ترجمة وتحرير نون بوست
إنه عصر يوم الجمعة بينما يغسل الأشقاء الثلاث السيارات في الخارج، بالنسبة لهؤلاء الأطفال النحيفين فلا مدارس ولا إجازات، لقد بدأوا هذا العمل منذ 4 أشهر وهم يعملون في غسل السيارات كل يوم من الثامنة صباحًا وحتى السادسة مساءً.
نظم الأولاد أنفسهم في فريق: أحدهم يغسل السيارة والآخر يجففها أما الأصغر فهو يكنسها من الداخل، يأتي زبائنهم من الرجال والنساء من جميع أنحاء العاصمة اليمنية صنعاء، الولد الأكبر محمد 14 عامًا، يلية مختار 10 أعوام، أما الأصغر خلدون فعمره 7 سنوات فقط.
لا يعرف الأطفال إلا القليل عن الطفولة الطبيعية فتركيزهم الدائم على جني المال الكافي للبقاء على قيد الحياة، الإشارة الوحيدة للطفولة في حياتهم هو اسم عملهم التجاري: مركز “السنافر” لغسيل السيارات.
يقول الأخ الأكبر محمد: “الأوضاع صعبة هذه الأيام ووالدي لا يستطيع أن يوفر سبل المعيشة لأسرتنا وحده لذا قررنا مساعدته”، يعمل والدهم – محسن – كمزخرف لكنه لا يجد العمل الكافي لذا عرض عليه أبناؤه العمل لمساعدته.
قالت منظمة اليونيسيف في يوليو إن 7.8 مليون طفل أصبحوا غير قادرين على التعلم بعد توقف المدارس بسبب انتشار كورونا
يقول محمد: “في البداية اشترينا عربة يدوية وبدأنا في نقل المواد الغذائية للناس في المدرسة، وبعدها كنا نذهب للعمل في السوق، لكن هذا العمل كان شاقًا علينا ثم وجدنا بعض الأصدقاء يعملون في مراكز غسيل السيارات وأخبرونا أنه عمل سهل، لذا فكرنا في هذا العمل”.
العمل في غسيل السيارات
بدأ محمد وأشقاؤه في غسل السيارات في الشوارع ثم اتفقوا بعدها أنهم بحاجة لافتتاح مركز خاص بهم لغسيل السيارات، لكنهم واجهوا بعض التحديات مثل اختيار الموقع وكيفية الحصول على أموال لشراء مولد كهربائي وخزان مياه ولوحة تحمل اسم المركز.
يقول محمد: “لقد وجدنا هذا المكان المفتوح والمجاني فاخترناه ثم اقترضنا 100 ألف ريال يمني (170 دولارًا) واشترينا مولد وخزان”، في البداية كان العثور على زبائن أمرًا شاقًا لأنهم أطفال ولا يعرفهم أحد، لكنهم تمكنوا تدريجيًا من بناء شبكة من الزبائن وفي الأيام الجيدة يربحون قدرًا معقولًا من المال.
يضيف محمد: “لقد سددنا الدين وأصبح بإمكاننا أن نربح قدرًا جيدًا من المال هذه الأيام حيث يمكننا أن نغسل نحو 20 سيارة في اليوم”.
علينا العمل لمساعدة والدنا
بالنسبة للأطفال في عمرهم فمن المفترض أن يستمتعوا بطفولتهم ويذاكروا ويلعبوا في الحدائق، لكن الأشقاء الثلاث يقولون إنهم اعتادوا المذاكرة في الصباح والعمل بعد الظهر، يقول محمد: “إننا جميعًا نذاكر، لكن منذ شهر رمضان (مايو الماضي) توقفت المدارس وبدأن العمل هنا، لكننا سنواصل دراستنا عند عودة المدارس مرة أخرى”.
أغلقت المدارس أبوابها نتيجة انتشار فيروس كورونا، وقالت منظمة اليونيسيف في يوليو إن 7.8 مليون طفل أصبحوا غير قادرين على التعلم بعد هذه الخطوة، ورغم أن الأطفال لم يتخلوا عن فكرة الدراسة، فإنهم لم يعودوا يحلمون بأن يصبحوا أطباءً أو معلمين أو أي وظيفة تحتاج لمؤهلات، أصبح كل تفكيرهم في تأسيس مركز غسيل سيارات أكبر.
يقول محمد: “إذا توقفنا عن العمل فلن يساعدنا أحد، لذا يجب أن نعمل لنساعد والدي، أتمنى أن نحصل على مركز أكبر في المستقبل وهذا المركز الحاليّ هو البداية”.
إن العمل 12 ساعة في غسيل السيارات أمر شاق على البالغين وأكثر صعوبة على الأطفال الذين يكدحون تحت أشعة الشمس الحارة، لذا يوظف الأشقاء بعض الأطفال أحيانًا لمساعدتهم في العمل.
يقول محمد: “عندما يصبح العمل كثيرًا نوظف بعض الأصدقاء لمساعدتنا، هناك الكثير من الأصدقاء الذين يأتون إلينا كل يوم بحثًا عن عمل”، على بُعد عدة أمتار فقط من المركز توجد أكبر حديقة ألعاب للأطفال في صنعاء.
يواجه الأطفال خارج المدارس خطر التعرض لجميع أنواع الاستغلال بما في ذلك الإجبار على الانضمام للحرب أو عمالة الأطفال أو الزواج المبكر
لكن الأشقاء لا يذهبون للعب هناك، بل يشاهدون الأطفال فقط وهم يدخلون ويخرجون مع والديهم، أما أسعد أوقاتهم فهي عندما يترك هؤلاء الآباء سياراتهم في المركز لغسلها، والآن تحدث العديد من النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي عن الأشقاء لذا أصبح هناك الكثير من الزبائن في مركزهم.
يضيف محمد: “بدأ الناس في السماع عنا مؤخرًا من فيسبوك لذا أصبح لدينا زبائن أكثر وبعضهم يلتقطون الصور معنا، إننا سعداء بزيادة أعداد الزبائن”.
أفضل من العصابات
يقول مجدي طه أحد سكان صنعاء إنه يغسل سيارته في مركز السنافر لتشجيع الأشقاء على العمل، ويضيف: “بالنسبة لي فإنني أرى الكثير من الأطفال يتسولون كل يوم وبعضهم ينضمون للعصابات ويسرقون وربما يقتلون، لذا أعتقد أن غسيل السيارات هو الخيار الأفضل لهم”.
يدفع مجدي للأطفال أكثر مما يستحقونه، ويرى أن العمل ليس عيبًا للأطفال ويتمنى أن يبدأ الأطفال الآخرون مشروعات مشابهة، ويقول: “هناك الملايين من الأطفال الذين تركوا المدارس ومن الصعب أن نطلب منهم العودة للمدارس لأنهم يعيلون أسرهم، لذا يجب تشجيعهم على العمل في مشروعات آمنة”.
في العام الماضي حتى قبل انتشار فيروس كورونا، أعلنت اليونيسف أن هناك مليوني طفل خارج صفوف الدراسة في اليمن و3.7 مليون طفل في خطر التسرب من التعليم.
تقول سارة نيانتي ممثل اليونيسف في اليمن: “يواجه الأطفال خارج المدارس خطر التعرض لجميع أنواع الاستغلال بما في ذلك الإجبار على الانضمام للحرب أو عمالة الأطفال أو الزواج المبكر، إنهم يفقدون فرصة التطور والنمو في بيئة محفزة وتحت رعاية مناسبة، وفي النهاية يصبحون محاصرين في حياة الفقر والضيق”.
عمالة الأطفال
تقول جميلة عبد الدايم التي تعمل على قضايا الأطفال مع منظمات المجتمع المدني إنه ليس من الصواب التشجيع على عمالة الأطفال ومطالبتهم بالعمل، ويجب على الناس أن تساعد الأطفال على التوقف عن العمل.
وتضيف: “لسوء الحظ؛ أرى الكثير من الناس الذين يقبلون بأن يغسل الأطفال سياراتهم وأعتقد أنها جريمة أكثر من التشجيع، هؤلاء الناس مشاركون في زيادة أعداد الأطفال العاملين، إن التشجيع الصحيح هو مساعدة هؤلاء الأطفال على العودة للمدارس والاستمتاع بطفولتهم، يحدث ذلك عند مساعدتهم ومساعدة أسرهم بالمال أو تقديم النصائح لهم بشأن مخاطر عمل الأطفال”.
تقول عبد الدايم إن العديد من الأطفال بدأوا في تأسيس مشروعاتهم الخاصة للحصول على مزيد من المال وبعضهم ليسوا في حاجة إلى ذلك لكنهم يفعلون ذلك لأنهم يعتقدون أن الناس ستتعاطف معهم، أخشى أن هذه الطريقة ستشجع الكثير من الأطفال على ترك مدارسهم.
“من الطرق المناسبة لتشجيع الأطفال هي تزويد الطلاب في المدارس العامة بسلات غذائية لعائلاتهم، وهناك طرق أخرى لتشجيع لأطفال على المذاكرة والاستمتاع بطفولتهم دون التشجيع على عمالة الأطفال”.
المصدر: ميدل إيست آي