وزع الابتسامات والمجاملات يمنةً ويسرةً، وقلد حركات من سبقوه من المطبعين، وحاول جاهدًا تصنع الهدوء والاتزان، لكن كل ذلك لم يصنع من وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد شخصًا واثقًا من نفسه أو مرتاحًا – على الأقل – تجاه خيانته العلانية للقضية الفلسطينية واصطفافه بجانب العدو الإسرائيلي والعراب الأمريكي دونالد ترامب، بل على العكس كان حضوره في منصة “اتفاقية العار” للتوقيع على السلام مع “إسرائيل” حرفًا ساقطًا في تاريخ الأمة وقضاياها العادلة.
لم يضع عبد الله بن زايد أي اعتبار للدم العربي المسال على يد الكيان الصهيوني، وإنما رضي أن يكون المسؤول الإماراتي الذي يوقع اتفاقية السلام المزعومة بين بلده والكيان الصهيوني المحتل، في حفل أُقيم بالبيت الأبيض بالعاصمة الأمريكية واشنطن، بحضور الرئيس الأمريكي ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير خارجية البحرين الذي بدوره أيضًا وقع على اتفاقية التطبيع بين بلاده وتل أبيب دون أن يعلم فحوى الاتفاقية.
وكل ذلك خلافًا لما كان عليه أبوه الشيخ زايد حيث كان معارضًا للتطبيع، وتُذكر له عبارة قالها ذات مرة حول هذا الموضوع: “يقال إن إسرائيل ديمقراطيون.. ما دام إسرائيل ديمقراطيين، لماذا يقتلون الأطفال ويقتلون النساء وهم بلا سلاح ولا بأيديهم سلاح.. يقتلون النساء والأطفال، ويهدمون بيوتهم ويحرقون مزارعهم، هل هذه هي الديمقراطية؟”. عدا عن تجريمه التطبيع بقانون رسمي في البلاد ولكنه ألغي منذ أعلن تطبيع العلاقات بين أولاده والمحتل الإسرائيلي.
حاول ابن زايد في كلمته خلال حفل التوقيع الترويج بأن هذا “السلام” سيمكن بلاده من “مساعدة الفلسطينين بشكل أكبر”، وقال: “السلام سيغير وجه الشرق الأوسط، نحن أمام إنجاز تاريخي، وثمار الاتفاقيات ستنعكس على كل المنطقة”، وأضاف: “إننا نريد جلب المزيد من الأمل إلى منطقتنا، والإمارات اليوم تمد يد السلام وتستقبل السلام، كما أن اتفاق السلام مع الإمارات والبحرين قد ينهي الصراع العربي الإسرائيلي”.
قبل تطبيع العلاقات بين الإمارات و”إسرائيل”، أجرى عبد الله بن زايد لقاءات سرية مع نتنياهو، للتأسيس لهذا اليوم، ففي عام 2012 التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي في نيويورك، وعقد اللقاء في فندق، وبحسب دبلوماسيين وصل ابن زايد إلى اللقاء وتم إدخاله إلى الفندق بسرية عبر موقف سيارات ومن ثم أدخل المصعد ليلتقي نتنياهو.
تناقضات
ربما لا يحسب عبد الله بن زايد حسابًا لكلامه، فلطالما خرج بتصريحات يضطر إلى مناقضتها بعد فترة، وهو ما لوحظ في أكثر من ملف، بدءًا من فلسطين ومرورًا بسوريا وليس انتهاءً بتصنيفه لبعض الشخصيات الإسلامية الكبيرة بالإرهاب، علمًا أن بعض الإماراتيين يطلقون عليه لقب “فارس الدبلوماسية”على الرغم من سقطاته المتكررة وتناقضاته المتعددة.
عام 2014، غرّد عبد الله بن زايد على تويتر، بأن “إسرائيل” تقتل الأطفال، مستحضرًا صورًا حزينة ومفجعة لأطفال من فلسطين، وفي تناقض واضح عن الحديث بدعم القضية الفلسطينية ظهر في فبراير/شباط 2019، فيديو مسرّب له وهو يتحدث في أحد المؤتمرات قائلًا: “إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها إزاء التهديدات من إيران وحزب الله”، وهنا بدأت قصة التصريحات العلنية التي أعقبها اتفاق السلام المزعوم.
ولم يفوت ابن زايد الفرصة في الحزن بذكرى الهولوكوست حيث قال: “في ذكرى المحرقة النازية نقف مع الإنسانية في رفضها للعنصرية والكراهية والتطرف، نتذكر معًا الأرواح التي أزهقت كي لا تتكرر هذه الجرائم ضد البشرية”.
أما بالنسبة إلى سوريا، ففي أحد المؤتمرات ألقى عبد الله بن زايد كلمةً يهاجم فيها النظام السوري قائلًا: “إلى متى سنعطي هذا النظام الحجة علينا أنه يستطيع أن يضحك على المجتمع الدولي، وهل هناك لحظة سنصل إليها نحن كمجتمع دولي ونقول كفى قتلًا كفى تعذيبًا كفى مجازر، وكفى علينا المشاهدة”، إلا أن هذه التصريحات تبين أنها خُطب إنشائية للتماشي مع الواقع ودغدغة العواطف.
عام 2019 برر عبد الله بن زايد قرار بلاده بإعادة سفيرها إلى دمشق بعد سنوات من قطع العلاقات، بحجة إعادة سوريا إلى حضنها العربي، مضيفًا: “نحن حريصون على دور عربي في سوريا، سياسيًا وأمنيًا”، ومضيفًا:”نعتقد أن غياب الدور العربي غير مقبول، ولذلك نتعاون مع زملائنا في روسيا الاتحادية ودول أخرى صديقة لبحث احتواء الأزمة، واحتواء سوريا أيضًا لتكون جزءًا من المنطقة العربية وجزءًا من الدور العربي والجهد العربي”.
استمر دور الإمارات التخريبي عبر عبد الله بن زايد ولم يتوقف عند حدود فلسطين وسوريا، بل برز في مصر التي حصلت فيها مجزرة رابعة عقب الانقلاب على الشرعية وعزل الرئيس الشهيد محمد مرسي، وبعد الانقلاب انتشرت صورة لابن زايد بين أعضاء حركة تمرد التي أسست للعهد الظلامي في مصر، الأمر الذي يدل على دعم أبو ظبي الكبير للانقلابات والثورات المضادة.
الهجوم على القرضاوي
هاجم عبد الله بن زايد الشيخ يوسف القرضاوي، حيث اتهمه بـ”دعم الإرهاب”، قائًلا: “هل تذكرون تحريم الشيخ الجليل بن باز رحمه الله للعمليات الانتحارية، هل تذكرون مفتي الإخوان القرضاوي عندما حرض عليها”، ليرد الشيخ القرضاوي عليه ويقول: “ردًا على عبد الله بن زايد أني أشجع العمليات الانتحارية: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين، نعوذ بالله من شر الشياطين إذا ما انحلت أصفادها”.
في هذا الصدد يذكر عزام التميمي في مقال له إثر هجوم ابن زايد على الشيخ القرضاوي عام 2016، أن وزير الخارجية الإماراتي كان شديد الإعجاب بالقرضاوي ويقول:”قصة عبد الله بدأت بإعجاب شديد، نجم عنه تعلق بالشيخ ورغبة في الاستفادة من علمه والتبرك بفضله. فذهب عبد الله بن زايد يلح بشدة على الشيخ أن يخصص لأبو ظبي نصيبًا من وقته وعلمه وفكره وتجربته”.
يضيف التميمي:”كان ذلك قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ثم بعدها مباشرة تحولت المودة إلى عداوة شرسة وحقد لا حدود له، وكأن أبو ظبي وليس نيويورك هي التي تعرضت للعدوان، وكأنما الشيخ القرضاوي وليس أسامة بن لادن هو الذي أمر بشن الهجوم. وقد تحدث الشيخ القرضاوي في مراجعاته في أكثر من حلقة عن استغرابه واستيائه من الانقلاب المفاجئ في الموقف الإماراتي منه، حينما منع من دخول أبو ظبي قبل ما يقرب من 15 عامًا دونما سابق إنذار”.
لم يكن القرضاوي الوحيد الذي هاجمه ابن زايد، ففي الشهر الماضي حصل جدلٌ واسع إثر نشره لفيديو يتكلم عن المفكر والسياسي الكويتي عبد الله النفيسي متهمًا إياه بالإرهاب والانتماء للإخوان كما اتهمه بتفجيرات أمريكا، إثر ذلك انتشرت حملة تضامن مع النفيسي، وتداول ناشطون مقطعًا له يقول فيه عن ابن زايد “العيال كبرت” وهنا يتهكم فيه على الأخير.
هجوم على تركيا
في ديسمبر من عام 2017، أعاد عبد الله بن زايد تغريدة تقول:”هل تعلمون أنه في عام 1916 قام التركي فخري باشا بجريمة بحق أهل المدينة النبوية، فسرق أموالهم، وقام بخطفهم، وإركابهم في قطارات إلى الشام وإسطنبول برحلة سُميت سفر برلك”، الأمر الذي دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرد على هذه التغريدة بكلام شديد اللهجة قائلًا: “أيها البائس، يا من تفتري علينا، أين كان جدّك عندما كان فخر الدين باشا يحمي المدينة المنورة، عليك أن تعرف حدودك، فأنت لم تعرف بعد هذا الشعب التركي، ولم تعرف أردوغان أيضًا، ولم تعرف أجداد أردوغان”.
لا يسير عبد الله بن زايد بعيدًا عن سياسات أخيه محمد، حيث يشكل الاثنان معًا منظومةً يعملان بها ضد آمال الشعوب وتحررهم، ويتقربان أكثر وأكثر من “إسرائيل” وأمريكا لتثبيت حكمهما وتعزيز نفوذهما في المنطقة على حساب حقوق الفلسطينيين ونضالهم، متظاهرين بأن التطبيع مع العدو الإسرائيلي لا يخدم سوى القضية الفلسطينية إلا أن خيانتهم لم تكن سوى ضمانًا لاستمرارية حكمهم وفسادهم.