عاد ملف حراك الريف المغربي – الذي يقترب من ذكراه السنوية الرابعة – إلى الواجهة بعد قرار قياداته القابعين في السجن خوض معركة “الأمعاء الخاوية” للإفراج عنهم في ظلّ تجاهل الدولة لقضيتهم “العادلة” وفق مقربين منهم.
إضراب عن الطعام
يخوض هذا الاضطراب عن الطعام سبعة من معتقلي “حراك الريف”، بينهم ناصر الزفزافي، زعيم الحراك، وكذلك نبيل أحمجيق، أحد أسماء الحراك المعروفة، وبدأ إضراب كل منهما منتصف شهر أغسطس/آب الماضي قبل أن يلتحق بهما خمسة معتقلين آخرين خلال الأيام الماضية.
ويخوضُ المعتقلان ناصر الزفزافي ونبيل أحمجيق، إضرابًا مفتوحًا عن الطعام دخل يومه الثالث والعشرين، كما يرفض المعتقلون محمد حاكي وزكريا أضهشور وبلال أهباض ومحمود بوهنوش تناول الطّعام منذ ثمانية عشر يومًا، بينما دخل إضراب سمير إغيد يومه الثّالث عشر.
برز ناصر الزفزافي كقائد للحركة الاحتجاجية “حراك الريف” التي هزت مدينة الحسيمة ومناطق الشمال على مدى أشهر بين خريف 2016 وصيف 2017، حيث استطاع بفصاحته أن يجمع الناس حوله ويقود الحراك، وكثيرًا ما كان هذا الشاب يردد أنه يسير على نهج الزعيم المغربي الكبير محمد عبد الكريم الخطابي في التحرر والوقوف ضد الظلم والدفاع عن المهمشين.
ركز نشطاء الحراك في مظاهراتهم خريف 2016، على التهميش الذي يعانيه الريف المغربي وسكانه وانعدام التنمية هناك
يوجد ناصر الزفزافي ونبيل أحمجيق في سجن راس الما بمدينة فاس البعيدة عن مدينة الحسيمة بنحو 250 كيلومترًا، في وقت يوجد فيه معتقلون آخرون من الحراك بسجن الناظور، وكذلك في سجن الحسيمة شمالي المملكة، فيما يقبع آخرون بسجن مدينة جرسيف شرق المملكة، وآخرون في سجن طنجة بأقصى شمال غرب المملكة.
اعتقل هؤلاء في مدينة الحسيمة ما بين مايو/أيار ويونيو/حزيران 2017، على خلفية مشاركتهم في الحراك الاحتجاجي الذي عرفته المنطقة حينها، ويقضي هؤلاء أحكامًا بالسجن، بين 15 و20 عامًا، في سجون مختلفة لإدانتهم بعدة تهم من بينها “التآمر للمس بأمن الدولة” و”التحريض علنًا ضد وحدة المملكة المغربية وسيادتها” و”زعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية”.
يواجه المعتقلون السياسيون عن الحراك الشعبي بالريف، وفق الناشط في حراك الريف خميس بوتكمانت، أشكالًا عديدة من المعاناة داخل السجون المغربية “أهمها التضييق المتواصل عليهم والاستفزازات المستمرة من طرف موظفي السجن، وكذلك توظيف الظرفية الوبائية كشماعة للإجهاز على حقوقهم التي تكفلها المواثيق الدولية، عدم استفادتهم من قفة العائلات وتقليص زيارات العائلات لهم و حصرها في دقائق لكل شهر”.
يضيف بوتكمانت، “كما يعاني المعتقلين أيضًا نتيجة عزلهم على الخارجي من خلال تحديد مدة المكالمات الهاتفية في خمس دقائق للأسبوع الواحد، وأيضًا تواجدهم في سجون متفرقة تبعد عن مقر سكن عائلاتهم لما يزيد عن 200 كيلومتر مما يجعل الكثير من المعتقلين يحرمون من مقابلة ذويهم جراء صعوبة التنقل على طول هذه المسافات الطويلة، وكذا حرمانهم من الجرائد والكتب التي تحجر عليها الإدارات السجنية”.
من التجميع إلى إطلاق السراح
مطالب الزفزافي وأحمجيق تلخصت في البداية في تجميعهما مع بقية المعتقلين في سجن واحد قريب من محلّ سكن أسرهما، مع تحسين ظروفهما واحترام كرامتهم وكرامة أسرهم، لكن بعد دخولهما في إضراب عن الطعام وصل يومه الـ23، صارت المطالب هي الإفراج عنهما وبقية المعتقلين، وفق والد الزفزافي.
ويأتي هذا التحرّك بعد أيام قليلة من الانفراج الذي عرفه ملف “حراك الريف”، حيث تضمنت قوائم العفو الملكي في شهر أغسطس/آب الماضي، أسماء 24 معتقلًا من الحراك، ويتعلّق الأمر بمعتقلين كانوا يقضون عقوبات حبسية أقل من عشر سنوات، من أشهرهم المرتضى أعمراشا وربيع الأبلق وشاكر المخروط وآخرين، ويأمل باقي المعتقلين الـ23 أن يتم إطلاق سراحهم أسوة بزملائهم.
هذا الإضراب ليس الأول من نوعه، فقد سبق أن نفّذ معتقلو الحراك العديد من الإضرابات حتى يتم الاستجابة لمطالبهم، وعادة ما يتم الاستجابة لجزء بسيط من مطالبهم بعد الضغط الممارس ضدّ السلطات، لكن ليست هناك أي ضمانات باستمرار الاستجابة.
بالتزامن مع ذلك، طالب الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان، في بيان وقعه 19 تنظيمًا، المسؤولين بالتحرك العاجل قبل فوات الأوان والاستجابة الفورية لمطالب المعتقلين وعائلاتهم، لافتًا إلى أنه سيلجأ إلى “جميع الجهات المعنية بحقوق الإنسان وطنيًا ودوليًا من أجل حمل السلطات المغربية على الطيّ النهائي لهذا الملف وإنصاف المضربين ومنطقة الريف بكاملها”.
وراسل الائتلاف كلًا من المجلس الوطني لحقوق الإنسان ورئيس الحكومة والمندوب العام لإدارة السجون ووزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، من أجل عقد لقاء للنظر في السبل الكفيلة لإنقاذ حياة المعتقلين السياسيين على خلفية حراك الريف المضربين عن الطعام، مؤكدًا أن استمرار تجاهل مطالب المضربين عن الطعام يهدد حقهم في الحياة والسلامة البدنية وأمانهم الشخصي.
يذكر أن “حراك الريف” كان قد بدأ في أكتوبر/تشرين الأول سنة 2016، احتجاجًا على حادث أودى ببائع السمك محسن فكري، وقد حملت الاحتجاجات في بدايتها مطالب اجتماعية واقتصادية، إلا أن السلطات اتهمت المحتجين بخدمة أجندة انفصالية والتآمر للمس بأمن الدولة.
رغم مرور 4 سنوات على انطلاق احتجاجات الريف، ما زالت مقومات الحراك موجودة، فالأهالي يرون أن منطقتهم مهمشة بإرادة سياسية
ركز نشطاء الحراك في مظاهراتهم خريف 2016، على التهميش الذي يعانيه الريف المغربي وسكانه وانعدام التنمية هناك وانتشار البطالة والظلم والفقر وفساد الحكومة، كما وجّهوا نقدهم للمخزن والملك المغربي محمد السادس مباشرة.
ورقة مساومة
بقاء 23 من نشطاء حراك الريف الفاعلين داخل السجون المغربية على رأسهم ناصر الزفزافي، يؤكّد ما ذهب إليه العديد من المغاربة بكون سلطات بلادهم تستغل هذا الملف للمساومة، فمواصلة اعتقالهم أو العفو عن بعضهم يمكّن النظام من المسك بزمام الأمور.
لجأ النظام إلى هذا التمشّي بعد أن فشل في معظم الأساليب للسيطرة على حراك الريف، فعوض أن ينتهج طريق الحوار ويفتح الباب للمصالحة مع الريفيين وتجاوز أحقاد الماضي التي ميزت العلاقة بين الطرفين، رأى أن يبتزهم ويتحكم في مصير أبنائهم.
وترى الدولة أن ملف معتقلي الحراك يمكن استعماله في أي احتقان مستقبلي كما تم استعمال سابقًا أوراق عدة منها معتقلي السلفية ومعتقلي ملف بلعيرج وغيرهم، ذلك حتى تضع يدها على أي احتجاجات يمكن لها أن تحدث في أي منطقة في البلاد، خاصة في ظل الأزمات المتعدّدة التي تمر بها المملكة.
تسعى الدولة المغربية للاحتفاظ بالمعتقلين – خاصة القيادات منهم – في السجون تحسبًا لأي احتقان مستقبلي، فالسنوات التي سيقضيها معتقلو الحراك في السجن هي رسالة ذات أبعاد إستراتيجية للسيطرة على حراك الريف وأي حراك مفترض يمكن أن يظهر.
ويرى مغاربة أن السلطات يمكن لها أن تطلق سراح بعض المعتقلين بين الفينة والأخرى حتى تنفس الأزمة الحاصلة، حينها سيشيد أنصارها والمتمعشين من خيراتها بهذا القرار وسيتصدرون الإعلام للتصفيق للقرار، كونه قرارًا تاريخيًا وفق تصورهم.
ويراهن النظام السياسي المغربي، وفق خميس بوتكمانت، على عامل الوقت و الزمن كوسيلة لتطويع المعتقلين للتراجع عن آرائهم السياسية المنتقدة لسياسات الدولة و طرق تدبيرها للشأن التدبيري و السياسي،
ويرى محدّثنا أن السلطات المغربية تؤرقها الحمولة الرمزية التي يكتسبها الزفزافي الذي يعتبر تمثلا لصوت الحق و الشجاعة عند شريحة واسعة و عريضة من الشعب و مؤثر كبير على الرأي العام المغربي وفق قوله.
ويعتقد خميس أن السلطة تراهن على تراجع المعتقلين عن قناعاتهم و آرائهم دون إيلاء الأهمية للأصوات المتزايدة المطالبة بضرورة الإفراج عنهم و إجماع كل مكونات الشعب على براءتهم، وهذا راجع بالأساس للعقلية الأمنية التي تعالج بها السلطة ملف حراك الريف الذي ترى من خلاله أن تصحيح أخطاء الأحكام القضائية هزة لبنيتها السلطوية.
ويمنح الدستور المغربي في فصله الـ58، الملك الحق في العفو، فالملك له حق العفو الخاص باعتباره رئيس الدولة، وحق العفو العام باعتباره الممثل الأسمى للأمة، ويكون إما بإسقاط العقوبة كليًا أو جزئيًا أو استبدالها بعقوبة أخف منها، ويعني ذلك أن له أن يتدخل دستوريًا ويأمر بإطلاق سراح معتقلي حراك الريف متى أراد.
رغم مرور 4 سنوات على انطلاق احتجاجات الريف، ما زالت مقومات الحراك موجودة، فالأهالي يرون أن منطقتهم مهمشة بإرادة سياسية، كما يعتبرون أنفسهم من أكثر المنبوذين بين المغاربة، وأن هذا التهميش نتيجة الهوة الكبيرة بينهم وبين السلطة.