سيبقى يوم الثلاثاء 15 من سبتمبر/أيلول 2020 راسخًا في أذهان الفلسطينيين وكل أحرار العالم، فقد وقعت كل من الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، رسميًا، على اتفاقية التطبيع مع “إسرائيل” برعاية أمريكية في العاصمة واشنطن، متنازلين علانية عن قضية العرب المركزية والأولى.
بهذا التوقيع التحقت الإمارات والبحرين بمصر والأردن، إيذانًا بمرحلة جديدة لا مكان فيها للإجماع العربي حول القضية الفلسطينية، لكن في ظل هذا التهاون العربي والتسابق نحو التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني، أي خيارات تبقت للفلسطينيين للحصول على حقوقهم المشروعة ونصرة قضيتهم؟
فلسطين بلا سند إقليمي؟
قطار التطبيع لن يتوقف عند الإمارات والبحرين فقط، فالعديد من الدول العربية تنتظر الإشارة فقط حتى تنقل علاقاتها السرية مع الإسرائيليين إلى العلن وفق ما أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مرات عديدة.
الرئيس الأمريكي أكد إجراءه محادثات شخصيةً مع ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان بشأن انضمام المملكة لاتفاق السلام المزعوم “في الوقت الملائم”، وقال إن دولًا عربية أخرى ستلحق قريبًا بركب ما سماه السلام مع “إسرائيل”.
هذا الضعف العربي والتسابق نحو التطبيع، يفرض على الفلسطينيين إعادة ترتيب بيتهم الداخلي
قبول دولتي الإمارات والبحرين التطبيع مع “إسرائيل”، وتسارع بعض الدول الأخرى لإعلان فروض الطاعة، قبل قبول كيان الاحتلال الإسرائيلي بخطة سلام قمة بيروت عام 2002 يشكل وفق الخبير السياسي الفلسطيني هاني مبارك “طعنة خطيرة للقضية الفلسطينية”.
حتى الجامعة العربية تنكرت للفلسطينيين، حيث أسقطت مشروع قرار قدمته فلسطين بإدانة اتفاق التطبيع بين الإمارات و”إسرائيل”، خلال اجتماع على مستوى وزراء خارجيتها، انعقد الأربعاء 9 من سبتمبر/أيلول الحاليّ.
يقول مبارك في حديث لـ”نون بوست”، إن الإسرائيليين حققوا خرقًا غير مسبوق في جدار الحد الأدنى للإجماع العربي الذي وضعته القمة العربية في بيروت، ما يعني أن القضية الفلسطينية ستفقد الكثير من وزنها أمام كل من “إسرائيل” والولايات المتحدة”.
ويضيف: “بفقدان هذا الوزن، ستبدو القضية كأنها بلا سند إقليمي، ما يحقق هدف الكيان الإسرائيلي المحتل بتحويل القضية الفلسطينية إلى شأن داخلي بحت لا دخل للعرب فيه، يعالجه الإسرائيليون بالكيفية التي يرونها مناسبة لمصالحهم”.
متابعًا بأن: “هذا الأمر سيعمق من ضعف القدرات الفلسطينية على المقاومة أو بالأحرى سيثقل الكاهل الفلسطيني بمهمات إضافية أخرى ستكون عائقًا أمام تحقيق آمال الشعب الفلسطيني في العيش بسلام في دولة مستقلة تكون القدس عاصمتها”.
خيارات مطروحة
وقف الانقسام الداخلي
هذا الضعف العربي والتسابق نحو التطبيع، يفرض على الفلسطينيين إعادة ترتيب بيتهم الداخلي، في هذا الشأن يقول هاني مبارك: “أصبح لازمًا على الفلسطينيين أن ينجزوا وبالسرعة القصوى وحدتهم الوطنية وأن يضعوا برنامج عمل واضح تلتزم به كل الأطراف سواء على مستوى الخطاب أم العلاقات أم الممارسات”.
وأكد الخبير السياسي الفلسطيني في حديثه لـ “نون بوست”، أن “تحقيق الوحدة الوطنية والالتزام بها سيعيق بل وسيفشل الرؤية الإسرائيلية/الأمريكية وكل الأطراف العربية المنخرطة في هذه العملية التي تسمى بعملية السلام وهي بعيدة عن ذلك”.
على السلطة الفلسطينية أن تراهن على حركية الشارع العربي، للضغط على حكامه حتى يعدلوا بوصلتهم ويواصلوا دفاعهم على القضية الفلسطينية
يعيش الفلسطينيون، منذ 13 سنة، على وقع انقسام داخلي حاد، نتيجة فشل اتفاق مكة بين حركتي “حماس” و”فتح” (تم الاتفاق بموجبه على إيقاف الاقتتال الداخلي، وتشكيل حكومة وحدة وطنية) الذي وقع في فبراير/شباط عام 2007، برعاية العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز، لتنهار حكومة الوفاق الوطني التي كان يرأسها إسماعيل هنية، بعدما أقاله الرئيس محمود عباس، وكلف سلام فياض برئاسة حكومة جديدة.
وتعتبر الأوضاع التي تمر بها القضية الفلسطينية حاليًّا، أفضل وقت لإعلان المصالحة الشاملة وإنهاء حالة الانقسام والاقتتال الداخلي بين أبناء الوطن الواحد، حتى لا يتركوا المجال لكل من هب ودب في التحدث باسمهم وإقامة صفقات على حسابهم.
إعادة النظر في شبكة التحالفات
إلى جانب ذلك، يرى هاني مبارك ضرورة أن “يقوم الفلسطينيون بإعادة النظر في شبكة تحالفاتهم الإقليمية والدولية”، ويعني بذلك التركيز على الدول الداعمة للقضية الفلسطينية للحفاظ على ما تبقى من مواقف دولية داعمة لها والحد من التراجع الحاصل في هذا المستوى.
ويرى العديد من الفلسطينيين ضرورة توجه قيادة بلادهم إلى تكثيف الجهود الدبلوماسية نحو الدول العربية، التي ما زال موقفها إيجابيًا وثابتًا، وحتى تلك المترددة، وأيضًا دول العالم ذات المواقف الإيجابية وخاصة أوروبا الغربية، حتى تخرج القيادة من عزلتها التي فرضتها عليها الإدارة الأمريكية وسلطات الاحتلال الصهيوني.
ترتبط السلطة الفلسطينية بعلاقات جيدة مع العديد من الدول الداعمة إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وترى هذه الدول خاصة الأوروبية ضرورة وقف الصراع العربي الإسرائيلي وإنشاء دولتين وفق حدود 1967 وهو الأمر الذي توافق عليه السلطة الفلسطينية.
المراهنة على الشارع العربي
فضلًا عن ذلك، على السلطة الفلسطينية أن تراهن على حركية الشارع العربي، للضغط على حكامه حتى يعدلوا بوصلتهم ويواصلوا دفاعهم عن القضية الفلسطينية، فرغم خفوت صوت الشارع العربي يبقى للشارع أهمية كبرى للضغط على الرؤساء خاصة فيما يتعلق بالفلسطينيين.
وكثيرًا ما دفعت الشعوب العربية، قادتها إلى دعم القضية الفلسطينية ووضعها على سلم أولوياتهم، ولولا الشارع لكانت العديد من الدول العربية قد أعلنت التطبيع مع كيان الاحتلال الصهيوني منذ فترة طويلة، فأي خمود لصوت الشارع سيعجل بانضمام دول جديدة لركب المطبعين.
إلى جانب هذه الخيارات، تبدو ورقة الانتفاضة متاحة أيضًا، فلا يمكن في هذه الظرفية استبعاد ورقة الانتفاضة في وجه الاحتلال الصهيوني واستعمال القوة للدفع إلى تفاهمات جديدة على الأرض، تراعي فيها مصالح الطرف الفلسطيني.
يذكر أن الانتفاضة الأولى كانت في 9 من ديسمبر/كانون الأول 1987، واستمرت لمدة 6 سنوات، فيما بدأت شرارة الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 28 من سبتمبر/أيلول 2000، واستمرت حتى 8 من فبراير/شباط من العام 2005، وأسفرت عن استشهاد 4412 فلسطينيًا و48322 جريحًا، فيما قتل 1069 إسرائيليًا وجرح 4500 آخرين.