توفي اليوم السبت، وزير الزراعة الأسبق، يوسف والي، الأمين العام للحزب الوطني الحاكم في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، وأحد أبرز رجال عهده عن عمر يناهز 89 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا كبيرًا من الملفات الجدلية، بعضها لا يزال يدفع المصريون ثمنها الغالي حتى يومنا هذا.
لُقب بوزير مبارك الأول وعراب التطبيع الأبرز والمنفذ الأشهر لسياسات الرئيس الراحل الخارجية، كما كان على رأس قائمة المتهمين بتشويه مستقبل المصريين عبر إدخال مواد مسرطنة بالمبيدات الحشرية التي يستخدمها الفلاح، وهي القضية التي استمرت داخل أروقة المحاكم لسنوات دون أن يعاقب بسببها.
استهل والي المولود عام 1931 والحاصل على درجة البكالوريوس في الزراعة من جامعة القاهرة 1951 والدكتوراه عام 1958، حياته السياسية عام 1962 حين تم اختياره للعمل كمستشار للحكومة الليبية، ثم مستشارًا علميًا للقوات المسلحة المصرية عام 1968، ليعود بعدها إلى العمل التنفيذي العام من أوسع أبوابه.
وفي عام 1971 اُختير والي المقرب من الرئيسين المصريين الراحلين جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات، نائبًا لرئيس الوزراء لقطاع الزراعة، ثم وزيرًا للزراعة عام 1982 بعد تولي مبارك مقاليد الحكم، وظل بمنصبه حتى قدوم أحمد نظيف كرئيس للوزراء في 9 يوليو 2004.
دخل مجلس الشعب (البرلمان) في يناير 1984 عضوًا عن دائرة أبشواي بمحافظة الفيوم، ثم نائبًا لرئيس الحزب الوطني للشؤون الداخلية، وأمين عام الحزب من 1985 حتى 2002، وكان ضمن زمرة الوزراء المقربين من مبارك مقارنة بغيره من أعضاء الحكومة أو الحزب.
عُرف عنه أنه عراب التطبيع الأول في مصر ومنفذ سياسات مبارك التقاربية تجاه “إسرائيل”، فيما فتح بابًا كبيرًا للتجارة الزراعية بين القاهرة وتل أبيب، الأمر الذي أثار غضب الشارع المصري حينها لا سيما بعد استعانته بالخبراء الإسرائيليين في مجال الزراعة، وهو ما تناولته السينما المصرية بشيء من السخرية فيما بعد، كما جاء في فيلم “السفارة في العمارة” للفنان عادل إمام.
تباينت الأقاويل عن هويته الدينية والمجتمعية، فاسمه “يوسف والي موسي ميزار”، ويقال “جوزيف أمين والي موشيه ميزار مزراحي”، دفعت البعض إلى الترويج لأصوله اليهودية، في محاولة لتفهم طبيعة العلاقة الحميمية التي كانت تربطه بدولة الاحتلال، إلا أنه كان دائمًا يصرح في مناسبات عدة بأن أصوله عربية ومن أسرة ليست يهودية.
وزير المواد المسرطنة
لُقب والي بـ”وزير المواد المسرطنة” حيث شهد عصره واحدة من أكثر الجرائم المثيرة للجدل في تاريخ مصر الحديث، إذ استورد وعدد من تلامذته ومساعديه شحنات كبيرة من الأعلاف غير الصالحة للاستهلاك الأدمي، بجانب أنها مصابة بالمواد المسرطنة التي كان لها تأثيرها السلبي على صحة المصريين.
البداية تعود إلى 31 من يوليو/تموز 1996، حين أصدر الوزير وقتها القرار رقم 874 لسنة 96 الذي يحظر تجريب أو استيراد أو تداول أو استخدام أو تجهيز المبيدات المصنفة مجموعة B محتمل مسرطن للإنسان والمجموعة 2 مسرطن ممكن للإنسان سواء للاتجار أو للاستخدام الشخصي.
ورغم هذا القرار، فإن والي وبضغوط من وكيل أول وزارة الزراعة حينها، يوسف عبد الرحمن، اضطر لخرقه غير أن هناك عقبة حالت دون ذلك وهي المادة 93 من قانون الزراعة رقم 53 لسنة 66 التي تنص على أن الوزير أو أي مسؤول لا يستطيع وفقًا لأحكام هذا القانون إدخال أي مبيدات إلا من خلال لجنة للمبيدات يتم تشكيلها.
ومن هنا بدأ التلاعب من الوزير ومساعديه، حيث تم إلغاء الحظر المفروض على المبيدات وفتح الباب على مصراعيه لإدخال ما يقرب من 38 مادةً مسرطنةً للبلاد، عبر شحنات أغذية على مدار 8 سنوات كاملة، من 1996 وحتى 2004، وظل الأمر هكذا حتى تولى أحمد الليثي وزارة الزراعة عام 2005 ليعيد اللجنة مرة أخرى من خلال قرار جديد.
لم تكن تحركات يوسف والي بشأن استيراد المواد المسرطنة وغيرها ببعيدة عن نظام مبارك، بدءًا من الرئيس مرورًا بالمقربين منه وصولًا إلى دوائر صنع القرار
وفي يناير 2000 تقدم النائب البرلماني مصطفى بكري (نائب حاليّ بالبرلمان) اتهم فيه والي وعددًا من مرافقيه بالسماح بدخول مواد مسرطنة كانت سببًا رئيسيًا في انتشار أمراض الفشل الكلوى والكبدى جراء تلوث الخضراوات والفواكه عن طريق إضافة المبيدات والمواد الكيماوية المسرطنة الموجودة داخل الأطعمة بموافقة منه، وهي القضية التي هزت الرأي العام وقتها.
وبالفعل تم تحويل القضية إلى القضاء العام المصري باتهام 21 مسؤولًا ومتعاملًا على رأسهم وزير الزراعة الراحل، إلا أن النيابة العامة وقتها برئاسة المستشار عبد المجيد محمود، رفضت تنفيذ أمر المحكمة باستدعاء والي الذي بدوره رفض المثول أمامها، متعللًا بانشغاله، لتعطيه المحكمة فرصة أخرى للمثول.
الزراع اليمنى لوالي، يوسف عبد الرحمن، كان قد وجه العديد من التهم لوزيره السابق، تصل عقبوتها إلى المؤبد كونها تشكل خيانة للوطن، كان أبرزها الاستيراد العمدي لمواد مخلوطة بهرمونات مسرطنة تسبب السرطان والعقم، وذلك نظير عمولة ومقابل مادي كبير، ومع ذلك أصر على عدم المثول.
وقد أصدرت محكمة الجنايات حكمها في 2004 على المتهم الأول يوسف عبد الرحمن بالسجن 10 سنوات وعزله من منصبه، وعلى المتهمة راندا الشامي بالسجن 7 سنوات، كذلك عزل هشام عفيفي مدير إدارة مكافحة الآفات بالهيئة العامة للإصلاح الزراعي من وظيفته وإلزامه بالمصروفات.
ورغم طلب محكمة نيابة أمن الدولة باتخاذ الإجراءات القانونية ضد والي، فإن أحدًا لم يتحرك، فيما أرجع الشارع هذا التخاذل وقتها لاحتمائه بوظيفته وحصانته البرلمانية، بجانب قربه المعروف لرئيس الدولة وحاشيته، بخلاف البعد السياسي في القضية الذي يتعلق بالعلاقات بين القاهرة وتل أبيب، الأمر الذي جعله خارج دائرة العقاب في هذه القضية الحساسة حتى وفاته اليوم.
وفاة #يوسف_والى نائب رئيس الوزراء، وزير الزراعة الأسبق عن عمر يناهز 89 عاما.
شغل والى منصب وزير الزراعة واستصلاح الأراضي
حسبنا الله ونعم الوكيل
عليك من الله ماتستحق
تسبب المذكور فى أصابة غالبية الفلاحين المصريين
بسبب استيراده والموافقه على الموادالكيماويه المسرطنه من إسرائيل pic.twitter.com/Eqi3yxYjSk
— @SABERHASSAN8621 (@SABERHASSAN8621) September 5, 2020
فساد مالي
جاءت ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بمبارك، الداعم الأكبر لوزير الزراعة الراحل، لتعبد الطريق أمام محاكمة عادلة لما تسبب فيه من كوارث بحق المصريين، حيث أعيد فتح الملف مرة أخرى، لكن هذه المرة لم تتوقف الاتهامات عند حاجز المبيدات المسرطنة وفقط، بل تم اتهامه بإهدار المال العام للدولة.
البلاغات المقدمة ضد والي أشارت إلى أنه تسبب في إهدار 200 مليون جنيه على الدولة تمثل قيمة فارق سعر قطعة أرض بجزيرة البياضية بالأقصر باعها لرجل الأعمال الهارب حسين سالم بمبلغ 9 ملايين جنيه، بينما قيمتها الحقيقية 209 ملايين وذلك بحسب التقديرات التي قدمها الخبراء وقتها.
وكالعادة أنكر الوزير تلك الاتهامات جملةً وتفصيلًا، إلا أنه في يونيو 2018 أمر المستشار صفاء أباظة، قاضي التحقيق المنتدب في قضايا فساد الأراضي بوزارة الزراعة، بضبطه وإحضاره، لسماع أقواله في التهم المنسوبة إليه، ومع ذلك لم يتخذ ضده أي إجراء قانوني رادع، بل وصل الأمر إلى تبرئته قضائيًا مما نسب إليه، فيما سرت شائعات بهروبه خارج البلاد عقب تدهور حالته الصحية.
لم تكن تحركات يوسف والي بشأن استيراد المواد المسرطنة وغيرها ببعيدة عن نظام مبارك، بدءًا من الرئيس مرورًا بالمقربين منه وصولًا إلى دوائر صنع القرار، إذ نقل عنه المقربون منه أكثر من مرة أنه لم يتخذ أي خطوة من تلك الخطوات دون استشارة مبارك، وهو ما فسره البعض بعدم القدرة على محاكمة الرجل الذي كان من الممكن أن يورط أسماء كبيرة معه حال إدانته.
وقد حظي وزير الزراعة الراحل بثقة الأنظمة السياسية الثلاث التي عمل معها، فقد كرمه عبد الناصر بجائزة الدولة عام 1968، وكرمه السادات بجائزة الدولة عام 1977، وتغاضى مبارك عن جرائمه المنسوبة له بحق الملايين من الشعب المصري التي دفعت ثمن فساده من صحتها وحياتها غاليًا جدًا.
وبموت عراب التطبيع والمنفذ الأول لسياسات مبارك الخارجية تجاه دولة الاحتلال يسدل الستار على واحدة من أقبح الجرائم في العقود الماضية دون تحقيق العدالة المطلوبة، لتطوى هذه الصفحة بكل ما فيها من تساؤلات لم يتم الإجابة عنها، لا سيما بعد رحيل اللاعبين الأساسيين فيها، مبارك ووزيره المقرب.