ترجمة وتحرير: نون بوست
في معظم الحالات، تكون تصرفات الوالدين، بما في ذلك الحماية المفرطة، والتواصل المحدود مع الأقران، وغياب الظروف الملائمة لتأكيد الذات، والموقف السلبي من قرارات الطفل المستقلة، العوامل الرئيسية التي تؤدي إلى عدم استعداد الطفل نفسيا للتواصل مع الأطفال الآخرين.
وبالإضافة إلى الأسباب الناجمة عن سلوك الوالدين، يمكن أيضا أن ترتبط مشاكل التواصل بسمات الطفل الشخصية، مثل الخجل والرغبة في الانعزال. وقد تكون المشكلة في محيط الطفل الذي غالبًا ما يكون عنيفًا.
اليوم، يقضي الأطفال معظم أوقاتهم إما في اللعب بمفردهم، أو جالسين أمام الأجهزة الإلكترونية، وهذا يؤدي إلى الجهل بالطرق المعتادة للتعارف والتواصل مع الآخرين. بالإضافة إلى ذلك، يتقلص لديهم الشعور بالتعاطف مع الآخرين، ويصبح من الصعب عليهم دعم بعضهم البعض والتحدث عن مواضيع مهمة.
في الواقع، يتعين على البالغين البدء في العمل على تطوير صفة المودة تجاه الأقارب والأقران عند الطفل منذ بلوغه الثانية أو الثالثة من العمر. من هذا المنطلق، يمكنك تحفيز الاستجابة العاطفية لدى الأطفال من خلال قراءة القصص الخيالية التي توضح للطفل أن الأبطال لديهم مشاعر ينبغي التعامل معها بعناية.
يقوم بعض الأولياء من منطلق الخوف على الطفل بتحذيره من الآخرين ويجعلناه يتخذ مواقف سلبية، مما يخلق صعوبات في التواصل. ولتجنب هذه المشاكل، من الضروري تثقيف الطفل وتدريبه على الانفتاح على الآخر بدل غرس مشاعر سلبية في نفسه ومطالبته باليقظة الدائمة.
علامات تشير إلى أن الطفل يعاني من مشاكل في التنشئة الاجتماعية
مما لا شك فيه أن لكل شخص طبيعته الخاصة وطريقته في التعامل مع الآخرين، وسماته الفردية، وذلك لا يعود فقط إلى الجهاز العصبي والمزاج، ولكن أيضًا إلى ظروف التنشئة. منذ بلوغ الطفل سن الأربع سنوات، يزداد مستوى أهمية الاتصال مع الأقران. لذلك، إذا كان طفلك:
- عدوانيا في بعض الأحيان تجاه أقرانه
- يشتكي من قلة الأصدقاء أو عدم رغبة الآخرين في التواصل معه
- يذهب إلى روضة الأطفال أو المدرسة على مضض
- لا يتصل بأحد، ولا يدعو أحدا للزيارة، ولا يدعوه أحد
- يبقى وحده في كثير من الأحيان
- يقضي كل وقته وهو جالس على ألعاب الكمبيوتر أو يشاهد التلفاز، أو في المطالعة
في هذا الحالات، ينبغي الانتباه إلى المشاكل المحتملة والبدء في اتخاذ إجراءات لتجاوز الأمر.
دعنا نبسّط الأمر ونستخدم لغة يفهمها الجميع، مثل لغة الرسوم المتحركة. في 14 أيلول/ سبتمبر، تبدأ قناة ديزني بعرض مسلسل الرسوم المتحركة “بيت البومة”، والذي يتناول هذا المشكل. الشخصية الرئيسية في السلسلة تدعى “لوز”، تميل إلى مطالعة كتب الخيال العلمي ويعتبرها أقرانها غريبة الأطوار ولا يرغبون في التواصل معها.
إذا واجه الأولياء موقفًا مشابهًا، هل سيشجعان الطفل على أن يركز على اهتماماته الفردية حتى إن كان ذلك سببا في نفور أقرانه منه؟ وكيف يمكن تصحيح ذلك؟
في المسلسل الكرتوني، انغمست الفتاة في كتب الخيال العلمي بسبب مشاكل في علاقتها بوالدتها، وسمح لها الهروب إلى عالم الخيال بالعثور على ما تفتقر إليه في الحياة الواقعية، بما في ذلك الحصول على فرصة التعبير عن رأيها الخاص والدفاع عن رغباتها ومصالحها ومعرفة ذاتها في عالم مليء بالمتمردين والشخصيات المتحررة.
بدأ شغف لوز بهذه الأمور يخيف أقرانها والأشخاص البالغين من حولها، كما أضر سلوكها الغريب في المدرسة بالآخرين.
يتعين على الوالدين دعم الطفل في ممارسة هواياته، لكن يجب أن يدرك في الآن ذاته أهمية التواصل مع الآخرين، وأن يعرف أن الأساليب الغريبة في التعبير عن الذات يمكن أن تثير الاشمئزاز.
من المهم للوالدين بناء علاقات وثيقة مع الطفل وتشجيع اهتماماته، لأنه بهذه الطريقة يتعلم التعبير عن رغباته بأسلوب مقبول. ويمكن تجنب بعض المشاكل عن طريق العلاج بالفن أو بمساعدة الطبيب النفسي وإدراك الاحتياجات التي لم يتم تلبيتها لدى الطفل.
في كثير من الأحيان، يرسل الآباء أطفالهم إلى رياض الأطفال أو إلى المخيمات الصيفية لتعويدهم على التواصل مع الآخرين. لكن ماذا لو لم يشعر الطفل بالراحة؟
غالبًا ما يعتقد الأولياء أنهم يعرفون جيدا مصلحة الطفل واحتياجاته، ولا يهتمون برأيه ورغبته، ويأخذون القرارات بدلا منه.
من الضروري أن نسأل الطفل عن المكان الذي يريد الذهاب إليه، ونحاول أن أن نعرف حقيقة شعوره عند الإبتعاد عن المنزل، وما الصعوبات التي يواجهها.
ينبغي عدم ترك الطفل يواجه مخاوفه بمفرده، وعدم الاستهانة بمشاكله. يجب مساعدته في العثور على إجابة للأسئلة الصعبة، والتعامل بشكل جيد مع المواقف غير المألوفة.
في مسلسل الرسوم المتحركة “بيت البومة”، فعلت الأم كل شيء ضد رغبة ابنتها، ما أدى إلى هروبها إلى عالم الخيال، وأصبح من الصعب على الفتاة إقامة علاقات صداقة لأن والدتها لم تكن تصغي إليها وتعرف احتياجاتها، ما أدى إلى تفاقم الوضع.
من المهم جدا مساعدة الطفل على تجنب العزلة، ومن أجل أن لا يغوص في عالم الخيال للهروب من المشاكل، يجب على الأولياء أولا أن يطوروا لديه مهارة قبول الواقع بكل تحدياته وصعوباته، مع الأخذ بعين الإعتبار أنه لا يمكن مساعدة الطفل على التغلب على النكسات إلا من خلال الدعم العاطفي والتحدث معه باستمرار عن تجاربه منذ سن مبكرة. بهذه الطريقة، يمكن حماية الطفل من الإصابة بخيبات الأمل واللجوء إلى العزلة، حتى عندما يتعرض للرفض من أقرانه.
ما الذي ينبغي أن يتذكره الأولياء؟
في البداية، ينبغي التحدث إلى الطفل، علما أن بعض العبارات مثل “أرى أنك حزين أو غاضب أو خائف” أو “أود أن تتطور علاقتك مع الأطفال بشكل مختلف”، لها أهمية كبيرة، إذ تُشعر الطفل بأهمية حالته النفسية بالنسبة لأبويه، واستعدادهما المتواصل للإستماع إليه وتقديم يد المساعدة عند تعرضه تعرضه للصعوبات. ذلك، ما يساعد في تعزيز ثقة الطفل بنفسه.
من الضروري أيضا عدم المبالغة في حماية الطفل وتلبية كل رغباته، وذلك حتى يتعلم حل بعض المشاكل الطارئة بنفسه ويتخلص من أنانيته. على سبيل المثال، غالبًا ما يرغب الأطفال باللعب وفقًا لقواعدهم الخاصة، ويشعرون بالإحباط والغضب عند الخسارة. ينبغي مساعدة الطفل على أن يفهم حقيقة أن العلاقات الاجتماعية لا تسير على هذا النحو، وينبغي أن يكون قادرًا على اللعب مع أطفال آخرين وفقًا لقواعد لا يُحددها بنفسه.
في الواقع، يعلم الجميع أن الأطفال يقلدون سلوك والديهم، ما يعني أنه يمكن تصحيح سلوك الطفل عبر تقديم النموذج الجيد. يمكن للآباء نقل تجاربهم دون محاضرات ومواعظ، من خلال الحديث عن قصص الصداقات في الطفولة، وكيف تطورت تلك العلاقات.
من الأفضل عدم تغيير الأماكن والدائرة الاجتماعية المحيطة بالطفل باستمرار، لأن ذلك قد يعيقه عن تكوين علاقات وثيقة مع الآخرين.
من الممكن مشاهدة بعض الأفلام والرسوم الكرتونية التي تطرح هذا الموضوع، والحرص على التحدث معه بعد ذلك حول أفعال وسلوك الشخصيات.
ما الذي يساعد الطفل على الانضمام إلى الآخرين؟
توجد العديد من المهارات والقدرات التي من شأنها أن تساعد الطفل على أن ينضم للآخرين ويصبح جزءا من فريق من الأصدقاء، ولكن العمل على تطوير هذه المهارات، يُعتبر من مهام الوالدين.
- القدرة على فهم المشاعر والعواطف، وكذلك القدرة على إدارتها والتعبير عنها بشكل مناسب. منذ السنوات الأولى من عمر الطفل، يتوجب على الآباء العمل على تطوير الذكاء العاطفي عند أطفالهم. فعلى سبيل، يمكن تعليم الأطفال التعبير عن عدم الرضا بأسلوب مهذب دون الدخول في صراع.
- رغبة الطفل في التواصل العاطفي والتقارب مع الآخرين والمشاركة والقدرة على فهم مشاعرهم. من المهم أن يرغب الطفل في اللعب مع أقرانه أو أداء مهام جماعية، وفي نفس الوقت عدم الخوف من أخذ زمام المبادرة أو دعم مبادرات الآخرين.
- من الأمور التي لا تقل أهمية عن غيرها أن يفهم الطفل حدوده وحدود الآخرين، ويتقبل الرفض، ويعرف كيف يقول لا. ينبغي أن يدرك الطفل أن ألعاب الآخرين ليست ملكا له، وأن ألعابه ليست ملكا للجميع.
- القدرة على التحدث بشكل جيد وطرح الأسئلة والمزاح. ينبغي أيضا أن يتعلم الطفل كيف يستمع للآخرين، وكيف يتعامل جيدا مع الأمور الطارئة.
المصدر: ماري كلار