سباق التسلح بين الجزائر والمغرب يرفع النفقات العسكرية بإفريقيا، في ظل التوتر طويل الأمد بين البلدين، بالإضافة إلى الحرب في ليبيا، وقد استحوذت منطقة شمال إفريقيا على ما يفوق نصف إجمالي نفقات التسلح بالقارة السمراء.
تسارعت وتيرة التوتر العسكري المكتوم بين المغرب والجزائر خلال العقدين الأخيرين باقتناء العتاد الحربي الثقيل من طائرات وغواصات وسفن حربية، فضلًا عن إجراء مناورات عسكرية متعددة، لينتقل هذا التوتر إلى بناء القواعد العسكرية على المواقع الحدودية.
ثكنة أم قاعدة عسكرية؟
في يوليو/تموز المنصرم، طالب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، المغرب بالتوقف عن بناء قاعدة عسكرية على بعد كيلومترات عن الحدود مع بلاده، معتبرًا أن العلاقات مع البلدين تعيش وضعًا صعبًا، وأنه “لن يبادر إلى فتح الحدود” بسبب ما وصفه بـ”بالتصعيد المغربي ضد الجزائر”، في وقت نشرت فيه وسائل إعلام مغربية صورًا ملتقطة من الأقمار الاصطناعية، قالت إنها لقواعد جزائرية قرب حدود المغرب.
القواعد العسكرية الجزائرية على طول الشريط الحدودي، وفقًا لما نشره الإعلام المغربي
الجيش المغربي طمأن الجزائر أن المنشأة العسكرية التي يستعد لبنائها بالقرب من الحدود، في منطقة جرادة، لا تحمل صفة القاعدة وإنما ثكنة صغيرة ستخصص لإيواء الجنود فقط، إذ تقع على بعد 38 كيلومترًا مع الجزائر كما هو حال ثكنات أخرى مماثلة تم بناؤها على مسافة معينة من حدود الجارة الشرقية، وأوضح الجيش المغربي في بيان رسمي أن هذا المشروع “يأتي في إطار نقل الثكنات العسكرية إلى خارج المدن”.
وقع رئيس الحكومة المغربية سعد الدين العثماني، مرسومًا يقضي بتخصيص أرض لبناء قاعدة عسكرية جديدة، في المنطقة الواقعة شرق المملكة، ودخل هذا المرسوم الحكومي حيز التنفيذ في 21 من مايو/أيار الماضي، بعد نشره في الجريدة الرسمية، حيث يقضي ببناء الثكنة على مساحة 23 هكتارًا.
على طرف النقيض، تعتقد الجزائر أن “المشروع المغربي سيتم استخدامه كبنية للتجسس الإلكتروني بمساعدة إسرائيلية”، وفقًا لموقع “تي إس أ” الجزائري، على عكس تصريحات المغرب، لا يتعلق الأمر بثكنة بل هي عبارة عن قاعدة موجهة بالأساس ضد مصالح الجزائر، وطبقًا لأسلوب المعاملة بالمثل، ذكرت صحيفة “الشروق” المقربة من النظام الجزائري، أن “السلطات العليا للبلاد قررت هي الأخرى، بناء قاعدة عسكرية إستراتيجية في موقع قريب من القاعدة المغربية” حسب مصادر لم تقم الصحيفة بتسميتها.
كان منتدى الجيش المغربي قد نشر شريطًا يقول إنه يرصد عددًا من المواقع العسكرية للجيش الجزائري على الشريط الحدودي، مع وجود ثكنات عسكرية مخصصة للمشاة تحتوي على منظومة الدفاع إس 300، وقواعد عسكرية للمدفعية وأخرى للمدرعات، بالإضافة إلى شاحنات وطائرات حربية بالقرب من الشريط الحدودي، كما تم ضبط رادارات على بعد 40 كيلومترًا من الحدود.
مناورات عسكرية على الحدود
في محافظة تندوف حيث توجد جبهة البوليساريو، بالقرب من الجدار الرملي العازل بالحدود المغربية، عمد الجيش الجزائري إلى تنفيذ مناورة عسكرية كبيرة، في مايو/أيار الماضي، رغم ظروف كورونا وإلغاء مناورات “الأسد الإفريقي” الأمريكية المغربية، جاءت المناورة الجزائرية تحت اسم “الوفاء بالعهد”، حيث تضمنت تمرينات تكتيكية بالذخيرة الحية، نفذتها وحدات للمدرعات مدعومة بوحدات من القوات البرية والجوية على حد سواء، وهي خطورة اعتبرها المغرب استفزازية وتحمل أكثر من دلالة.
كان المغرب من جانبه، قد نفذ مناورة عسكرية قرب حدود الجزائر، خلال العام الماضي، وصفت أنها الأكبر في تاريخ الجيش المغربي، تحت اسم “تداريب صاغرو”، حيث شوهدت فيالق عسكرية مغربية تشتمل على دبابات من نوع “أبرامز”، وراجمات قذائف متطورة، فضلًا عن طائرات حربية حديثة تتمثل في مقاتلات “إف 16” التي اقتناها الجيش المغربي من الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تتجه نحو منطقة جبل صاغرو.
تدخل عسكري خارج الحدود
تسعى الجزائر إلى تسهيل زيادة وزنها في منطقة الساحل الإفريقي، من خلال تسهيل تدخلاتها العسكرية، المتضمن في مشروع التعديل الدستوري، المنتظر الاستفتاء بشأنه خلال فاتح نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إذ جاء في المسودة الأولية نص يقول: “يمكن لرئيس الجمهورية الجزائرية أن يرسل وحدات الجيش إلى الخارج بعد تصويت البرلمان بأغلبية الثلثين”.
هذا الإجراء يتيح للجزائر نقل قوات عسكرية إلى أراضي عضو في الاتحاد الإفريقي، بما يعيد تأسيس الاتفاق العسكري بين جبهة البوليساريو الانفصالية والجزائر ويعطيه بعدًا آخر. وجهت الرباط اتهامًا صريحًا لجارتها الجزائر بمواصلة تغذية الانفصال وتحويل مواردها لصالح مبادرات تهدف إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي.
تواصل “البوليساريو”، وهي اختصار للمقابل الإسباني “الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” مساعيها إلى انفصال منطقة الصحراء التي يعتبرها المغرب جزءًا من أراضيه، فيما تدعم الجزائر هذه الجبهة بالمال والعتاد الحربي، وكانت من أوائل المعترفين بما يسمى “الجمهورية الصحراوية”، وهي ليست عضوًا في الأمم المتحدة، لكنها حصلت على عضوية الاتحاد الإفريقي عام 1984.
مباشرة انسحب المغرب احتجاجًا على قبول عضوية البوليساريو في الاتحاد الإفريقي، وبعد 32 سنة من شغور كرسيه، عاد المغرب إلى الأسرة الإفريقية بعدما تراجع النفوذ الجزائري والليبي في القارة السمراء وسحبت العديد من الدول الإفريقية اعترافها بـ”الجمهورية الصحراوية”.
حلم في خبر كان
الجيش المغربي
يحتدم سباق التسلح بين الجارتين في الشمال الإفريقي، حيث تحتل الجزائر المرتبة الثالثة في العالم، بينما يأتي المغرب في المرتبة السادسة، فخلال الفترة الممتدة بين عامي 2015 و2019، بلغت حصة واردات المغرب من السلاح العالمي 0.8%، مقارنة بـ2.3% خلال فترة 2010-19، ما يعني أن واردات المغرب تقلصت بنسبة 63%، حيث تظل الولايات المتحدة الأمريكية أكبر مزود للمغرب بالأسلحة والعتاد الحربي، حسب تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.
وعلى طرف النقيض، تصدرت روسيا قائمة مزودي الجزائر، التي بلغت وارداتها من سوق الأسلحة خلال الفترة 2015-2019 نسبة 4.2% ما يعني أنها رفعت صفقات التسليح خلال السنوات الماضية حتى استحوذت وحدها على 79% من إجمالي نفقات التسلح في منطقة شمال إفريقيا.
من تدريبات الجيش الجزائري
هل يمكن أن يوجه البلدان أسلحتهما إلى بعضهما البعض؟ يظل هذا السيناريو مستبعدًا على نحو كبير من مراقبين، بمبرر أن أي مواجهة مسلحة سيكون فيها الطرفان معًا خاسرين، لهذا لا يمكن لأي منهما أن يجازف بالمبادرة إلى ضغط زناد الأمان، والطرفان على حد سواء لا قبل لهما على تحمل تبعات الحرب.