ترجمة وتحرير: نون بوست
نُشر مقال تحت عنوان “العواقب السياسية للبرنامج النووي المصري” بقلم إلماس خسانوفيك، وهو باحث في إطار برنامج فولبرايت، حاصل على شهادة ماجستير في الدراسات الدولية بجامعة ولاية كارولينا الشمالية، لأول مرة في المجلة الدولية للبحوث الإنسانية والاجتماعية في كانون الثاني/ يناير من عام 2018. وفي المقال، حلل خسانوفيك، آفاق تطوير البرنامج النووي لمصر، كما درس الفرص الاقتصادية المرتبطة بإنشاء مفاعل نووي في مصر، مقيّما المخاطر التي قد تنجر عن مثل هذا المشروع على منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص ونظام حظر الانتشار العالمي بشكل عام.
تعاني القارة الأفريقية بأكملها اليوم من مشاكل خطيرة في إمدادات الطاقة، بسبب ارتفاع نسبة التحضر والنمو السكاني السريع، فضلاً عن التطور الاقتصادي السريع للدول الأفريقية تزامنا مع زيادة الطلب على الطاقة وعجز معظم دول القارة على تزويد السكان بها. نتيجة لذلك، تلجأ الكثير من الدول إلى استيراد الكهرباء أو موارد توليد الطاقة، مما يجعلها في تبعية اقتصادية إلى بلدان أخرى.
في هذا الصدد، تتجه دول المنطقة إلى الطاقة النووية كمصدر جديد ومستقر نسبيًا وموثوقًا للكهرباء، بما في ذلك مصر، التي تعاني على وجه الخصوص من مشاكل في إيجاد مصادر الطاقة لسكانها.
في الفترة الأخيرة، وقعت مصر اتفاقية مع مؤسسة روساتوم الروسية للطاقة النووية بشأن بناء مفاعل نووي، تلزم الجانب الروسي بتمويل المشروع بشكل كامل.
الجدوى الاقتصادية للمشروع
في الحقيقة، تعتبر تكلفة المشاريع النووية التي تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات، إحدى العقبات الرئيسية أمام تطوير القطاع النووي في إفريقيا (كما هو الحال في أي منطقة نامية أخرى). بسبب التكلفة الباهظة، وعلى الرغم من الحاجة الملحة لإيجاد مصادر جديدة للطاقة، لا تستطيع دول القارة دائمًا إنشاء محطات للطاقة النووية، حتى مع مراعاة ربحية مثل هذه المشاريع على المدى الطويل.
على خلفية نقص موارد التمويل الخاصة بها والظروف الاقتصادية الخانقة، تلجأ بعض الدول الإفريقية إلى كبار الموردين للتكنولوجيا النووية للحصول على قروض أو ضمان تمويل المشروع بطريقة أخرى. وهكذا، تمكنت تركيا، على الرغم من الصعوبات المالية، من إبرام اتفاق مع موسكو بشأن بناء محطة توليد الكهرباء، تصبح فيما بعد ملكا لشركة روس آتوم بشرط البيع الإلزامي لجزء من الطاقة المولدة إلى تركيا بسعر متفق عليه مسبقا. على الخطى ذاتها، سارت مصر وتمكنت من إبرام اتفاق مع روس آتوم.
يحمل المشروع الميزانية المصرية نفقات معينة فيما يتعلق بالتخلص من النفايات النووية، وهي عملية تكلف الميزانية أموالا طائلة
وفقا لهذه الاتفاقية، يقع عبء تمويل المشروع تقريبا على الجانب الروسي، أي أن نسبة تمويل الشركة للمشروع تقدر ب85 بالمئة من التكلفة الجملية. ونتيجة لذلك، فإن ميزانية الدولة المصرية التي تعاني عجزا بدورها لا يمكن أن تتحمل تكاليف بناء منشأة مكلفة.
بطبيعة الحال، لم تقدم روس آتوم مثل هذه الظروف المواتية لأسباب إيثارية فقط، حيث يلتزم الجانب المصري بموجب شروط الاتفاق، بدفع ثلاث بالمئة من القيمة الإجمالية للقرض بشكل سنوي. وبالنظر إلى أن بناء المفاعلات سيستغرق عشر سنوات على الأقل، يتوجب على الجانب المصري سداد أقساط القرض في غضون 22 سنة. بالتالي، يتعين على مصر دفع حوالي 41.5 مليار دولار لبناء محطتها للطاقة النووية، الأمر الذي لن يكون هينا على الاقتصاد المصري.
إن المرابيح المالية التي يعود بها بناء مثل هذه المفاعلات النووية المزايا الرئيسية للطاقة النووية. وعلى الرغم من أن إنشاء البنية التحتية نفسه قد يتطلب عشرات المليارات من الدولارات، إلا أنه عند الانتهاء من بناء محطة الطاقة النووية ستظهر حاجة إلى إنجاز استثمارات صغيرة نسبيًا، خاصة في مجال إمدادها بالوقود النووي. عند الانتهاء من البناء، من المتوقع أن تتجاوز إيرادات الكهرباء المولدة تكاليف صيانة المحطة بشكل كبير.
وفقا للحسابات الأولية، يتطلب عمل مفاعل نووي سعته مئة ميغاوات حوالي 165 طنًا من الوقود المشع أو 100 طن من اليورانيوم المخصب سنويًا. تبعا لذلك لتزويد محطة للطاقة النووية بالوقود، ستحتاج مصر إلى تخصيص 334 مليون دولار على الأقل سنويًا لهذه الاحتياجات.
بالإضافة إلى ذلك، يحمل المشروع الميزانية المصرية نفقات معينة فيما يتعلق بالتخلص من النفايات النووية، وهي عملية تكلف الميزانية أموالا طائلة. في الواقع، حتى الآن، لم يعلن عن الطرف الذي سيتولى مهمة التخلص من النفايات خلال فترة الاتفاقية بين روس آتوم والحكومة المصرية، غير أنه بعد انتهاء صلاحيتها، يتعين على الجانب المصري تخصيص ما لا يقل عن 164 مليون دولار سنويًا للتخلص منها.
علاوة على ذلك، يلزم المشروع الميزانية المصرية بتحمل جزء كبير من التكاليف المتعلقة بتأمين دفع رواتب موظفين مؤهلين لضمان التشغيل الآمن والمستقر لمحطة الطاقة النووية. بالتالي، فإن الحكومة المصرية مضطرة لإنفاق ما بين 50 و60 مليون دولار سنويًا مقابل دفع رواتب موظفي المحطة (بما في ذلك الإنفاق على التأمين الطبي). وبناء على ذلك، فإن الميزانية المصرية ستخصص ما لا يقل عن 590 مليون دولار سنويًا لتشغيل محطة الكهرباء، وفقًا لأكثر التقديرات تحفظًا.
مع ذلك، تبدو هذه التكاليف منخفضة مقارنة بالإمكانات الاقتصادية لبيع الكهرباء المولدة عند الانتهاء من بناء المفاعلات النووية. تعِد التكلفة المنخفضة للطاقة المولدة شرط أن يظل الطلب على الكهرباء مستقرًا، باسترداد جميع الموارد التي أنفقت على المدى الطويل.
حسب إدارة معلومات الطاقة، يدفع المستهلك المصري ما بين 0.1 و0.7 دولارًا للكيلو واط الواحد من الكهرباء، أي بمتوسط 0.4 دولار للكيلو واط. بالإضافة إلى ذلك، تدرس الحكومة المصرية إمكانية الزيادة في سعر الكهرباء للمستهلكين بنسبة 18 أو 42 بالمئة اعتمادًا على كثافة استهلاك الطاقة، مما سيزيد بشكل كبير من ربحية محطة توليد الكهرباء.
العواقب الجيوسياسية لبناء محطة للطاقة النووية
تعتبر المكاسب الاقتصادية، التي عادة ما تتجاوز تكلفة بناء وتشغيل المنشأة النووية على المدى الطويل، الجانب الأكثر جاذبية لاستخدام الطاقة النووية. ومع ذلك، فإن خطر استخدام الطاقة النووية أصبح عقبة كبيرة أمام تحول الدول إلى الطاقة الذرية، لا سيما أن وقوع حادث في محطة للطاقة النووية يمكن أن يخلف عواقبه كارثية على السكان والبيئة. من هذا المنطلق، وبالنسبة لبلدان ذات أنظمة ديمقراطية غير مطورة، على غرار مصر، نادرا ما تشهد فترات من الاستقرار، فإن الطاقة النووية تشكل تهديدًا ذا عواقب جسيمة.
التطور الناجح حتى للمفاعلات النووية السلمية لا يؤدي إلا إلى تعزيز شرعية النظام غير الديمقراطي القائم في البلاد
الجميع على دراية بأن النظام السياسي المصري يفتقد كل مقومات الديمقراطية، نظرا لسيطرة السيسي على جميع السلطات في البلاد. وعند هذا المستوى، يشكل سقوط البنية التحتية النووية بين أيادي الحكومات المتباهية بتطبيق الديمقراطية جهرا والمتنكرة لها سرا، والتي يكون استقرارها موضع شك عادة، تهديدًا خطيرًا على أمن البلاد.
في الحقيقة، حتى في ظل غياب نية الحكومات الاستبدادية، التي تمتلك بنية تحتية نووية، استخدامها لإنتاج أسلحة نووية، فإن عدم استقرار مثل هذه الأنظمة يخلق احتمال وقوع الطاقة النووية بين أيدي المفسدين. والجدير بالذكر، أنه على مدى السنوات العشر الماضية، شهدت مصر انقلابين، ناهيك عن أن الوضع السياسي وكذلك الاقتصادي في البلاد اليوم بعيد كل البعد عن الاستقرار. وفي حال ظهور اضطرابات جديدة في مصر، من غير المستبعد حدوث تغيير آخر للنظام في البلاد، مما قد يكون له عواقب لا يمكن التنبؤ بها تمامًا.
إلى جانب ذلك، في حال وقعت المفاعلات النووية أو الوقود المشع أو النفايات المشعة بين أيدي المتطرفين، فقد تُستخدم لتنفيذ هجمات إرهابية واسعة النطاق. وبشكل عام، فإن التطور الناجح حتى للمفاعلات النووية السلمية لا يؤدي إلا إلى تعزيز شرعية النظام غير الديمقراطي القائم في البلاد. ونظرا لحقيقة أن تطوير المجال النووي يتطلب عادة موارد مالية ضخمة، فإن الإطلاق الناجح لمفاعل نووي هو نوع من التأكيد على كفاءة النظام الاستبدادي في تعزيز نفوذه وإضعاف حركات المعارضة.
فعلى سبيل المثال، من خلال التجارب النووية الناجحة، عززت كوريا الشمالية سلطتها كدولة مستقلة ذات سيادة قادرة على ضمان أمنها بشكل كامل. أما إيران ومن خلال نجاحها في إطلاق محطة للطاقة النووية، أكدت ادعاءاتها بدور القوة الإقليمية، وأظهرت أيضًا كفاءة النظام الديني في البلاد. بالتالي، قد يصبح افتتاح محطة للطاقة النووية عقبة خطيرة أمام إضفاء الطابع الديمقراطي على مصر.
في الوقت نفسه، يمكن أن تصبح بداية استخدام مصر للمفاعلات النووية السلمية خطوة مهمة نحو تحسين مناخ الاستثمار في القارة الأفريقية. كما من شأن نجاح مشروع محطة الطاقة النووية في مصر أن يثبت لكبار المستثمرين أهمية استثمار أموالهم في مشاريع كبيرة في بلدان أخرى من القارة.
تحتاج معظم البلدان الأفريقية لإيجاد مصادر جديدة للطاقة، لكنها تفتقر في ذات الوقت إلى الأموال الكافية لبناء مفاعلات باهظة الثمن. ونتيجة للمصاعب الاقتصادية، أصبح التدين من الجهات الخارجية أو تقديم كبار المستثمرين للدولة حد ائتمان لبناء محطات الطاقة، مثلما هو الحال مع مصر في إنشاء محطة للطاقة النووية، من الممارسات المعتادة.
في المقابل، في حال نجحت مصر في إثبات ربحية مثل هذه الاستثمارات، من المتوقع أن يبدي المستثمرون وشركات المقاولات اهتمامًا أكبر بإبرام صفقات مماثلة مع دول أخرى في القارة، ما من شأنه أن يساعد الدول الأفريقية على المدى الطويل في حل مشكلة نقص الكهرباء.
ينبغي للمجتمع الدولي تركيز جهوده على تنظيم ومراقبة تشغيل المفاعلات النووية، بدل خلق عقبات أمام بنائها
فضلا عن تزويد المنطقة بالكهرباء، سيضمن كل ذلك تخفيف التوتر في العلاقات بين بعض المنافسين الإقليميين. فعلى سبيل المثال، يعتمد التنافس بين مصر وإثيوبيا إلى حد كبير على مطالباتهما المتبادلة بمياه نهر النيل، وهو الممر المائي الرئيسي في شرق إفريقيا.
بالنسبة لإثيوبيا، يعتبر النهر مصدرًا محتملاً للطاقة الكهرومائية، مما يثير مخاوف راسخة في القاهرة بشأن نوايا أديس أبابا. ناهيك عن ذلك، يمكن أن يكون انتشار مصدر جديد موثوق للطاقة في القارة الأفريقية بمثابة حل ناجع للصراعات المتعلقة بالطاقة. في الوقت نفسه، ينبغي إدراك حقيقة أنه من غير المرجح أن تلعب الطاقة النووية دورًا مهمًا في الحد من التوتر في حالة حدوث مواجهة بين مصر وإثيوبيا. أوشك مشروع سد النهضة على الانتهاء، ومن غير المرجح أن تتراجع السلطات الإثيوبية عن نواياها.
بالإضافة إلى ذلك، قد يصبح تنفيذ مشروع محطة الكهرباء ذريعة لمراجعة علاقات مصر مع روسيا، وبالتالي تغيير جزئي في ميزان القوى في المنطقة. عموما، فإن أهمية الاتفاق المبرم بين موسكو والقاهرة تتجاوز الأبعاد الاقتصادية، وتأخذ منحى سياسي. بالتالي، فإن توفير خط ائتمان لمصر يمكن أن يسهم في تعزيز العلاقات بين الدولتين، ذلك ما يجذب روسيا التي لم تدخر جهدا في سنوات الأخيرة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.
تسعى مصر، التي لا ترى في الولايات المتحدة حليفًا موثوقًا، إلى الاقتراب من روسيا، لا سيما بعد الموقع الذي احتلته على الساحة الدولية وفي الشرق الأوسط إثر الانضمام إلى الصراع السوري. وبغض النظر عن الطموحات الجيوسياسية لموسكو والقاهرة في الشرق الأوسط، فإن مشروع بناء محطة الطاقة النووية يستغرق حوالي عشر سنوات على الأقل. في الحقيقة، في حال لم تصبح مصر في وضع تبعية لروسيا، ستصبح مجبرة على الأقل لمعرفة طموحات موسكو الجيوسياسية في المنطقة.
في هذا الإطار، يمكن أن يعود الإنجاز الناجح لمثل هذا المشروع بأرباح كثيفة على روسيا ومصر على حد السواء، ولا تقتصر هذه الأرباح على إدخال حوالي 10 مليارات دولار إلى الميزانية بشكل سنوي، بل تفتح أيضًا مصدرًا جديدًا للكهرباء، مما يقلل بشكل كبير من اعتماد اقتصاد البلاد على الموارد المستوردة. وبالنسبة لروسيا، وعلى الرغم من الأموال الهائلة المقدمة في شكل قرض لمصر، لا يمكنها مضاعفة استثماراتها عمليًا فحسب، بل استخدام الاتفاقية لتقريب وجهات نظر موسكو والقاهرة بشأن القضايا المتعلقة بالشرق الأوسط.
من ناحية أخرى، قد يكون لظهور مفاعل نووي جديد في المنطقة عواقب وخيمة، وقد ينذر بناء محطة للطاقة النووية بتعزيز النظام الاستبدادي في مصر، التي تسعى لاستكمال هذا المشروع من أجل تعزيز سلطتها. في الحقيقة، من المستبعد تجنب انتشار الطاقة النووية في إفريقيا أو حتى إبطاء الأمر في المستقبل القريب، لا سيما أن التنمية الاقتصادية للقارة والنمو السكاني وتطوير التكنولوجيا النووية، فضلاً عن التوسع في سوق تقديم الخدمات في القطاع النووي، يحفز بناء محطات الطاقة النووية في البلدان الأفريقية.
في ظل الظروف غير المناسبة، ينبغي للمجتمع الدولي تركيز جهوده على تنظيم ومراقبة تشغيل المفاعلات النووية، بدل خلق عقبات أمام بنائها. بطريقة أو بأخرى، لا يمكن وقف انتشار الطاقة الرخيصة والموثوقة، حتى مع أخذ المخاطر المرتبطة بها بعين الاعتبار.
المصدر: المركز الروسي للشؤون الدولية