تتواصل جلسات الحوار بين الأطراف الليبية المتصارعة في مدينة بوزنيقة المغربية المطلة على المحيط الأطلسي، بعد تحقيق تفاهمات مهمة ونتائج إيجابية في بداية الجلسات التي انطلقت الأحد الماضي. تفاهمات يمكن أن تكون منطلقًا لحل سلمي شامل للأزمة الليبية المتواصلة منذ سنوات، لكن هناك عقبة لا يمكن تجاهلها وهي “تهور” المتمرد خليفة حفتر وخرقه المتواصل لكل التسويات.
تفاهمات مهمة
المحادثات المتواصلة منذ الأحد، أفضت حتى الآن إلى اتفاق على ضرورة إيجاد “تسوية سياسية شاملة”، وفق ما أفادت وكالة المغرب العربي للأنباء الثلاثاء، ونقلت الوكالة عن بيان مقتضب صادر عن وفدي الحوار في ختام الاجتماعات، أن “النقاشات تمخضت عن تفاهمات مهمة تتضمن وضع معايير واضحة تهدف للقضاء على الفساد وإهدار المال العام وإنهاء حالة الانقسام المؤسساتي”.
وجاء في البيان أن الحوار السياسي الليبي يسير بشكل “إيجابي وبناء” وقد حقق تفاهمات مهمة، وتابع البيان أن “الجميع يأمل في تحقيق نتائج طيبة وملموسة من شأنها أن تمهد الطريق لإتمام عملية التسوية السياسية الشاملة في كامل ربوع الوطن”.
تحاول الرباط تحريك المياه الليبية الراكدة، في محاولة منها لإنقاذ ما تبقى من اتفاق الصخيرات
نتيجة ذلك تم تمديد مفاوضات منتجع بوزنيقة (40 كيلومترًا جنوب الرباط) إلى اليوم الخميس، وقد كان يوم أمس الأربعاء يوم استراحة، وركزت جلسات الحوار على قضايا المؤسسات السيادية والقانونية والرقابية وهي نقاط مرتبطة بالبند الـ15 من اتفاق الصخيرات، وناقشت الآليات وشروط الترشيح لمختلف المؤسسات التي سيتم الاتفاق بشأنها.
ويجمع “الحوار الليبي” وفدين يضم كل منهما خمسة نواب من المجلس الأعلى للدولة في ليبيا الذي تأسس بعد اتفاق الصخيرات وبرلمان طبرق وهو المؤسسة التي باتت تمثل ذراعًا سياسيًا لخليفة حفتر، بحضور وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
وتندرج هذه المشاورات في إطار مساعي التسوية السياسية، التي بدأت ملامحها منذ إعلان وقف إطلاق النار في بيانين منفصلين لكل من رئيس حكومة الوفاق فائز السراج ورئيس مجلس النواب بطبرق عقيلة صالح في 21 من أغسطس/آب الماضي.
تحريك المياه الراكدة
هذه المحادثات التي تجري بمبادرة من المملكة المغربية، تحاول من خلالها الرباط تحريك المياه الليبية الراكدة، في محاولة منها لإنقاذ ما تبقى من اتفاق الصخيرات والتوصل لتفاهمات تكون منطلقًا لحل سياسي شامل للأزمة الليبية.
المغرب الذي حافظ على مدار السنوات الماضية، على خط من الحياد مقارنة مع قوى دخلت مؤخرًا على خط الأزمة الليبية، يسعى من خلال هذه المشاورات الملتئمة في منتجع بوزنيقة على مقربة من الصخيرات حيث قصر المؤتمرات الذي وقع فيه اتفاق الصخيرات إلى تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف الليبية وأن يعود إلى الدور الذي لعبه قبل خمس سنوات.
وكان المغرب سنة 2015، مقصد الليبيين وكل المتدخلين في الشأن الداخلي لبلادهم للتفاوض والتشاور بخصوص أزمة هذا البلد العربي، أفرزت هذه المفاوضات الماراثونية توقيع الأطراف الليبية المتنازعة في 17 من ديسمبر/كانون الأول 2015، على اتفاق سياسي في مدينة الصخيرات.
المباحثات تتواصل لليوم الخامس
نص هذا الاتفاق الذي احتضنه المغرب، وما زال العمل به إلى الآن، على تشكيل مجلس رئاسي يقود حكومة وفاق وطني، ومجلس أعلى للدولة (نيابي استشاري) مُشكل من أعضاء المؤتمر الوطني العام، بالإضافة إلى تمديد ولاية مجلس النواب بعد انتهائها في العام نفسه، وتأسيس مجلس أعلى للإدارة المحلية وهيئة لإعادة الإعمار وأخرى لصياغة الدستور ومجلس الدفاع والأمن.
ويسعى المسؤولون المغاربة إلى الاستثمار في هذه النقطة لإنجاح المفاوضات الليبية الملتئمة فوق أراضيهم، خاصة أن الرباط تريد أن يكون النظام الليبي القادم صديقًا لها، وليس معاديًا كما وقع مع تجربة القذافي الذي سبب الكثير من المشاكل للمغرب.
حفتر وتواصل ضرب السلام الليبي
رغم أهمية النجاح المحقق إلى الآن في مفاوضات منتجع بوزنيقة، فإن المتتبع للشأن الليبي يرى صعوبة تحقيق تقدم كبير لحل الأزمة في هذا الوقت بالذات نتيجة تهور خليفة حفتر واستمرار خرقه لاتفاق وقف إطلاق النار المعلن نهاية الشهر الماضي.
مؤخرًا، استهدفت مليشيات حفتر ومرتزقته الأجانب المتمركزين غرب مدينة سرت مواقع لقوات الجيش الليبي التابع لحكومة الوفاق وهو ما يتناقض مع وقف إطلاق النار المعلن، وفق بلاغ حكومي رسمي بعثه المندوب الليبي لدى الأمم المتحدة الطاهر السُنِي إلى رئيس مجلس الأمن.
وطالبت حكومة الوفاق الوطني مجلس الأمن الدولي بالقيام بواجباته واتخاذ الإجراءات الحاسمة ضد ما وصفتها بالأعمال غير المسؤولة التي يقوم بها من أسمتهم بالمعتدين، في إشارة إلى قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
في كل مرة يبرز فيها خيط أمل يتشبث به الليبيون للخروج من أزمتهم، يقفز حفتر إلى الواجهة لتقويض هذه الجهود
رصدت قوات الوفاق رتلًا مسلحًا تابعًا لقوات حفتر من 80 آلية عسكرية، تحرك من منطقة الجفرة إلى منطقة وادي اللود جنوب شرقي مدينة مصراتة، وجاءت هذه التحركات بالتزامن مع 5 خروقات لإعلان وقف إطلاق النار.
فضلًا عن ذلك، يواصل حفتر استقبال المرتزقة والأسلحة من الدول الداعمة له، حيث تمكنت الأمم المتحدة من إحصاء 70 رحلة شحن عسكرية هبطت في المطارات الشرقية لليبيا دعمًا لمليشيات الانقلابي خليفة حفتر، في الفترة ما بين 8 من يوليو/تموز الماضي، و2 من سبتمبر/أيلول الحاليّ، بمعدل 35 رحلةً شهريًا.
هذه الانتهاكات المستمرة، تؤكد النية المبيتة للانقلابي خليفة حفتر لمواصلة القتال ورفض أي حل سلمي للأزمة التي تعرفها ليبيا منذ سنوات عدة، فهو يناور لكسب الوقت لمزيد من الاستعداد لحربه القادمة ضد قوات حكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليًا.
وترى الباحثة الأكاديمية الليبية ميس الريم القطراني، أن خليفة حفتر الذي يقود مجموعة من الميليشيات والمرتزقة الخارجة عن القانون استحوذ على المنطقة الشرقية من البلاد بقوة السلاح، وليس من السهل أن يتنازل عن ذلك.

تعتبر ميس الريم القطراني، حفتر – الذي تُتهم مليشياته بارتكاب بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية – بمثابة حجر عثرة أمام أي مصالحة ليبية، ففي حديثها لنون بوست تقول القطراني: “حفتر سيكون حجر عثرة في طريق أي اتفاق سياسي لا يضمن وجوده في السلطة المستقبلية للبلاد”.
ويرى العديد من الليبيين أن حفتر الماسك بزمام الأمور في المناطق النفطية (سرت والجفرة)، لا يمكن أن يتنازل بسرعة عن نفوذه هناك وما حققه طوال السنوات الماضية، خاصة أن هذا المتمرد يعلم علم اليقين أن أي اتفاق سياسي قادم لن يضمن له موقعًا في العملية السياسية المقبلة في ليبيا.
هذه ليست المرة الأولى التي يقف فيها حفتر أمام مباحثات السلام، ففي كل مرة يبرز فيها خيط أمل يتشبث به الليبيون للخروج من أزمتهم، يقفز حفتر إلى الواجهة لتقويض هذه الجهود ووضع حد لأمل انتظره الليبيون طويلًا.