يزداد عدد المؤيدات والمؤيدين للحركة النسوية يومًا بعد يوم، فيما يرفضها آخرون بشكل مطلق، ويعتبرونها ثقافة دخيلة على المجتمع العربي والإسلامي، وبما أن حركة المطالبة بحقوق المرأة أيديولوجية معقدة، فهي تختلف بتعريفها من شخص إلى آخر، وتختلف بطريقة ممارستها وفهمها أيضًا، لذلك يحكم كل منا عليها بناء على مشاهداته وتجاربه الشخصية الخاصة.
وبسبب تصدر بعض النماذج النسوية – المتطرفة بنظر المجتمع العربي – للواجهة الإعلامية من جهة، وعدم وجود تعريف واضح وموحد للنسوية بالنسبة للمتابعين من جهة أخرى، يتردد الكثير من الناس وخصوصًا فئة الشباب واليافعين قبل التصريح بتأييدهم لهذه الحركة، ويتهربون من لقب نسوي أو نسوية قدر الإمكان، وذلك لما وُصمت به النسوية وأُشيع عنها خلال السنوات الأخيرة. فما هذه المفاهيم الخاطئة؟ وما مصدرها؟
النسويات يكرهن الرجال
يوجد اعتقاد شائع لدى بعض المناهضين للحركة النسوية أو غير المطلعين على أفكارها عن كثب، أن الحركات النسوية تحرض على الرجال، وأن كل نسوية هي امرأة حاقدة على الذكور بالضرورة، وهو اعتقاد خاطئ لعدة أسباب أولها أن النسوية بحد ذاتها تضم في صفوف مؤيديها ملايين الرجال، فهي ليست حكرًا على النساء، ولقب “نسوي” أو “نسوية” يُطلق على كل من يؤيد حركات المطالبة بحقوق المرأة وتحررها من قيودها، بغض النظر عن جنسه، كما أن هنالك ملايين النسويات اللواتي يعشن علاقات عاطفية وزوجية سعيدة جدًا مع شركائهن.
بإمكان المرأة أن تكون في نفس الوقت نسوية وأن تبقي على حبها وتقديرها لأبيها وأخيها وزوجها أو زميلها بالعمل
ولعل ما يسبب هذا الخلط في أذهان البعض هو محاربة النسوية للنظام المجتمعي الذي يعطي الرجل امتيازات كثيرة على حساب المرأة، بالإضافة إلى تشجيع الناشطات النسويات النساء على التحرر ومجابهة العنف النفسي أو الجسدي الذي مصدره في معظم الأحيان رجال.
الخلاصة: بإمكان المرأة أن تكون نسوية وأن تبقى في نفس الوقت على حبها وتقديرها لأبيها وأخيها وزوجها أو زميلها بالعمل أو لمجرد أي إنسان آخر.
النسويات يجب أن يفتقرن للأنوثة
جوهر الحركة النسوية هو النضال من أجل إعطاء النساء خيارات أكثر في حياتهن، وليس العمل على خلق حدود جديدة لها تقمع إرادتها وتمحي هويتها، فإذا اختارت المرأة أن تكون أنثى تقليدية، أي ما يصنفه المجتمع على أنه الشكل المتعارف عليه للأنوثة، فهذا خيارها الذي يجب أنه تحترمه النسوية التي تناضل من أجل حريتها في الأساس، كما أنه أمر شائع في أوساط النسويات اللاتي تشكل النساء التقليديات قسمًا كبيرًا منهن، ومن الوارد أن يكون أحد مصادر هذا التصور الخاطئ عن النسويات هو الدعاية المضادة في المجتمع التي تحاول أن تشيطن الحركة النسوية وتنفر النساء منها، فتصور النسويات على أنهن نساء قبيحات وغير جذابات، معقدات نفسيًا ويفتقرن للأنوثة.
النسوية حركة معادية للأديان
يعتقد كثير من الرجال وحتى النساء أن مبادئ النسوية تخالف ما جاءت به الأديان، وأن للنسوية قوانين موحدة لدى مؤيديها تحارب الدين الإسلامي، والحقيقة أن للنسوية أشكالًا كثيرةً، وأحد أشكالها هي النسوية اللادينية، التي ترى أن الدين المسبب الرئيسي لاضطهاد المرأة والتمييز بين الجنسين وهي النوع الوحيد الذي يقحم مسألة الدين في نضال النسوية، لكنها ليست الشكل الوحيد لها، فهنالك أنواع عديدة، منها النسوية الإسلامية والبيئية والاشتراكية والليبرالية وغيرها.
وبالتالي النسوية ليست أديولوجية ثابتة تفرض أفكارًا محددة على اتباعها، وإنما الهدف النهائي لها هو دعم وتمكين المرأة والنضال من أجل حقوقها، ولكل شخص الحرية الكاملة لتكوين رؤيته الخاصة عن الموضوع وفقًا لقناعاته وأفكاره الشخصية، كما أن هنالك الكثير من المنظمات النسوية داخل كل مجتمع وديانة تناضل من أجل ضمان حقوق المرأة داخل إطار الدين أو المعتقدات السائدة.
جميع النسويات نساء عاملات ولا يقبلن بخيار ربة المنزل
هو افتراض آخر خاطئ، يمكن تصحيحه من خلال العودة للنقطة الثانية، فهدف النسوية دعم المرأة وتمكينها للوصول إلى إمكانية اتخاذ الخيارات التي تشعر من خلالها بالرضا والاستحقاق، أيًا كان هذا الخيار، سواء قررت العمل أم البقاء في المنزل، ولا تحتاج المرأة إلى عمل ودخل شهري شخصي كي تكون قادرة على دعم حقوق المرأة وإدانة العنف ضدها ومحاربة اضطهادها، يكفيها رغبتها لتبني هذه الأفكار.
انتهت الحاجة للحركة النسوية في أيامنا الحاليّة
هذا الاعتقاد الخاطئ الأشد خطورة، بسبب بعده عن الواقع وتسخيفه لملايين المآسي حول العالم التي يسببها اضطهاد المرأة.
ويوجد الكثير من الجبهات التي تحارب عليها ناشطات حقوق المرأة، مثل حقوق التعليم والحماية من العنف وحضانة الأطفال والمساواة في الأجور بين الجنسين بالإضافة إلى زيادة تمثيل المرأة في الإعلام والطبقة السياسية الحاكمة وغيرها من القضايا التي تعيق تحقيق المساواة.
يكثر تداول قضايا جرائم الشرف بين الحين والآخر على مواقع التواصل الاجتماعي، كدليل على استمرار وجود هذه السلوكيات في مجتمعنا وعدم وجود رادع حقيقي لها
وبالحديث عن قضية العنف ضد المرأة، وفقا لإحصاءات موقع الأمم المتحدة:
- ﺗﺘﻌﺮض واﺣﺪة ﻣﻦ ﺛﻼث ﻧﺴﺎء وﻓﺘﻴﺎت ﻟﻠﻌﻨﻒ اﻟﺠﺴﺪي أو اﻟﺠﻨﺴﻲ خلال ﺣﻴﺎﺗﻬﻦ، ويكون ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ اﻷﺣﻴﺎن من طرف عشير.
- 52% فقط من النساء المتزوجات أو المرتبطات يتخذن بحرية قراراتهن بشأن العلاقات الجنسية واستخدام وسائل منع الحمل والرعاية الصحية.
- تزوج ما يقرب من 750 مليون امرأة وفتاة على قيد الحياة اليوم في جميع أنحاء العالم قبل بلوغهن سن الثامنة عشرة، في حين خضعت 200 مليون امرأة وفتاة لتشويه الأعضاء التناسلية للإناث (ختان الإناث).
- العنف ضد المرأة مثل السرطان سبب جوهري للوفاة والعجز للنساء في سن الإنجاب، وسبب أخطر يؤدي للعِلة مقارنة مع حوادث السير والملاريا معًا.
أما على المستوى العربي، في مصر على سبيل المثال، يصل عدد حالات الاغتصاب سنويًا إلى أكثر من 200 ألف سيدة، وفقًا للمركز المصري لحقوق المرأة، وتعود هذه الإحصاءات إلى عام 2015.
يكثر تداول قضايا جرائم الشرف بين الحين والآخر على مواقع التواصل الاجتماعي، كدليل على استمرار وجود هذه السلوكيات في مجتمعنا وعدم وجود رادع حقيقي لها، وبالعودة إلى قضية إسراء غريب التي قتلت على يد عائلتها العام الفائت، لم تبت المحكمة بحكمها حتى الآن، رغم وجود أدلة قوية كشفها التحقيق الرسمي، تثبت وفاة إسراء نتيجة الضرب والتعنيف الأسري، إلى جانب تعريضها لتعنيف نفسي وأعمال شعوذة.
ويمكن تلخيص جميع ما سبق باعتبار النسوية فكر يدعو إلى المساواة بين الجنسين سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، ويمكن لأي شخص تبني هذه الأفكار بالشكل الذي يلائم معتقداته وآرائه، وإذا وجدت نفسك تطالب بالمساواة وتحاول أن تنفي عن نفسك لقب نسوي أو نسوية في نفس الوقت، بسبب كثرة المغالطات الشائعة عن هذا التوجه الفكري، فهذا مؤشر للحاجة إلى رفع الوعي بشأن قضايا حقوق المرأة والحركات النسوية ومحاولة تصحيح المفاهيم الخاطئة الشائعة عنها.