بينما تهرول الدول العربية لا سيما الخليجية للتطبيع مع الكيان الصهيوني فيما تهلل بعض العواصم الأخرى بمثل هذه التحركات التي تعتبرها “تاريخية” رغم ما تحملة من معاول تصفية للقضية الفلسطينية، كشف برنامج “ما خفي أعظم” الذي بثته الجزيرة مساء أمس الأحد، تفاصيل التحالف الأمني والعسكري بين “إسرائيل” وبعض الدول العربية بهدف تضييق الخناق على المقاومة الفلسطينية.
الأمور جميعها مخطط لها أن تسير في اتجاه واحد، زيادة رقعة المطبعين والمهللين للتقارب مع تل أبيب من جانب، ومحاصرة المقاومة وتجريدها من أسلحتها كافة من جانب آخر، ليجد الفلسطينيون أنفسهم مجبرين على قبول خطة سلام دونالد ترامب المسماة بـ”صفقة القرن” التي حصلت بعض الأنظمة العربية على توكيل الترويج لها حصريًا في المنطقة.
وتحت عنوان: “الصفقة والسلاح”، نقل المذيع الفلسطيني تامر المسحال، حقائق يكشف بعضها لأول مرة، عن خفايا مساعي تل أبيب وعدد من عواصم العرب وأد المقاومة عبر وضع غزة بين كماشة الحصار والقذف، وبحسب الشهادات التي نقلها البرنامج، استهدف محور التطبيع العربي محاصرة القطاع بتياراته السياسية والمدنية كافة.
وفي الوقت الذي يُخطط فيه لكبح جماح المقاومة، بث البرنامج – من خلال صور حصرية حصل عليها – أحدث التجارب التي تجريها فصائل المقاومة الفلسطينية في القطاع عبر إطلاق دفعة من الصواريخ المصنعة محليًا، الأمر الذي يعد نقلة نوعية في مسار تطوير قدراتها الصاروخية النوعية رغم ضراوة الحصار.
البرنامج نجح في التوصل إلى لقطات تُظهر بعض عناصر كتائب الشهيد عز الدين القسام (الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”) في أثناء تجميعهم أجزاء من صاروخ من طراز “فجر”، الذي وصل ضمن دفعة جديدة من الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى إلى يد المقاومة في غزة مؤخرًا.
كذلك أظهرت الصور بعض الإمكانات العسكرية والتسليحية للمقاومة مثل القذائف المضادة للدروع وجهود تصنيع صواريخ جديدة من مخلفات القذائف الإسرائيلية في حرب 2014، فيما أشار قادة حماس أنه رغم الحصار المفروض عليهم، فإن السلاح يصل لهم عبر آلاف الكيلومترات برًا وبحرًا، متخطيًا القواعد العسكرية والطيران والدوريات البحرية.
مخطط العرب لنزع سلاح المقاومة
كشف البرنامج الوثائقي الشهير عن التنسيق البين بين القاهرة وتل أبيب وأبو ظبي من أجل تأمين الداخل الإسرائيلي من خلال غلق كل المنافذ أمام المقاومة بما يقود في نهاية الأمر إلى عزلة شبه تامة للقطاع، ما يمهد الطريق نحو سلسلة التنازلات المطلوبة من أجل الرضوخ للإملاءات الصهيوأمريكية.
يتطابق ما تم عرضه مع ما تشهده الحدود المصرية مع غزة خلال السنوات الأخيرة من تطورات متسارعة كان الهدف المعلن لها هو تأمين الجانب المصري فيما ألقت بظلالها القاتمة على الداخل الفلسطيني، حيث حرمته من الغذاء والطاقة والسلاح في آن واحد، وهو ما يصب في النهاية لصالح الحليف الإسرائيلي.
مشاهد عدة بثها البرنامج لمشروعات خاصة بالجيش المصري لإنشاء منطقة عازلة في رفح المصرية، هذا بجانب تشييد عدد من الجدران العازلة على طول الحدود، فضلًا عن حفر أحواض مياه عميقة بهدف منع أي محاولة لحفر أنفاق جديدة تسهل عمليات توصيل السلاح للقطاع.
“قاعدة برنيس البحرية المصرية” الواقعة على ساحل البحر الأحمر شرق مدينة أسوان (جنوب) التي تم افتتاحها في شهر يناير/كانون الثاني 2019 بحضور الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، تم تدشينها بالتنسيق مع “إسرائيل”، وكان من بين أهدافها المحورية قطع أي إمدادات عسكرية لدعم المقاومة في القطاع.
الأمر ذاته على الجانب الإماراتي، حيث جرت مناورات مشتركة لطيارين إماراتيين وإسرائيليين أقيمت في قبرص عام 2019، هذا بجانب التواصل الدبلوماسي المستمر بين أبو ظبي وتل أبيب عن طريق السفير الإماراتي في واشنطن، يوسف العتيبة، الذي بات يكتب في الصحف الإسرائيلية مؤخرًا.
بعض الصحف العبرية كشف تعليقًا على تلك المناورات ومعها مراسلات بين العتيبة وعسكريين إسرائيليين أن الهدف الرئيسي هو تجريد المقاومة الفلسطينية من سلاحها، وهو التفسير الأرجح الذي توصل إليه عدد من الخبراء والمحللين بشأن افتعال الأزمات المتتالية مع فصائل المقاومة والضغط عليها بين الحين والآخر بشأن المنح والمساعدات المقدمة لهم من دول الخليج.
قاعدة برنيس المصرية
المعلومات التي عرضها التحقيق أفادت بأن “قاعدة برنيس البحرية المصرية” الواقعة على ساحل البحر الأحمر شرق مدينة أسوان (جنوب) التي تم افتتاحها في شهر يناير/كانون الثاني 2019 بحضور الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، تم تدشينها بالتنسيق مع “إسرائيل”، وكان من بين أهدافها المحورية قطع أي إمدادات عسكرية لدعم المقاومة في القطاع.
وبعد أيام قليلة من افتتاح تلك القاعدة التي تبلغ مساحتها 150 ألف فدان وتضم قاعدة بحرية وقاعدة جوية وعدد من الوحدات القتالية، اعتبرت “القناة 12” الإسرائيلية أنها ستساهم في حماية أمن دولة الاحتلال، حيث علق محلل الشؤون العربية بالقناة إيهود يعاري، على افتتاحها قائلًا: “بخلاف الحدث التاريخي المتمثل في بدء ضخ الغاز من “إسرائيل” إلى مصر، وقع حدث آخر مهم، أقامت مصر قاعدة عسكرية ضخمة على شواطئ البحر الأحمر”.
وأشار المحلل الإسرائيلي أن لدى بلاده وجودًا محدودًا للغاية في تلك المنطقة الحساسة، وأن توسيع الوجود المصري لا بد أن يساعد أيضًا في الحفاظ على أمن السفن من وإلى “إسرائيل”، موضحًا أن القاعدة تهدف إلى تأمين السيطرة الإستراتيجية المصرية على طرق الملاحة من مضيق باب المندب حتى قناة السويس.
وعن الأهداف غير المعلنة لإقامة تلك القاعدة أشار يعاري أنها بنيت خصيصًا لمنع تهديد الحوثيين في اليمن لمسار السفن القادمة إلى مينائي العقبة وإيلات، وهو أمر مهم جدًا لـ”إسرائيل” على حد وصف محللها السياسي الذي كشف أن مصر حصلت على مساعدات من السعودية والإمارات لبناء تلك القاعدة كجزء من خطوات البلدين لنشر عدد من القواعد العسكرية على طول الساحل الأحمر لحماية نفوذهما في تلك المنطقة الجيوسياسية.
صفقة القرن
لا شك أن المقاومة وفصائلها هما العقبة الوحيدة أمام صفقة القرن، وعليه تأتي مثل تلك التحركات بهدف الإطاحة بتلك العقبة لتعبيد الطريق تمامًا لتنفيذ المؤامرة التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، وهو ما أكدته تصريحات رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية الذي أشار إلى أن نزع سلاح المقاومة هو أحد الأهداف الإستراتيجية للاحتلال الإسرائيلي ومن يقف وراءه.
هنية في تصريحاته للجزيرة كشف مساعي من الإدارة الأمريكية لفتح حوار مع قيادات الحركة، مضيفًا: “مكتب جاريد كوشنر (مستشار الرئيس الأمريكي) نفسه طلب من بعض الأطراف أن تتحدث مع قيادة الحركة ونقلت رسالة لنا أنهم مستعدون للجلوس معنا في أي مكان نحدده سواء عاصمة عربية أم أوروبية للحديث معنا في وضع غزة، وذلك خلال الأشهر الأخيرة في أثناء الحديث عن صفقة القرن”.
وعن موقف الحركة من الجلوس على طاولة واحدة مع الأمريكان أشار هنية أنه لا يوجد مشكلة من حيث المبدأ، واضعًا شرطًا رئيسيًا للتحاور، سواء مع أمريكا أم أي دولة أخرى، يتعلق بوضع “فيتو” على أي مفاوضات أو حوار مباشر مع العدو الصهيوني، منوهًا أن الحركة اعتذرت أكثر من مرة عن أي حوار من هذا النوع، موضحًا أن حماس لم تعط يومًا أي تعهد لأي أحد يمس قرار المقاومة أو تطوير قدراتها الدفاعية والهجومية.
تمحورت الخطة المزعومة على الدور المتوقع الذي من المفترض أن يؤديه الحلف المطبع مع “إسرائيل”، بجانب الدور الأمني المحوري لكل من مصر والأردن في مجال حفظ أمن دولة الاحتلال
يذكر أن نص خطة السلام المنشورة عبر البيت الأبيض بشأن صفقة القرن ألمح إلى دور محوري لبعض العواصم العربية في تمرير هذا المشروع التصفوي، إذ تضمن النص مشاركة سفراء 3 دول عربية (الإمارات والبحرين وعُمان) في حفل إعلان الصفقة الذي عقد في 28 من يناير/كانون الثاني الماضي.
وما إن انتهى ترامب من عرض خطته أصدرت القاهرة بيانًا عبر وزارة خارجيتها أشادت فيه بالصفقة، داعية طرفي الصراع، فلسطين و”إسرائيل”، إلى الدخول في مفاوضات سلام مباشرة، وهو الموقف ذاته الذي تبنته فيما بعد السعودية التي ثمنت مثل تلك التحركات التي ترى أنها تخدم عملية السلام في المنطقة.
تمحورت الخطة المزعومة على الدور المتوقع الذي من المفترض أن يؤديه الحلف المطبع مع “إسرائيل”، بجانب الدور الأمني المحوري لكل من مصر والأردن في مجال حفظ أمن دولة الاحتلال، وهو ما يفسر حالة الهرولة الحاليّة للتطبيع مع تل أبيب كجزء أصيل من تنفيذ الخطة التي يهدف ترامب لتمريرها بشكل رسمي أو على الأقل الاتفاق على بنودها الأساسية قبيل الانتخابات الرئاسية القادمة، كونها الباب الكبير الذي من الممكن أن يمر منه الرئيس نحو ولاية ثانية.
وبقراءة المشهد من جوانبه كافة يتأكد أن ما يحدث لم يكن عشوائيًا أو خاضعًا للإرادة السياسية للدول والحكومات المهرولة للتطبيع مع الكيان الصهيوني، بل هو جزء محدد من خطة مرسومة سلفًا تستهدف تركيع المقاومة وإذابة الجليد مع دولة الاحتلال تمهيدًا لإعلان الصفقة الكبرى التي تحمل في طياتها تصفية القضية العربية الأم، فيما تبقى المقاومة الشوكة المتبقية في حلق هذا المخطط الذي لا يمكن أن يحقق أهدافه في ظل وجودها، ومن ثم كان إضعافها أو وأدها هدفًا إستراتيجيًا تتشارك فيه “إسرائيل” وحلفاؤها في المنطقة.