بعد أشهر قليلة من التدخل العسكري لقوات التحالف العربي في اليمن في مارس 2015 عقد الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لقاءً موسعًا مع رئيس الاستخبارات الإماراتية والسفير السعودي ببلاده، بحضور نائبه آنذاك خالد بلحاح، وفي الاجتماع طالب المسؤول الإماراتي، مدعومًا من حليفه السعودي، تأجير جزيرة سقطرى لأبو ظبي لمدة 99 عامًا نظير مبلغ من المال، كان ذلك في بداية 2016.
حينها طلب هادي مهلة للتفكير والتشاور مع مستشاريه، لكن سرعان ما جاء الرد، حيث أقال نائبه بعد ساعات قليلة من انتهاء اللقاء، معينًا علي محسن بديلًا له، وهو ما فُسر حينها بأنه رفض علني للطلب الإماراتي، لتبدأ أبو ظبي بعدها مباشرة مخططها للسيطرة على الجزيرة عبر أساليبها الخاصة.
الرفض اليمني للسيطرة الإماراتية على الجزيرة قوبل بخطوات تصعيدية من الإمارة الخليجية التي لم تيأس من المحاولة، مستعينة ببعض الحيل الأخرى على رأسها استقطاب وشراء ولاء بعض اليمنيين، بعضهم شيوخ قبائل ومسؤولين كبار، وذلك عبر مؤسستيها العاملتين في اليمن، مؤسسة خليفة والهلال الأحمر، الذي يصفهما القيادي في المقاومة الجنوبية اليمنية عادل الحسني بأنهما “ضباط مخابرات”.
هذا بجانب الإغراءات التي قدمت لأبناء الجزيرة بتجنسيهم وتوزيعهم على دول الخليج وإغداق الأموال عليهم في مقابل ترك أراضيهم تمهيدًا لفرض الإمارات السيطرة عليها بصورة كاملة، وهو ما رفضه اليمنيون، ما دفع أبو ظبي للقيام بانقلاب عسكري على الحكومة الشرعية هناك، نفذته قوات المجلس الانتقالي الجنوبي الممول منها في 18 من يونيو 2020.
ومؤخرًا نقلت العديد من وسائل الإعلام اعتزام الإمارات بناء قاعدة عسكرية في الجزيرة، بالمشاركة مع “إسرائيل”، التي فتح أبناء زايد لها الباب على مصراعيه للدخول إلى الساحة اليمنية بدعوى التعاون العسكري والاستخباراتي، الأمر الذي أثار قلق اليمنيين بصورة خاصة وشعوب المنطقة بصفة عامة.
يومًا تلو الآخر تنجلي الحقائق عن أهداف أبناء زايد الحقيقية من الاشتراك في قوات التحالف العربي في اليمن، فبعيدًا عن نصرة الشرعية أو القضاء على الحوثيين، يضع الإماراتيون موانئ اليمن وحدوده البحرية تحت مجهر الاهتمام والعناية منذ اليوم الأول لهم هناك.
ومع مرور الوقت سقط القناع عن الشعارات المرفوعة، وهو ما كان مثار خلاف دفين مع الحليف السعودي الذي ارتأى الإبقاء على هذا الخلاف في الخفاء حفاظًا على تماسك جبهة التحالف خاصة بعد الضربات الموجعة التي يتلقاها بين الحين والآخر على أيدي الحوثيين التي وصلت إلى قلب العاصمة الرياض.
وظلت محافظة أرخبيل سقطرى، تلك المنطقة الهادئة الواقعة بالمحيط الهندي، وتبعد نحو 380 كيلومترًا عن أقرب نقطة من الساحل اليمني، بمنأى عن النزاع خلال سنوات الحرب الأولى في اليمن، لكن عين الإمارات الواقعة عليها منذ مارس 2015 أقحمتها سريعًا في أتون صراع ربما يمتد تأثيره وتداعياته لسنوات طويلة قادمة.
وصنف الأرخبيل المكون من أربع جزر على المحيط الهندي قبالة سواحل القرن الإفريقي في عام 2008 كأحد مواقع التراث العالمي، حيث يتميز بثراء موارده وتنوع مكوناته البيولوجية، هذا بجانب الموقع الإستراتيجي الذي جعله محط أنظار العديد من القوى العالمية قديمًا، على رأسهم الولايات المتحدة التي طلبت بإنشاء قاعدة عسكرية بها في 2010.
لماذا سقطرى؟
تسابق الإمارات الزمن خلال الأشهر الماضية لفرض كامل سيطرتها على سقطرى، فبعد تجريدها من سلطاتها الشرعية قبل 3 أشهر بدأت التحركات الميدانية لتحويل الجزيرة إلى قاعدة عسكرية لتكون ذراعًا استخباراتيًا جديدًا في أيدي أبناء زايد لحماية مصالحهم في تلك المنطقة الحيوية من الإقليم.
في الـ5 من يوليو الماضي نقلت وسائل إعلام يمنية عن مصادر خاصة بها أن أبو ظبي شرعت بالفعل في إنشاء تلك القاعدة، لافتة إلى أن الموقع المراد تدشين القاعدة به يعد من أهم المواقع الجبلية الاستطلاعية المطلة على البحر، وسيتم استحداثه كموقع عسكري لأول مرة.
مساعي عسكرة سقطرى إماراتيًا ليست وليدة اليوم، بل حاولت أبو ظبي أكثر من مرة فرض قوات عسكرية تابعة لها في الجزيرة، لكنها محاولات باء بالفشل وقوبلت بالرفض التام، لعل أبرزها ما حدث في مايو/آيار 2018 حين أرسلت الإمارة الخليجية قوات تابعة لها دون تنسيق مع السلطات الحاكمة التي بدورها رفضت هذا التحرك، فيما ذهب رئيس الوزراء حينها، أحمد عبيد بن دغر، مع وزراء ومسؤولين إلى الجزيرة، رافضين مغادرتها قبل رحيل القوات الإماراتية.
وأمام هذا التصعيد اضطرت السعودية للتدخل لحل تلك الأزمة، تجنبًا لأن يكون لها تداعيات على وجود التحالف في البلاد، وبالفعل نجحت المملكة في إنهاء الخلاف عبر إخراج القوات الإماراتية من الجزيرة، ودخول قوات أخرى سعودية إليها بتنسيق مع الحكومة، لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد.
أبو ظبي تعمل منذ بدء عمليات التحالف العربي قبل 5 سنوات على إنشاء قاعدة عسكرية وإنشاء مليشيات لزعزعة أمن واستقرار الأرخبيل.. محافظ سقطرى
وتعد سقطري أحد أهم المواقع الإستراتيجية الحساسة في المنطقة بأسرها، بحسب الباحث اليمني في الشؤون العسكرية، علي الذهب، الذي قال إن أهمية الجزيرة مكتسبة من كونها “تقع في دائرة السيطرة على البحر الأحمر وخليج عدن وخطوط تدفق نفط دول الخليج العربي إلى خارج المنطقة، وخطوط الملاحة الدولية عمومًا”.
وأضاف أن هذا الموقع الحيوي سهل الطريق أمام السفن المارة للرسو فيها، هذا بجانب ما تتميز به من تكوين جغرافي وتضاريسي متميز يحمي السفن من الرياح العاتية، لافتًا إلى أن “هناك إمكانية لاستغلال الجزيرة عسكريًّا، بأن يُتخذ منها قاعدة عسكرية متقدمة، للدفاع الإستراتيجي عن اليمن والجزيرة العربية والخليج العربي والقرن الإفريقي”، بحسب تصريحاته لـ”القدس العربي”.
ويرى الباحث اليمني أن هذا الموقع الإستراتيجي المتميز للجزيرة سيجعلها محط أنظار العديد من القوى، ولم تكن الإمارات وحدها المهتمة بها، فهناك السعودية ودول أخرى، فمن يحكم قبضته عليها يمكنه تعزيز طموحاته العسكرية في المنطقة، كون قاعدة كتلك من المؤكد أنها ستوفر تسهيلات للتدخل العسكري في العديد من دول المنطقة، لا سيما التي تعاني من اضطرابات داخلية.
فتح الباب أمام التدخل الإسرائيلي
يبدو أن التطبيع بين الإمارات و”إسرائيل” تجاوز حاجز التعاون بينهما داخل نطاقهما الجغرافي إلى تدشين مصالح مشتركة خارج الحدود وهو ما يجاوب عن الكثير من التساؤلات بشأن دوافع خطوة التطبيع الرسمي بين البلدين في ظل التنسيق الواضح على مدار السنوات الطويلة الماضية.
وفي 28 من أغسطس/آب الماضي نقل موقع “ساوث فرونت” الأمريكي المتخصص في الأبحاث العسكرية والإستراتيجية عن مصادر عربية وفرنسية لم يسمها أن أبو ظبي وتل أبيب تعتزمان إنشاء مرافق عسكرية واستخبارية في سقطرى، وذكر أن “وفدًا ضم ضباطًا إماراتيين وإسرائيليين زار الجزيرة مؤخرًا، وفحص عدة مواقع بهدف إنشاء مرافق استخبارية”.
وأضافت المصادر أن مخطط هدم الدولة اليمنية وزعزعة استقرارها خلال السنوات الأخيرة الماضية عبد الطريق تمامًا أمام الإمارات لتنفيذ مخططها في السيطرة على موانئ البلاد وتسخيرها لخدمة أجنداتها الإقليمية، علمًا بأن سقطرى لم تكن الجزيرة الوحيدة في اليمن التي يعتزم الإماراتيون بناء قاعدة عسكرية بها.
الأمر ذاته أكدته جماعة “أنصار الله” اليمنية، حين أكدت في تصريحات لها في الـ12 من سبتمبر الحاليّ، أن الإمارات قامت “بإرسال خبراء إسرائيليين إلى جزيرة سقطرى الإستراتيجية في المحيط الهندي”، فيما أشار محافظ أرخبيل سقطرى هاشم سعد السقطري أن أبو ظبي تعمل منذ بدء عمليات التحالف العربي قبل 5 سنوات على إنشاء قاعدة عسكرية وإنشاء مليشيات لزعزعة أمن واستقرار الأرخبيل بحسب تصريحاته التي أدلى بها لوكالة الأنباء اليمنية.
وكانت مصادر يمنية قد اتهمت الإمارات بالاستعانة بالإسرائيليين لتنفيذ هجماتها ضد اليمنيين، بما في ذلك استهداف بعض قيادات الدولة بالاغتيال، منوهين إلى تعاون أكبر بين البلدين خلال الآونة الأخيرة لمساعدة الإماراتيين في الاستيلاء على الجزيرة ووضع أيديهم على مقدرات اليمن وثرواته تنفيذًا لأجندات سياسية وعسكرية في مقابل وضع أقدام دولة الاحتلال في هذا البلد الذي كان عصيًا لسنوات طويلة على الوجود الإسرائيلي.
كما تهرول الإمارات لدفع العديد من دول المنطقة للتطبيع مع الكيان المحتل تسرع بنفس الخطى تقريبًا وربما أكثر سرعة لتوسعة الحضور الإسرائيلي عربيًا وشرق أوسطيًا، عبر فتح آفاق جديدة وأبواب كانت موصدة قديمًا
من المستهدف؟
رغم ما يثار عن الخلافات السعودية الإماراتية بشأن توجهات الأخيرة في اليمن، فإن محافظ سقطرى يرى أن التحركات الإماراتية الإسرائيلية كافة في الجزيرة تتم بـ”تواطؤ سعودي”، موضحًا أن للمملكة وجودًا عسكريًا قديمًا في الجزيرة حين أرسلت في يناير الماضي خبراءً أمريكيين لدراسة إنشاء قاعدة عسكرية لهم هناك، واليوم تأتي الإمارات لنفس الهدف لكن بخبراء إسرائيليين على مرأى ومسمع من الرياض التي لم يصدر عنها أي ملمح اعتراض على ما يتم على أرض الواقع.
السؤال هنا: لماذا قاعدة عسكرية إماراتية إسرائيلية في سقطرى؟ ما الدول المستهدفة من تدشين تلك القاعدة؟ وهنا يشير أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات إبراهيم فريحات أن هناك 3 دول رئيسية ستكون في مرمى استهداف تلك القاعدة التي ستكون منصة للتجسس الإقليمي هي إيران وأذرعها في اليمن وباكستان بجانب مصر.
فرحات في تصريحات سابقة له لبرنامج “ما وراء الخبر” بتاريخ (2020/8/30) أوضح أن القاعدة ستستهدف باكستان بسبب موقفها الرافض بشدة لاتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، ملمحًا إلى أن مصر ربما ستكون إحدى الدول المتضررة من هذه القاعدة التي ستكشف الكثير من الأنشطة التجارية البحرية للبلاد.
أما بشأن فحوى الاتفاق الموقع في 15 من سبتمبر الحاليّ، فأوضح خبير النزاعات الدولية أنه ليس اتفاقًا تطبيعيًا كما يروج البعض، فهناك فارق كبير بينه وبين اتفاق السلام الذي وقعته مصر والأردن، مشيرًا إلى أنه عبارة عن تحالف بين أبو ظبي وتل أبيب على حزمة مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية ستتأثير بها المنطقة بشكل عام.
وأوضح فريحات أن الاتفاق الذي وقع بين الإمارات و”إسرائيل” مؤخرًا يختلف تمامًا عن اتفاق السلام الذي وقعه الأردن ومصر من قبل مع “إسرائيل”، فهو ليس اتفاقًا تطبيعيًا، بل تحالف بين الدولتين على مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية إستراتيجية ستتأثر بها المنطقة بشكل عام وليس الإمارات و”إسرائيل” فقط.
وهكذا كما تهرول الإمارات لدفع العديد من دول المنطقة للتطبيع مع الكيان المحتل تسرع بنفس الخطى تقريبًا وربما أكثر سرعة لتوسعة الحضور الإسرائيلي عربيًا وشرق أوسطيًا، عبر فتح آفاق جديدة وأبواب كانت موصدة قديمًا، في تحركات مشبوهة تضع الكثير من التساؤلات دون إجابة منطقية اللهم إلا تشبث أبناء زايد بكراسي الحكم حتى لو كان الثمن طمس الهوية العربية.