ترجمة وتحرير: نون بوست
في الركن الجنوبي من جمهورية غواتيمالا، خارج بلدة يبوكابا الجبلية الصغيرة، من المفترض أن تكون نباتات البن التي زرعها إلمر غابرييل مورقة ونضرة. لم يتبق سوى أسبوع واحد على عيد الميلاد، وهي أهم فترة في موسم حصاد البن، وإذا كانت شجيراته سليمة، فإنها ستبدو مثل أشجار العطلات المزينة والمرصعة بحبات البن ذات اللون الأحمر الفاتح. ولكن النباتات المتواجدة وسط صف طويل يمتد إلى أسفل جانب حقله شديد الانحدار، هشة وذابلة، وتساقطت معظم أوراقها، وتعد الأوراق المتبقية ذات لون زيتوني باهت، كما أنها جافة عند الحواف.
توجد بقع صفراء على الأسطح العلوية للأوراق، وبقع بنية في الوسط. أما على الجانب السفلي، كانت الأوراق مغطاة بالحصى وبطبقة رقيقة من الغبار البرتقالي. يشبه الغبار الصدأ على قطعة فولاذ، وهكذا ظهرت تسمية هذه المشكلة: النباتات مصابة بصدأ أوراق القهوة، وهو فطر ضار. أدرك غابرييل الأمر بمجرد ملاحظته. ظهر الصدأ، المسمى “باللا رويا” بالإسبانية، منذ ما يقرب من عقد من الزمان، في الوقت الذي اشترى فيه القطعة الموجودة على قمة التل، والتي يسميها “بمزرعة السعادة”.
كان غابرييل يعرف ذلك منذ طفولته، حيث كان والده يعمل مزارع بن أيضًا، وفي السبعينيات ظهر الصدأ وتسبب في جفاف نباتاتهم. رش والده مبيدات الفطريات على النباتات وتراجع المرض. فعل غابرييل الشيء نفسه عندما ظهر الصدأ مجددا وانتشر في شجيرات مزرعة السعادة قبل عقد من الزمن، وتراجع المرض مرة أخرى.
لكن، في الوقت الحالي، لم تعد مبيدات الفطريات فعالة كما اعتادت أن تكون. أخبرني غابرييل بواسطة مترجم: “لا يتأثر الصدأ بالمبيدات”. ذات يوم، ودون سابق إنذار، ظهرت نقاط الصدأ الذهبية على أوراق قليلة في نبتة واحدة. رشها غابرييل عديد المرات بمضادات الفطريات، لكن البقع اتسعت ثم أصبح لونها داكنا وباتت جافة وتشققت من الوسط. كلما هبت النسائم، تشققت الأوراق والتفت عند الحواف وتساقطت.
انتشرت الأغبرة والبذيرات الفطرية في الحقل وأصابت شجيرة أخرى، أو سقطت على الأرض وتناثرت على النبتات الأخرى عندما هطلت الأمطار. وهكذا بدأت دورة موت النبات البطيء مرة أخرى. على خلفية ذلك، شعر غابرييل بالحيرة، ووضع قميص البولو الذي كان يرتديه تحت أذنيه، وقال: “اعتقدت أن الصدأ سيختفي بعد سنة أو سنتين، كما حدث من قبل. لكن الحقل موبوء تمامًا … وعلى الرغم من استخدام مبيدات الفطريات، إلا أنها تبدو غير كافية”.
مع عدم وجود أوراق، لم تتمكن النباتات من الإزهار وبالتالي لم تُثمر، أي لم تظهر الكرزات الغليظة اللامعة الذي تخفي حبوب البن داخلها. مع انعدام الفواكه، لم يكن هناك محصول ولا دخل لشراء مبيدات فطرية أكثر فعالية أو استبدال النباتات المحتضرة بأخرى سليمة. نظرا للثقوب التي انتشرت على نباتات القهوة خاصته، توقع غابرييل تدمر مصدر رزقه، وتلاشي أمله في أن يتمكن من توريث أرضه ومعرفته لابنه.
في جميع أنحاء العالم، يمثل البن مصدر عيش 100 مليون شخص، كما أنه يمثل أحد المنتجات الزراعية الأكثر انتشارا في العالم
وليس غابرييل الوحيد الذي تضرر من هذا الأمر، حيث أصيبت نباتات البن في عشرات الآلاف من المزارع الصغيرة عبر أمريكا الوسطى والجنوبية بالصدأ. في بعض المناطق، توقفت أكثر من نصف المساحات المخصصة لصنع البن عن الإنتاج. في الفترة الممتدة من 2012 إلى 2017، تسبب الصدأ في أضرار تجاوزت قيمتها 3 مليارات دولار وخسارة في الأرباح وأُجبر حوالي مليوني مزارع على ترك أراضيهم.
في خضم جائحة فيروس كورونا، قد يبدو الحديث عن مرض نباتي أمرًا تافهًا. ولكن في جميع أنحاء العالم، يمثل البن مصدر عيش 100 مليون شخص، كما أنه يمثل أحد المنتجات الزراعية الأكثر انتشارا في العالم. تمثل القهوة حبل نجاة بالنسبة للمدن الصغيرة وصغار المزارعين في المناطق التي تعد مستويات التربة المنخفضة فيها أو انتشار الأشجار فيها أو انحدارها الشديد غير ملائمة لزراعة أي شيء آخر.
مع نفاد نقود المزارعين لمكافحة صدأ أوراق القهوة، بالإضافة إلى الدور الذي يلعبه تغير المناخ في تقليل احتمالية نقل النباتات إلى أرض سليمة ، يحاول العلماء الحد من شدة المرض. لكن تصطدم جهودهم لإعادة زراعة النباتات وإعادة تدريب المزارعين بتاريخ طويل من الدمار. في الواقع، يعود أول تحذير من المرض وأول دليل على قوته الفتاكة إلى أكثر من 150 سنة.
في السادس من تشرين الثاني / نوفمبر سنة 1869، وصف إشعار قصير نُشر في مجلة وقائع البستانيين والزراعة البريطانية، أحد مسببات الأمراض النباتية التي لم يشهدها أحد من قبل. وجاء في الإشعار: “لقد تلقينا مؤخرًا … عينة من فطر صغير تسبب في بث الذعر بين مزارعي البن في سيلان، نتيجة لسرعة انتقال العَدْوى بين نباتات البن”.
كانت سيلان، التي أصبحت الآن سريلانكا، ملكية استعمارية تسيطر عليها المملكة المتحدة منذ سنة 1815. استورد التجار الهولنديون البن إلى سيلان، وجعل البريطانيون النبتة أساسًا لنظام المزارع والإمبراطورية التجارية. أنتجت المستعمرة أكبر كميات القهوة في العالم. بعد عشر سنوات فقط من الإشعار في مجلة وقائع البستانيين والزراعة، تغير الحال.
في سياق متصل، أخبرتني ماري كاثرين آيم، وهي أستاذة علم النبات وعلم الأمراض الزراعية في جامعة بيردو ومديرة مجموعات النباتات والفطريات خاصتها بأنه “وباء مروع ومدمر، تسبب في خسارة المحصول بنسبة 90 أو 100 بالمئة. ومنذ ذلك الحين، نقلنا القهوة حول العالم لحمايتها من المرض”.
بحلول نهاية القرن التاسع عشر، دمر الصدأ زراعة البن في جنوب وشرق آسيا. ووقعت إعادة زراعة مزارع سيلان الاستعمارية بالشاي، مما جعل البريطانيين يحبون الشاي الموجود في إندونيسيا وماليزيا بأشجار المطاط المزروعة من البذور التي هربها مستكشف بريطاني من البرازيل.
تعد آيم خبيرة مشهورة عالميًا في فطريات الصدأ، وواحدة من عدد قليل من علماء الفطريات الباحثين في مجال ضخم
انتقلت زراعة البن عبر المحيط الأطلسي. وفي خريطة أعدتها وزارة الزراعة الأمريكية سنة 1952، يقسم خط منقط داكن العالم عند خط الطول الأول. وُضع وصف “موبوءة” بأحرف كبيرة على المناطق الشرقية؛ أفريقيا جنوب الصحراء وشبه الجزيرة العربية والهند وسيلان وإندونيسيا وبولنيزيا. بينما وصفت عبارة “غير موبوءة” على المناطق الغربية؛ سلاسل الجبال في أمريكا الوسطى والجنوبية التي تحاكي مناخاتها تلك الموجودة في المناطق المرتفعة الباردة التي ازدهرت فيها القهوة ذات يوم.
اعتُقد بأن صدأ القهوة غير قادر على عبور الحاجز الوقائي للمحيط الأطلسي. لكن هذه المعلومة كانت خاطئة، حيث لم يتمكن أحد من معرفة الكيفية التي وصل بها الصدأ إلى الأمريكتين. ربما وصل في شحنات نباتات أخرى، خضراء أو جافة.
ربما يكون الصدأ قد تمسك بأحذية أو ملابس المسافرين بل من الممكن أن يكون قد عبر الكوكب بواسطة الرياح ذات السرعة العالية، وهو الطريق الذي استخدمه مرض نباتي آخر؛ صدأ ساق القمح، للانتشار بين القارات.
انتشر صدأ القهوة دون أن يقع اكتشافه. وبعد ذلك، في سنة 1970، ظهرت بقعه الواضحة والغبار المحمّل بالأبواغ على نباتات البن في البرازيل. وانتشر بسرعة غربًا ثم شمالًا، إلى بيرو والإكوادور وكولومبيا ثم عبر أمريكا الوسطى، وهي الموجة الأولى التي تذكرها غابرييل من أيام والده.
كان المرض مدمرا، ولكن عندما ظهر، أبقاه التطبيق المفرط لمبيدات الفطريات والإدارة الحريصة للنباتات تحت السيطرة. ثم، في سنة 2008، انتشر الصدأ في كولومبيا بشكل فتاك كما حدث في آسيا قبل 150 سنة، وبحلول سنة 2012، انتقل إلى أمريكا الوسطى. كما حدث في سيلان، قضى الصدأ على مزارع بأكملها.
تعد آيم خبيرة مشهورة عالميًا في فطريات الصدأ، وواحدة من عدد قليل من علماء الفطريات الباحثين في مجال ضخم، حيث يوجد حوالي 8 آلاف نوع معروف من الصدأ، أكثر من جميع مسببات الأمراض النباتية الأخرى معا. تهتم آيم بمسؤولية تحديد مجموعة من أنواع الصدأ الجديدة، ومنذ أن انتشر صدأ أوراق القهوة في أمريكا اللاتينية، استغلت خبرتها لفهم السبب وراء هذه الحادثة. ما الذي قد يسمح لمرض يعد معدل حالات الإصابة به منخفضا، كما أنه خاضع لسيطرة الكيماويات الزراعية، بالخروج عن السيطرة والانتشار بهذه الطريقة المروعة؟
في البداية، تساءلت آيم والباحثون الآخرون عما إذا كان صدأ القهوة قد تحور مما أدى إلى تغيير تركيبته الجينية بما يكفي لجعله أكثر فتكًا. ولكن في بحثها، قامت آيم بصنع أطلس خاص بجينات صدأ أوراق القهوة، والذي يتكون من التحليلات الجينومية لآلاف العينات الفطرية. في هذه البيانات، لم تتمكن آيم من تحديد أي تغيير جذري في تركيبة صدأ القهوة، حيث قالت: “ما نعتقد أننا نتعامل معه هو آثار تغير المناخ”.
وخلصت آيم إلى أن ما حدث هو أن الطقس المتغير، من ارتفاع درجات الحرارة، وهطول الأمطار بشكل أكثر كثافة، واستمرار ارتفاع درجة الرطوبة، خلق ظروفًا جعلت مزارع القهوة أكثر ملائمة لانتشار المرض. في سنة 2012، كانت درجات الحرارة في جميع أنحاء أمريكا الوسطى أعلى من المتوسط، وكان هطول الأمطار غير منتظم وغزير.
سمحت هاتان الظاهرتان على حد سواء للصدأ بالانتشار بسرعة أكبر خلال عمليته التكاثرية: إصابة أوراق النبات، وإنتاج الأبواغ، وإطلاق الجراثيم، وإيجاد نبات جديد ينمو فيه. من جهتها، قالت آييم: “إنها الأمر ليست معادلة رياضية بسيطة وإنما زيادة هائلة”.
في سان بيدرو يبوكابا، سألت غابرييل عما إذا كان قد فكر في سبب تفاقم الصدأ. نظر إليّ قائلا: “لقد كانت الأمطار أكثر غزارة ناهيك عن أن موسم الجفاف كان أطول والرياح أقوى بكثير”. ثم هز كتفيه مرة أخرى، وكأن الإجابة كانت واضحة: “كان ذلك بسبب تغير المناخ”.
يشبه مرض صدأ القهوة جائحة فيروس كورونا المنتشرة من نواحٍ عديدة. فقد كانت هناك تحذيرات كما كان هناك اعتقاد شائع بأن القارتين الأمريكتين لن تعانيا من هذا المرض. وكانت هناك ثقة في أن الأدوات الحالية يمكنها إدارة التهديد. ولكن كما هو الحال مع فيروس كورونا، قد تتمثل أعمق أوجه التشابه في أن عبء كل مرض يقع على عاتق الدول الأقل قدرة على تحمل التكاليف.
هناك استراتيجية مكافحة موازية لرش الصدأ لمنع تفاقمه. وتتمثل هذه الاستراتيجية في البحث عن أصناف القهوة التي تتميز بالمقاومة الذاتية لمسببات الأمراض وتهجينها لإنتاج أنواع جديدة أقل عرضة للإصابة بالمرض
بالنسبة لفيروس كورونا، فإن سكان المدن لديهم القليل من المدخرات وليس لديهم مأوى ثان يفرون إليه، كما يعتمدون على النقل الجماعي للذهاب إلى العمل لإعالة أسرهم. أما بالنسبة لصدأ القهوة، فإن المزارعين هم المتضررون.
في الواقع، يأتى أكثر من 90 بالمئة من القهوة في العالم من المزارع الصغيرة في البلدان الفقيرة: العقارات التي تملكها أو تستأجرها عائلة واحدة، وتُزرع بمحصول واحد. وفي الوقت نفسه، انهارت أسعار الجملة للقهوة، مما أجبر المزارعين وعائلاتهم على البحث عن وظائف خارج مزارعهم في الوقت الذي تحتاج فيه مزارعهم إلى مزيد من العمال للتعامل مع تفاقم مرض الصدأ.
هناك استراتيجية مكافحة موازية لرش الصدأ لمنع تفاقمه. وتتمثل هذه الاستراتيجية في البحث عن أصناف القهوة التي تتميز بالمقاومة الذاتية لمسببات الأمراض وتهجينها لإنتاج أنواع جديدة أقل عرضة للإصابة بالمرض. وللتأكد من فاعلية هذا النهج، ما عليك سوى السير إلى الجانب الآخر من الحقل الخاص بغابرييل. فالنباتات هناك لها فروع سميكة، لامعة وصحية، ومليئة بالكرز الثقيل اللامع. وقد جثم رودريجو شافيز، رجل طويل القامة يرتدي قميصًا رثّا، على ركبتيه وفرك ورقة برفق بحثًا عن البقع الواضحة. وتحدث إليه غابرييل بحماس باللغة الإسبانية ملوحًا بيديه.
قال لي شافيز: “إنه يسميها سوبر ماركت. يمكنك أن ترى هنا أين تتشكل الأزهار، هذا هو محصول السنة المقبلة. كان سعيد جدًا لأن المحصول يبدو جيدًا جدًا، وأنه سيوفر له دخلاً أعلى”. نفض شافيز الغبار عن يديه ووقف وتمعّن في باقي الصفوف التي تشبه الشجيرات التي وقفنا بجانبها. وتابع شافيز قائلا “إنه سعيد بشكل خاص لأنه لم يكن مضطرًا لرش هذه النباتات. لذلك، فقد أنفق أموالًا أقل لإدارة المرض، كما أنه سيحقق المزيد من الأرباح”.
كان شافيز أحد الأسباب في وجود النباتات الصحية في نفس المجال النباتات المصابة بالصدأ. يُذكر أن شافيز مدير مشروع في معهد نورمان بورلاوج للزراعة الدولية بجامعة تكساس إيه آند إم. ويدير المعهد برنامج “ريزيلينت كوفي” في أمريكا الوسطى، بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، لإحضار أنواع هجينة مقاومة للصدأ للمزارعين، في الواقع يقع إحضارها للمزارعين، وليس فقط لاختبار قطع الأرض في مراكز البحوث.
لمدة ثلاث سنوات، كان أعضاء الفريق، شافيز وروجر نورتون، المدير الإقليمي للمشروع في تكساس، ولويس ألبرتو كويلار غوميز وأوسكار راموس ودانييل دوبون في السلفادور، يتنقلون عبر غواتيمالا وهندوراس و السلفادور، حاملين معهم المواد والنباتات التعليمية. لقد أقنعوا أكثر من 100 من صغار المزارعين بزراعة عينات من القهوة الجديدة مع نباتاتهم الناشئة، لمراقبتها وإعلام الفريق حول كيفية تفاعل النباتات الجديدة مع الظروف غير المتوقعة التي أحدثها تغير المناخ.
يُذكر أن النباتات التي يحضرها الفريق للمزارعين هي عبارة عن مزيج معقد من جينات القهوة التي تنتجها المنظمات البحثية، والمعروفة بمختصراتهم مثل مركز “سيراد” للأبحاث في فرنسا، ومركز “كايتي” في كوستاريكا، ومركز “إكافيه” في هندوراس، والتي تتعاون في جميع أنحاء العالم.
تمثل هذه المراكز ما تبقى من شبكة قوية من معاهد القهوة الوطنية التي ترعاها الحكومات والمؤسسات الخيرية الدولية مثل مؤسسة روكفيلر أثناء الثورة الخضراء في الستينات والسبعينات، عندما كان نورمان بورلاوج، الذي يحمل معهد تكساس اسمه، يقاوم المجاعة الدولية عن طريق استنبات الصدأ في القمح. وقد أنتجت هذه المعاهد البحثية وغيرها العديد من النباتات التي تنمو في حقول أمريكا اللاتينية الآن، وهي أصناف تم استنباتها خصيصًا لتكون مقاومة للصدأ بمجرد عبورها المحيط الأطلسي.
خلال العقود التي تلت ازدهار التعاون الزراعي الدولي الأول، أعيد تقييم إرث بورلاوج. ففي حين ساهمت الأنواع الهجينة من الحبوب عالية الإنتاجية في توفير الغذاء للملايين من الأشخاص حول العالم، دفعت حاجة هذه النباتات إلى المياه والتغذية الخارجية إلى بناء السدود واستخراج المياه الجوفية واستخدام الأسمدة بكميات كبيرة.
قد يستغرق تهجين نوع جديد من القهوة 25 سنة، هذا إلى جانب اختبار النبات الجديد عبر زراعة الأجيال المتكررة منه للتأكد من أنه يتكاثر بشكل صحيح
لم يكن الربع الأخير من القرن العشرين رحيما بمعاهد القهوة أيضًا، حيث تمكنت كبرى الدول المنتجة على غرار البرازيل من الصمود والحفاظ على استمرارية برامجها البحثية الوطنية، بينما أجبرت الاضطرابات المدنية وانهيار الاقتصاد حكومات الدول الأصغر على اتخاذ قرارات صعبة بشأن كيفية إنفاق الإيرادات المحدودة. وقد تزامن هذا النقص في تمويل المزارعين المتعطشين للدعم العلمي مع تفاقم آفة الصدأ التي تصيب هذه النباتات.
أوضحت جينيفر فيرن لونج، المديرة التنفيذية لمنظمة “وورلد كوفي ريسيرش” غير الربحية للبحث والتطوير، أن “هذا الجيل الأصلي من الأنواع المقاومة للصدأ التي تم إنشاؤها في السبعينات والثمانينات والتسعينات بدأ يفقد مقاومته للفطريات المسببة لهذه الآفة. وسوف يستغرق انتشاره بين جميع الأنواع بعض الوقت، لكن العملية قد بدأت بالفعل”. وتضيف قائلة: “يتعيّن على المزارعين الذين اعتمدوا على هذه المقاومة الهجينة لحماية محاصيلهم الآن شراء واستخدام المزيد من المواد الكيميائية، وتوظيف المزيد من العمال لمراقبة حقولهم. لكن إدارة مزرعة بهذه الطريقة مكلفة”.
بدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تساهم منظمة “وورلد كوفي ريسيرش” ومعهد تكساس نوعًا ما في إعادة تشكيل البنية الأساسية البحثية التي كانت في عصر بورلاوج منتشرة في جميع أنحاء العالم. وقد انخرطت هذه المؤسسات في شراكة مع الشركات المهتمة بهذا الشأن، حيث دخلت مجموعة تكساس في شراكة مع “نستله” السويسرية متعددة الجنسيات التي قد تكون أكبر مشتر للقهوة في العالم، وشركة الأسمدة النرويجية “يارا”.
بينما دخلت منظمة “وورلد كوفي ريسيرش” في شراكة مع العديد من كبار بائعي القهوة بالتجزئة، بما في ذلك شركة “ستاربكس” و”لافازا” و”جايكوبز دووي إغبيرتس” والشركة الأم لشركة “فولجرز”. على عكس مجموعة تكساس، تدعم منظمة “وورلد كوفي ريسيرش” أيضًا العمل المخبري، بما في ذلك تحليلات “آيم” الجينومية.
لا يمكن التسريع في هذا البحث – رغم التغييرات التي يحدثها الاحتباس الحراري على مستوى الطقس في الوقت الحالي – نظرا لأن تطوير أنواع جديدة من القهوة يمكنها التكاثر باستمرار يستغرق عقودًا، هذا إلى جانب تضارب أهداف الباحثين مع احتياجات المزارعين المعقدة. بعبارة أخرى، يريد المزارعون وضع ثقتهم بالنباتات التي زرعوها لسنوات حتى لو كانت غير قادرة على مقاومة الفطريات، بينما يريد العلماء تطوير نباتات مقاومة بسرعة حتى مع إدراكهم أن التهجين قد يستغرق وقتًا.
قد يستغرق تهجين نوع جديد من القهوة 25 سنة، هذا إلى جانب اختبار النبات الجديد عبر زراعة الأجيال المتكررة منه للتأكد من أنه يتكاثر بشكل صحيح. لكن المزارعين الذي يعيشون في الأماكن التي يتفاقم فيها الصدأ ليس لديهم وقت لذلك. من أجل التعجيل في العثور على بدائل، دعمت منظمة “وورلد كوفي ريسيرش” تطوير ما يسمى الهجينة أف 1 التي يمكن أن تكون جاهزة للزراعة في الحقول في غضون 10 سنوات.
لكن هذه النبتة الهجينة لا تخلو من العيوب: ففي حين تنمو النباتات الهجينة بنسق كبير، فإنها عملية تكاثرها غير متوقعة لذلك تتمثل الطريقة الوحيدة لاستبدال نبات بنبات مماثل في شراء واحدة من مشتل أو شركة أخرى، وليس زراعة بذرة النبات الأصلي. وهذا يعني أن النباتات الهجينة التي يتم تطويرها حاليا تحتاج إلى استبدالها بأخرى جديدة عندما تنتهي صلوحيتها الإنتاجية، أي بعد حوالي 20 سنة تقريبا من زراعتها.
العثور على الأنواع الهجينة الجديدة والأصناف التي تناسب المجالات المختلفة يتطلب دراسة دقيقة – من قبل المزارعين والباحثين الذين يعملون معهم
يشكّل هذا الأمر عبئا على المزارعين، لكن منظمة “وورلد كوفي ريسيرش” ترى أن النباتات الهجينة تعتبر جزءًا من استراتيجية طويلة الأجل. وقد عملت “آيم” على إيجاد العلامات الجزيئية للإنتاجية والمقاومة التي يمكن أن تؤدي إلى إنتاج أنواع جديدة تمامًا من نباتات القهوة. وعلى الرغم من أن تسريع الأبحاث للحصول على قهوة أفضل تزرع في حقول المزارعين يعدّ أمرا بالغ الأهمية، إلا أن الأزمة الاقتصادية نتيجة انخفاض الأسعار وتفاقم الصدأ والطقس الغريب تؤثر على حقول القهوة.
أخبرني نورتون من جامعة تكساس إيه آند إم: “يعيش الكثير من المزارعين على استهلاك مواردهم الخاصة بشكل أساسي. إنهم لا يضعون قيمة مالية لعمل أسرهم”. وبالنظر إلى موت النباتات وعدم وجود دخل يسد مصاريف إعادة الزراعة، أصبحت العائلات التي كانت تزرع القهوة على مدى أجيال تهجر حقولها. وفي كثير من الحالات، كانوا يتوجهون شمالاً. وعندما قُبض على المهاجرين الذين عبروا الحدود الأمريكية المكسيكية بين شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2018 وأيار/ مايو 2019، تبين أن معظمهم قادمون من غواتيمالا.
يأمل مشروع جامعة تكساس في منع المزارعين من اتخاذ هذا الخيار. لكن العثور على الأنواع الهجينة الجديدة والأصناف التي تناسب المجالات المختلفة يتطلب دراسة دقيقة – من قبل المزارعين والباحثين الذين يعملون معهم – نظرا لتعقيدات النظم البيئية الصغيرة. وفي الوقت نفسه، يقوم الباحثون بتعليم المزارعين أفضل السبل للحفاظ على النباتات الجديدة، ومساعدتهم على تحديد المحاصيل الإضافية، مثل الليمونية، التي يمكن زراعتها بين نباتات القهوة للحصول على دخل إضافي.
حيال هذا الشأن، قال نورتون إنهم كانوا يسمعون ذلك من المنتجين الذين زاروا حقول التجارب، والذي كانوا يرون كيف استفاد جيرانهم من النباتات الهجينة الجديدة، والأسمدة المجانية ونصائح الخبراء. وقد كانوا يطالبون بزرع النماذج الجديدة بأنفسهم.
لكن السؤال المتعلق بمدى قدرة هذه النباتات على مساعدة المزارعين قد يبقى مفتوحًا. على بعد ساعة بالسيارة من “المزرعة السعيدة”، وصف لي لويس بيدرو زيلايا زامورا، من الجيل الرابع لعائلته صاحبة منتج القهوة “بيلا فيستا”، التقدم الحثيث لكل من تغير المناخ وآفة الصدأ قائلا: “بالطبع، كانت فطريات الصدأ موجودة منذ الثمانينات، لكنها لم تتفاقم أبدًا فوق الجبال بأكثر من ألف متر. وبعد ذلك، ربما قبل ثماني سنوات، بدأت في رؤيتها على ارتفاع 1200 متر، ثم 1500 ثم 1600 ثم 1800. وفي كل سنة كان يرتفع، حتى وصل إلى كل مكان. ومنذ ذلك الحين، أصبح عدوانيا للغاية”.
“بيلا فيستا” تعني “منظر جميل”، وهذا وصف دقيق للمخروط البركاني المتماثل الذي يرتفع فوق حقول العائلة. ومن الشرفة الأرضية خارج مكاتب المزرعة، يمكنك رؤية المنحنى الأنيق للكالديرا في قمته. والمشهد هو ببساطة تذكير بنهاية الجبال. وإذا كان السبيل الوحيد لتجنب تغير المناخ هو نقل المحاصيل إلى ارتفاعات أعلى، فإنه في مرحلة لن ينفع الارتفاع لأن المساحات غير كافية.
منح زيلايا بعض ممتلكاته لاختبار النبتة الهجينة التي وزعها مشروع تكساس. ونتيجة الضغط الذي يواجهه نتيجة المرض ودرجة الحرارة، أدرك الحاجة الملحة إلى تحديد أكثر النباتات مقاومة للصدأ وذات المردود العالي التي يمكن أن تنمو في أراضيه. وحسب تقديرات زيلايا فإن معالجة الصدأ تكلف ما يعادل خُمس إنتاجه للهكتار الواحد، وقد أوضح أن “الطريقة الوحيدة لدفع التكلفة هي من خلال الإنتاجية العالية” مضيفََا أنه “إذا كانت الإنتاجية منخفضة، فسوف ينتهي أمرك”.
يهدف التنوع الجيني للنبتة الهجينة إلى إبطاء تقدم المرض الذي يغذيه تغير المناخ، لكن مصدر هذا التنوع مهدد بسبب تغيير المناخ أيضا. ومن بين أحد أسباب تعرض القهوة لخطر آفة الصدأ، إلى جانب تحديات الطقس غير المتوقع التي تجعل هجوم الصدأ أكثر احتمالًا، هو أن جيناتها محدودة. فالنباتات لا تكون مأخوذة من محصول واحد على عكس الموز، على سبيل المثال، الذي يعد مستنسخا في جميع أنحاء العالم، لذلك يمكن القضاء عليها بمرض واحد. (الموز الذي نستهلكه اليوم، يسمى موز كافنديش، الذي تم تطويره لأن نوعًا من الموز الأكثر حلاوة، يدعى غرو ميشيل، تم التخلي عنه بسبب مرض فطري في الستينيات.) في المقابل، تعد أنواع القهوة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بما فيه الكافية لدرجة أنها تفتقر إلى التنوع الجيني الذي يمكن أن يمنحها القدرة على الصمود في مواجهة الحرارة أو الجفاف.
هناك أنواع من القهوة قادرة على تحمل ارتفاع درجات الحرارة بشكل ملحوظ وتحمل الجفاف الناتج عن تراجع هطول الأمطار
توجد هذه الجينات في الأقارب البرية للقهوة التي يزرعها المزارعون الآن. ويزرع جميع منتجي البن تقريبًا نوعين أساسين فقط “أرابيكا” وهي شديد التأثر بالصدأ، و”روبوستا” التي تعد أقل تأثرًا لكن مذاقها أقل جودة. ينمو أكثر من 120 نوعًا آخر من القهوة في البرية، في أفريقيا والمحيط الهندي وآسيا. ولم تخضع جميع الأنواع إلى دراسة ولكن لبعضها سمات يمكن الاستفادة منها لتحمل تقلبات درجات الحرارة، واكتساب القدرة على الصمود خلال الجفاف، وتقليل التعرض للآفات والأمراض. باستثناء ذلك وبسبب تغير المناخ، فإن هذه النباتات البرية مهددة أيضًا.
إن آرون ديفيس، رئيس قسم أبحاث القهوة في الحدائق النباتية الملكية في كيو، هو خليفة أول عالم اكتشف السبب وراء انهيار صناعة القهوة في سيلان (سريلانكا) في أواخر القرن التاسع عشر. وقد أمضى ديفيس أكثر من عشرين عامًا في إجراء الأبحاث في أي مكان تنمو فيه القهوة البرية، وتحديد أنواع القهوة وما الدور التي قد تقدمه لتجارة القهوة الدولية في أواخر مسيرته المهنية.
قال ديفيس: “هناك أنواع من القهوة قادرة على تحمل ارتفاع درجات الحرارة بشكل ملحوظ وتحمل الجفاف الناتج عن تراجع هطول الأمطار”، مضيفََا “من الأفضل أن نسرّع الأبحاث ونحافظ على تلك الموارد الجينية البرية، لأنها تختفي بسرعة كبيرة”.
بعد أكثر من عقد من البحث عن أنواع القهوة من إثيوبيا إلى مدغشقر، تحول ديفيس لدراسة الخلفية المناخية للنباتات، والنظر في الطقس ودرجة الحرارة في المناطق التي تنمو فيها النباتات المزروعة والبرية، ومحاولة معرفة مدى تأثير تغير هذه المقاييس على النباتات.
قام فريق من جامعة كيو بدمج البحث الميداني مع النمذجة الحاسوبية. وقد كانت النتائج مثيرة للقلق، إذ أن المناطق التي تنمو فيها القهوة في البرية في إثيوبيا – الموطن التاريخي لهذا النبات، والمكان الذي يجب أن ينمو فيه بشكل أفضل – ستصبح غير مناسبة مع ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط تهاطل المطر. وقبل نهاية هذا القرن، وفقًا لدراسة كيو، فإن 85 بالمئة من المناطق التي تنمو فيها أرابيكا البرية لن تصبح صالحة للزراعة بعد الآن. بينما تتوقع نماذج مماثلة مطبقة على المزارع الإثيوبية أن 60 بالمئة من تلك الأراضي لن تكون ملائمة للمحصول بعد الآن.
في السنة الماضية، رأى ديفيس ومعاونوه أنه في ظل السيناريوهات الحالية لتغير المناخ، فإن 60 في المئة على الأقل من جميع أنواع القهوة – وهما النوعان اللذان يعتمد عليهما الإنتاج الآن، والعديد من سلالاتها أيضًا – معرضة لخطر الانقراض.
لن يكون هناك أي حل لتلك الخسارة. فالتنوع الجيني الذي يميز النباتات البرية لديه القدرة على تعزيز قدرة القهوة المزروعة على التكيف مع الطقس وتغير المناخ. ولكن هذه الفرصة ستختفي عندما تنقرض هذه الأنواع البرية، لأن حوالي نصف أنواع القهوة المعروفة في العالم يتم تمثيلها في مجموعة الأصول الوراثية – وهي أنسجة محفوظة في مكان يمكن من استنساخ نباتات جديدة منها – وإذا ماتت هذه الأنواع قبل التمكن من الحفاظ على الأصول الوراثية، فسوف تختفي إلى الأبد.
لاختبار النتائج التي توصلوا إليها، أجرى الفريق رحلة عبر جبال جنوب غرب إثيوبيا بغرض قياس الأحوال والتحدث مع المزارعين في المناطق التي تنبأت فيها النماذج بأن إنتاج القهوة سينخفض وبأن النباتات البرية ستنقرض. وقد أخبرني ديفيس بأن “التوافق بين ما كان يقوله المزارعون والنموذج الذي لدينا مخيف. فقد قالوا لنا: كان أجدادهم يحصدون محاصيل جيد كل سنة. وكان يجني آبائهم محصولا جيد كل سنتين، ولكن الآن يحصلون على محصول جيد كل خمس سنوات”.
كافحوا للعثور على القهوة أو الأشجار التي كانت ستشجعها على النمو
حسب ديفيس، كانت التنبؤات صحيحة بالنسبة للنباتات المزروعة، وينطبق الأمر ذاته على النباتات البرية. وفي إحدى رحلات فريقه، ذهب الباحثون إلى سيراليون بحثًا عن أحد أنواع القهوة البرية المسجلة في القرن العشرين. وقد لاحظ علماء النبات أن الأنواع التي سجلوها لها صفات قد تجعلها مقاومة للمناخ، ولاحظوا أن القهوة التي تنتجها كانت لذيذة أيضًا.
انتقل الفريق إلى المواقع المسجلة بحثًا عن مناطق غابات لا تحترق فيها القهوة في الشمس وتساعد بالتالي على نمو القهوة. كافحوا للعثور على القهوة – أو الأشجار التي كانت ستشجعها على النمو، حيث يقول ديفيس: “لم تبقَ أي غابة تقريبًا، وفي غضون 10 سنوات، قد لا يبقى شيء”.
بالاستماع إلى ديفيس و”آيم”، وفحص النباتات المريضة في حقول المزارعين، وجدتُ أنه من الصعب أن أحافظ على تفائلي. فآفة الصدأ تتفاقم في جميع أنحاء العالم. وبما أن تغير المناخ يساهم في جعل فطريات الصدأ أكثر عدوانية، فإن تفشيه بات أمرا حتميا – مما يعني أن صغار المزارعين مثل غابرييل سينتهي أمرهم.
لكن غابرييل لم ينته أمره. فعلى سفح التل في الجزء العلوي من مزرعته، بدا غابرييل متفائلًا. وقفنا في حقله بين النباتات الذابلة من جانب والنباتات الخضراء الجديدة من ناحية أخرى، وسألته عما يخبئه المستقبل لمزرعته، ففكر دقيقة ثم طلب من شافيز أن يترجم له قائلاََ: “إنها نعمة أن يكون لديك هذه النباتات” مشيرا بيده إلى النباتات الخضراء أسفل المنحدر ذات الأوراق اليانعة، وحبوب القهوة الحمراء اللامعة.
قال غابرييل إن جيرانه لا يثقون في النباتات الجديدة ويفترضون أن الشجيرات التي لديهم قد أبلت بلاءً حسنًا لأنها كانت اصطناعية ومعدلة وراثيًا بطريقة خيالية. لكن غابرييل دعا جيرانه مرارًا وتكرارًا محاولًا أن يوضح لهم أن الشجيرات كانت تزدهر في ظل الرياح القوية وخلال الأمطار غير المستقرة، ولم تصب بالمرض الذي كان يهدد مزرعته. وفي نهاية المطاف، كما قال، بدأ البعض منهم بالاستماع له.
بما أن الشجيرات الجديدة قاومت فطريات الصدأ، كان بإمكانه إنفاق أموال أقل على مبيدات الفطريات على حد قوله. ونظرًا لأنه كان بحاجة إلى استخدامها بشكل أقل من المعتاد، فقد يقضي وقتًا أقل في إصلاح الضرر، والمزيد من الوقت في معالجة النباتات. وللمرة الأولى منذ فترة، قال إنه شعر كما لو أن مستقبل مزرعته قد يكون مستقرًا وكان متفائلا لدرجة أنه أعطى جزءًا من المزرعة لابنه بريان. وكانوا على وشك البدء في العمل معًا على إزالة جميع النباتات المعرضة للخطر واستبدالها بالهجينة.
ربما يكون ارتياحه بشأن الخطر الذي يهدد مزرعته نتيجة رؤية قصير المدى، أو نابعا من ثقته في قدرة العلم على تطوير النباتات متجاوزًا تقدم المرض. كنت أرغب في طرح المزيد من الأسئلة عليه، لكن كان على غابرييل مغادرة المزرعة ليقوم بوظيفته كسائق حافلة، وهي وظيفة قد يكون قادرًا على التخلي عنها إذا استمرت مصانعه الجديدة في العمل بشكل جيد.
قبل أن يهم بالمغادرة ردد على مسامعي فكرة أخيرة نقلها شافيز، مفادها: “العالم يتغير، وعلينا أن نتغير معه”. أومأ غابرييل برأسه ولأول مرة منذ التقينا، تحدث بالإنجليزية قائلاََ: “لا … الخوف … يتغير”. ثم استطاع أن يعيد صياغة الجملة في رأسه وقالها مرة أخرى: “لا تخف من التغيير”.
المصدر: ذي أتلانتيك