بعد استقالة حكومة عبد الله الثني المؤقتة في الشرق الليبي، يبدو أن الدور جاء أيضًا على حكومة الوفاق الوطني التي تحكم سيطرتها على الغرب ومناطق واسعة من ليبيا، إذ أعلن رئيسها ورئيس المجلس الرئاسي الشرعي فائز السراج نيته تسليم السلطة خلال أسابيع لحكومة متفق عليها، بعد التقدم الحاصل في الحوار بين الأطراف الليبية.
إعلان الاستقالة
أعلن السراج في كلمة متلفزة مساء أمس الأربعاء، رغبته الصادقة في تسليم مهامه إلى السلطة التنفيذية القادمة، في موعد أقصاه نهاية أكتوبر/تشرين الأول المقبل، على أن تكون لجنة الحوار قد استكملت أعمالها، واختارت مجلسًا رئاسيًا جديدًا، وكلفت رئيس حكومة تُسلَم المهام له.
ويقصد السراج بالحوار محادثات يستضيفها المغرب بين كل من المجلس الأعلى للدولة الليبي ومجلس نواب طبرق (شرق)، الداعم لمليشيا الجنرال الانقلابي المتقاعد خليفة حفتر، ومحادثات جنيف القادمة.
ورحّب السراج في كلمته بما تم إعلانه من توصيات مبدئية عقب لقاءات المغرب، مؤكّدًا أن هذه المشاورات الأخيرة تتجه نحو مرحلة تمهيدية جديدة لتوحيد المؤسسات وتهيئة المناخ لعقد انتخابات برلمانية ورئاسية.
فضلًا عن تسارع نسق الحوار والنقاط المهمة المسجلة في جلساته، يبدو أن ضغط الشارع ساهم بدوره في إعلان السراج نيته الاستقالة الشهر المقبل
رغم قناعته بأن الانتخابات المباشرة أفضل الطرق للوصل إلى حل شامل، أكد السراج دعمه لأي تفاهمات أخرى، وفق قوله، ودعا رئيس المجلس الرئاسي الليبي لجنة الحوار، وهي الجهة المنوط بها تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة إلى “أن تضطلع بمسؤولياتها التاريخية في الإسراع بتشكيل هذه السلطة، حتى نضمن جميعًا الانتقال السلمي والسلس للسلطة”.
وتقلّد فائز السراج منصب رئيس المجلس الرئاسي ورئيس حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا، في ديسمبر/كانون الأول 2015، بناء على اتفاق الصخيرات بالمغرب، وخلال السنوات الخمسة الماضية خاض معارك كبرى ضد المتمرد خليفة حفتر الذي يسعى للسيطرة على الحكم بدعم من بعض القوى العربية والإقليمية المعادية لثورة الشعب الليبي.
الضغط على لجنة الحوار
يُفهم من إعلان السراج عن نيته في تقديم استقالته وتسليم مهامه إلى السلطة القادمة، في موعد أقصاه نهاية أكتوبر المقبل، سعيه للضغط على لجنة الحوار السياسي وتحميلها مسؤولياتها للإسراع في تشكيل سلطة تنفيذية جديدة لضمان انتقال سلمي وسلس للسلطة.
ويسعى السراج ومن حوله إلى الضغط على لجنة الحوار حتى تتفق على تشكيل مجلس رئاسي جديد في الأجل الذي حدده، كما أنه يضغط أيضًا على الأطراف الدولية الفاعلة في المشهد الليبي حتى تتوافق وتجد حلًا للأزمة في البلاد، فالفوضى الكبيرة لا تخدم مصالحهم.
نتيجة ذلك، من المنتظر أن نُشاهد في الأيام القليلة القادمة تسارع خطى المفاوضات بين الفرقاء الليبيين لتشكيل مجلس رئاسي جديد أو إقرار انتخابات تضع حدًا لحالة الانقسام الحادة في ليبيا والمتواصلة منذ سنة 2014.
ويبدو أن الوقت ملائم أكثر من أي وقت مضى للوصل إلى حل سياسي سلمي للأزمة الليبية، خاصة في ظل التقارب المهم المسجّل بين برلمان طبرق والمجلس الأعلى للدولة في حوار بوزنيقة المغربية، واتفاقهم على المعايير والشروط المبدئية في التعيين وقرب التوصل لاتفاق نهائي.
أسفرت جلسات الحوار الليبي بالمغرب في ختامها، عن اتفاق شامل بشأن المعايير والآليات المتعلقة بتولي المناصب السيادية في المؤسسات الرقابية الليبية، على أن يستأنف الفرقاء لقاءاتهم في الأسبوع الأخير من سبتمبر/أيلول الحاليّ، لاستكمال الإجراءات اللازمة بشأن تفعيل الاتفاق وتنفيذه.
بالتزامن مع اجتماعات بوزنيقة المغربية، استضافت مونترو بسويسرا على مدار يومين اجتماعًا تشاوريًا بين الأطراف الليبية بدعوة من مركز الحوار الإنساني وبرعاية الأمم المتحدة، من أجل الاتفاق على آلية لاختيار مجلس رئاسي جديد وحكومة وطنية وتعيين قادة المناصب السيادية في الدولة.
وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا قد قالت في بيان لها: “بناء على هذه المشاورات، وعقب أسابيع مكثفة مع الأطراف الرئيسية الليبية والدولية، ستطلق البعثة الترتيبات اللازمة لاستئناف الحوار السياسي الليبي الشامل”، ودعت المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته ودعم عملية الحوار السياسي.
ضغط الشارع
فضلًا عن تسارع نسق الحوار والنقاط المهمة المسجلة في جلساته، يبدو أن ضغط الشارع ساهم بدوره في إعلان السراج نيته للاستقالة الشهر المقبل، في هذا الشأن يقول المحلل السياسي الليبي عصام الزبير: “هناك ضغط من الأهالي في الغرب والشرق على حكومة الوفاق، فبعد الانتهاء من الحرب خرج الأهالي للشارع للمطالبة بتحسين الخدمات، وتوفير الماء والكهرباء حتى إن أصبحت طرابلس عاصمة للظلام وأغلب الوقت الكهرباء مقطوعة عنها”.
فضلًا عن ذلك، يقول الزبير في حديثه لـ “نون بوست”: “برزت أيضًا مشاكل أخرى في الفترة الأخيرة على غرار معاناة الأهالي الذين دمرت منازلهم خلال حرب المتمرد حفتر ضد طرابلس، وأيضًا مشكلة النازحين الذين يعدون بالآلاف”.
شهدت مناطق الغرب والشرق الليبي في الأسابيع الأخيرة، مظاهرات شعبية عدة، طالب فيها الأهالي بتوفير الخدمات الأساسية
يتابع عصام الزبير “السرّاج أخطأ أيضًا عندما انتهج نهج المحاصصة لترضية بعض الأطراف من الجهات أو النظام القديم في مؤسسات الإعلام والأمن الداخلي، فعوض ترضية الأهالي استفزهم ما زاد الغضب ضده وسرع بخروج المظاهرات”.
وشهدت مناطق الغرب والشرق الليبي في الأسابيع الأخيرة، مظاهرات شعبية عدة، طالب فيها الأهالي بتوفير الخدمات الأساسية لهم على غرار الكهرباء والماء، واستقالة كل الأطراف السياسية المتسببة في الوضع المتردي الذي وصلت له ليبيا.
مشهد غامض
من جهة أخرى، يرى المحلل السياسي الليبي عصام الزبير أن خروج السراج من الحكومة دون أي ضمانات لحل قادم، سيزيد من تعقيد الوضع في البلاد، وأضاف: “خروج السراج في هذا الوقت وبهذه السرعة قد يخلق شيئًا من الفوضى”.
ويخشى الزبير أن تؤدي استقالة السراج – إن تم تفعيلها – إلى ازدياد حدة الصراع في البلاد واستغلال بعض الأطراف المعادية للثورة لهذه الاستقالة لتنفيذ أجنداتها في ليبيا والدفع نحو مزيد من الفوضى والعنف في البلاد، ما يؤجل الوصول إلى حل للأزمة.
كان السراج قد أكد خلال كلمته أمس أن “المناخ السياسي يعيش حالة اصطفاف واستقطاب حادين، وجعل كل المحاولات الهادفة إلى إيجاد تسويات سلمية نحقن بها الدماء ونحافظ بها على نسيجنا الاجتماعي المهدد بالتمزق، شاقة وأكثر صعوبة”.
وشدد على أن “الأطراف المتعنتة تصر على تعميق هذه الاصطفافات، وتراهن على خيار الحرب لتحقيق أهدافها غير المشروعة، الأمر الذي تفطنا له مبكرًا وجعلنا نقدم الكثير من التنازلات لقطع الطريق على هذه الرغبات الآثمة ولإبعاد شبح الحرب، لكن دون جدوى”.
يأمل عصام الزبير، مثله مثل العديد من الليبيين، أن يتم التوصل إلى حل وتفاهم بين المجلس الأعلى للدولة وبرلمان طبرق في جلسات الحوار القادمة، بعيدًا عن المحاصصة والقبلية وقوة السلاح، حتى يعود الاستقرار إلى البلاد وتنتهي المرحلة الانتقالية التي طال أمدها.