ترجمة وتحرير: نون بوست
ترغب سلطات ناميبيا في تكثيف المفاوضات مع ألمانيا بشأن مسألة تعويض قبيلتي “هيريرو” و “ناما” عن الإبادة الجماعية التي ارتكبها المستعمر الألماني في بداية القرن العشرين. ورغم أن المفاوضات مستمرة منذ خمس سنوات، غير أنها لم تسفر عن أي نتائج.
في الوقت الراهن، تتداول وسائل الإعلام الألمانية معلومات تفيد أنه ينبغي على برلين الاستعداد إلى طلبات جديدة من طرف بوروندي وتنزانيا. وفي المجموع، تطالب الجمهوريات الأفريقية ألمانيا بدفع تعويضات تقدر بعشرات المليارات من اليورو.
على إثر الاحتجاجات التي عرفتها الولايات المتحدة تحت شعار “حياة السود مهمة”، والتي تبنتها العديد من البلدان بعد مقتل جورج فلويد في مينيابوليس، ازداد عدد الدول المطالبة بتعويض عن الجرائم التي ارتكبت في حق شعوبها.
إن الماضي الاستعماري لألمانيا، على الرغم من أنه لم يكن طويلا، غير أنه لا يزال ينعكس على أوضاع البلدان. بسطت الإمبراطورية الألمانية من سنة 1885 إلى سنة 1919 يدها على ثلاث مستعمرات كبيرة في إفريقيا، وهم جنوب غرب إفريقيا (ناميبيا اليوم) وشرق إفريقيا (بوروندي ورواندا وتنزانيا باستثناء جزيرة زنجبار) والأقاليم التي تغطي اليوم توغو وغانا والكاميرون. لكن، استعادت هذه البلدان سيادتها بعد هزيمة برلين في الحرب العالمية الأولى، بموجب شروط معاهدة فرساي.
في الوقت نفسه، تحركت القوات الألمانية لاستعادة المستعمرات حرفيا، ولقت مقاومة من السكان المحليين. ونتيجة للصراعات في شرق إفريقيا، قُتل ما يقارب 300 ألف شخص خلال ثورة الماجي ماجي بين سنتي 1905 و1907. وفي جنوب غرب إفريقيا، وأثناء انتفاضة قبائل هيريرو وناما الأصلية بين 1904 و1908، قُتل 80 ألف شخص. في المقابل، في تقرير للأمم المتحدة صادر سنة 1986، تم الاعتراف بهذه الأحداث على أنها إبادة جماعية. بعد ذلك، وتحديدا في سنة 2004، اعترفت ألمانيا نفسها بالإبادة الجماعية في ناميبيا.
ناميبيا: نزاعات حول المسؤولية
في 12 كانون الثاني/ يناير 1904، انتفضت قبيلة هيريرو ضد الجيش الألماني، ويعتبر اعتراف ألمانيا بمجزرتي هيريرو وناما رمزيا. وقد تمت رعاية القوات الألمانية من قبل دويتشه بنك، كما أجبرت القبائل نفسها على الفرار والسعي للخلاص في المحمية البريطانية المجاورة وهي بوتسوانا الآن.
ترى ألمانيا أن هذه القضية لا تنتمي إلى القضايا القانونية، بل هي قضية سياسية وأخلاقية
بعد مرور مائة سنة، وتحديدا في 12 كانون الثاني/ يناير سنة 2004، رفع ممثلو شعب الهيريرو دعوى قضائية في محكمة اتحادية بواشنطن ضد الحكومة الألمانية ودويتشه بنك والشركات التي مولت الحملات العسكرية في إفريقيا. وقدر إجمالي التعويضات آنذاك بأربع مليارات دولار.
وفي سنة 2006، قدم البرلمان الناميبي التماسا يطالب ألمانيا باعتذار وتعويض مادي عن مجازر أوائل القرن العشرين. ومع ذلك، لم تبدأ المفاوضات الرسمية حول هذه القضايا بين الطرفين إلا في سنة 2015. ورغم إجراء ثماني جولات من المفاوضات منذ ذلك الحين، إلا أنه لم يتم إحراز تقدم ملموس في هذا الاتجاه. وفي سنة 2017، بات واضحا أن ناميبيا تخطط للمطالبة بمبلغ 30 مليار دولار من ألمانيا من خلال محكمة العدل الدولية في لاهاي.
هكذا، وبالنظر إلى الزيادة في المعدلات التي تعتمد عليها ناميبيا، فإن الأنباء زعمت أن برلين عرضت على ناميبيا تعويضا عن المذبحة بمبلغ 10 ملايين يورو. في المقابل، رفض رئيس ناميبيا، حاج جينجوب، العرض الألماني واصفا الاقتراح بغير المقبول. في الوقت نفسه، كتبت صحيفة “ذو ناميبان” أن الحكومة الألمانية وافقت على تقديم “اعتذار غير مشروط” لحكومة وشعب ناميبيا. وقد أعرب عن ذلك الممثل الخاص للحكومة الألمانية للحوار مع ناميبيا، روبراشت بولنتس، قائلا “ترغب ألمانيا في تحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية عن الجرائم التي ارتكبت في بين 1904 و1908”.
مع ذلك، ترى ألمانيا أن هذه القضية لا تنتمي إلى القضايا القانونية، بل هي قضية سياسية وأخلاقية. وأضاف بولنتس: “لذلك تُستخدم في نصوص بياناتنا المصطلحات المناسبة التي تعكس ذلك، وليس المفاهيم التي يمكن تفسيرها بالمعنى القانوني”.
بالإضافة إلى ذلك، لا يتجادل الطرفان فقط حول قيمة التعويضات، ولكن أيضًا حول تسميتها، حيث تصر ناميبيا على تصنيف الأموال المخصصة على أنها “تعويضات”، بينما تعارض برلين ذلك، وتفضل الحديث عن “التئام الجروح”، ما لا يناسب الجمهورية الأفريقية. من جهة أخرى، أوضح جينجوب أنه لا يهتم في هذه المرحلة بالتسمية التي ستطلق على المبلغ، عندما يتعلق الأمر بمثل هذا المبلغ الصغير.
تسعى تنزانيا جاهدة لضمان تحمل ألمانيا المسؤولية أيضًا عن الجرائم التي ارتكبت خلال الفترة الاستعمارية في شرق إفريقيا
في الوقت نفسه، تسعى ناميبيا إلى استخدام صورة المعلومات الحالية لجذب أقصى قدر من الاهتمام لهذه المشكلة، التي لم يتم حلها منذ فترة طويلة. وفي ضوء الاحتجاجات المستمرة في الولايات المتحدة تحت شعار “حياة السود مهمة”، أصبحت مشاكل السكان ذوي البشرة السوداء على هذا الكوكب أكثر أهمية من أي وقت مضى ومثيرة للانتباه. وعلى ما يبدو، ذلك ما دفع جينجوب إلى الكشف عن تفاصيل المفاوضات لعامة الشعب.
تنزانيا وبوروندي تريدان الانضمام
على خطى ناميبيا، يمكن لجمهورية بوروندي المطالبة بالتعويض عن فترة الاستعمار التي عاشتها البلاد. حتى اللحظة الراهنة، لم يتم الإعلان عن ذلك رسميا، ولكن وفقا للصحافة الألمانية، عين مجلس الشيوخ مجموعة من الخبراء الذين شرعوا في إعداد تقرير حول ذلك. وقد يصل مبلغ التعويض المالي الذي قد تطلبه بوروندي، وفقا لبعض المعلومات، إلى حوالي 36 مليار يورو.
إلى جانب ذلك، تسعى تنزانيا جاهدة لضمان تحمل ألمانيا المسؤولية أيضًا عن الجرائم التي ارتكبت خلال الفترة الاستعمارية في شرق إفريقيا. وقد ناشد سفير تنزانيا لدى ألمانيا السلطات الألمانية للتفاوض بشأن التعويضات المتعلقة بجرائم الحرب ضد السكان الأصليين خلال الفترة الاستعمارية في شرق إفريقيا الألمانية، بما في ذلك الأحداث التي وقعت خلال ثورة الماجي ماجي.
ناهيك عن ذلك، تهتم الحكومة التنزانية بمسائل أخرى لا تقل قيمة عن التعويضات المالية، مطالبة برلين بإعادة عدد كبير من القطع الثقافية والرفات البشرية المعروضة حاليا في المتاحف الألمانية.
المصدر: غازيتا