أقرت الجزائر، خطوات جديدة للعودة إلى حضن السوق الإفريقية، بعد سنوات من الانحسار والجمود خلال العقدين الماضيين من الزمن بسبب تركيز الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة على بناء جسور التعاون مع الضفة الأخرى من البحر المتوسط إضافة إلى أمريكا وآسيا على حساب القارة السمراء.
وتسعى الجزائر جاهدة للتموقع من جديد في إفريقيا التي تحولت في الفترة الأخيرة إلى منطقة للتنافس الدولي بين قوى عالمية كبرى على غرار بكين التي عززت وجودها في المنطقة في السنوات الأخيرة وأمريكا وروسيا وتركيا القوة الناعمة التي حجزت لنفسها مكانًا في هذه المنطقة وتطمح لتحقيق مبادلات تجارية تتجاوز 50 مليار بحلول 2023 مقابل 24 مليار سنة 2019، حتى المغرب حقق إنجازات لا يستهان بها في هذه المنطقة.
ووضعت الحكومة الجزائرية خريطة طريق جديدة لرفع قيمة صادراتها خارج المحروقات اعتبارًا من العام المقبل تصل إلى نحو 5 مليارات دولار، معولة في ذلك على الأسواق الإفريقية.
وتزامن اهتمام الجزائر بالقارة الإفريقية، مع إصرارها على مراجعة اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، بما يضمن مصالحها التجارية، التي تكبدت خسائر فادحة من هذا الاتفاق الذي انقضى من عمره أكثر من 15 سنة.
خريطة الطريق
صادقت الجزائر، الأحد الماضي، على الاتفاقية المؤسسة للمنطقة الإفريقية للتبادل التجاري الحر، التي ستدخل حيز التنفيذ مطلع العام القادم، وجاء ذلك في بيان توج اجتماعًا عبر تقنية الفيديو لمجلس الوزراء حضره الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
تشمل تجارة المقايضة مع الدول الإفريقية كل المنتجات الجزائرية على غرار الحليب والتمور والخضراوات والبلاستيك والألبسة
وشدد تبون على ضرورة التأكد من المنشأ الأصلي للسلع والبضائع المتداولة في المنطقة الإفريقية للتبادل الحر، ولا يجب أن تقل نسبة إدماجها عن 50%، حتى لا تتسرب إلى السوق المحلية مواد مصنوعة خارج القارة.
وقبل هذا أصدرت الجزائر قرارًا يقضي بإعادة بعث تجارة المقايضة وتحسين المعاملات التجارية مع الدول الإفريقية، بعد توقفها بسبب التدهور الأمني الخطير الذي شهدته دول جوار الجزائر من ليبيا إلى مالي، وتشمل تجارة المقايضة مع الدول الإفريقية كل المنتجات الجزائرية على غرار الحليب والتمور والخضراوات والبلاستيك والألبسة، وأسندت هذه المهام إلى محافظي (ولاة الجمهورية) المناطق الحدودية.
وتعول الجزائر بحسب تصريحات وزير التجارة كمال رزيق على استحداث منطقة حرة في محافظة وادي سوف التي تقع في الجنوب الشرقي من الجزائر على الحدود مع ليبيا وفي منتصف الصحراء الكبرى، لتقوية التجارة مع الدول الإفريقية.
تعاون محبط
غياب الجزائر البارز عن الساحة الاقتصادية جنوبًا، معطى تؤكده الأرقام، حيث كشفت آخر الإحصاءات التي أعلنتها مديرية الجمارك الجزائرية أن إفريقيا ورغم شساعة الحدود التي تربطها بالجزائر، فإنها جاءت في ذيل ترتيب شركاء الجزائر.
وحققت المبادلات التجارية بين الجزائر وإفريقيا مع نهاية 2019، أرقامًا ضعيفةً للغاية، حيث لم تتجاوز نسبة 3% في حجم التجارة الخارجية أي ما يعادل 3.51 مليار دولار، في وقت حافظ الأوروبيون على الصدارة، إذ ظهرت الأقوى بنسبة 58.14%، أي ما يعادل 45.21 مليار دولار، بينها 22.81 صادرات جزائرية و22.39 واردات من الاتحاد الأوروبي.
وجاءت كل من الهند والسعودية وكوريا الجنوبية في المرتبة الثانية من حيث المبادلات التجارية بحصة تقدر بـ23.92% من القيمة الإجمالية، وبلغت عتبتها 18.60 مليار دولار مع نهاية 2019، بينها 6.42 مليار دولار صادرات جزائرية.
الانفتاح على الأسواق الخارجية أصبح خيارًا إستراتيجيا بالنسبة للجزائر خاصة أمام الأزمة الحاصلة مع الاتحاد الأوروبي على خلفية اتفاق الشراكة الذي تراه الجزائر مجحفًا في حقها
واحتلت الأمريكتان المرتبة الثالثة بنسبة 26.51% من القيمة الإجمالية للمبادلات التجارية الجزائرية بقيمة 9.52 مليار دولار، وتمثل صادرات الجزائر 3.88 مليار دولار، أغلبها تتم مع الأرجنتين والولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل وكوبا.
وبالعودة إلى دول شمال إفريقيا، فقد تصدرت أربع دول من شمال إفريقيا حجم التبادل التجاري مع الجزائر ويتعلق الأمر بكل من تونس والمغرب ومصر، بينما تذيلت دول الساحل الإفريقي القائمة.
وجاءت تونس في صدارة الدول الإفريقية في قائمة شركاء الجزائر التجاريين نهاية 2019، حيث تبلغ حجم المبادلات التجارية الجزائرية التونسية 1.7 مليار دولار منها 1.3 مليار دولار صادرات جزائرية لتونس، قطاع عريض منها يمثل المحروقات ومشتقاتها، و400 مليون دولار صادرات تونسية للجزائر عبارة عن تجهيزات الكهرباء ومواد ميكانيكية وفقًا لأرقام كشفتها السفارة التونسية بالجزائر.
وتأتي مصر في المركز الثاني حيث بلغت قيمة المبادلات التجارية بين البلدين مع نهاية العام الماضي 799 مليون دولار، بينها 583 مليون دولار صادرات جزائرية، و218 مليون دولار واردات من مصر، وجاء المغرب في المركز الثالث حيث بلغت صادرات الجزائر نحو المغرب 437 مليون دولار، بينما بلغت واردتها من دول المغرب الأربعة 553 مليون دولار، بينما وصلت قيمة الصادرات الجزائرية من دول الساحل الثلاثة وهي موريتانيا ومالي والنيجر نحو 5 ملايين دولار مع نهاية 2019.
ورغم افتتاح الجزائر أول معبر بري مع موريتانيا في 19 من أغسطس/آب 2018، ومنحها تراخيص للنقل البري بالشاحنات لمنتجات مجمعات اقتصادية جزائرية، إضافة إلى تحديثها شبكة السكك الحديدة واستئناف مشروع بناء ميناء في منطقة الحمدانية وهو ميناء تجاري يقع في منطقة الجزر الثلاثة، أمر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، مؤخرًا، بإعادة دراسة مشروع ميناء الوسط بالحمدانية (منطقة شرشال – محافظة تيبازة) مع الشريك الصيني، وفق قواعد شفافة جديدة.
إضافة إلى طريق الوحدة الإفريقية، المشروع (الفخر) كما يلقب يربط العاصمة الجزائرية بـ”لاغوس” عاصمة نيجريا، ورغم أن الجزائر أعلنت في بدايات 2017، انتهاءها من إتمام إنجاز آخر شطر، فإن الأهداف المعلنة للمشروع المتمثلة في فك العزلة عن طريق صحراء الساحل وجنوب إفريقيا وجنوب بلدان شمال إفريقيا وتعزيز النشاط الاقتصادي لموانئ الجزائر وتونس وربط نيجيريا بشمال القارة، بقيت مجرد حبر على ورق لعدة أسباب أبرزها نقص الإرادة السياسية والاقتصادية لتفعيله والاضطرابات الأمنية التي تشهدها المنطقة على غرار الحرب في مالي وانعدام الاستقرار السياسي في ليبيا ونشاطات بوكو حرام في النيجر.
تحديات صعبة
يجمع خبراء في الاقتصاد على أن الانفتاح على الأسواق الخارجية أصبح خيارًا إستراتيجيًا بالنسبة للجزائر خاصة أمام الأزمة الحاصلة مع الاتحاد الأوروبي على خلفية اتفاق الشراكة الذي تراه الجزائر مجحفًا في حقها.
تصدير الجزائر لإفريقيا يتطلب مؤسسات محلية تكون قادرة على منافسة نظيرتها العالمية
وأعلن، الأربعاء، المتحدث باسم المفوضية الأوروبية، أن الجزائر طلبت شفهيًا من الاتحاد الأوروبي تأجيل موعد دخول اتفاق منطقة التجارة الحرة بين الطرفين حيز التنفيذ الذي كان من المفترض أن يتم في الأول من سبتمبر/أيلول الحاليّ.
ويقول الخبير الاقتصادي البروفيسور عبد القادر دريش لـ”نون بوست” إن الانفتاح على إفريقيا أصبح خيارًا إستراتيجيًا من أجل تحقيق هدف التنويع الاقتصادي والرفع من الصادرات خارج المحروقات، لكن يرى عبد القادر دريش أن الولوج إلى هذه الأسواق وإيجاد مكانة للمنتجات الجزائرية فيها سيكون أمرًا صعبًا للغاية في ظل المنافسة القائمة من الدول والشركات العالمية لأن الكل بات يجمع على أن مستقبل الاقتصاد العالمي سيكون مصدره القارة الإفريقية تحت شعار المستقبل إفريقيا.
ويشير المتحدث إلى أن الكثير من الدول تتنافس من أجل الاستحواذ على حصص في الأسواق الإفريقية سواء في التجارة أم الاستثمار، ومن بين هذه الدول نجد الصين وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي.
ويؤكد المتحدث أن الشركات الجزائرية ينتظرها عمل كبير من أجل إيجاد حلول لها في هذه الأسواق واكتساب حصة سوقية في ظل هذه المنافسة المحتدمة، ويشير إلى ضرورة إيجاد جملة من المتطلبات الأساسية بمرافقة الدولة، أولها دور الدبلوماسية الاقتصادية لتمهيد الطريق ومساعدة المتعاملين الاقتصاديين للتعرف على الأسواق الإفريقية ومعرفة احتياجات هذه الأسواق، ويقول عبد القادر دريش إنه من الضروري إيجاد قاعدة لوجستيكية موجهة للتصدير وإيجاد متدخلين محترفين في مجال التصدير من حيث جودة المنتجات ومطابقتها لمعايير متعارف عليها.
ومن جهته يشدد الخبير الاقتصادي الجزائري على ضرورة فتح خطوط نقل جوي مع أهم العواصم والأسواق الإفريقية لتسهيل عمليات التبادلات التجارية وتحويل الأموال، ويشير إلى أن الأسواق الإفريقية أسواق واعدة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول، على خطى عبد القادر دريش، أن تصدير الجزائر لإفريقيا يتطلب مؤسسات محلية تكون قادرة على منافسة نظيرتها العالمية، وأن الولوج إلى إفريقيا لا يمكن أن يتحقق إلاا بوحدة اقتصادية مغاربية تكون قادرة على المنافسة سواء في السوق الأوروبية أم الإفريقية.