ترجمة وتحرير نون بوست
اعتقد منتقدو الغزو الأمريكي للعراق دائمًا أن الدافع الحقيقي لذلك كان السيطرة على أكبر ثاني احتياطي نفط في العالم، حتى مخططي عملية “تحرير العراق” كانوا مقتنعين بأن عائدات النفط ستمول إعادة بناء الدولة العملية للولايات المتحدة التي ستساعدها على إعادة رسم منطقة الشرق الأوسط لصالح أمريكا.
لكن إذا كان النفط والنفوذ هما الجائزة، فيبدو أن الصين وليس أمريكا هي من فازت بحرب العراق ونتائجها دون إطلاق رصاصة واحدة.
تعد الصين اليوم – أكبر مستورد للنفط الخام – الشريك التجاري الأكبر للعراق، تبيع روسيا فقط المزيد من النفط لبكين، في النصف الأول من هذا العام ازدادت شحنات النفط العراقي للصين بنسبة 30% عن العام السابق وتشكل ثلث إجمالي صادرات العراق.
خلال زيارة لبكين العام الماضي وصف عادل عبد المهدي رئيس وزراء العراق العلاقات الصينية العراقية بأنها إعداد لقفزة كمية، وكتب وزير الكهرباء قائلًا “الصين خيارانا الأساسي كشريك إستراتيجي على المدى الطويل”.
في الوقت نفسه انخفضت صادرات النفط العراقي للولايات المتحدة للنصف تقريبًا في النصف الأول من هذا العام ويخطط البنتاغون لتقليل قواته الباقية في العراق بمقدار الثلث خلال الأشهر القادمة.
تستثمر الصين بقوة أيضًا في الموانئ التجارية التي يمكن تحويلها بسهولة إلى استخدامات بحرية في مواقع إستراتيجية
وفي أفغانستان تجري عملية مشابهة أيضًا حيث تقترب الحرب الأمريكية الطويلة هناك من نهايتها، قال مسؤولون أفغان وباكستانيون إن بكين تسيطر بفعالية على عملية السلام ووعدت طالبان باستثمارات سخية في البنية التحتية والطاقة بمجرد رحيل الولايات المتحدة.
ينمو نفوذ الصين بشكل سريع في الشرق الأوسط فيما يشكك الحلفاء الإقليميون والسياسيون الأمريكيون في الالتزام الأمريكي، تعد الصين أكبر مستثمر أجنبي في المنطقة وقد أقامت شراكات إستراتيجية مع جميع دول الخليج باستثناء البحرين.
ذهبت معظم الاستثمارات لحلفاء أمريكا التقليديين، كما أن بعضهم أصبح متحمسًا أيضًا للتكنولوجيا العسكرية الصينية، أنُشئت أول قاعدة عسكرية صينية خارج البلاد في جيبوتي قبل 3 سنوات، لكن الصين تستثمر بقوة أيضًا في الموانئ التجارية التي يمكن تحويلها بسهولة إلى استخدامات بحرية في مواقع إستراتيجية بما في ذلك ميناء جوادر في باكستان وميناء الدقم في عُمان الواقع على جانبي الخليج العماني.
بالإضافة إلى مضيق ملقة بين ماليزيا وجزيرة سومطرة الإندونيسية، تعتبر الصين مضيق هرمز ومضيق باب المندب موقعين إستراتيجيين لبقائها العسكري والاقتصادي منذ أن أصبح شحن معظم صادراتها يتم من خلال تلك النقاط الإستراتيجية.
ومع تدهور العلاقات الصينية الأمريكية، أصبح هدف الصين بزيادة السيطرة على الممرات المائية والحد من قدرة أمريكا على قطعها في أي صراع ذي أولوية قصوى، إنه السبب الرئيسي لبناء الصين لأسطول بحري عسكري أكبر – وربما أكثر تقدمًا – من أسطول الولايات المتحدة.
حتى وقت قريب اتبعت الصين سياسة رفع اليد في الشرق الأوسط حيث تصبح صديقة للجميع دون أن تتحالف مع أي منهم، أظهرت تلك الطريقة نجاحها بينما كانت تتفاوض على استثمارات واتفاقات أمنية قيمتها 400 مليار دولار مع إيران، بينما تساعد عدو إيران – السعودية – في برنامجها النووي.
كما أنها دعمت القضية الفلسطينية بالكامل بينما جذبت “إسرائيل” إلى مشاركة أحدث الطرق التكنولوجية وتأجير موانئ إستراتيجية لمؤسسات الدولة الصينية.
لكن أكبر علامة على ارتفاع نفوذ الصين في المنطقة هو دعم غالبية الدول الإسلامية لسجن قرابة مليوني مسلم في معسكرات إعادة التأهيل غرب الصين، في بيانات عامة وخطابات مشتركة للأم المتحدة أشادت السعودية ومصر والكويت والعراق والإمارات بتلك المعسكرات وقمع الإسلام في إقليم شينجيانغ كجهود ضرورية لمحاربة الإرهاب والتطرف لجلب السعادة والأمن والوفاء.
إذا كان هدف أمريكا احتواء الطموح الصيني في آسيا ودعم حلفائها المقربين من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، فإن انسحابها من الشرق الأوسط هو آخر شيء يجب أن تفعله
في الولايات المتحدة انتُخب رئيسان متتالين على وعود بإخراج البلاد من ورطة الشرق الأوسط، وفي أعقاب ثورة النفط الصخري الذي أصبحت أمريكا بسببه مكتفية ذاتيًا من الطاقة، أصبحت أسباب سكب المزيد من الدماء والمال في الرمال واهية.
كانت مقاومة واشنطن للعب دور الشرطي الإقليمي بينما تقوم الدول الأخرى خاصة الصين بجني الثمار، واضحًا لفترة، كانت إدارة أوباما أول من اقترحت “محور آسيا” لإعادة تركيز القوة الدبلوماسية والعسكرية الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ومواجهة صعود الصين كقوة مهيمنة إقليمية، وقام دونالد ترامب بتسريع تلك الإستراتيجية.
لكن ما يبدو الآن كحجة مقنعة لانسحاب أمريكا من الشرق الأوسط أصبح معقدًا بسبب تقدم الصين السريع هناك، إذا كان هدف أمريكا احتواء الطموح الصيني في آسيا ودعم حلفائها المقربين من اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، فإن انسحابها من الشرق الأوسط هو آخر شيء يجب أن تفعله.
تعتمد معظم الدول الآسيوية على الشحن البحري للنفط أكثر من الصين، لذا فالتخلي عن الممرات المائية الرئيسية حول شبه الجزيرة العربية للصين سيجبر الدول الآسيوية على إعادة التفكير في حلفائها الإستراتيجيين وتجعلهم أكثر عرضة للدبلوماسية القهرية التي تستخدمها الصين حول العالم.
أيًا كان من سيفوز بالانتخابات الأمريكية في نوفمبر فإنه سيواجه الواقع المزعج بأن التنافس مع الصين واحتوائها الآن يمر من خلال الشرق الأوسط.
المصدر: فاينانشيال تايمز