تتواصل الهرولة الإماراتية لتعزيز خطوة التطبيع التي تم تحقيقها عبر الاتفاق الذي وقع في 15 من سبتمبر/أيلول الحاليّ في البيت الأبيض بالولايات المتحدة، تلك الخطوة التي وصفتها الأوساط السياسية في البلدين بأنها “باب كبير” للتعاون والتنسيق في الكثير من المجالات التي تهدف إلى تحقيق الاستقرار في المنطقة بحسب ادعاءاتهم لتبرير ما حدث.
وفي إطار مسافات التقارب البعيدة التي تقطعها أبو ظبي في أقل وقت ممكن مع الكيان المحتل يعتزم عدد من رجال الأعمال الإماراتيين الاستثمار في فريق “بيتار القدس” الإسرائيلي، فيما نقل الإعلام العبري عن مصادر إماراتية قرب انتهاء الصفقة خلال الأيام القادمة بعدما تم الاتفاق على معظم البنود مع المستثمرين الجدد الذي تم التحفظ على ذكر أسمائهم، فيما أشارت مصادر أخرى أن من بينهم رجل الأعمال سليمان الفهيم.
اللافت للنظر أن اختيار هذا النادي على وجه التحديد كان مثار جدل لدى كثير من المراقبين، إذ يعتبر أحد أكثر الأندية الكروية عنصرية على مستوى العالم، ومعروف بمواقف مشجعيه اليمينية المعادية للعرب والمسلمين، إلى الحد الذي رفض فيه مشجعوه وجود أي لاعب عربي داخل صفوفه، رافعين شعارات “الموت للعرب” من داخل مدرجات التشجيع.
الاستثمار في النادي العنصري لم يكن الخطوة الأولى في مسار التطبيع الرياضي بين أبو ظبي وتل أبيب، إذ بدأ هذا المشوار منذ عدة سنوات، تخللتها زيارات متبادلة بين البلدين تحت ستار الرياضة، حيث شاركت فرق إسرائيلية – أكثر من مرة – في عدة نشاطات أقيمت في مدن إماراتية، خصوصًا في ألعاب “الجودو” وكرة المضرب، وكذلك في مسابقة الراليات، وفي الجهة الأخرى شارك رياضيون إماراتيون في مناسبات رياضية داخل “إسرائيل” منها المشاركة في “طواف إيطاليا” الذي انطلق من القدس عام 2018.
ظل التطبيع الرياضي أسير الزيارات المتبادلة للمشاركة في أحداث رياضية هنا وهناك، لكن بعد توقيع اتفاق الـ15 من سبتمبر/أيلول من المتوقع أن تتغير الأوضاع، ليدخل التطبيع مرحلة جديدة من العمق والتعزيز والعلانية، وفي حال تمت الصفقة واشترت الإمارات النادي الإسرائيلي فإنه سيكون أول استثمار رياضي بين البلدين.. فماذا نعرف عن هذا النادي؟
اقتراب اتمام الصفقة
بحسب قناة “كان 11” العبرية فإن التفاوض لإبرام هذه الصفقة دخل مرحلة الجد، حيث عقد ممثلو رجال الأعمال الإماراتيين ورئيس النادي، موشيه حوغيغ، العديد من اللقاءات ناقشت كل الإجراءات والتفاصيل المتعلقة بإجراءات البيع والنظير المالي المتوقع، وقد تم الاتفاق على البنود كافة.
ورغم أن بيتار القدس لم يكن بالفريق ذي العوائد الربحية الكبيرة التي تغري المستثمرين الأجانب على غرار أندية أوروبا مثلًا التي يساهم فيها الإماراتيون بأسهم ليست بالقليلة، فإن العلاقات الحميمية التي تربط بين رجال الأعمال الإمارتيين الساعين للاستثمار في هذا النادي ومالكه هي السبب الرئيسي.
هذا بخلاف التعاون التجاري الكبير بين الطرفين، حيث تشاركا معًا في إبرام عدد من الصفقات الاقتصادية في مجال التكنولوجيا، وهو ما أدى إلى نشوب علاقات قوية بينهما، ربما يتم تعزيزها بالاستثمار في مجال الرياضة، خاصة بعدما دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة العلانية لتطوي معها سنوات طويلة من التطبيع السري، حسبما نقلت القناة العبرية عن مقربين من المستثمرين الإماراتيين.
OFFICIAL: Beitar Jerusalem announces that the club is in negotiations with investors from ?? Abu Dhabi.
Per @BenMittelman, the investor is @TheRealSulaiman, who was involved in Man City and Portsmouth deals in the past.
Beitar owner, Hogeg will meet al-Fahim soon in the #UAE. pic.twitter.com/GJ8JPpXb3y
— Uri Levy (@Levyninho) September 15, 2020
تاريخ من التطرف
لـ”بيتار القدس” أو “بيتار يوروشلايم” بالعبرية تاريخ مثير من الجدل نظرًا لمواقف مشجعيه العنصرية التي ظلت سيفًا مسلطًا على رقاب إدارة النادي التي انصاعت في نهاية المطاف لرغبات جماهير النادي، ما وضعها في مرمى الانتقادات والاتهامات سواء في الداخل أم الخارج.
الكاتب الصحفي المتخصص في الشأن العبري، معتز محمد، يرى أن النادي الإسرائيلي مصنف كأحد أكثر أندية العالم عنصرية، حيث اعتادت جماهيره التي تطلق على نفسها رابطة “لافاميليا” أي الأسرة أو العائلة، إطلاق الشتائم والسباب ضد المسلمين والعرب في كل مباراة يخوضها الفريق.
وأضاف الصحفي المصري خلال حديثه لـ”نون بوست” أن هتاف النادي الرئيسي خلال كل مباراة يخوضها ضد فريق من فلسطينيي الداخل هو: “محمد مات.. محمد مات”، و”الحرب الحرب”، وهو ما دفع بعض الصحف العبرية لشن حملة ضده كما فعلت “هارتس” لكنها باءت بالفشل.
ارتبط اسم النادي بالإرهاب والتطرف منذ نشأته عام 1936، ويعود أصل تسميته إلى منظمة “شبيبة الصهيونيين التصحيحيين” التي أسسها اليهودي زئيف جابوتنسكي، صاحب التاريخ الطويل لنصرة الصهيونية، الذي عمل على إقامة الكتائب اليهودية خلال الحرب العالمية الأولى.
وقد نشطت تلك المنظمة في الأعمال الإرهابية داخل الأراضي الفلسطينية في أواخر ثلاثينيات القرن الماضي، فيما عقدوا تحالفات عدة مع كيانات متطرفة تستهدف العرب قبل انسحاب القوات البريطانية من الأراضي الفلسطينية ومن بينها منظمة “الأيتسل” العنصرية الشهيرة.
وبعد احتلال فلسطين تعددت أنشطة المنظمة “بيتار” فلم تعد ذات طابع عسكري وفقط، حيث دشنت عددًا من الأندية الكروية داخل دولة الاحتلال، أبرزها “بيتار القدس” الذي يلقب بـ”نادي العاصمة” الذي ظل حتى كتابة هذه السطور رافعًا شعاراته العنصرية القديمة التي حولته لثكنة عسكرية وليس ناديًا رياضيًا.
في 2004 واجه “بيتار” فريق “أبناء سخنين” العربي في مسابقة كأس الدوري الأوروبي، وذلك بعد فوز الأخير بكأس “إسرائيل” في العام ذاته، لكن فوجئ الجميع بمشجعي بيتار يهتفون “الموت للعرب” ليرد عليه مشجعو الفريق المنافس بـ: “بالروح بالدم نفديك يا أقصى”، لينتهي الأمر إلى اشتباكات بين الجمهورين أصيب فيها بعض المشجعين.
لا مكان للعرب
رفع النادي الإسرائيلي شعار “لا مكان للعرب” وهو الهتاف الجماهيري الذي ترجم إلى قرار ضمني باتت الإدارة ملتزمة به قدر المستطاع، ففي عام 2013 قرر مالك النادي آنذاك ويدعى “أركادي غايدماك” يهودي روسي، استقدام لاعبين لتدعيم صفوف النادي من الشيشان على سبيل الإعارة، هما زاهر سعيدوف وغابرييل قادييف، وكانا مسلمين.
وقتها ثارت الجماهير بصورة هستيرية وأحرقوا إطارات السيارات ورفعوا لافتات تندد بالقرار حتى أجبروا اللاعبين على الرحيل بعد فترة ليست بالطويلة، وقد أثارت تلك الحادثة استياء بعض التيارات السياسية داخل “إسرائيل”، من بينها رئيس الوزراء الحاليّ بنيامين نتنياهو الذي وجه نداءً حينها بضرورة التوقف عن التطرف الكروي.
ثريد.. آخر أخبار اتفاق الإمارات وإسرائيل عن طريق قناة i24news الإسرائيلية بيقول ان رجال أعمال إمارتيين مهتمين بالإستثمار في نادي بيتار القدس الإسرائيلي!!
وده خبر – لو صح – يبقى خبر عجيب. ليه بقى؟ بيتار القدس بيمثل اليمين المتطرف ونتنياهو وليبرمان وغيرهم من السياسيين اليمينيين. pic.twitter.com/5jXvVLF0ue
— El Gaffer (@AhmedGhaffar) September 10, 2020
لم تحرك تلك النداءات أي ساكن لدى مشجعي النادي، إذ تكرر الأمر مرة أخرى في 2019 حين تداولت وسائل الإعلام العبرية خبرًا عن إعلان “بيتار” ضم لاعب أجنبي لصفوفه، في صفقة بلغت قيمتها 2.5 مليون دولار، ويدعى هذا اللاعب “علي محمد” لكن سرعان ما بدأ التهديد والوعيد من الجماهير لإدارة النادي.
تجاوزت ردود الفعل العنصرية مسألة الشعارات وحرق الإطارات إلى تهديد مالك النادي الحاليّ موشيه حوغيغ عبر رسائل هاتفية على جواله الشخصي، حيث نشر موقع “sport1” التابع لصحيفة “معاريف” في 10 من يونيو/حزيران 2019 رسالة موجهة من هاتف أحد المشجعين لمالك النادي جاء فيها “احترس”.
الغريب أن اللاعب لم يكن مسلمًا كما أنه لم يكن عربيًا كذلك، غير أن مجرد اسمه هو ما أثار حفيظة الجماهير العنصرية للنادي، وظل هذا الاسم يمثل هاجسًا يطارد مشجعي بيتار، فكيف ينادون عليه، وكيف سيشجعونه، فيما اقترح بعضهم تغيير اسمه ليصبح “إيلي حمودي” على غرار تلقيب جماهير ليفربول الإنجليزي للاعب المصري محمد صلاح بـ “مو” .
بعض ساسة “إسرائيل” يرون تطرف وعنصرية النادي ضد العرب علامة بارزة على نضجه السياسي وانعكاسًا واضحًا لهوية الدولة الإسرائيلية، وهو ما عبر عنه أفغيدور ليبرمان، زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” الذي قال في تصريحات صحفية له إن هذا النادي يعد أحد أهم مكتسبات دولة “إسرائيل”، مضيفًا “هو الواجهة الكروية لتيار اليمين المتشدد وفخر مدينة القدس، إنه ببساطة نادي الشعب وقيمته تتمثل في حب إسرائيل والديانة اليهودية”.
حالة من الترقب تخيم على المشهد الكروي الإسرائيلي الآن بعد إعلان اقتراب إتمام صفقة بيتار.. ليبقى السؤال: لماذا ترك الإماراتيون الأندية العربية التي تلعب في الدوري الإسرائيلي واختاروا على وجه التحديد هذا النادي العنصري الذي يرفض كل ما هو عربي أو مسلم؟