عندما بُثَ إعلان الفيلم الفرنسي Cuties ثارت موجة من الغضب تلاها العديد من ضغطات عدم الإعجاب، والتعليقات الساخطة على الإعلان الرسمي على قناة منصة Netflix على يوتيوب، تخطى حاجز عدم الإعجاب 1.6 مليون عدم إعجاب، في مقابل 36 ألف إعجاب! كان الأمر مثيرًا للدهشة بالطبع، لماذا هذا الإعلان يحصد كل تلك الكراهية ولم يشاهد أحد الفيلم بعد؟!
بدأ الأمر باستخدام منصة “نتفليكس” تعريفًا سطحيًا بالفيلم، لا يتخطى كونه: “فتاة في الحادية عشر تنضم لمجموعة من الفتيات الراقصات لتستكشف أنوثتها وتتمرد على عائلتها”، ونكتفي هنا بترجمة الجملة “مجموعة من الفتيات الراقصات”، لأن الكلمة المستخدمة لنوعية الرقص تعطي إيحاءات مريبة بالنسبة لأطفال في الحادية عشر!
لم يكن الإعلان فقط هو ما أثار سخط المشاهدين بل استخدامهم لملصق إعلاني تتعرى فيه الفتيات الصغيرات، ويقفن في وضعيات أقل ما يقال عنها إنها مخجلة حقًا.
لقد رأينا من قبل بوسترات لأفلام تتحدث عن الباليه والجمنازيوم، ولم يكن الأمر ليثير الاشمئزاز كتلك المحاولة التي “أمركت” فيها “نتفليكس” الصورة الإعلانية لتضع الفتيات في إطار جنسي صريح.
ظهر في ذلك الوقت بعض المدافعين عن المنصة، وأن هناك شخصًا ما أحمق صنع الملصق بتلك الطريقة، في حين أن الملصق الفرنسي يعكس صورة لفتيات صغيرات تمرحن وتحاولن استكشاف أنوثتهن، لا يعكس على الإطلاق ما عُبِرَ عنه بشكل فج في النسخة الأمريكية، وإن كان الملصق الفرنسي أيضًا فجًا بعض الشيء.
لهذا نحن هنا أمام سؤال كبير: ما الذي حاولت “نتفليكس أمريكا” بيعه للمشاهدين بذلك الملصق الترويجي بالضبط؟ لماذا لم تكتف بترجمة النسخة الفرنسية من الملصق الإعلاني؟
كيف روِج للفيلم؟
الفاتنات أو Mignonnes بالفرنسية، وCuties بالإنجليزية، هو فيلم درامي “كوميدي” فرنسي، عرض للمرة الأولى في مسابقة السينما العالمية الدرامية في مهرجان “صاندانس السينمائي” في 23 من يناير 2020، وفازت مخرجته وكاتبته “ميمونة دوكوري” بجائزة الإخراج، عُرض الفيلم في 19 من أغسطس 2020، وبدأ عرضه على المستوى الدولي في 9 من سبتمبر 2020 على منصة نتفليكس.
روِج للفيلم على أنه يهدف إلى انتقاد فرط النشاط الجنسي للفتيات في سن ما قبل المراهقة، لكن هل هذه حقيقته حقًا؟ لم يبدُ هذا من البوستر الأمريكي للفيلم، ولا من النبذة التي كُتبت عنه! ولا من الفيلم نفسه إذا تلمسنا حسن الظن حتى اللحظة الأخيرة.
اعتذار وتعديل
قبل عرض الفيلم على منصة نتفليكس وازدياد الهجوم الكبير على الإعلان الرسمي على يوتيوب، عدلت المنصة النبذة المكتوبة عن الفيلم، كما أنها اعتذرت عن البوستر الرسمي وأزالته، لكنها لم تعتذر عن الفيلم نفسه أو عن بثه.
كذلك اتبعت سلوكًا غريبًا في الرد على المهاجمين، فكل من يكتب تعليقًا على الإعلان عن كيفية جنسنة الأطفال أو أن هذا فيلمًا لمشتهيي الأطفال كانت الردود عبارة عن “إذا لم يعجبك الإعلان بإمكانك ضغط زر عدم الإعجاب”!
وبدأت حملة لمقاطعة نتفليكس، لكونها تروج الآن إلى البيدوفيليا بعدما كانت تروج في الفترة الماضية لتقبل العلاقات الثلاثية والجماعية، وأنه حان الدور الآن على الأطفال، لكن في وسط كل هذا الصخب كانت هناك بعض الأصوات المدافعة التي تقول إن الفيلم ربما لن يكون بذلك السوء الذي نظنه ونتخيله، لذلك انتظرت صدور الفيلم لتتضح الرؤية، التي كانت أسوأ مما ظننت.
لماذا لا نستطيع تسمية Cuties بفيلم؟
يتحدث الفيلم عن فتاة في الحادية عشر من عمرها، مسلمة، مهاجرة من السنغال، والدتها امرأة متدينة تعمل لتعيلها هي وأخوتها، ثم تفاجأ الفتاة بقرار زواج والدها من امرأة أخرى، تتظاهر الأم بالتماسك وطفلتها “إيمي” تعرف بهذا، ولا تستطيع فعل شيء إلا أنها تبدأ في الكذب والسرقة والانضمام إلى مجموعة فتيات ترغبن في دخول مسابقة رقص.
هل هذه قصة جيدة؟ ربما.. حتى الآن تلك القصة كان من الممكن أن يخرج منها شيئًا رائعًا، لكن بالطبع هذا لم يحدث.
من الطبيعي أن يسرق الطفل أحيانًا، حتى إن كان يعرف بأن هذا خطأ، خصوصًا عندما تكون هناك فجوة بين الأم والابنة، وغياب الأب، لكن في وسط هذا نجد الحماة التي تخوف الطفلة بكونها كانت أطول منها بقليل عندما تزوجت وأنها ترغب في أن يكون لها المصير ذاته، وهي أيضًا التي تنعتها بشتائم قذرة لكونها ارتدت ما ارتدته للرقص، كذلك تضربها أمها وتعنفها عندما تجد الطفلة نشرت لنفسها صورًا مخجلة عبر الإنترنت.
هذا هو ما عرضته نتفليكس، لم تقدم نموذجًا لامرأة قد تقهر الظروف لإعالة أبنائها في ظل أن زوجها تركها لأجل أخرى، لا، إنها تظهر أمًا مسلمةً مؤذيةً، تستغل طفلتها وتضربها، مؤمنة بخرافات، تحاول طرد الشياطين من جسد ابنتها المتمردة، تلك الطفلة التي ظلت طوال الفيلم متمردة تأتي في الدقائق الأخيرة لتفوق من تمردها في لحظة! هكذا! دون حدوث أي شيء!
تلك الفتاة التي سعت كل هذا السعي لتنضم للمسابقة، بل كادت أن تقتل زميلة لها لتكون مكانها، تركت رقصتها فوق المسرح وعادت إلى منزلها لتتصرف مثل الأطفال من جديد وتلعب من الأطفال الآخرين “نط الحبل”! إذا تجنبنا الكثير من اللقطات المخجلة لأجساد الأطفال والتركيز على مفاتن ليست موجودة.
ما الذي كانت تفكر فيه المخرجة؟
المخرجة “ميمونة دكتوري” التي كتبت وأخرجت الفيلم، كانت قد شاهدت أحد العروض لفتيات في الحادية عشر من العمر، يرقصن بطريقة مثيرة وجنسية فوق أحد المسارح وسط تقبل البعض ورفض البعض الآخر، وصمت لجنة التحكيم.
لذلك فكرت في كتابة فيلم عن ذلك الشيء، صدام الثقافات في عصر الإنترنت، والصحوة الجنسية للفتيات في سن صغيرة، وصدمة الجماهير وقد دُمرت البراءة في نظرهم، لكن الأمر حدث بشكل مفتعل حقًا، وإن كان هذا ما تقوله المخرجة فهو ما لم يُطبق في الفيلم!
إن هذا الفيلم ليس لمحاربة استغلال الأطفال بشكل جنسي، ولكنه يشجع على ذلك!
هناك الكثير من مشاهد الرقص المقززة التي تخطت الدقيقتين والثلاث دقائق، تلك الفتاة “إيمي” أتت لرفيقاتها بطريقة رقص جديدة لتجعلهن في صدارة المسابقة التي يرغبن في الفوز بها، وتلك الطريقة ما هي إلا تحريك المؤخرات والأفخاذ مع الكثير من مشاهد صفع المؤخرة ولمس أماكنهن الخاصة!
هل كانت المخرجة في حاجة حقًا إلى استخدام/استغلال أطفال في هذا العمر الصغير كي تبني فيلمها ذي هالة الفضيلة المزعومة؟ كان بإمكانها على الأقل قطع تلك المشاهد المخجلة والإشارة إليها بشكل ما، إنها كمن أراد عمل أحد الأفلام عن تعذيب الحيوانات فأتت بحيوانٍ وعذبته! أرادت أن تحارب الطريقة التي يُستغل بها الأطفال عن طريق استغلالهم!
لقد رأينا العديد من الأفلام التي تتحدث عن المراهقات ومرحلة ما قبل المراهقة، العديد من الأفلام التي تتحدث عن مسابقات الرقص والغناء، التي كانت غنية بالقصص المؤثرة حقًا، ولم يصل أي منها إلى تلك الدرجة من الابتذال الخام.
هذا ليس فيلمًا ولا يستحق أن يطلق عليه أي شيء، لكن للأسف هناك من يتقبله، يقول إنه فرق الثقافات وإن تلك الأمور عادية في فرنسا، ولكن لا.. تلك الأمور ليست عادية، لا ينبغي لها أن تكون عادية في أي دولة، وإن كانت حقًا عادية في فرنسا فعلى الدولة أن تراقب أطفالها كيلا تخلق منهم مجموعة من المسوخ المشوهين.
إن هذا الفيلم ليس فيلمًا، ليس كوميديًا، ليس دراميًا أيضًا، إنه شيء مثير فقط للاشمئزاز، وللأسف سوف يستمر، وستُنتج العديد من الأفلام على الشاكلة ذاتها، تلك الأفلام لن تتخذ قناعًا فضائليًا هذه المرة، ستكون أمرًا “عاديًا” بحق، كما أصبحت الكثير من الأشياء المضادة للفطرة “عادية”، وبات يُلقَب من يعاديها بالـ”رجعي” والمتخلف.
إن هذا العالم يصبح مكانًا سيئًا لنمو الأطفال يومًا بعد يوم.