ترجمة وتحرير: نون بوست
قد يكون خط أنابيب النفط الصحراوي الذي كانت إسرائيل تعمل به في السابق كمشروع مشترك سري مع إيران أحد المستفيدين الرئيسيين من اتفاق السلام مع الإمارات العربية المتحدة الذي توسط فيه ترامب. مع قيام دولة الإمارات العربية المتحدة رسميا بإلغاء المقاطعة العربية التي استمرت ثمانية عقود لإسرائيل – مع إمكانية حذو دول الخليج الأخرى الغنية بالنفط حذوها – فإن اسرائيل توشك على لعب دور أكبر بكثير في تجارة الطاقة وسياسات البترول والأعمال الضخمة واستثمارات النفط في المنطقة.
بدء الأمر بخط أنابيب غير مستخدم ولكن استراتيجي للغاية، حيث يقول المديرون الإسرائيليون لشركة خط أنابيب أوروبا آسيا إن القناة التي يبلغ طولها 158 ميلا من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط توفر بديلا أرخص من قناة السويس المصرية وخيارا للاتصال بشبكة خط أنابيب العرب التي تنقل النفط والغاز ليس فقط إلى المنطقة، ولكن إلى الموانئ البحرية التي تزود العالم بمصدر الطاقة هذا.
في هذا الإطار، أخبر إيزيك ليفي، الرئيس التنفيذي للشركة، موقع فورين بوليسي بأن “هذا الخط يفتح الكثير من الأبواب والفرص”. كما يعتقد ليفي أن خط الأنابيب، الذي يربط ميناء إيلات جنوب إسرائيل بمحطة ناقلات نفط في عسقلان على ساحل البحر الأبيض المتوسط ، يمكن أن يخفض حصة كبيرة من شحنات النفط التي تتدفق الآن عبر قناة السويس القريبة.
في حين أن الكثير من الضجة التي لا لزوم لها حول الاتفاقية الإماراتية الإسرائيلية ركزت على قطاعات أخرى مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية والتعليم والسياحة، فإن خط أنابيب إيلات عسقلان يضع الصفقة في عالم البترول، الذي يمثل القلب النابض لاقتصاد الخليج. الآن بعد أن كسر الإماراتيون الحاجز بينهم وبين إسرائيل، أصبحت فرص صفقات الطاقة العربية الإسرائيلية واسعة ومربحة، بدء من الاستثمار في خط الأنابيب الإسرائيلي نفسه، إلى تكييفه لنقل الغاز الطبيعي أو توصيله بخطوط الأنابيب عبر المملكة العربية السعودية والشرق الأوسط الأوسع.
في سياق متصل، قال مارك سيفيرز، سفير الولايات المتحدة السابق في عمان، حيث أجرى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو زيارة غير مسبوقة قبل سنتين: “إذا أقامت الأردن شراكات مع الإسرائيليين، فهناك إمكانات هائلة لإجراء جميع أنواع الأعمال”.
يعمل خط الأنابيب الرئيسي بالتوازي مع خط الأنابيب الخام أنبوب مقاس 16 بوصة الذي يحمل المنتجات البترولية مثل البنزين والديزل
قبل ما يزيد قليلا عن 60 سنة، كان خط أنابيب إيلات-عسقلان عندما بُني بمثابة مشروع بناء وطني ضخم يهدف إلى ضمان إمدادات الطاقة لإسرائيل وأوروبا في أعقاب أزمة السويس سنة 1956. كان الرئيس المصري جمال عبد الناصر قد قيد الشحن عبر القناة، مما أدى إلى غزو القوات الإسرائيلية والبريطانية والفرنسية لها. علاوة على ذلك، لعبت الجهود اللاحقة التي بذلتها مصر لإغلاق الممر المائي الاصطناعي البالغ طوله 120 ميلا دورا في الحروب الإسرائيلية العربية في سنتي 1967 و1973.
كان معظم النفط يتدفق عبر خط الأنابيب من إيران، التي كانت تربطها علاقات وثيقة وإن كانت سرية مع إسرائيل لعقود في عهد الشاه محمد رضا بهلوي. في سنة 1968، سجلت الحكومتان الإسرائيلية والإيرانية ما كانت تسمى آنذاك شركة خط أنابيب إيلات عسقلان كمشروع مشترك بالنصف لإدارة تصدير النفط الخام الإيراني عبر الأراضي الإسرائيلية وما بعدها عن طريق الناقلات إلى أوروبا.
يبدو أن تدفق قسم كبير من النفط قبل الموعد المتوقع كان بوساطة من تاجر السلع الملياردير مارك ريتش، الذي اتُّهم لاحقا في الولايات المتحدة بمواصلة التجارة مع إيران بعد الثورة الإسلامية سنة 1979، عندما تم إعلانها دولة معادية. ثم حصل ريتش على عفو سنة 2001 من قبل الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، الذي قال إنه تأثر جزئيا بمناشدات القادة الإسرائيليين ورؤساء المخابرات. وقال داعمو التاجر المارق، بمن فيهم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز وإيهود باراك، إنه أنقذ الدولة اليهودية مرارا من محاولات تدميرها. يُذكر أن ريتش، الذي لم تتم إدانته قط، توفي سنة 2013.
في سنة 2015، أمرت محكمة سويسرية إسرائيل بدفع تعويضات لإيران بنحو 1.1 مليار دولار كحصة من الأرباح من الملكية المشتركة لخط الأنابيب منذ أن قطع الخصمان العلاقات في سنة 1979، لكن إسرائيل رفضت الدفع. وعلى الرغم من أن خط الأنابيب الرئيسي الذي يبلغ طوله 42 بوصة والذي يربط بين إيران والبحر الأبيض المتوسط قد بُني لنقل النفط الإيراني إلى الشمال، إلا أنه حاليا يقوم بأغلب أعماله في الاتجاه المعاكس. كما يمكنه ضخ النفط الذي تم تفريغه في عسقلان من السفن المرسلة من قبل منتجين مثل أذربيجان وكازاخستان إلى ناقلات في خليج العقبة لنقله إلى الصين أو كوريا الجنوبية أو أي مكان آخر في آسيا.
يعمل خط الأنابيب الرئيسي بالتوازي مع خط الأنابيب الخام أنبوب مقاس 16 بوصة الذي يحمل المنتجات البترولية مثل البنزين والديزل. كما تجني الشركة الأموال من تشغيل صهاريج التخزين في محطات الشحن الخاصة بها.
إن الميزة التي يتمتع بها خط الأنابيب مقارنة بقناة السويس تتلخص في قدرة المحطات النهائية في عسقلان وإيلات على استيعاب الناقلات العملاقة التي تهيمن على شحن النفط اليوم، ولكنها أضخم من أن تستوعبها القناة. كما يمكن للسفن المعروفة في مجال النفط الخام باسم ناقلات نفط، أو ناقلات النفط الخام الكبيرة جدا، نقل ما يصل إلى مليوني برميل من النفط.
الخاسر سيكون مصر، التي ستشهد اختلاسا للأعمال وستكون لديها سيطرة أقل على الأسعار الآن مع ظهور منافسة
من ناحية أخرى، فإن قناة السويس التي يبلغ عمرها 150 سنة، ليست عميقة وواسعة بما يكفي للتعامل مع ما يسمى بسفن سويس ماكس، حيث لا تتجاوز سعة هذه القناة نصف سعة ناقلة النفط العملاقة. وبالتالي، يتعين على تجار النفط استئجار سفينتين عبر القناة مقابل كل سفينة يرسلونها عبر إسرائيل. ويقول ليفي إنه مع وصول رسوم الرحلة أحادية الاتجاه عبر السويس إلى 300 ألف دولار إلى 400 ألف دولار، فإن خط الأنابيب يسمح لإسرائيل بتقديم خصم كبير.
لطالما كانت أعمال الشركة واحدة من أكثر الأسرار الإسرائيلية الخاضعة للحماية. حتى الوقت الراهن، لا تصدر شركة خط أنابيب أوروبا آسيا أي بيانات مالية. يقول ليفي إنه لا يمكنه الكشف عن أسماء العملاء – رغم أنه يقول إنهم يضمون “بعضًا من أكبر الشركات في العالم”. لم يتم الكشف عن القليل من المعلومات المعلنة إلا نتيجة المعارك القانونية التي أعقبت الانهيار في خط الأنابيب سنة 2014 والذي تسبب في أسوأ كارثة بيئية في تاريخ إسرائيل، حين تسرب أكثر من 1.3 مليون جالون من النفط الخام إلى محمية عين إيفرونا الطبيعية الصحراوية.
إذا كانت أعمال شركة خط أنابيب أوروبا آسيا غير شفافة، فإن مساعي عملائها لإخفاء هوياتهم من خلال عمليات التسجيل المتعددة وأساليب إخفاء الشركات الأخرى تعتبر أسطورية. إن المقاطعة التي فرضتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وجيرانهما المنتجين للنفط تعني أن الناقلات التي تعترف بالرسو في إسرائيل سيتم منعها من عمليات التحميل المستقبلية في الخليج، مما يؤدي إلى تدمير أعمالها بشكل فعال. التفاصيل سرية للغاية – ولكن الطرق التي يمكن للسفن أن تحجب أنشطتها بشكل عام تشمل إيقاف تشغيل أجهزة الإرسال والاستقبال وإعادة الطلاء ورفع علم آخر وإعادة التسجيل وتزوير سجلات الإرساء.
قال ليفي، قبطان متقاعد في البحرية الإسرائيلية، لمجلة فورين بوليسي إن السرية المطلوبة جعلت مسار خط الأنابيب مكلفا للغاية بالنسبة لمعظم الشحنات. وأضاف ليفي قائلا: “كان على العديد من السفن التي جاءت إلى إيلات وعسقلان القيام بهذه العمليات حتى لا تتم مقاطعتها في ميناء أو آخر. إذا كانت السفينة تخشى أن يتم إدراجها في القائمة السوداء ومقاطعتها، فسيتم تسعيرها. كل هذا يكلفني مالًا لذلك سيرتفع سعر النقل”.
في واقع الأمر، يتحسن نموذج عمل شركة خط أنابيب أوروبا آسيا بشكل كبير مع تآكل المقاطعة العربية. قال ليفي: “إذا انخفضت المخاوف [بشأن السرية] بشكل كبير، فإن السعر سينخفض بشكل كبير. ثم يصبح الأمر مجديا اقتصاديا وأكثر فائدة”. بمجرد إزالة الحواجز السياسية لاستخدام إسرائيل كمركز لإعادة الشحن، يمكن أن تزدهر الأعمال التجارية.
تقدم اتفاقية السلام الإماراتية لإسرائيل بوابة إلى نادي تجارة النفط للكبار حيث كان إخفاء علَمها هو ثمن القبول حتى الآن.
بعد إضفاء الطابع الرسمي على الصفقة الإسرائيلية الإماراتية، من المرجح أن يتبعها أعضاء آخرون في مجلس التعاون الخليجي وعلى الأرجح البحرين وعمان. أشارت المملكة العربية السعودية إلى أنها لن تقيم روابط رسمية حتى يتم حل النزاع الفلسطيني، على الرغم من أن علاقاتها التجارية مع إسرائيل وفيرة ومتنامية.
يقول ليفي إن هدفه هو أن يستحوذ خط الأنابيب على ما بين 12 بالمائة و17 بالمائة من أعمال النفط التي تستخدم الآن قناة السويس. بسبب قيود القناة، يتم ضخ الكثير من النفط الخام الخليجي المتجه إلى أوروبا وأمريكا الشمالية عبر خط أنابيب السويس-البحر الأبيض المتوسط في مصر والذي تمتلك فيه السعودية والإمارات حصة. ومع ذلك، يعمل خط الأنابيب المصري في اتجاه واحد فقط، مما يجعله أقل فائدة من منافسه الإسرائيلي والذي يمكنه أيضا التعامل، على سبيل المثال، مع النفط الروسي أو الأذربيجاني المتجه إلى آسيا.
أما الخاسر سيكون مصر، التي ستشهد اختلاسا للأعمال وستكون لديها سيطرة أقل على الأسعار الآن مع ظهور منافسة. حتى مع تكوينها صداقات جديدة في الخليج، تحتاج الشركة الإسرائيلية إلى توخي الحذر بشأن التأثير في مصادر الدخل الخاصة بمصر، أولى الدولة العربية في عقد السلام مع إسرائيل سنة 1979، وواحدة من أفقرها. يقول السفير السابق سييفرز: “لا أعتقد أن ذلك سيسعد المصريين”.
ليس التعاون الإسرائيلي الإماراتي في مجال الشحن جديدا تماما، إذ كانت شركة زيم المتكاملة لخدمات الشحن الإسرائيلية هي السابقة لتسهيل هذا الطريق، حيث كانت ترسو في موانئ تديرها شركة الشحن العملاقة في دبي، موانئ دبي العالمية، لأكثر من 20 عاما، كما استثمرت في مشاريع مشتركة مع الشركة الإماراتية أيضا. إن العلاقة بين مالك شركة زيم، عيدان عوفر، ورئيس موانئ دبي سلطان أحمد بن سليم قوية للغاية لدرجة أن الملياردير الإسرائيلي ضغط على الكونجرس الأمريكي نيابة عن شركة دبي في محاولتها غير الناجحة في سنة 2006 لشراء عمليات محطات الحاويات في الولايات المتحدة.
تظهر المزيد من الاحتمالات من اكتشاف إسرائيل غنيمة من مخزونات الغاز الطبيعي قبالة ساحلها المتوسطي والتي يمكن أن توفر أكثر بكثير من احتياجات إسرائيل الخاصة. إن جذب المستثمرين الخليجيين بالإضافة إلى شركاء إسرائيل الحاليين مثل شيفرون، وإمكانية الاتصال بشبكة خطوط أنابيب الغاز في الشرق الأوسط، سيفتح أفقا جديدا آخر في مجال الطاقة الإسرائيلية الناشئة.
مع ظهور خط أنابيب إيلات عسقلان من سريته المدروسة، تقدم اتفاقية السلام الإماراتية لإسرائيل بوابة إلى نادي تجارة النفط للكبار حيث كان إخفاء علَمها هو ثمن القبول حتى الآن.
المصدر: فورين بوليسي