كوفيد-19 يعزز الحاجة الملحة لبطاقات الهوية الرقمية

ترجمة وتحرير نون بوست
كان لوباء كوفيد-19 تداعيات إيجابية، من بينها المجموعة الكبيرة من الأنشطة البشرية التي أديرت عبر الإنترنت بشكل سلس أكثر مما كان متوقعًا، حيث سمحت الشركات لموظفيها بالعمل من المنزل لمدة نصف سنة. وأصبح الناس يواكبون دروس اليوغا عن بعد، ويمتثل البريطانيون أمام المحكمة بشكل رقمي، وحتى سكان نيويورك التجأوا إلى عقد الزواج عبر الانترنت.
غير أن العديد من الأشخاص يواجهون بعض العراقيل عند لجوئهم إلى العالم الافتراضي، لأنهم لا يمتلكون المستندات الصحيحة لإثبات هويتهم. في الواقع، تستخدم الشركات بطاقات الائتمان كدليل تقريبي وجاهز بإثبات الهوية، بينما لا تستطيع الحكومات فعل ذلك. في الواقع، بدلا من مجرد مبادلة البضائع مقابل المال، فإن الحكومات تتبرع بالمال وتصدر الأوامر، لذا فهي بحاجة إلى معرفة المزيد عن “عملائها”. وفي البلدان التي لا يوجد بها نظام للهويات الرقمية الآمنة، تسبب إغلاق المكاتب الحكومية وتحول الخدمات العامة عبر الإنترنت في حدوث فوضى. حتى إن إجراءات التبني والطلاق واجهت عقبات في العالم الافتراضي.
في الحقيقة، تعطل النظام الإيطالي لتوزيع مدفوعات الطوارئ، ثم طالب بأوراق لم يتمكن المتقدمون من الحصول عليها بسبب إغلاق المكاتب الحكومية. أما في الولايات المتحدة الأمريكية، دفعت ولاية واشنطن 650 مليون دولار تأمينا ضد البطالة للمحتالين الذين قدموا طلبات باستخدام هويات مسروقة.
في المقابل، لم يحدث مثل هذا الاضطراب في إستونيا، وهي دولة صغيرة على بحر البلطيق، حيث يتمتع كل مواطن بهوية إلكترونية. وهي تعتبر أكثر من مجرد بطاقة هوية، فهي تربط سجلات كل إستوني مع بعضها البعض. لذلك، عندما أنشأت الحكومة نظام إجازة للعمال المتضررين من الوباء، كانت تعرف بالفعل مكان عملهم وكيفية دفع أجورهم. ولم يضطر أحد في إستونيا للانضمام إلى طابور على الرصيف للمطالبة بالمزايا، كما فعل الناس في أماكن أخرى عبر العالم.
يمكن إصدار قوانين لمنع الشرطة من المطالبة برؤية بطاقات هوية الناس. ولا شك أن الأنظمة الاستبدادية سوف تسيء استخدام أنظمة الهوية، لكن الحكومات الديمقراطية يمكن تقييدها
لطالما عارضت دول أخرى على غرار بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، إدخال نظام الهوية الوطنية ويخشى البعض من أن ذلك سيجعل من السهل جدا على الحكومة التجسس على الناس، أو سيكون من السهل جدا اختراقها، أو ببساطة سيقع إفشالها من قبل بيروقراطيين غير أكفاء. من جهة أخرى، تعهد رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، ذات مرة بأنه إذا كان عليه حمل بطاقة هوية وطالب مسؤول متسلط برؤيتها، فإنه “سيأكلها حرفيا”.
مع ذلك، فإن الوباء قد عزز من الهوية الرقمية، إذ لن يؤدي هذا الأمر فقط إلى جعل الوصول إلى الخدمات الحكومية عن بُعد أسرع وأسهل فحسب، بل سيجعل كذلك من أنظمة التتبع والتعقب أكثر فعالية. ففي حالة طوارئ مثل الوباء، وإذا تم ربط البيانات الصحية ببيانات العمل، يمكن للحكومات أن تعلم بسرعة عندما يصادف وجود مصابين بفيروس كورونا يعملون في نفس المصنع.
إن المخاوف بشأن الخصوصية والأمان يمكن تخفيفها، وإن كان ذلك بشكل غير كامل. فالاستونيون، الذين عاشوا تحت نظام حكم سوفييتي صارم لخمسة عقود، مطمئنون بشكل عام بفضل قانون حماية البيانات وضمانات مكافحة القرصنة المحدثة باستمرار والتي تشمل المصادقة الثنائية.
يُمكن إدخال أنظمة الهوية الرقمية بطريقة تدريجية، بناء على منصات موجودة مسبقا. ولا يجب أن تكون إلزامية
بصورة مماثلة، يمكن إصدار قوانين لمنع الشرطة من المطالبة برؤية بطاقات هوية الناس. ولا شك أن الأنظمة الاستبدادية سوف تسيء استخدام أنظمة الهوية، لكن الحكومات الديمقراطية يمكن تقييدها. في الواقع، يُسجل نظام إستونيا في كل مرة يتم فيها عرض جزء من البيانات، ويعتبر وصول أي شخص، بما في ذلك المسؤولين، إلى المعلومات الخاصة دون سبب وجيه جريمة وهذا أمر جيد.
كذلك، يُعد إنشاء نظام هوية رقمية أمرا صعبا ومكلفا. ومع ذلك، نجحت الهند، وهي بلد هائل وفقير إلى حد كبير، في إنجازه. وأنشأ “آدهار”، وهو نظام القياسات الحيوية، هويات رقمية لقرابة 1.3 مليار شخص. لكن توجد به ثغرات، حيث عانى العديد من الهنود الذين لم يتمكنوا من التسجيل في النظام من عدم قدرتهم على الوصول إلى الخدمات. إلا أنه عمل على تبسيط الخدمات الحكومية بشكل كبير وقام بتقليل عمليات الاحتيال. وإذا تمكن الهنود في المناطق الريفية من إثبات هويتهم عبر الإنترنت، فمن المخزي أن العديد من البريطانيين والأمريكيين لا يستطيعون ذلك.
يُمكن إدخال أنظمة الهوية الرقمية بطريقة تدريجية، بناء على منصات موجودة مسبقا. ولا يجب أن تكون إلزامية. وإذا ما كانت آمنة إلى حد معقول وتقلل من متاعب التعامل مع الدولة، فسيقوم الناس بإرادتهم بالتسجيل فيها.
المصدر: ذي إيكونوميست