مرة أخرى، تتوجه الأنظار نحو المملكة المغربية، حيث تستقبل مدينة بوزنيقة المطلة على المحيط الأطلسي، اجتماعًا حواريًا بين الأطراف الليبية المتصارعة لكسر حالة الجمود بينها واستئناف العملية السياسية حتى يتم التوصل إلى حل توافقي سلمي للأزمة الليبية المتواصلة منذ سنوات عدة، فهل يقدر المغرب على القيام بما فشلت فيه العديد من العواصم الغربية والعربية؟
ثوابت أساسية لحل الأزمة الليبية
هذا الاجتماع التشاوري ضم وفدًا عن المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، ووفدًا آخر يمثل مجلس النواب المنعقد في طبرق، وقد ناقش عدة قضايا من بينها تثبيت وقف إطلاق النار وتهيئة الظروف لبدء الحوار بين لجنتي المجلسين، ثم آليات اختيار المناصب السيادية وتوحيد مؤسسات الدولة الليبية، وقضايا أخرى.
يرى وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، أن اجتماع بوزنيقة قد يشكل حوارًا عمليًا يهيئ لاتفاق يخرج ليبيا من الأزمة، خاصة في ظل الديناميكية الإيجابية المسجلة مؤخرًا والمتمثلة في وقف إطلاق النار وتقديم مبادرات من الفرقاء الليبيين.
يمكن للمغرب وفق العديد من المراقبين، أن يستثمر علاقته الجيدة مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية ليكون مدخلًا للمصالحة
وفق الوزير المغربي، ينبني إيجاد مخرج للأزمة الليبية على ثلاثة ثوابت أساسية، أولها الروح الوطنية الليبية، وثانيها أن الحل لا يمكن إلا أن يكون سياسيًا، وثالثًا الثقة في قدرة المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب الليبي كمؤسستين شرعيتين، على تجاوز الصعاب والدخول في حوار لمصلحة ليبيا، وذلك بكل مسؤولية.
هذا الاجتماع، جاء بعد نحو شهر ونصف من زيارة كل من رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا خالد المشري، ورئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، إلى المغرب بدعوة من رئيس مجلس النواب المغربي للتباحث بشأن سبل حل الأزمة الليبية.
كما يأتي بعد أسابيع قليلة من زيارة الممثلة الخاصة للأمين العام ورئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا بالنيابة، ستيفاني ويليامز، إلى المغرب في إطار المشاورات التي تقودها مع مختلف الأطراف الليبية وكذا مع الشركاء الإقليميين والدوليين بغية إيجاد حل للأزمة الليبية.
الاستثمار في المكانة المغربية
يأمل الكثير من الليبيين أن تتوصل الأطراف الموجودة في المملكة المغربية إلى حل وسط بينها، يمكن البناء عليه حتى يتم التوصل إلى حل سلمي وشامل للأزمة التي تشهدها بلادهم منذ سنوات، ويتم وضع حد لحالة الانقسام هناك.
ويأمل هؤلاء أن ينجح المغرب فيما فشلت فيه برلين وموسكو وأبو ظبي والقاهرة وتونس والجزائر وباريس، حيث فشلت كل هذه العواصم في تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف الليبية المتصارعة.
ويسعى المغرب إلى الاستثمار في رصيده وموقفه المبدئي من الأزمة الليبية لإنجاح المفاوضات الملتئمة فوق أراضيه، وتقوم مقاربة المغرب بشأن النزاع الليبي على مسلمات لُخصت في الحفاظ على اللحمة الوطنية لليبيين والوحدة الترابية لدولتهم وسيادتها على جميع أراضيها، ورفض أي تصور أو مؤشر للتقسيم بدعوى البحث عن تهدئة الأوضاع، وفق ما سبق أن أكده العاهل المغربي محمد السادس.
كما ترى السلطات المغربية أن الملف الليبي ليس قضية دبلوماسية ولا قضية تجاذبات سياسية، بل ملف يرتبط بمصير بلد مغاربي شقيق، فالمغرب “ليس له أجندة ولا مبادرة ولا مسار، ولم يقبل أبدًا أن يختار بين الليبيين، بل يعتبر دائمًا أن الليبيين أخوة وأبناء لذلك الوطن ويتحلون كلهم بروح المسؤولية وبتغليب مصالح ليبيا، كما أنه لم يغير مواقفه بحسب التطورات على الأرض” .
وسبق أن احتضنت مدينة الصخيرات المغربية، قبل 4 سنوات، مختلف الأطراف الفاعلة في ليبيا على طاولة واحدة، لبحث حل لأزمة بلدهم المنكوب، فكان أن توصلوا لاتفاق سياسي لتسوية الأزمة الليبية في 17 من ديسمبر/كانون الأول 2015.
نص هذا الاتفاق حينها على تشكيل حكومة وحدة وطنية توافقية واعتبار برلمان طبرق الهيئة التشريعية وتأسيس مجلس أعلى للدولة ومجلس أعلى للإدارة المحلية وهيئة لإعادة الإعمار وأخرى لصياغة الدستور ومجلس الدفاع والأمن.
ودائمًا ما يؤكد المسؤولون في المغرب تمسك بلادهم باتفاق الصخيرات السياسي كمرجعية أساسية لمعالجة النزاع المسلح في ليبيا، في الوقت الذي تسعى فيه العديد من الأطراف الأخرى على غرار روسيا ومصر والإمارات وفرنسا للإطاحة بهذا الاتفاق، وتشجيع المتمرد خليفة حفتر على خرق بنوده والتنكر للمؤسسات التي انبثقت منه.
المتأمل للوضع في ليبيا ومسار الصراع هناك، يتأكد بما لا يدع مجالًا للشك أن التدخلات الأجنبية لم تعمل طوال السنوات الماضية إلا على تعقيد الوضع في البلاد
يمكن للمغرب وفق العديد من المراقبين، أن يستثمر علاقته الجيدة مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية ليكون مدخلًا للمصالحة، ولعب دور مهم لحل الأزمة الليبية والحيلولة دون دخول بعض الأطراف إلى الداخل الليبي، حتى لا يتفاقم الوضع أكثر ويتم التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف.
الحاجة إلى الدعم الإقليمي والدولي
رغم كل مقومات النجاح الموجودة، يبقى نجاح أي اتفاق سياسي خاص بالأزمة الليبية مرهونًا بمناخ دولي وإقليمي معين، ورغبة الفاعلين في الدفع نحو إيجاد تسوية توافقية، وفق الخبير المغربي في العلاقات الدولية رشيد لزرق.
ويرى لزرق ضرورة وجود توافق بين الدول الإقليمية والدولية المتدخلة في الشأن الليبي، حتى تتم المصالحة الليبية الشاملة، فمن عرقل اتفاق الصخيرات، وفق قوله، هي قوى إقليمية ترى في تواصل الصراع خيرًا لها، وعدم تحمس الولايات المتحدة الأمريكية لحل الأزمة في ذلك الوقت.
ووفق لزرق فإن الجهود المغربية، ورغم أهميتها فإنها تحتاج إلى دعم مختلف الأطراف الليبية المتصارعة فضلًا عن دعم كل القوى الإقليمية المتدخلة في الشأن الليبي على غرار فرنسا وتركيا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، حتى تضمن النجاح، فدون هذا الدعم سيكون مصير هذه الجهود الفشل.
يؤكد محدثنا أن المحيط الدولي حاليًّا مؤهل أكثر من أي وقت مضى للتوصل إلى حل للأزمة في ليبيا، خاصة بعد إدراك الأطراف المتدخلة في الصراع أنه لا يمكن مواصلة اتباع المعادلة الصفرية ودعم الجهات المسلحة التي تعيق تنفيذ اتفاقات السلام على رأسها قوات خليفة حفتر.
الحوار والالتقاء بشأن المشترك
رغم الدعم السخي والمتواصل منذ سنوات دون توقف، لم تفلح العديد من القوى الدولية الداعمة للانقلابي المتمرد خليفة حفتر على غرار روسيا وفرنسا في تغليب كفته أمام الحكومة الشرعية التي يقودها فائز السراج، هذا الوضع يحتم على هذه القوى الضغط على حلفائها في ليبيا للجلوس على طاولة الحوار للتوصل إلى حل ينقذ البلاد.
المتأمل للوضع في ليبيا ومسار الصراع هناك، يتأكد بما لا يدع مجالًا للشك أن التدخلات الأجنبية لم تعمل طوال السنوات الماضية إلا على تعقيد الوضع في البلاد، وإبعاد آفاق الحل السياسي هناك، فهذه التدخلات لا هم لها إلا تكريس الخلافات الداخلية وتهديد السلم والأمن في هذا البلد العربي.
أمام هذا الوضع على الليبيين أن يتركوا كل الخلافات بينهم وينظروا إلى النقاط المشتركة ويجلسوا إلى طاولة الحوار حتى يجدوا حلًا لأزمة بلادهم لما فيه مصلحة البلاد والشعب، فأغلب القوى الإقليمية والدولية المتدخلة هناك تبتغي مصلحتها فقط حتى إن كلفها الأمر إبادة الشعب الليبي عن بكرة أبيه.