ترجمة وتحرير: نون بوست
سيف الدين سوز ليس خاضعا للإقامة الجبرية، ولكن لا يُسمح له بمغادرة منزله فحسب. مثّل سوز، الذي يبلغ الآن 82 سنة، وادي كشمير الشمالي في البرلمان الوطني في دلهي ذات مرة، وتقلد لمدة خمس سنوات منصب وزير في حكومة مانموهان سينغ، رئيس الوزراء الذي سبق الوزير الحالي، ناريندرا مودي. منذ الخامس من آب / أغسطس 2019، وهو اليوم الذي ألغى فيه البرلمان الحكم الذاتي لولاية جامو وكشمير بناء على طلب مودي، أجبرت الشرطة سوز على البقاء في منزله قائلة: “أنت رهن الإقامة الجبرية”.
تقدمت عائلته بطلب للمحكمة لإطلاق سراحه بما أنه لم يُتهم بأي جريمة ولم يقع إدانته. لكن المحكمة العليا رفضت الطلب، وذلك لأن السلطات أبلغت القضاة أن سوز “لم يحتجز ولم يخضع للإقامة الجبرية أبدا”. عندما توجه الصحفيون المحليون إلى منزل سوز للحصول على رد فعله على الأخبار السعيدة، حاول التحدث معهم من فوق السياج – حتى جذبه جنود يرتدون الزي الرسمي بعيدا.
إن كذب الحكومة الواضح على المحكمة (وهو أمر يعد استخفافا بشأن ما تعتبره المحكمة انتهاكا لحرمتها) يوحي بمدى استعدادها لتنفيذ خططها في كشمير ومدى قلة اهتمامها بانتهاك حقوق حتى العظماء والأخيار في هذه العملية. لطالما أغضبت عادات الدولة القوميين الهندوس من حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، حيث أنهم يرون أن استيلاء باكستان، التي طالبت مثل الهند بالولاية التي كانت خاضعة لحماية بريطانيا سابقا، على جزء منها في سنة 1947 بمثابة إهانة.
الأسوأ من ذلك أن الغالبية المسلمة في الجزء الهندي كانت تحت ضغط الحكم الهندي منذ فترة طويلة، مما أثار احتجاجات شعبية متكررة وأعمال تمرد لا نهاية لها. ولكن الأمر الأكثر إثارة للغضب على الإطلاق يتمثل في أن 12 مليون شخص من جامو وكشمير، بما في ذلك حوالي سبعة ملايين مسلم في وادي كشمير، كانوا يستفيدون – حتى السنة الماضية – من شكل خاص من الحكم الذاتي لم يمنح لأي ولاية أخرى في الهند، على الرغم من جحودهم.
كان قرار مودي المتخذ قبل سنة بإلغاء هذا الحكم الذاتي وتقسيم الولاية إلى منطقتين (جامو وكشمير، ولداخ – انظر الخريطة) تديرهما الحكومة الوطنية مباشرة، يهدف إلى إرضاء مؤيديه. لطالما أثار هذا الأمر غضب الكشميريين الذين لم تقع استشارتهم على الرغم من أن الدستور طالب بذلك. (للتعامل مع الأمر، أقال مودي حكومة الولاية المنتخبة، وعين ملازمه الخاص لإدارة الولاية، ثم حمل هذا الشخص المعين مسؤولية فقدان الحكم الذاتي وإقامة الدولة نيابة عن الكشميريين). على خلفية ذلك، وللحفاظ على مظهر من مظاهر النظام، اضطرت الحكومة إلى تعليق السياسات المحلية والعديد من الحريات المدنية لأكثر من سنة – دون تحديد موعد نهائي معين لذلك.
حتى قبل التغيير، انتشر حوالي 500 ألف جندي في كشمير (لم تكشف الحكومة عن الأرقام الدقيقة). ووقع إرسال حوالي 35 ألف آخرين السنة الماضية للمساعدة في تطبيق النظام الجديد. قُطعت خطوط الهاتف والإنترنت واعتُقل سياسيون من كل فئة، إلى جانب رجال أعمال ومواطنين بارزين آخرين – حوالي 7 آلاف شخص في المجموع – دون توجيه تهم إليهم.
علاوة على ذلك، وقع حظر التجمعات من جميع الأنواع، وزعمت الحكومة أن كل هذه القرارات كانت لمنع الإرهابيين المدعومين من باكستان من تنظيم أي نوع من أعمال الانتقام وليس لمنع الكشميريين العاديين من التعبير عن آرائهم. في الواقع، أكدت الحكومة أن الكشميريين لم يحتجوا أبدا، على الرغم من أن لقطات الفيديو، كما هو الحال مع سوز سيء الحظ، تشير إلى خلاف ذلك. بعد ثلاثة عشر شهرا، ظلت معظم القيود تُطبق نوعا ما.
عاد خط الإنترنت، ولكن بشكل متقطع وفقط عبر خدمة رديئة من الجيل الثاني في أجزاء كثيرة من كشمير. لقد قدمت جائحة كوفيد -19 مبررا جديدا لحظر جميع التجمعات. يقع تطبيق هذه القواعد في كشمير بطرق لم نشهدها في بقية الهند. ففي 29 آب / أغسطس، فرقت الشرطة موكبا شيعيا في ذكرى عاشوراء عن طريق إطلاق النار من بنادق الصيد. وأصيب العشرات، من بينهم من أصيب بالعمى، نظريا للحفاظ على الصحة العامة.
ظهرت مئات المخابئ المغطاة بشبكات التمويه عبر كشمير، العشرات منها اصطفت على ضفاف نهر جيلوم في العاصمة سريناغار، حيث اعتاد الأزواج التنزه في المساء. وظهر الجنود على أبراج المركبات العسكرية المدرعة على طول الطرق السريعة، الأمر الذي تسبب في تعطيل حركة مرور المدنيين. ويمكن توقيف السائقين لساعات عند نقاط التفتيش العديدة الجديدة، وغالبًا ما يتعطلون أثناء انتظار مرور قافلة عسكرية طويلة.
يضيف الكشميريون قلقا إضافيا بشأن تدفق المهاجرين من بقية الهند وخوفهم من أن يصبحوا أقلية في وطنهم
سُنّت مجموعة من القوانين القمعية التي تمنح الأجهزة الأمنية حرية التصرف. ويسمح قانون السلامة العامة بالاحتجاز الوقائي حسب الرغبة. ويجرم قانون (منع) الأنشطة غير المشروعة مثل حرية التعبير والمنظمات التي تعتبرها الحكومة انفصالية. كما يسمح قانون القوات المسلحة (السلطات الخاصة) للقوات بالقتل مع الإفلات من العقاب. في أيار/ مايو، وقع تصوير الشرطة والجنود وهم يقومون بنهب قرية في شمال كشمير، حيث يضربون الرجال والنساء وينهبون المتاجر ويحرقون البضائع في الشارع، مما أدى إلى ظهور حالة احتقان وإصابة ضابط رفيع المستوى جراء رمي الحجارة. ولولا توثيق هذه الحادثة لما علم أحد بها.
هذا يعطي السلطات حافزا لوقف تدفق المعلومات. تسمح السياسة الإعلامية الجديدة، التي تم تقديمها في حزيران/ يونيو، بمحاكمة الناشرين المرتبطين بنقل التقارير التي تعتبر “معادية للوطن”. في آب/ أغسطس، وقع إلقاء القبض على حوالي 300 شاب، معظمهم من المراهقين، لقولهم أشياء تعتبر منتقدة للدولة على وسائل التواصل الاجتماعي. وتعرض بعضهم للضرب، وأرغم آخرون على التعهد بعدم نشر أي شيء يتعلق بالشأن السياسي.
تسببت كل هذه العوامل في قلب الحياة العادية رأسا على عقب. وتضرر الاقتصاد جراء الإغلاق بسبب كوفيد-19 الذي تزامن مع نهاية الدولة، وتمكنت المدارس من فتح أبوابها لمدة 20 يوما فقط في السنة الماضية، وقد أدى انقطاع الإنترنت إلى جعل التعلم عبر الإنترنت مستحيلًا. ناهيك عن تعطل النظام القانوني، الذي عطّل العديد من المعتقلين الأبرياء على الطعن في حبسهم لأن نقابة المحامين أضربوا احتجاجا على اعتقال رئيسهم.
يضيف الكشميريون إلى كل هذه المحن قلقا إضافيا بشأن تدفق المهاجرين من بقية الهند وخوفهم من أن يصبحوا أقلية في وطنهم. وضع الحكم الذاتي، الذي تم إلغاؤه، قيودا على من يمكنه امتلاك الأراضي في الولاية. ووعدت الحكومة بأن النظام الجديد سيحافظ على رأي السكان المحليين بشأن من يمكنه العيش بين قمم جبال الألب. ومع ذلك، فقد جعلت المعايير الجديدة العديد من الهنود مؤهلين للحصول على “شهادات الإقامة”. وبدلا من السعي إلى تهدئة هذه المخاوف، اختار مودي الاحتفال بالذكرى السنوية لإلغاء الحكم الذاتي لكشمير من خلال وضع حجر الأساس لمعبد جديد سيتم بناؤه في موقع مسجد مهدم.
المصدر: الإيكونوميست