ترجمة وتحرير نون بوست
غالبا ما يكتنف الشك هوية اللاجئين ودوما ما تحيط بها الشائعات والتخمينات. بالطبع، الجميع يريدون حماية “اللاجئ الحقيقي”، لكن غالبا ما نرى -بناء على ما نقرأه في الصحف- أن التحدي الحقيقي هو العثور على هؤلاء الحقيقيين بين الطفيليين من طالبي اللجوء الوهمي والذين يقفزون في طابور اللاجئين أو حتى المهاجرين غير الشرعيين.
في الحقيقة، هذه الفروق جميعها تتهاوى حينما يتم إخضاعها لفحص دقيق. في سوريا، لا يمكن لأحد أن ينكر أزمة رهيبة تتكشف. تقارير الصحفيين الغربيين من مخيمات الأردن وتركيا توثق البؤس وأحيانا توثق المناورات السياسية، لكنها لم تشكك أبدا في أهلية اللاجئين ليحصلوا على هذا اللقب!
لكن بمجرد أن يغادر هؤلاء السوريون تلك المخيمات عابرين البحر المتوسط، يتحولون من موضوعات للشفقة إلى موضوعات للخوف. لا يعودون لاجئين، بل مهاجرين غير شرعيين أو حتى إرهابيين. لكن البيانات التي تصل عن المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر المتوسط تبين أن أكثر من 80٪ ممن تم اعتراضهم من قبل البحرية الإيطالية هم في الواقع يستحقون اللجوء، وليس الاعتقال!
هناك العديد من الأساطير التي تغذي الشكوك الغربية والخوف المرضي من الأجانب لدى الغربيين. كل عام في بريطانيا، تنفق المؤسسات الخيرية والداعمة للاجئين، مواردها الثمينة لمواجهة الصور النمطية لدى البريطانيين عن اللاجئين كونهم من الذين يحصلون على أموال بريطانيا وأنهم جميعا من المتطرفين الإسلاميين. في الحقيقة إن بريطانيا هي موطن 1٪ فقط من اللاجئين، بينما هناك 86٪ منهم يتم استضافتهم في البلدان النامية بما في ذلك بعض من أفقر الدول على الكوكب، بالإضافة إلى أن أكثر من ثلث اللاجئين في بريطانيا يحملون درجة جامعية، الحقيقة أن الواقع غير مريح أبدا بالنسبة للسياسيين الذين يدفعون لصالح الأجندات المناهضة للهجرة.
نحن نبرع في صياغة روايات لإرضاء ضميرنا حين نشيطن اللاجئين. في أستراليا، على سبيل المثال، هناك نظام لجوء شديد الصعوبة، حتى من يحصلون على اللجوء يتم رفض طلبهم الاستقرار في استراليا، دوريات الحدود تمنع المهاجرين من الوصول إلى الأراضي الأسترالية، ويدان طالبي اللجوء في النهاية لغش النظام.
النظام نفسه الآن يخالف القانون الدولي بهذا الشكل. وفي الوقت نفسه، تهدد الأمهات السيريلانكيات من طالبي اللجوء بالانتحار، إذ يهددن بقتل أنفسهن على أمل أن ييتم أطفالهن الذين وُلدوا في استراليا، وهذا يعني أنهم قد يتم إنقاذهم من الاعتقال إذا ماتت أمهاتهم. يتم اتهام الأمهات في النهاية بـ”الابتزاز الأخلاقي”.
مثل هذه القصص تعزز الشعور بالرضا من خلال تشجيع ثقتنا بأننا قادرين على الفرز غير المستحقين عن المستحقين. الجمهور الغربي يظل مقتنعا أن المستحق الحقيقي ينتظر في مخيمات بعيدة عن حدود أوروبا، وأنهم لا يسيطرون على مصيرهم، وأنهم ينتظرون من يأتي لينقذهم. لكن هذا هو نوع آخر من النفاق. لأن دلك يحجب حقيقة أن الغرب لن يستقبل واحد من كل عشرة لاجئين تم تحديدهم من قبل الأمم المتحدة وتأكيد أنهم بحاجة إلى إعادة التوطين.
في الواقع، فإن واحد من كل مائة لاجئ يتم توطينه في مخيمات في الغرب. في يناير 2014 أعلنت بريطانيا أنها ستقدم 500 سكن إضافي لإعادة توطين اللاجئين الأكثر ضعفا كبادرة إنسانية. لكنها فُهمت كخطوة سياسية وليست إنسانية.
تبين الأبحاث أن الفخر بالنفس عندما يتعلق الأمر بمساعدة اللاجئين ليس عادة جديدة. كان السياسيون مغرمون دوما بإظهار أنهم يرحبون باللاجئين. لكن هذا الأمر ليس دقيقا للغاية، ففي حين وجد المسيحيون الفرنسيون ملاذا في القرن السابع عشر، واستضاف البريطانيون المنشقين عن روسيا في القرن التاسع عشر، يظهر الفحص الدقيق أن “الترحيب الحار” لم يكن حارا في الأوقات التي تلت ذلك.
الفقراء المهاجرون الذين فروا من الاضطهاد دوما ما كان البريطانيون يخشون منهم. في 1905، تم دعم مجموعة تشريعات لتقييد الهجرة (هجرة اليهود في المقام الأول) من أوروبا الشرقية بسبب التخوف من أن تصبح بريطانيا “مكبا لحثالة أوروبا”. وبالمثل، يجب أن نشير إلى شجاعة الأفراد الذين قاوموا رفض استقبال اليهود من ألمانيا النازية إبان فترة اضطهاد اليهود في أوروبا ومقابل هؤلاء الذين قاوموا قبول اللاجئين بشكل جماعي هربا من النازي.
النواب البريطانيون في 1938 كانوا مصرين على عدم قدرة بريطانيا على استيعاب “أي عدد كبير من اللاجئين” وحتى أغسطس 1938 كانت صحيفة ديلي ميل تحذر من “فيضان اليهود الألمان” الذي سيجتاح البلاد.
في الولايات المتحدة أظهرت استطلاعات الرأي أن 94٪ من الأمريكيين يوافقون على ما يُعرف باسم “ليلة البلور” (وهي ليلة تم تحريض الألمان فيها على مهاجمة اليهود، وتمت مهاجمة المنازل والمتاجر والمعابد اليهودية وتم نهبها وإحراقها، كان ذلك في 9 و10 نوفمبر 1938)، وأن 77٪ منهم لا يوافقون على استقبال اليهود في الولايات المتحدة.
كل هذا يشير إلى أن الالتزام الغربي بعد 1951 بدعم اتفاقية جديدة لاستقبال اللاجئين لا ينبغي أن يتم قراءتها كعلامة على الكرم الغربي الفطري تجاه المقهورين!. حتى عام 1947 كانت بريطانيا تعين بشكل قسري أسرى الحرب السوفيتية إلى روسيا الستالينية. الكثيرون من هؤلاء انتحروا في طريقهم بدلا من مواجهة معسكرات الاعتقال أو الإعدام لدى ستالين. عندما طرد عيدي أمين الآسيويين الأوغنديين في 1972، وكثير منهم مواطنين بريطانيين، حاولت الحكومة البريطانية بشتى الطرق أن تقنع دول الكومنولث الأخرى بالاعتراف باللاجئين، قبل أن توافق على مضض أن تكون هي بمثابة الملاذ الأخير. والآن، دوما ما يشار إلى استقرار 40 ألف آسيوي أوغندي، الذين استقروا في المملكة المتحدة، على أنها قصة نجاح نموذجية للاجئين، وهذا ليس بسبب أي شيء سوى “الترحيب (!)” الذي حصلوا عليه في بريطانيا.
لقد وضعنا قشرة لامعة من الإنسانية فوق سياسات اللجوء، وإذا خدشنا تلك القشرة فسيظهر ذلك النوع من السياسة الأكثر سخرية. لقد صنعنا أسطورة كاذبة عن تقسيمات للاجئين، ووضعنا فيها من يستحق ومن لا يستحق، فقط لكي نريح أنفسنا ولكي نتيح لنا أن ننسى أن جميعهم يفرون من الحرب في نفس القوارب المتهالكة.
المصدر: أوكسفورد يونيفرسيتي بريس