تركت التجربة السورية في القطاع التجاري بمصر تأثيرات ملحوظة في دعم اقتصاد البلاد، مما جعلها مصدر إشادة لدى الكثيرين، لكنها في الوقت ذاته أصبحت تمثل قلقًا لآخرين يرون في هذا النجاح إشارة لفشلهم خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققته مشروعات السوريين المقيمين في مصر خلال السنوات الماضية.
الهجوم على المشروعات السورية تبنته حملات ممنهجة على منصات السوشيال ميديا عزفت على أوتار البعد الأمني في هذا الوجود الكبير، مطالبة بضرورة فرض المزيد من الرقابة على تلك المشروعات والعاملين بها، بدعوى الحفاظ على الأمن الوطني من جانب، ودعمًا لرجال الأعمال المصريين الذي سحب هذا النجاح البساط من تحت أقدامهم، من جانب آخر.
الأيام الماضية انتشر على منصات التواصل الاجتماعي خطابًا يحمل مسمى كتاب دوري رقم (225) صادر بتاريخ 23 من أغسطس/آب 2020 من وزير التنمية المحلية، اللواء محمود شعرواي، بشأن مذكرة مرفوعة من مستشار رئيس الجمهورية لشؤون مكافحة الفساد حيال موقف المحال التجارية التي يملكها رعايا الجالية السورية من اللاجئين في مصر.
الكتاب يرى أنه قد لوحظ خلال الآونة الأخيرة افتتاح السوريين سلسة للمحلات التي يمتلكونها خلال فترات قصيرة من بدء النشاط رغم ما كانوا يعانوه من ضعف مواردهم المالية بداية إقامتهم بمصر، محذرًا مما أسماه “دور قطري” عبر تمويل جماعة الإخوان لتدشين كيان اقتصادي لها داخل البلاد.
وعليه أصدر وزير التنمية المحلية قرارًا بعدم إصدار أي تراخيص جديدة لمحلات تجارية يمتلكها سوريون أو يشاركون فيها إلا بعد الحصول على موافقة وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية، مع مطالبة الأجهزة التنفيذية في المحافظات بموافاة الوزارة ببيان بأسماء السوريين الحاصلين على تراخيص منشآت تجارية.
ورغم عدم التأكد بعد من صحة ومصداقية هذا الخطاب المنتشر على منصات السوشيال ميديا، وتأكيد بعض الإعلاميين صحة ما جاء فيه، فإنه يأتي في سياق الحملات المتوالية بين الحين والآخر ضد السوريين في مصر، التي يبدو أنها ستتكرر مع كل نجاح تحققه الجالية العربية في المحروسة.
ليست هذه المرة الأولى التي يواجه فيها السوريون مثل هذه الاتهامات، ففي 8 من يونيو/حزيران 2019، تقدم المحامي المصري المثير للجدل، سمير صبري، بمذكرة قانونية للنيابة العامة، طالب فيها بالرقابة على ثروات السوريين واستثماراتهم في البلاد، كما طالب كذلك بإخضاع أموال السوريين لقوانين الضرائب والرقابة وكيفية إعادة الأرباح وتصديرها مرة أخرى، في حين لم تعلق النيابة وقتها على المذكرة بالقبول أو الحفظ.
يذكر أن عدد السوريين في مصر بلغوا حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2018، نحو 242 ألف شخص، وفق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في حين تقول السلطات المصرية إن العدد يقترب من نصف مليون سوري، وإن تراجع عددهم خلال السنوات الأربعة الأخيرة على وجه التحديد نظرًا للتضييقات الأمنية المشددة ضد كل الجاليات العربية المقيمة في مصر لا سيما الفلسطينيين والسوريين.
دعم الاقتصاد المصري
لعب السوريون عبر استثماراتهم الخارجية دورًا كبيرًا في دعم الاقتصاد المصري، وهو ما وثقه التقرير الصادر عن برنامج الأمم المتحدة قبل عامين حين كشف أن استثمارات اللاجئين السوريين في مصر تزيد على 800 مليون دولار، فيما تشير تقديرات أخرى إلى أن القيمة أكبر من ذلك بكثير، إذ لا يسجل السوريون أعمالهم أو يسجلونها تحت اسم مصري.
التقرير استعرض أبرز المجالات التي يستثمر فيها السوريون في مصر، حيث تترواح أعمالهم بين المصانع الكبيرة والشركات الصغيرة وتركز بشكل كبير على قطاعات الأقمشة والمطاعم وتكنولوجيا المعلومات، هذا بخلاف ما تساهم به تلك المشروعات من توفير فرص عمل للمصريين ما ينعكس بطبيعة الحال على المناخ الاقتصادي والمعيشي برمته.
ويقدر عدد رجال الأعمال السوريين العاملين في مصر بحسب وزارة الاستثمار المصرية قرابة 30 ألف شخص، ساهموا مع أول عام لهم في المحروسة 2012 في تأسيس 565 شركة برأس مال قدره 164 مليون دولار، ثم ارتفع هذا العدد في العام التالي إلى 1254 شركة، برأس مال قدره 201 مليون دولار.
التصريحات الصادرة عن مسؤولين سوريين وعلى رأسهم رئيس رابطة تجمّع رجال الأعمال السوريين في مصر (أهلية) خلدون الموقع، تذهب إلى أن رجال الأعمال السوريين المقيمين في مصر، يمتلكون رأس مال يقدر بـ23 مليار دولار، وأن هناك مجالات أخرى يعتزمون ضخ المزيد من الاستثمارات فيها على رأسها صناعات الإسفنج والورق والصناعات البلاستيكية والمنتجات الغذائية والنشاط التجاري والخدمي.
رغم التزام السوريين في مصر بكل الإجراءات القانونية المطلوبة ضمانًا لإقامتهم دون مشاكل أو عراقيل، فإن الحملات ضدهم لن تتوقف
أموال ذاتية
استنكر السوريون الاتهامات الموجهة لهم بشأن التشكيك في مصادر أموالهم، معتبرين أن مثل تلك البلاغات والحملات التي تشن بين الحين والآخر هدفها “دعائي” في المقام الأول، وهو أمر اعتادته الجالية طيلة السنوات الماضية بحسب الموقع الذي أشاد في الوقت ذاته بموقف السلطات المصرية، التي استضافت السوريين دون إقامة خيام إيواء لهم، بل استقبلتهم باعتبارهم أخوة أشقاء.
واعتبر رجل الأعمال السوري أن القاهرة لديها من الكفاءات والأجهزة الرقابية ما يمكنها من معرفة مصادر الأموال السورية وتقييم قانونيتها من عدمه، مشيرًا في تصريحات لـ”الأناضول” أن مصادر تمويل المشروعات السورية في مصر، هي “أموال ذاتية وليست قروضًا من البنوك، ويتم تأسيس المشروع وتوسعته بمشاركة عدة أفراد”.
وردًا على ما أثير بشأن عدم قدرة السوريين في مصر على إقامة مثل تلك المشروعات نظرًا لضعف إمكاناتهم المالية ألمح الموقع إلى أن سوريا قبل تفجر أزمتها الحاليّة “لم تكن فقيرة، وبالتالي الشعب السوري لم يكن فقيرًا، بل يجيد التجارة ويبرع فيها، ويحتفظ بجزء كبير من أمواله خارج البلاد، التي استفاد بها عند مجيئه إلى مصر وغيرها من البلدان المضيفة”.
كما تساءل عن دوافع هذه الحملة ضد السوريين، لافتًا إلى أن مصر تعد من أقل الدول العربية من حيث نصيب المال السوري العامل خارج البلاد، فهي تستقطب نحو 23 مليار دولار استثمارات سورية فقط، مقابل 26 مليار دولار في لبنان و25 مليار دولار في الأردن، حسب تقديرات الأمم المتحدة.
واختتم رئيس رابطة تجمّع رجال الأعمال السوريين في مصر حديثه بأن القاهرة كغيرها من دول العالم لا يمكن أن تتساهل في حماية أمنها داخليًا وخارجيًا، وليست في حاجة لتقديم بلاغات أو إصدار قرارات بين الحين والآخر، مؤكدًا أن السوريين المقيمين في الخارج حريصون على العيش دائمًا تحت سقف القانون والأعراف الخاصة بالبلاد المضيفة لهم.
ورغم التزام السوريين في مصر بكل الإجراءات القانونية المطلوبة ضمانًا لإقامتهم دون مشاكل أو عراقيل، فإن الحملات ضدهم لن تتوقف، بعضها يمولها رجال أعمال يرون أن نجاح المستثمر السوري جاء على حساب استثماراتهم الداخلية، وسحب من رصيدهم لدى الشارع الاقتصادي الذي لاقى في المشروعات السورية المميزات التي لم يجدها في غيرها من المشروعات المصرية.
ومن المتوقع خلال الفترة القادمة أن يزداد تضييق الخناق على الجالية الموجودة، في ظل توجه الحكومة لتحصيل أكبر قدر من المبالغ المالية لسد فاتورة الاقتراض الباهظة التي يدفع المواطن المصري الآن ثمنها غاليًا جدًا ما أثار حالة الاحتقان الحاليّة ضد السلطات، هذا بجانب توظيف هذا الملف بين الحين والآخر لأبعاد سياسية.