا يعد من أبرز أسباب أزمة إدارة البلاد وتعطل مصالح الدولة نتيجة التجاذبات السياسية. وطالب العديد منهم بضرورة تكريس نظام سياسي جديد يمنح صلاحيات أكثر لرئيس الجمهورية، في المقابل هناك مخاوف من الرجوع إلى النظام الرئاسي واعتبار أن مطالب تغيير نظام الحكم في تونس ليست إلا مدخلًا لعودة الديكتاتورية وتغول سلطة الرئيس من جديد.
مطالب تغيير النظام السياسي تجددت إثر الأزمة السياسية الأخيرة التي أدت إلى استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ وتكليف خلف له بتشكيل الحكومة، وقد صرح نور الدين الطبوبي أمين عام اتحاد الشغل (أكبر منظمة شغيلة في تونس) بـ”ضرورة مراجعة النظام البرلماني وذلك بسبب الأزمة السياسية الحادة التي تعيشها البلاد، مع تنامي الصراعات بين مختلف مكونات المشهد، التي لم تنتج سوى مزيد من التطاحن السياسي”، على حد قوله. مطلب دعمته العديد من الأحزاب مؤخرًا للخروج من الأزمة السياسية.
ويشار إلى أن تعديل النظام السياسي يتطلب وفق الفصل 143 من الدستور مبادرة من رئيس الجمهورية أو ثلث أعضاء البرلمان، ولمبادرة رئيس الجمهورية أولوية النظر، غير أن هذه المبادرة تتوقف على إرساء المحكمة الدستورية التي لم تتشكل بعد.
نظام شبه برلماني
اعتمدت الأحزاب السياسية في تونس بعد الثورة النظام البرلماني المعدل، الذي يُسمى أيضًا بالنظام النصف أو شبه برلماني، وقد منح هذا النظام للبرلمان صلاحيات تتعلق بالتشريع ومنح الثقة للحكومة وسحبها منها، كما منحه صلاحية مراقبة أعمال الحكومة ومساءلتها، فيما أسند النظام السياسي في تونس لرئاسة الحكومة كل الصلاحيات التنفيذية، ومنح لرئيس الجمهورية صلاحيات حصرية في ثلاثة مجالات وهي: ضبط السياسات العامة في الدفاع والأمن القومي والعلاقات الخارجية، كما يتولى القيادة العليا للقوات المسلحة ورئاسة مجلس الأمن القومي، وإعلان الحرب وإبرام السلم بعد موافقة مجلس نواب الشعب بأغلبية ثلاثة أخماس أعضائه، وإرسال قوات إلى الخارج بموافقة رئيسي مجلس نواب الشعب والحكومة، وله أن يتخذ التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية، أي في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن أو أمن البلاد أو استقلالها تعذر معه السير العادي لدواليب الدولة.
النظام الحاليّ تسبب في تصادم مستمر بين السلطات لا سيما داخل السلطة التنفيذية
كما أن رئيس الجمهورية يصادق على المعاهدات والإذن بنشرها ويسند الأوسمة والعفو الخاص، وله أن يحل مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينص عليها الدستور، ويتمتع رئيس الجمهورية بصلاحيات في علاقته مع السلطة التشريعية وذلك من خلال حق المبادرة التشريعية التي تتمتع بالأولوية، وحق رد مشاريع القوانين المصادق عليها، والعرض على الاستفتاء مشاريع القوانين المتعلقة بالموافقة على المعاهدات أو بالحريات وحقوق الإنسان أو بالأحوال الشخصية والمصادق عليها من مجلس نواب الشعب.
أما على مستوى التعيينات فإن رئيس الجمهورية يتولى تعيين مفتي الجمهورية، والتعيينات والإعفاءات في الوظائف العليا برئاسة الجمهورية والمؤسسات التابعة لها، والتعيينات والإعفاءات في الوظائف العليا العسكرية والدبلوماسية والمتعلقة بالأمن القومي بعد استشارة رئيس الحكومة، إضافة لتعيين محافظ البنك المركزي باقتراح من رئيس الحكومة، وبعد مصادقة الأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب.
العديد من الآراء في تونس ترى أن صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة جدًا وحُصرت في الأمن والدفاع وفي بعض التعيينات فقط، وهي صلاحيات لم تسهم بشكل أو بآخر في حل الأزمة السياسية بين الأحزاب وداخل البرلمان.
وقد انتظمت منذ أشهر عدة ندوات صحفية جمعت فرقاء سياسيين ومحللين وخبراء في القانون وأصحاب أطروحات عن تغيير النظام السياسي في تونس، مؤكدين ضرورة تغيير النظام السياسي، باعتباره أصبح من الأسباب الأساسية لأزمة الحكم التي تعيشها تونس، وقد أشار المحلل السياسي وأستاذ القانون الدستوري أمين محفوظ لنون بوست أن تركيبة السلطات معقدة، وأفرزت تصادمًا بين مختلف السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، مضيفًا أنه نظام عطل إرساء العديد من المؤسسات على غرار المحكمة الدستورية.
كما أشار إلى أن الدستور نص على الفصل بين السلطات إلا أن هذا الفصل أدى إلى تفتيت السلطات، وفيما تعلق بالصلاحيات فقد أشار المحلل السياسي إلى أن النظام الحاليّ تسبب في تصادم مستمر بين السلطات لا سيما داخل السلطة التنفيذية من جهة وبينها وبين رئاسة الجمهورية من جهة أخرى، مما يستدعي مراجعة في تغيير القانون الانتخابي في مرحلة أولى للتخلص من طريقة التمثيل النسبي وعدم اعتماد العتبة.
رؤساء جمهورية سابقون دعوا إلى تغيير النظام السياسي
لم يكن طرح مسألة تعديل النظام السياسي في تونس وليد الأزمة السياسية الأخيرة التي رافقت استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ في 15 من يوليو الماضي بعد أن قدم عدد من نواب البرلمان عريضة لسحب الثقة منه على خلفية شبهة تضارب المصالح التي أثيرت بشأنه، وتكليف قيس سعيد رئيس الجمهورية هشام المشيشي وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بتشكيل الحكومة الجديدة.
إذ تعود مطالب تغيير النظام السياسي في تونس إلى سنة 2016 خصوصًا بعد أن صرح الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي بأنه لن يعارض أي مبادرة لتعديل النظام السياسي من النظام البرلماني المعدل إلى النظام الرئاسي المعدل، بما يزيد في صلاحيات رئيس الجمهورية، كما أشار إلى نفس الموقف من تغيير النظام السياسي خلال خطابه سنة 2019 بمناسبة عيد الاستقلال.
لا يمكن تعديل الدستور في الوقت الحاليّ، بسبب غياب المحكمة الدستورية التي تعتبر طرفًا أساسيًا في تغيير النظام
بعض المواقف رجحت أن يكون الرئيس الراحل قائد السبسي يطمح في تغيير نظام الحكم لمنح صلاحيات أكثر لرئيس الجمهورية، ولعودة تغول رأس السلطة، إلا أن رئيس الجمهورية الأسبق بعد الثورة المنصف المرزوقي، دعا من جهته إلى تغيير النظام السياسي، وكتب في تدوينة على حسابه على فيسبوك في سبتمبر 2018 قائلًا: “هذا النظام المزدوج الذي يوزع السلطة التنفيذية بين شخصين، وإن يحمي حقًا من الاستبداد، فهو محمل بهشاشة لم يقدر خطورتها إلا بممارسة السلطة”.
من جهته يرى رئيس الجمهورية الحاليّ قيس سعيد ضرورة تعديل النظام السياسي في تونس، كما أن رضا المكي أحد أبرز قادة الحملة الانتخابية لقيس سعيد كتب في حسابه على فيسبوك “نحن إزاء موزاييك حزبي غير قادر على تكوين حتى لجنة فما بالك بحكومة؟ فشل يكرر نفسه منذ 2011 وأبناء شعبنا هم من يدفعون الثمن في كل مرة”، مضيفًا “الرئيس قيس سعيد أنت أمام واجب تاريخي فالمرحلة لم تعد تتحمل. ومن واجب رئيس الجمهورية استفتاء الشعب لتغيير نظام الحكم في تونس”.
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد ألمح في أحد تصريحاته الأخيرة إلى إمكانية حل البرلمان في حال استمرار تعطل أعماله، مشيرًا إلى أن “لديه وسائل قانونية كثيرة متاحة في الدستور هي كالصواريخ على منصات إطلاقها، وأنه لن يتردد في استخدامها لمنع انهيار مؤسسات الدولة”.
القيادي في حركة النهضة لطفي زيتون يعد من أبرز الدعاة إلى تغيير النظام السياسي واللجوء إلى استفتاء شعبي، وبعد أن يقول الشعب كلمته، يأتي الخبراء لوضع نظام سياسي سواء برلماني أم رئاسي فيه كل الضمانات الديمقراطية، وقد أشار لنون بوست أن النظام السياسي الحاليّ فتت السلطات وأنه نظام هجين أنتج وضعًا أشبه ما يكون بوضع الجمهورية الفرنسية الرابعة التي شهدت منذ 1948 إلى 1958 واحد وعشرين حكومة أي بمعدل حكومة كل 6 أشهر، وهو ما نشهده اليوم في تونس.
مضيفًا “ضرورة تغيير النظام السياسي لأن النظام الحاليّ أنتج برلمانًا مفتتًا نشهد فصول تطبيق الفصل 89 الشهير الذي ينتقل بين فقراته من نظام برلماني عندما ينص على اختيار رئيس الحكومة من الحزب الأول إلى الفقرة الثانية التي تنقل صلاحية اختيار رئيس الحكومة إلى رئيس الجمهورية لتحول النظام السياسي إلى نظام رئاسوي يعين فيه الرئيس وزيرا أول” .
يؤكد خبراء في القانون الدستوري أنه لا يمكن تعديل الدستور في الوقت الحاليّ، بسبب غياب المحكمة الدستورية التي تعتبر طرفًا أساسيّا في تغيير النظام، كما أشار لطفي زيتون إلى خطورة غياب المحكمة الدستورية والفراغ الذي عاشته تونس إبان وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي.